العتبة الحسينيةمؤسسة وارث الأنبياء
مخطوطة العتبة الحسينيةمخطوطة وارث الأنبياء
الحسين الوسيط - دراسة تحليلية بنيويّة لواقعة كربلاء

الحسين الوسيط - دراسة تحليلية بنيويّة لواقعة كربلاء

  • المؤلف: تورستن هايلين

  • المحقق: رائد علي , محمد صالح

  • المترجم: بدر الشاهين , عبد الله الشاهين

  • الطبعة: الأولى

  • الناشر : مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية

  • سنة الطبع: 1440هـ ـ 2018م

مقدّمة المؤسسة

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ العلم والمعرفة مصدر الإشعاع الذي يهدي الإنسان إلى الطريق القويم، ومن خلالهما يمكنه أن يصل إلى غايته الحقيقية وسعادته الأبدية المنشودة، فبهما يتميّز الحقّ من الباطل، وبهما تُحدد اختيارات الإنسان الصحيحة، وعلى ضوئهما يسير في سبل الهداية وطريق الرشاد الذي خُلق من أجله، بل على أساس العلم والمعرفة فضّله الله عز وجل على سائر المخلوقات، واحتج عليهم بقوله: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)([1])، فبالعلم يرتقي المرء وبالجهل يتسافل، وقد جاء في الأثر «العلمُ نورٌ»([2])،كما بالعلم والمعرفة تتفاوت مقامات البشر ويتفوّق بعضهم على بعض عند الله عز وجل، إذ (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)([3])، وبهما تسعد المجتمعات، وبهما الإعمار والازدهار، وبهما الخير كلّ الخير.

ومن أجل العلم والمعرفة كانت التضحيات الكبيرة التي قدّمها الأنبياء والأئمة والأولياء^، تضحيات جسام كان هدفها منع الجهل والظلام والانحراف، تضحيات كانت غايتها إيصال المجتمع الإنساني إلى مبتغاه وهدفه، إلى كماله، إلى حيث يجب أن يصل ويكون، فكان العلم والمعرفة هدف الأنبياء المنشود لمجتمعاتهم، وتوسّلوا إلى الله عز وجل بغية إرسال الرسل التي تعلّم المجتمعات فقالوا: (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)([4])، و(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)([5])، ما يعني أنّ دون العلم والمعرفة هو الضلال المبين والخسران العظيم.

بل هو دعاؤهم^ ومبتغاهم من الله عز وجل لأنفسهم أيضاً، إذ طلبوا منه تعالى بقولهم: «وَاملأ قُلُوبَنا بِالْعِلْمِ وَالمَعْرفَةِ»([6]).

وبالعلم والمعرفة لا بدّ أن تُثمّن تلك التضحيات، وتُقدّس تلك الشخصيات التي ضحّت بكلّ شيء من أجل الحقّ والحقيقة، من أجل أن نكون على علم وبصيرة، من أجل أن يصل إلينا النور الإلهي، من أجل أن لا يسود الجهل والظلام.

فهذه هي سيرة الأنبياء والأئمة^ سيرة الجهاد والنضال والتضحية والإيثار لأجل نشـر العلم والمعرفة في مجتمعاتهم، تلك السيرة الحافلة بالعلم والمعرفة في كلّ جانب من جوانبها، والتي ينهل منها علماؤنا في التصدّي لحلّ مشاكل مجتمعاتهم على مرّ العصور والأزمنة والأمكنة، وفي كافّة المجالات وشؤون البشر.

وهذه القاعدة التي أسسنا لها لا يُستثنى منها أيّ نبي أو وصي، فلكلّ منهم^ سيرته العطرة التي ينهل منها البشر للهداية والصلاح، إلّا أنّه يتفاوت الأمر بين أفرادهم من حيث الشدّة والضعف، وهو أمر عائد إلى المهام التي أنيطت بهم^، كما أخبر عز وجل بذلك في قوله: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ)([7])، فسيرة النبي الأكرم’ ليست كبقية سير الأنبياء، كما أنّ سيرة الأئمة^ ليست كبقية سير الأوصياء السابقين، كما أنّ التفاوت في سير الأئمة^ فيما بينهم مما لا شك فيه، كما في تفضيل أصحاب الكساء على بقية الأئمة^.

والإمام الحسين× تلك الشخصية القمّة في العلم والمعرفة والجهاد والتضحية والإيثار، أحد أصحاب الكساء الخمسة التي دلّت النصوص على فضلهم ومنزلتهم على سائر المخلوقات، الإمام الحسين× الذي قدّم كلّ شيء من أجل بقاء النور الرباني، الذي يأبى الله أن ينطفئ، الإمام الحسين× الذي بتضحيته تعلّمنا وعرفنا، فبقينا.

فمن سيرة هذه الشخصية العظيمة التي ملأت أركان الوجود تعلَّم الإنسان القيم المثلى التي بها حياته الكريمة، كالإباء والتحمّل والصبر في سبيل الوقوف بوجه الظلم، وغيرها من القيم المعرفية والعملية، التي كرَّس علماؤنا الأعلام جهودهم وأفنوا أعمارهم من أجل إيصالها إلى مجتمعات كانت ولا زالت بأمس الحاجة إلى هذه القيم، وتلك الجهود التي بُذلت من قبل الأعلام جديرة بالثناء والتقدير؛ إذ بذلوا ما بوسعهم وأفنوا أغلى أوقاتهم وزهرة أعمارهم لأجل هذا الهدف النبيل.

إلّا أنّ هذا لا يعني سدّ أبواب البحث والتنقيب في الكنوز المعرفية التي تركها× للأجيال اللاحقة ـ فضلاً عن الجوانب المعرفية في حياة سائر المعصومين^ ـ إذ بقي منها من الجوانب ما لم يُسلّط الضوء عليه بالمقدار المطلوب، وهي ليست بالقليل، بل لا نجانب الحقيقة فيما لو قلنا: بل هي أكثر مما تناولته أقلام علمائنا بكثير، فلا بدّ لها أن تُعرَف ليُعرَّف، بل لا بدّ من العمل على البحث فيها ودراستها من زوايا متعددة، لتكون منهجاً للحياة، وهذا ما يزيد من مسؤولية المهتمين بالشأن الديني، ويحتّم عليهم تحمّل أعباء التصدّي لهذه المهمّة الجسيمة؛ استكمالاً للجهود المباركة التي قدّمها علماء الدين ومراجع الطائفة الحقّة.

ومن هذا المنطلق؛ بادرت الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدّسة لتخصيص سهم وافر من جهودها ومشاريعها الفكرية والعلمية حول شخصية الإمام الحسين× ونهضته المباركة؛ إذ إنّها المعنيّة بالدرجة الأولى والأساس بمسك هذا الملف التخصصي، فعمدت إلى زرع بذرة ضمن أروقتها القدسية، فكانت نتيجة هذه البذرة المباركة إنشاء مؤسّسة وارث الأنبياء للدراسات التخصّصية في النهضة الحسينية، التابعة للعتبة الحسينية المقدّسة، حيث أخذت على عاتقها مهمّة تسليط الضوء ـ بالبحث والتحقيق العلميين ـ على شخصية الإمام الحسين× ونهضته المباركة وسيرته العطرة، وكلماته الهادية، وفق خطة مبرمجة وآلية متقنة، تمّت دراستها وعرضها على المختصين في هذا الشأن؛ ليتمّ اعتمادها والعمل عليها ضمن مجموعة من المشاريع العلمية التخصصية، فكان كلّ مشروع من تلك المشاريع متكفّلاً بجانب من الجوانب المهمّة في النهضة الحسينية المقدّسة.

كما ليس لنا أن ندّعي ـ ولم يدّعِ غيرنا من قبل ـ الإلمام والإحاطة بتمام جوانب شخصية الإمام العظيم ونهضته المباركة، إلّا أنّنا قد أخذنا على أنفسنا بذل قصارى جهدنا، وتقديم ما بوسعنا من إمكانات في سبيل خدمة سيّد الشهداء×، وإيصال أهدافه السامية إلى الأجيال اللاحقة.

المشاريع العلمية في المؤسسة

بعد الدراسة المتواصلة التي قامت بها مؤسَّسة وارث الأنبياء حول المشاريع العلمية في المجال الحسيني، تمّ الوقوف على مجموعة كبيرة من المشاريع التي لم يُسلَّط الضوء عليها كما يُراد لها، وهي مشاريع كثيرة وكبيرة في نفس الوقت، ولكلٍّ منها أهميته القصوى، ووفقاً لجدول الأولويات المعتمد في المؤسَّسة تمّ اختيار المشاريع العلميّة الأكثر أهميّة، والتي يُعتبر العمل عليها إسهاماً في تحقيق نقلة نوعية للتراث والفكر الحسيني، وهذه المشاريع هي:

الأوّل: قسم التأليف والتحقيق

إنّ العمل في هذا القسم على مستويين:

أ ـ التأليف

ويُعنَى هذا القسم بالكتابة في العناوين الحسينية التي لم يتمّ تناولها بالبحث والتنقيب، أو التي لم تُعطَ حقّها من ذلك. كما يتمُّ استقبال النتاجات القيِّمة التي أُلِّفت من قبل العلماء والباحثين في هذا القسم؛ ليتمَّ إخضاعها للتحكيم العلمي، وبعد إبداء الملاحظات العلمية وإجراء التعديلات اللازمة بالتوافق مع مؤلِّفيها يتمّ طباعتها ونشرها.

ب ـ التحقيق

والعمل فيه قائم على جمع وتحقيق وتنظيم التراث المكتوب عن مقتل الإمام الحسين×، ويشمل جميع الكتب في هذا المجال، سواء التي كانت بكتابٍ مستقلٍّ أو ضمن كتاب، تحت عنوان: (موسوعة المقاتل الحسينيّة). وكذا العمل جارٍ في هذا القسم على رصد المخطوطات الحسينية التي لم تُطبع إلى الآن؛ ليتمَّ جمعها وتحقيقها، ثمّ طباعتها ونشرها. كما ويتمُّ استقبال الكتب التي تمّ تحقيقها خارج المؤسَّسة، لغرض طباعتها ونشرها، وذلك بعد إخضاعها للتقييم العلمي من قبل اللجنة العلمية في المؤسَّسة، وبعد إدخال التعديلات اللازمة عليها وتأييد صلاحيتها للنشر تقوم المؤسَّسة بطباعتها.

الثاني: مجلّة الإصلاح الحسيني

 وهي مجلّة فصلية متخصّصة في النهضة الحسينية، تهتمّ بنشـر معالم وآفاق الفكر الحسيني، وتسلِّط الضوء على تاريخ النهضة الحسينية وتراثها، وكذلك إبراز الجوانب الإنسانية، والاجتماعية والفقهية والأدبية في تلك النهضة المباركة، وقد قطعت شوطاً كبيراً في مجالها، واحتلّت الصدارة بين المجلات العلمية الرصينة في مجالها، وأسهمت في إثراء واقعنا الفكري بالبحوث العلمية الرصينة.

الثالث: قسم ردّ الشُّبُهات عن النهضة الحسينية

إنّ العمل في هذا القسم قائم على جمع الشُّبُهات المثارة حول الإمام الحسين× ونهضته المباركة، وذلك من خلال تتبع مظانّ تلك الشُّبُهات من كتب قديمة أو حديثة، ومقالات وبحوث وندوات وبرامج تلفزيونية وما إلى ذلك، ثُمَّ يتمُّ فرزها وتبويبها وعنونتها ضمن جدول موضوعي، ثمّ يتمُّ الردُّ عليها بأُسلوب علميّ تحقيقي في عدَّة مستويات.

الرابع: الموسوعة العلمية من كلمات الإمام الحسين×

وهي موسوعة علمية تخصصية مستخرَجة من كلمات الإمام الحسين× في مختلف العلوم وفروع المعرفة، ويكون ذلك من خلال جمع كلمات الإمام الحسين× من المصادر المعتبرة، ثمّ تبويبها حسب التخصّصات العلمية مع بيان لتلك الكلمات، ثمّ وضعها بين يدي ذوي الاختصاص؛ ليستخرجوا نظريات علميّة ممازجة بين كلمات الإمام× والواقع العلمي.

الخامس: قسم دائرة معارف الإمام الحسين× أو (الموسوعة الألفبائية الحسينية)

وهي موسوعة تشتمل على كلّ ما يرتبط بالإمام الحسين× ونهضته المباركة من أحداث، ووقائع، ومفاهيم، ورؤى، وأعلام وبلدان وأماكن، وكتب، وغير ذلك، مرتّبة حسب حروف الألف باء، وكما هو معمول به في دوائر المعارف والموسوعات، وعلى شكل مقالات علميّة رصينة، تُراعَى فيها كلّ شروط المقالة العلميّة، مكتوبة بلغةٍ عصـرية وأُسلوبٍ حديث.

السادس: قسم الرسائل والأطاريح الجامعية

إنّ العمل في هذا القسم يتمحور حول أمرين: الأوّل: حول إحصاء الرسائل والأطاريح الجامعية التي كُتبتْ حول النهضة الحسينية، ومتابعتها من قبل لجنة علمية متخصّصة؛ لرفع النواقص العلمية، وتهيئتها للطباعة والنشر، الثاني: حول إعداد موضوعات حسينيّة من قبل اللجنة العلمية في هذا القسم، تصلح لكتابة رسائل وأطاريح جامعية، تكون بمتناول طلّاب الدراسات العليا.

السابع: قسم الترجمة

يقوم هذا القسم بمتابعة التراث المكتوب حول الإمام الحسين× ونهضته المباركة باللغات غير العربية لنقله إلى العربية، ويكون ذلك من خلال تأييد صلاحيته للترجمة، ثمَّ ترجمته أو الإشراف على ترجمته إذا كانت الترجمة خارج القسم.

الثامن: قسم الرَّصَد والإحصاء

يتمُّ في هذا القسم رصد جميع القضايا الحسينيّة المطروحة في جميع الوسائل المتّبعة في نشر العلم والثقافة، كالفضائيات، والمواقع الإلكترونية، والكتب، والمجلات والنشريات، وغيرها؛ ممّا يعطي رؤية واضحة حول أهمّ الأُمور المرتبطة بالقضية الحسينية بمختلف أبعادها، وهذا بدوره يكون مؤثّراً جدّاً في رسم السياسات العامّة للمؤسّسة، ورفد بقيّة الأقسام فيها، وكذا بقية المؤسّسات والمراكز العلمية في شتّى المجالات.

التاسع: قسم المؤتمرات والندوات العلمية

ويتمّ العمل في هذا القسم على إقامة مؤتمرات وملتقيات وندوات علميّة فكرية متخصّصة في النهضة الحسينية، لغرض الإفادة من الأقلام الرائدة والإمكانات الواعدة، ليتمّ طرحها في جوٍّ علميّ بمحضر الأساتذة والباحثين والمحقّقين من ذوي الاختصاص، كما تتمّ دعوة العلماء والمفكِّرين؛ لطرح أفكارهم ورؤاهم القيِّمة على الكوادر العلمية في المؤسَّسة، وكذا سائر الباحثين والمحققين وكلّ من لديه اهتمام بالشأن الحسيني، للاستفادة من طرق قراءتهم للنصوص الحسينية وفق الأدوات الاستنباطية المعتمَدة لديهم.

العاشر: قسم المكتبة الحسينية التخصصية

وهي مكتبة حسينية تخصّصية تجمع التراث الحسيني المخطوط والمطبوع، أنشأتها مؤسَّسة وارث الأنبياء، وهي تجمع آلاف الكتب المهمّة في مجال تخصُّصها.

الحادي عشر: قسم الموقع الإلكتروني

وهو موقع إلكتروني متخصِّص بنشر نتاجات وفعاليات مؤسَّسة وارث الأنبياء، فهو يقوم بنـشر وعرض كتبها ومجلاتها التي تصدرها، وكذا الندوات والمؤتمرات التي تقيمها، وكذا يسلِّط الضوء على أخبار المؤسَّسة، ومجمل فعالياتها العلمية والإعلامية.

الثاني عشر: القسم النسوي

يعمل هذا القسم ومن خلال كادر علمي متخصص على تفعيل دور المرأة المسلمة في النهضة الحسينية، وبأقلام علمية نسوية في الجانب الديني والأكاديمي، كما يعمل على تأهيل الباحثات والكاتبات ضمن ورشات عمل تدريبية، وفق الأساليب المعاصرة في التأليف والكتابة.

الثالث عشر: القسم الفني

إنّ العمل في هذا القسم قائم على طباعة وإخراج النتاجات الحسينية التي تصدر عن المؤسَّسة، وفقاً للبرامج الإلكترونية المتطوِّرة، وذلك من خلال كادر فنيّ متخصِّص، كما ويعمل على تصميم الأغلفة وواجهات الصفحات الإلكترونية، ومن مهامِّ هذا القسم أيضاً العمل على برمجة الإعلانات المرئية والمسموعة وغيرهما، وسائر الأمور الفنيّة الأخرى التي تحتاجها كافّة الأقسام.

وهناك مشاريع أُخرى سيتمّ العمل عليها إن شاء الله تعالى.

الحسين الوسيط.. دراسة تحليليّة بنيويّة لواقعة كربلاء

تطرّق المؤلّف في هذا الكتاب إلى نظرية مهمّة في باب اللغة، وهي النظرية البنيوية، وقد طبّقها على نص الطبري التاريخي المتعلّق بمقتل الإمام الحسين×.

ومع أنّه يوجد اختلاف في تحديد المعنى الدقيق لهذه النظرية إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ المعنى العام لهذه النظرية هو دراسة الألفاظ في سياقها التركيبي مع بعضها البعض، فإنّ كلّ لفظ بمفرده لا يؤدّي المعنى المطلوب، وإنّما يكون له ذلك المعنى المقصود للمتكلّم فيما إذا لوحظت علاقته مع تركيبه العام الذي وقع فيه، مع عدم ملاحظة العناصر الخارجية التي لها تأثير على النص المنقول، وقد ركّز الباحث دراسته حول رؤية العالِم الفرنسي (كلود ليفي شتراوس) لهذه النظرية، حيث إنّه يرى ضرورة وجود نظرة كلية للعالم تحقق نظاماً ذهنياً واقعياً، فالبنيوية تبحث عن الطرق التي تصنّف وتنظّم العالم، وهي على مستويات متعددة([8]).

وفي المستوى الثالث من تلك المستويات يتم تنظيم عناصر الأسطورة بطريقة يكون لها معنى، فإنّ مفردات الأسطورة لا يكون لها معنى إلّا إذا قيست بالعناصر الأخرى منها.

 من هذا المستوى يدخل (شتراوس) في بحث الأسطورة ومعانيها وحقيقتها وأبعادها، وواقعية نظريتها.

«فالفكر الأسطوري حينما يواجه مشكلة خاصّة فإنّه ينظر إليها كما ينظر إلى جميع المشاكل الأخرى دون أدنى فرق، ثمّ يبدأ حالاً باستخدام شيفرات عديدة لحلّ تلك المشكلة»([9]).

ومن المصطلحات التي استخدمها (شتراوس) في بحث الأسطورة هو مصطلح الوسيط، وهو يعني الواسطة التي تكون بين المتضادات التي تكون في الواقع لتقليلها والحدّ منها، باعتبار أنّ الأسطورة وظيفتها «تقليل التناقضات الحاصلة في الواقع»([10]).

وقد طبّق المؤلّف هذه الرؤية على الإمام الحسين× من خلال نص الطبري في تاريخه، فقد وضع جداول للأمور المتضادة التي نقلها النص، ثمّ خرج بنتيجة: «وعلى هذا فإنّي أرى أنّ صورة الحسين عند الطبري هو ذلك الشخص ـ  وليس أيّ شخص، بل هو زعيم أهل البيت ـ المستعد للتضحية بنفسه من أجل رسالة سامية وهي السبيل إلى الله. وهكذا يصبح الحسين قدوة وأسوة لجميع المسلمين الذين يرجون الآخرة ولا يرجون الدنيا. وبهذا فقد حقق الحسين الحياة الحقيقية بموته، فبتقديمه الدم إذاً يتقاسم الحياة والموت، ويمكن أن يعتبر كياناً بين المتضادين: سفك الدم وحفظ الدم»([11]).

ويعتبر هذا النوع من البحث ـ وإن كان لا يخلو من الملاحظات العلمية ـ أمراً جديداً في البحوث الحسينية من خلال النصوص التاريخية التي نقلت تلك الواقعة الأليمة، وهي جواهر لا بدّ من استخراجها وترويجها وهي ملك لجميع الإنسانية، فنهضة الحسين× هي نهضة السماء، وهبة السماء لجميع البشر.

وفي الختام نتقدّم بالشكر الجزيل للأخ بدر شاهين والأخ عبد الله شاهين على ما قاما به من ترجمة هذا الكتاب المهم في بابه، وكذا الشكر للشيخ رائد علي والشيخ الدكتور محمّد الحلفي لما قاما به من تحقيق وتدقيق للكتاب. نسأل الله أن يوفّقنا في أعمالنا إنّه سميعٌ مجيبٌ.

اللجنة العلمية في

مؤسسة وارث الأنبياء

للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية

كلمة التحقيق

ليس من السهل العمل على مثل هذا الكتاب القيّم وتحقيقه، فإنه ورغم أهمّيته البالغة وطباعته في العقد السابق من الزمن، إلّا أنّنا واجهنا فيه بعض المعوقات والتحدّيات التي صعّبت المهمّة، وكان منها عمق الأفكار التي اشتمل عليها الكتاب، خصوصاً وأنّها تبتني على نظرية يكتنفها التعقيد والغموض نوعاً ما، يُضاف إليها ما سبّبته الترجمة من إبهام وإيهام في مراد الكاتب؛ إذ تمّت على مرحلتين:

أُولاهما: من السويدية إلى الإنجليزية.

وثانيتهما: من الإنجليزية إلى العربية، علاوةً على ذلك وجدنا المؤلّف قد اعتمد نسختين لتاريخ الطبري إحداهما بالعربية، والأُخرى مترجمة عنها، فاقتضى منّا ذلك جهداً مضاعفاً حتى نبلغ المعنى المقصود، ونخرج بالفهم الصحيح، فكثيراً ما تدارسنا بعض العبارات مع المترجم؛ ليقدّم لنا المعنى الأكثر انسجاماً ودلالات الألفاظ والفكرة المطروحة خلالها. ولكي نُخرج الكتاب بأحسن حلّة قمنا بعدّة أُمور، منها:

1ـ العمل على إخراج الكتاب سالماً من الأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية، وإضفاء المسحة العربية على عباراته وتراكيبه بالمقدار الممكن.

2ـ الإشارة إلى بعض النكات الهامّة التي غابت عن الكاتب ولم يتناولها، أو وقع في خطأ أثناء بيانها. ولعلّ وقوع ذلك نتيجةً للترجمة إلى الإنجليزية من اللغة التي دُوّن بها الكتاب.

3ـ توضيح الحقّ في بعض القضايا والمسائل التي طرحها الكاتب خلال بحثه بشكل مجمل، أو بنحوٍ يولّد شبهة عند القارئ.

4ـ بيان بعض الأُمور الغامضة في نصّ الكتاب وتوضيحها للقارئ بالمقدار المناسب.

5ـ ذكر الاسم اللاتيني لكلّ شخصية أجنبية مذكورة في الكتاب.

6ـ قمنا بتعريف الشخصيات البارزة والمؤثّرة التي جاء ذكرها في الكتاب؛ لزيادة النفع والفائدة.

7ـ حتى لا يقع لبس في حاشية الكتاب بين هوامش المؤلّف وما أضافته لجنة التحقيق لذلك وضعت علامة(*).

 8ـ تمّت إضافة نبذة حول الاستشـراق وتاريخه ونتاجه، وبالخصوص فيما يتعلق بالتشيع؛ لأنّ هذا الكتاب يشكّل جانباً من ذلك التراث، كما أُضيف بعدها تعريفاً مختصراً للنظرية البُنويّة؛ لاعتماد مادة الكتاب عليها بشكلٍ أساسي.

9ـ حاولنا ذكر رواية الطبري لأحداث كربلاء بالنصّ من تاريخ الطبري، والذي تمّ التعبير عنه بـ(النصّ المعتمد)، ووضعنا كلّ مقطع بحسب تقطيع الكاتب للنصّ في بداية كلّ قسم من أقسام الفصل الثالث، مضافاً إلى مضمون تلك المقاطع الذي نقله الكاتب نفسه للأمانة العلمية؛ باعتبار أنّ الكاتب لم يأت بالنصوص واكتفى بالنقل بالمضمون.

10ـ لم يكن الكتاب مقسّماً بالنحو الحالي، أي على شكل مدخل وفصول، ولكنّنا قمنا بتقسيمه كذلك تسهيلاً للقارئ، وحتى يكون أوقع في النفس وأنفع، فابتدأ الكتاب بمدخل يناقش فيه الكاتب مسألة الأُسطورة وصناعتها والدراسات عنها، وعلاقة ذلك بواقعة كربلاء والبحوث السابقة والحديثة التي أُجريت بذلك الخصوص. وبعد المدخل جاء الدور للفصل الأوّل، وقد بحث فيه عن الطبري وروايته، ومجموعة من الموضوعات ذات الصلة بهذا العنوان، واختصّ الفصل الثاني بالنظرية البنوية بكلّ معالمها وما دار حولها من مناقشات، وأمّا الفصل الثالث فتضمّن تطبيقاً لتلك النظرية بشكل علمي على وقعة كربلاء، من خلال رواية الطبري لها، وخصّص الفصل الرابع للاستنتاجات والتوقّعات المستقبلية.

11ـ أضفنا عنوانين جديدين:

 الأوّل: الملاحق.

والثاني: المصادر؛ ليندرج تحته مصادر الكتاب ومصادر التحقيق.

لجنة التحقيق

الاستشراق

لم ترد كلمة (الاستشراق) (Orientalism) المشتقّة من مادة (ش ر ق) في أيّ من المعاجم العربية القديمة، وربّما كان المعجم العربي الوحيد الذي يشير إلى واحد من مشتقّاتها هو معجم (متن اللغة) للشيخ أحمد رضا الذي يورد فعلها (استشرق)، ويتبعه بشرحه له قائلاً: هو طلب علوم الشـرق ولغاتهم، واصفاً الكلمة بأنّها: (مولدة عصرية) تُطلق على مَن يعني بذلك من علماء الفرنجة، وفعل (استشـرق) العربي مشتّق من كلمة (الاستشـراق) المترجمة لكلمة (Orientalism)([12]).

واستشراق على وزن استفعال، ويعني طلب الشـيء، ويُراد به هنا طلب علوم الشرق ولغاته، ويُقال لمَن يقوم بذلك: مستشـرق، وجمعه: مستشـرقون، ولما ينجزونه استشراقاً.

والاستشراق عند علماء الغرب عُرّف بتعاريف عدّة أبرزها ما جاء عن:

1- المستشرق الألماني (رودي بارت) (Rudi Paret) بأنّه: «علم الشـرق، أو علم العالم الشرقي»([13]).

2- المستشـرق الإنجليزي (آربري)(Arthur John Arberry) حيث اعتمد تعريف قاموس أكسفورد الذي يعرّف المستشرق بأنّه: «مَن تبحّر في لغات الشرق وآدابه»([14]).

3- المستشرق الفرنسي (مكسيم رودنسون) (Maxime Rodinson) الذي أشار إلى أنّ مصطلح الاستشراق ظهر في اللغة الفرنسية عام 1799، بينما ظهر في اللغة الإنجليزية عام 1838م، وأنّ الاستشراق إنّما ظهر للحاجة إلى: «إيجاد فرع متخصص من فروع المعرفة لدراسة الشرق»([15]).

وللاستشراق عند علماء العرب تعاريف عدّة، من أبرزها ما جاء عن الأُستاذ (أحمد حسن الزيات) إذ قال: «يُراد بالاستشـراق اليوم: دراسة الغربيين لتاريخ الشرق وأُممه، ولغاته وآدابه وعلومه، وعاداته ومعتقداته، وأساطيره، ولكنّه في العصور الوسيطة كان يقصد به دراسة العربية لصلتها بالدين، ودراسة العربية لعلاقتها بالعلم، إذ بينما كان الشرق من أدناه إلى أقصاه مغموراً بما تشعّه منائر بغداد والقاهرة من أضواء المدنية والعلم، كان الغرب من بحره إلى محيطه غارقاً في غياهب من الجهل الكثيف»([16]).


نبذة حول حركة الاستشراق

لنشأة الاستشـراق وانطلاق نشاطه العلمي آراء متعدّدة ومختلفة، فقد اختلفت وجهات النظر في تحديد الفترة التاريخية لبدء الغرب بحركة الاستشراق، ولم تتّفق الآراء حول فترة زمنية محدّدة لبداية هذه الظاهرة؛ ممّا جعل من الصعب تحديد تاريخ معين لانطلاقة نشاط الغرب بدراسة ثقافة الشرق، وعلى الرغم من وجود آراء تذكر بأنّ الغرب يعتبر صدور قرار (فيينا الكنسـي) عام 1312 م، بإنشاء عدد من كراسي اللغة العربية في عدد من الجامعات الأُوروبية هي بداية الاستشراق([17])، إلّا أنّ هناك باحثين أُوربيين لا يؤيدون هذا الرأي، ولا يعتمدون هذا التاريخ كبداية للاستشـراق([18])، ولذلك جاءت الآراء مختلفة لتحديد نقطة بداية انطلاق الاستشراق؛ فمنهم من يؤرّخ لبداية الاستشراق منذ مطلع القرن الحادي عشـر الميلادي([19])، بينما يعتقد (رودي بارت)([20])(Rudi Paret): أنّ الدراسات الإسلامية والعربية في أُوروبا تعود إلى القرن الثاني عشر، حيث كانت أوّل ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغات اللاتينية، وفي القرن نفسه جاء أوّل قاموس لاتيني عربي. ومن مؤرّخي الغرب مَن يعتبر عام 610م هو بداية للاستشراق، ودليله في هذا: أنّ الرسول الكريم’ قد أرسل رسلاً إلى الروم يدعوهم إلى الإسلام، وبذلك تعرّف الرومان على الإسلام.

والبعض يرى أنّ القرن السابع الميلادي في عام 711م هي بداية الاستشراق حينما فتحت الأندلس، وأقام المسلمون فيها صرحاً للحضارة، ممّا حرّض الغرب على الهجرة إلى الأندلس؛ لينهلوا من هذه الحضارة العظيمة، فقد اتّخذ إقبال الغرب على الحضارة الإسلامية صبغة علمية، ممّا يعتبر استشـراقاً على أُسس علمية، حيث درّس في الأندلس عدداً من القساوسة، ومنهم القسّ جربرت الذي ترأس (البابوية) في روما عام (999- 1003م) باسم (سلفستر) الثاني (Sylvester Ii)، وأسّس مدرستين عربيتين في روما وفي راميس، ومن الذين وفدوا إلى الأندلس أيضاً (بطرس المحترم) رئيس دير كحلوني، الذي قام هو وجماعة من المتجرمين في أسبانيا بالعمل من أجل الحصول على معرفة علمية عن الدين الإسلامي([21])، ومن الباحثين من يرى أنّ القرن العاشر الميلادي يعدّ مرحلة أُولى لبداية الاستشـراق، وقد تبنّى هذا التاريخ الدكتور (نجيب العقيقي)، الذي يقول: من الخطأ الاعتقاد بأنّ أوروبا لم تعرف الاستشراق قبل الحروب الصليبية؛ لأنّ الاستشـراق عُرف منذ القرن العاشر الميلادي، وما كانت الحملات الصليبية إلّا نتيجة لمقدّمة وهي الاستشراق، ويلتزم بهذا الرأي أيضاً (جورجي زيدان)، فيعيد الاستشـراق إلى القرن العاشر الميلادي، لمّا أراد الأفرنج الاطّلاع على ما في اللغة العربية من علوم طبيعية وفلسفية وطبّية، فقاموا بترجمة الكثير من الكتب إلى اللاتينية([22]).

ويرى قسمٌ من الباحثين أنّ الحروب الصليبية (1096- 1274م) هي المبرّر أو هي بداية الاستشراق، حيث انطلقت هذه الحروب بدافع ديني، وكانت تهدف احتلال الشرق الإسلامي، وإقامة عاصمة مسيحية في القدس، ويؤكّد هذا الرأي الباحث الغربي (غاردنر) بأنّ الحملات الصليبية لمّا فشلت في انتزاع القدس من المسلمين، والقضاء على الإسلام تحوّل الغزو العسكري إلى غزو فكري عن طريق الاستشراق.

وكذلك يرى الباحث الغربي (كيرك) (Kirk) أنّ الحروب الصليبية فتحت أذهان الغرب على حضارة الشرق الأوسط، تلك الحضارة التي كانت تفوق بكثير حضارة الغرب، فاتّجه الغرب إلى غزو الشرق فكرياً، بعد عجزه عن تحقيق أهدافه من خلال الغزو العسكري([23]).

 «أنّه لا جدوى من الحروب للتغلّب على المسلمين؛ لأنّ التزامهم بالإسلام يدفعهم للجهاد والتضحية في سبيل الله للدفاع عن بلادهم، والمسلمون قادرون دوماً على الانطلاق من عقيدتهم إلى الجهاد، ولا بدّ من سبيل آخر لمحاربتهم، وهو تغيير الفكر الإسلامي، وترويض المسلمين عن طريق الغزو الفكري، وذلك أن يدرس علماء الغرب الحضارة الإسلامية؛ ليأخذوا منها سلاحاً جديداً يغزون به الفكر الإسلامي. وهذا الكلام يشعر بأنّ الاستشـراق قد تبلور إبّان الحروب الصليبية نتيجة لفشل هذه الحروب، واكتسب دعماً رسمياً من الغرب»([24]).

والجدير ذكره أنّ الغرب، وأثناء حربه الصليبية، قد استفاد من الشـرق؛ ممّا دفعه للاهتمام أكثر به، والتوغّل فيه، ومعرفة الكثير عنه، وهذا ما أقرّ به (امرتون) الباحث الغربي بقوله: «إنّ حياة أُوروبا اغتنت خلال الحروب الصليبية؛ لأنّها اقتبست من حياة المسلمين ألواناً من الفكر والمعرفة، وكان ذلك دافعاً للغرب؛ ليواصلوا صلتهم بالشرق عن طريق دراسات العلم والمعرفة، حتى أصبحوا مستشـرقين، ومن خلال تلك الآراء المتعدّدة التي تحاول التأريخ لبدايات الاستشراق»([25])، فإنّه يمكن الاستنتاج بأنّ الظاهرة الاستشراقية تمتدّ بجذورها إلى ما يقرب من ألف عام، إلّا أنّ مفهوم الاستشـراق لم يظهر في أُوربا إلّا في نهاية القرن الثامن عشر، فقد أُدرج مفهوم الاستشراق في قاموس الأكاديمية الفرنسية عام 1838م، وظهر مفهوم (مستشرق) في إنجلترا عام 1779م، وفي فرنسا عام 1799م.

وفي نهاية القرن الثامن عشر وبالتحديد عام 1795م، أُنشئت في باريس مدرسة اللغات الشرقية، وبدأت حركة الاستشراق في فرنسا تتخذ طابعاً علميّاً على يد (سلفستر دي ساس) (Lsaac Silvestre De Sacy)، الذي أصبح إمام المستشرقين الأُوروبيين في عصره. وهناك مَن يعتبر الحملة الفرنسية على مصـر وغيرها من بلاد الشرق عام 1798م هي البداية الحقيقية للاستشراق؛ لأنّ هذه الحملة عندما جاءت إلى مصر كان في ركابها عدد كبير من المستشرقين، الذين قاموا بدراسات مختلفة تمّ نشرها في كتاب (وصف مصر).

ويعدّ القرنان التاسع عشـر والعشـرون بمثابة عصـر الازدهار الحقيقي للحركة الاستشراقية، فعندما تخلّص الاستشراق من سيطرة اللاهوت أصبح الاستشراق علماً قائماً بنفسه، هدفه دراسة اللغات الشرقية وآدابها، وبرزت نزعة علمية تتّجه إلى دراسة الآداب والعقائد الشـرقية لذاتها، مستهدفةً المعرفة وحدها. ويرى (رودي بارت) (Rudi Paret) في هذا الصدد أنّ الاستشـراق تشكّل كعلم في القرن التاسع عشر، وذلك عندما بدأ الغرب يعمل على التخلّص من الصور الذهنية النمطية المشوّهة عن الآخر الإسلامي، والانصـراف عن الآراء المسبقة عن الإسلام والمسلمين، وعن كلّ لون من ألوان الانعكاس الذاتي، والاعتراف لعالم الشرق بكيانه الخاص الذي تحكمه نظمه الخاصّة، وعندما اجتهدوا في نقل صورة موضوعية له ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشـر عُقدَ أوّل مؤتمر للمستشـرقين في باريس عام 1873م، وتتالى عقد المؤتمرات التي تُلقى فيها الدراسات عن الشرق وأديانه وحضاراته، وما تزال تُعقد حتى هذه الأيام، وفي نهاية القرن التاسع عشر، أصبحت الدراسات الإسلامية تخصّصاً قائماً بذاته داخل الحركة الاستشـراقية العامّة، وكان كثير من علماء الإسلاميات والشؤون العربية في ذلك الوقت مثل (نولدكه) (Theodor Noldeke) و(جولد تسيهر وفلهاوزن)، مشهورين في الوقت نفسه، بوصفهم علماء في الساميات على وجه العموم، أو متخصّصين في الدراسات العبرية، أو دراسة الكتاب المقدس([26]).

الاهتمام بالتراث الإسلامي

استغرقت الدراسات الاستشـراقية حول الإسلام مساحة واسعة من التراث، فعلى الصعيد الاجتماعي كانت لهم دراسات ورحلات استكشافية لتقاليد وعادات الشعوب الإسلامية، وعلى الصعيد الأدبي لقد اهتمّوا بدراسة الأدب العربي في جامعاتهم ومعاهدهم، وهذه الدراسات كانت تُقدّم كدراسات وتقارير للأنظمة السياسية الأُوربية في إدارة سياستها في المستعمرات، فكان التأريخ الإسلامي من المساحات المهمّة في التراث الإسلامي التي تناولها الاستشراق دراسةً وتحقيقاً، فكتب أساتذة الاستشراق ومفكّروه حول التأريخ الإسلامي بشكل واسع، فقد وضع المستشـرق الهولندي (دي خويه) (Johanna De Goge) العديد من الكتب الجغرافية والتأريخية، معتمداً على مخطوطات مكتبة ليدن، حيث حقّق كتاب البلدان لليعقوبي، وهو كتاب الجغرافية الاقتصادية، وكتاب فتوح البلدان الصغير للبلاذري الذي نشـره في ليدن عام 1870م، وكتاب تاريخ الرسل والملوك للطبري، وقد نُشـر أوّل مرّة من قبل (دي خويه) بالتعاون مع عدد من المستشرقين في 15 جلداً، وأُضيفت له مقدّمة وفهرس في ليدن عام 1901م، وقام بوضع تقاويم للتاريخ والجغرافية الشرقيين في ليدن عام 1862م في ثلاثة مجلدات.

ويعدّ المستشرق الألماني (Johan Jakob Reiske) المتوفى 1774م، أوّل مَن اهتمّ بالتراث الإسلامي، فقد حقّق عدداً من المصادر القديمة مثل: تاريخ أبي الفداء، وتاريخ حمزة الأصفهاني، وتعتبر تحقيقاته وترجماته الحجر الأساس في الدراسات العربية([27]).

وبدأ اهتمام المستشرقين الألمان بدراسة الحضارة الإسلامية ـ منذ الحملات الصليبية الثانية عام 1147م ـ بترجمة الكتب العربية، فكانت أوّل ترجمة للقرآن بين عامي 1141- 1143م، إلى اللغة اللاتينية، وقام بذلك (هرمان الدلماشي) (Hermann Von Dalmatien  Hermann De Dalmatie)وهو راهب ألماني، وساهم معه في هذه الترجمة، المستشرق (روبرت روتين) (Robert De Retina) وهو راهب إنجليزي، واشترك معهم راهب عربي أسباني، وقيل: رجل مسلم اسمه محمّد، ونُشرت هذه بعد أربعة قرون([28]).

ودأب المستشـرق الألماني (رايسكه)(Johann Jakob Reiske) على دراسة وتحقيق الأدب العربي، ويعدّ أبرز مَن أسّس الدراسات العربية في ألمانيا، وأمضى جلّ حياته في دراسة العربية والحضارة الإسلامية، ويعتقد بأنّ مجيء النبي محمد’، وانتصار الإسلام، من أحداث التاريخ التي ليس للعقل أن يدرك مداها، ويرى في ذلك برهاناً ودليلاً على تدبير قوّة إلهية([29]). وللاستشـراق اهتمام بالتاريخ الإسلامي بشكل عام، من حيث دراسة حياة النبي’، وكلّ ما يتعلق بحياته وشخصه ونبوته وغزواته، حيث كَتَب المستشـرق الإنجليزي (سير توماس أرنولد)(Thomas Walker Arnold) كتابه (الدعوة إلى الإسلام)، فقدّم الكاتب عرضاً تحليلياً لتأريخ الإسلام، وصوّر انتشاره منذ البعثة وحتى القرن التاسع عشر، ويعدّ من الكتب التي اتّسمت بالموضوعية والإنصاف، حيث يرفض الكاتب فكرة أو مقولة انتشار الإسلام بالسيف والخوف.

ثمّ وضع المستشرق الأميركي جورج كتابه (دراسات إسلامية) الذي بَحَث فيه ظهور الإسلام، الدولة العربية والحروب الصليبية، الإسلام في الأندلس، الإسلام والتطوّر، الإسلام في التاريخ الحديث. وكان للمستشـرق البلجيكي (أبيل أرمان) (A.Abel) دراسات وتحقيقات كثيرة حول الإسلام وتأريخه، وحول شخص النبي الكريم محمد’ منها: الطابع الاجتماعي لأصل تكريم محمد’ في الإسلام (منوعات سميت)، التبادلات السياسية آداب الآخرة في الإسلام، الدراسات الإسلامية في بروكسل وجاند، المعونة الاجتماعية في الإسلام.

وبحث المستشرق الأميركي (أدامز تشارلز) (Charles Adams)، أيضاً في مختلف مجالات التراث الإسلامي، والتاريخ الإسلامي، فقدّم بحوثاً متعدّدة حول التاريخ الإسلامي، منها: تاريخ الديانات ودراسة الإسلام، المفاهيم الدينية الأخلاقية في القرآن، وله مقالات علمية في دوائر المعارف، منها دائرة معارف الكتب العالمية، تحت عناوين عدّة، وهي: الخليفة، الحج، الإسلام، القرآن، محمد. وفي دائرة المعارف البريطانية له المقالات التالية: سلمان الفارسي، المعتزلة.

أمّا المستشرق البريطاني (أربري) وهو من المستشـرقين المتطبّعين باللغة العربية، ويجيد اللغة الفارسية، ويرأس قسم الدراسات الشرقية، والأفريقية عام 1946م في جامعة لندن، فقد كتب كتباً عدّة منها: تراث الإسلام، موقف الإسلام من الحرب، الإسلام اليوم، الجزيرة العربية قبل الإسلام، وفهرس المخطوطات العربية والفارسية في مكتبة مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية، وقد ترجم معاني القرآن إلى الإنجليزية في جزأين، وطُبع في نيويورك عام 1900م، وطُبع مرّة ثانية في لندن عام 1959م.

وللمستشرق الدنماركي فرانس بوهل (Frantz Buhl) دراسات موسّعة حول التراث الإسلامي والقرآن والتاريخ، وعن حياة النبي’، فله كتاب (حياة محمد) في اللغة الدنماركية، اعتمد فيه على المصادر العربية وأبحاث العلماء والمحدّثين، وصدّره بمقدّمة عن بلاد العرب، ثمّ أضاف إلى كتابه ذيلاً عن دعوة النبي محمد’ إلى الإسلام.

 وللمستشـرق الفرنسـي (درمنجم)(Dermenghem) مؤلّفات اختصّت بالإسلام وتاريخه، حيث وضع كتابه التاريخي الشهير: (حياة محمد)، ويعدّ أفضل كتاب للمستشرقين حول النبي’، وكتاب (محمد والسنة الإسلامية).

 وكتب المستشرق الإيطالي (دلا فيد ليفي) (Della Vida ,Glevi) أبحاثاً حول النبي والتأريخ الإسلامي، فله تحقيق حول كتاب: أنساب الأشراف للبلاذري، ودراسة حول النبي’ وأصل الإسلام، وفهرس المخطوطات العربية الإسلامية في مكتبة الفاتيكان. وكتب في دائرة المعارف الإسلامية حول الرسول’، وفي دائرة المعارف الإيطالية كتب حول العباسيين وبغداد.

ومن نماذج اهتمام الاستشراق وباحثيه في التراث الإسلامي، المعاجم التي وُضعت في ذلك، حيث ألفّ المستشـرق النمساوي (زامبور) أو (زامباور فون) (Zambaur,E.Von): معجم الأنساب والأُسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي، وهو معجم تناول التاريخ الإسلامي منذ صدر الإسلام حتى عام 1927م، وقد تبنّت جامعة الدول العربية ترجمته، وقام بمهمّة الترجمة الدكتور زكي محمد حسن، وطُبع في مطبعة جامعة القاهرة.

وكان للمستشرق المعروف لامنسي (Lammens) ـ وهو بلجيكي المولد فرنسي الجنسية وممَّن عُرف بتعصبّه تجاه التاريخ الإسلامي ـ عدّة كتب ومقالات، تطّرق فيها للتاريخ الإسلامي وأحوال رجاله، ومن مؤلّفاته: سنّ محمد وتاريخ السيرة، الجزيرة العربية قبل الهجرة، خصائص محمد بحسب القرآن، مهد الإسلام والجزيرة العربية الغربية قبل الإسلام، فاطمة وبنات محمد.

 وللمستشرق الإسباني (بوش فيلا) (Bosch Villa) مؤلّفات في التراث الإسلامي، منها: خطاب حول الآداب الإسلامية القديمة، كتاب المسلمون جغرافياً، وهو كتاب بحث في: (التاريخ، المساحة، الإعمار، الكثافة السكانية، التاريخ الثقافي والديني، وثائق ومسكوكات...)، وكتب في دائرة المعارف الإسلامية مقالات منها: من أجل مفهوم جديد لتأريخ الإسلام.

كانت هذه نبذة مختصـرة عن نتاج المستشـرقين حول التراث الإسلامي عموماً بما يتناسب وحجم تحقيقنا حول هذا الكتاب، وبعد هذه الإطلالة السريعة، نعرض نتاجات الاستشراق حول التشيّع، على نحو الاختصار؛ حيث لا يتسع المقام لأكثر من هذا.

نتائج المستشرقين حول التشيع

بدأت أقلام الاستشراق تتّجه نحو الكتابة والتحقيق في المذاهب والفرق الإسلامية، وكان التشيع من بين المذاهب الإسلامية التي تناولها الجهد العلمي الاستشراقي، مع ما في الكتابات من ملاحظات، إمّا حول رؤية الكاتب ونظرته تجاه التشيع، أو عدم اطّلاعه الكامل عن التشيع، وهنا نقدّم عرضاً لأهمّ ما كُتِب حول التشيّع في مختلف المواضيع بأقلام الاستشـراق قديماً وحديثاً، ففي عام 1874م كتب المستشرق (جولد زيهر) (Goldziher): آداب الجدل عند الشيعة، وبحوث حول الشيعة، والصحيفة السجادية في المجلّة الشرقية الألمانية.

وكتب المستشرق الألماني (هور فيتش جوزيف) (Horovitz,J) في تاريخ الشيعة، وأصل التشيّع وأخباره وحوادثه، وترجم إلى الألمانية القصائد الهاشميات للكميت.

وكذلك للمستشـرق (أبيل أرمان) (A.Abel) بحوث في إمامة الشيعة، وللمستشرق الأميركي (أدامز تشارلز) جوزيف عدّة كتابات حول التشيّع، فقد كتب حول الشيخ الطوسي بحثاً تحت عنوان: الشيخ الطوسي ومساهمته في نظرية الشيعة لأُصول الفقه.

وكتب المستشرق (بوهل) حول تاريخ الشيعة، فوضع كتابه نهضة الشيعيين في الدولة الأُموية وكتاب: علي مدعياً وخليفة.

ووضع المستشرق البريطاني (دونا لدسون) (Donaldson) أبحاثاً تطرّق فيها إلى عقائد الشيعة، تحت عنوان: عقيدة الشيعة في الإمامة، عام 1931م، وعقيدة الشيعة، عام 1933م.

وتناول (زوبرنايم) (Sobernheim) التشيع من خلال أبحاثه، فقدّم دراسة عن الشيعة، وكتب حول الشيعة في حلب.

 وقدّم المستشرق الألماني (سبر نجر) (Spren Ger) بحثاً إحصائياً فهرس فيه كتب الشيخ الطوسي. وممّن كتب في عقائد الشيعة المستشـرق (ج. فايدا) (Vadja,G)، فقد كتب حول: إمامة الشيعة.

ومن المستشرقين المعاصرين الذين كتبوا حول التشيّع: المستشرق الألماني (هنز هالم)، حيث كان له كتاب: التشيّع، بَحَث فيه كلمة الشيعة اصطلاحاً، وتطرّق فيه إلى خلافة الإمام علي، حيث يقول: إنّ الشيعة تعتبر أنّ هذا الأمر قد جاء متأخراً جدّاً؛ حيث إنّ النبي قد صرّح من قبل بأنّ الإمام علياً خليفته وإمام الأُمّة.

وللمستشـرق (اندره نيومن) (Andrew J. Newman) كتاب تحت عنوان: عصر تكّون التشيع الإمامي الاثنا عشري، يتناول فيه التشيّع في بغداد في القرن الثالث، وأبرز مدارس الحديث في بغداد وقم.

وكتاب: الشيعة في العالم صحوة المتبعدين واستراتيجيتهم (لفرنسوا تويال)، تضمّن إضافة لتطرّقه لعقائد الشيعة، إحصاءات لتواجد وعدد الشيعة في العالم، وفرقهم.

ونكتفي بهذا القدر من عرض ما جاءت به أقلام المستشرقين حول التشيع طلباً للاختصار؛ لأنّنا لو استغرقنا بالحديث حول مؤلّفات وأبحاث الاستشـراق حول الشيعة سنحتاج إلى مجلّد أو عدّة مجلدات، وأخيراً نودّ الإشارة إلى مسألة علمية مهمّة، وهي أنّ ما كتبه الغرب عن مذهب أهل البيت، كانت تشوبه الإخفاقات؛ لأسباب عديدة، منها: عدم الاطّلاع بشكل كامل على مصادر الفكر والفقه المعتمدة لدى المذهب، ومنها أسباب مرحلية كما لو كتبت في مرحلة تحمل طبيعة العداء والتبشير. ونريد القول: إنّ عالمنا اليوم أصبح الاطلاع فيه من أيسر الأُمور، فمن الواجب العلمي أن يطلب الكاتب الغربي المصدر الأصيل لفكر أهل البيت سواء المكتوب منه أو من خلال المفكرين البارزين؛ كي يعطي نتاجه العلمي ثماراً علميّة واقعية بعيدة عن الإجحاف.

نافذةٌ على البنيويّة

شغلت دراسة اللغة المفكّرين والباحثين منذ زمنٍ طويلٍ، كما نالت دراسة الأدب الذي اتّخذ من اللغة صورةً له حظّاً أوفر من العناية والاهتمام، وبما أنّ الدارسين للأدب ينطلقون من تصوّراتٍ مختلفة، ويحملون أيديولوجيات متعدّدة؛ فقد تعدّدت المناهج وتنوّعت. ومن بين هذه المناهج (المنهج البنيوي) الذي كانت نشأته في الغرب، وأرسى (فرديناند دي سوسير) (Ferdinand De Saussure) دعائمه كمنهجٍ يدرس اللغة([30])، ثمّ استفاد منه النقّاد واستثمروا مبادءه في دراسة الأدب.

 ولإيضاح الفكرة نقول: لفظة (بِنْيَويَّة) من حيث اللغة اشتُقّت من كلمة (بِنية)، ويسقطها البنيويون على كلِّ ظاهرة إنسانية كانت أم أدبية. ولأجل دراستها يجب تحليلها أو تفكيكها إلى عناصرها المؤلّفة منها، دون النظر إلى أيّة عوامل خارجيّة عنها.

اختلف النقّادُ في بيان مفهومِ البنيويةِ، وأوردوا له تعريفاتٍ مختلفةً، لكنّها على العموم وفي معناها الشامل: طريقةُ بحثٍ في الواقعِ، لا في الأشياءِ الفرديةِ بل في العلاقاتِ بينَها.

ومن أبرز ما قرّره (دي سوسير) مبدأ: (اعتباطيّة الرمز اللغوي)، وهو يعني: أنّ أشكال التواصل الإنساني ما هي إلّا أنظمة تتكوَّن من مجموعةٍ من العلاقات التعسّفيّة، أي: العلاقات التي لا ترتبط ارتباطاً طبيعيّاً أو منطقيّاً أو وظيفيّاً بمدلولات العالم الطبيعي، وأنّ كلّ نظامٍ لغوي يعتمد على مبدأ لا معقول من اعتباطيّة الرمز وتعسّفه، أي تماماً كما يعتبط العقل الجمعي ـ عند دوركايم ـ فيفرض على الناس ما هو خارج عن ذواتهم، ومن هنا انبعثت فكرة (السيمولوجيا) أي: علم الدلالة، أو العلامة والإيحاء، وتطوّرت فيما بعد.

ولقد آمن روّاد النقد البنيوي بأهمّية تحليل العلاقة بين (لغة) الأثر و(الأثر) نفسه؛ للكشف عن معانيه الخفيّة، والتخلّي عن الفهم الإجمالي المباشر الذي يمارسه السواد الأعظم من النقّاد التقليديين. وعلى ذلك فإنّ تحليل النصّ بنيويّاً يتحقّق بارتياد عالم (الأثر) للنصّ، على ضوء طبيعة لغته الرمزيّة، والتخلّي عن واقعه وعناصر خيالاته.

 

وتعني البنيويّة عند (جورج لوكاش) (Georg Lukacs): استخدام اللغة بطريقة جديدة بحيث يثير لدينا وعياً باللغة من حيث هي لغة، ومن خلال هذا الوعي يتجدّد الوعي بدلالات اللغة، هذا الوعي الذي تطمسه العادة والرتابة. وهذا ما  يراه الكثيرون. وأمّا (ليفي شتراوس) (Levi Strauss) فقد ذهب إلى أنّ البنيوية يمكن تطبيقُها في أي نوعٍ من الدراسات، وقد حدّد البنيةَ بأنّها: «نسقٌ يتألفُ من عناصرَ يكونُ من شأنِ أيِّ تحولٍ يعرضُ للواحدِ منها أن يُحدثَ تحوّلاً في باقي العناصرِ الأُخرى»([31]).

وكان النقّاد العرب ـ شأن نظرائهم البنيويين الغربيين ـ يعدّون النصّ بنيةً مغلقةً على ذاتِها ولا يسمحون بتغيّرٍ يقع خارج علاقاتهِ ونظامه الداخلي، فكان لهم في تعريفها أرآء:

 منهم مَن عرِّف المنهج البنيوي بأنّه: الولوج إلى بنية النصّ الدلاليّة من خلال بنيته التركيبيّة. ومنهم مَن يرى أنّ المنهج البنيوي يعتمد في دراسة الأدب على النظر في العمل الأدبي في حدّ ذاته، بوصفه بناءً متكاملاً بعيداً عن أيَّة عوامل أُخرى، فأصحاب هذا المنهج يعكفون من خلال اللغة على استخلاص الوحدات الوظيفية الأساسية التي تحرّك العمل الأدبي([32]).

 ومنهم مَن يعتقد أنّ المنهج البنيوي منهجٌ فكري يقوم على البحثِ عن العلاقات التي تُعطي العناصر المتّحدة قيمةً، ووصفها في مجموعٍ منتظم ممّا يجعل من الممكن إدراك هذه المجموعات في أوضاعها الدالّة.

ومنهم مَن يعتبر البنيوية طريقة وصفيّة في قراءة النصّ الأدبي تستند إلى خطوتين أساسيّتين هما: التفكيك والتركيب، كما أنّها لا تهتمّ بالمضمون المباشر، بل تركّز على شكل المضمون وعناصره وبناه التي تشكّل نسقيّة النصّ في اختلافاته وتآلفاته، ويعني هذا أنّ النصَّ عبارةٌ عن لعبة الاختلافات ونسق من العناصر البنيويّة التي تتفاعل فيما بينها وظيفيّاً داخل نظام ثابت من العلاقات والظواهر التي تتطلّب الرصد المحايد، والتحليل من خلال الهدم والبناء، أو تفكيك النصّ الأدبي إلى تفصيلاته الشكليّة وإعادة تركيبها، من أجل معرفة ميكانيزمات النصّ ومولّداته البنيويّة العميقة؛ لفهم طريقة بناء النصّ الأدبي.

وهنا يمكن القول: إنّ البنيويّة جاءت لتكون منهجاً ونشاطاً وقراءةً وتصوّراً فلسفيّاً يقصي الخارج والتاريخ والإنسان، وكلّ ما هو مرجعي وواقعي، ويركّز فقط على ما هو لغوي، ويستقرئ الدوالّ الداخليّة للنصّ دون الانفتاح على الظروف السياقيّة الخارجيّة التي لعلّها قد أفرزت هذا النصّ من قريبٍ أو من بعيد.

تقديم وشكر

حينما شرعتُ بكتابة هذه الأُطروحة، كان في ذهني أنّها ستكون محلّ اهتمام مجموعتين من القرّاء، علاوةً على أُولئك الذين يُعنون بتاريخ الأديان عموماً، فالمجموعة الأُولى من القرّاء تشمل أُولئك الذين لهم اهتمام خاصّ بتاريخ الإسلام في أوائل ظهوره، وخاصّةً المعنيين بتاريخ واقعة كربلاء، وما تحمله هذه الواقعة من تأويلات.

والمجموعة الثانية من القرّاء تشتمل على المهتمّين بالنظريّة البنيويّة([33]) التي أوجدها ليفي شتراوس([34])، وإمكانية تطبيقها على أنماط جديدة من البحوث.

ومع الشروع بالعمل، بدأت أُدرك أنّ هذين الاهتمامين وللأسف لا يكادان يجتمعان أو يتقاربان عند نفس الشخص، ولهذا السبب أدركت أنّه من الواجب عليَّ أن أبذل قصارى جهدي واهتمامي في شرح وتوضيح الأُمور، ولو أنّ هذه الشروح قد تبدو لأوّل وهلةٍ غير ضروريّة في نظر بعض القرّاء. كما أرجو من القارئ الذي يملُّ من قراءة فقرةٍ ما في هذا الكتاب أن يتحوّل إلى فقرةٍ أخرى تكون أكثر تشويقاً من سابقتها.

استفاداتي من العربيّة كانت وفقاً للطريقة الأنجلوسكوئية([35])، وأمّا استشهادي من القرآن، فاعتمدت فيه على ترجمة (آربري) (Arberry)، والتواريخ المتعلّقة بالتاريخ المبكر والتقليدي للإسلام في عصـره الأوّل جاء ذكرها على نحوين:

الأوّل: حسب التقويم الإسلامي.

الثاني: حسب التقويم المسيحي (الميلادي)

وعلى هذا، فإنّ سنة وفاة النبيّ محمّد جاءت هكذا: (11/632) وأمّا في الحالات الأُخرى فقد تمّ ذكر التواريخ المسيحيّة فقط.

وطوال السنوات الكثيرة التي احتجتها لكتابة هذا العمل بشكلٍ أو بآخر، ساهم عدد من الناس في إظهار الكتاب على ما هو عليه الآن، فأخذ بعضهم على عاتقه مهمّة تدريسي في مختلف مراحل دراستي لنيل شهادة الدكتوراه بأمانة ودقّة، وأذكر منهم المرحوم البروفسور (يان بيرجمان)(Prof. Jan Bergman من قسم اللاهوت في جامعة أوبسالا، والبروفسور (إينار ثوماسن)(Prof. Einar homassen من قسم الدراسات الكلاسيكيّة والروسيّة وتاريخ الأديان في جامعة بيرجن (University Of Bergen)، والبروفسور (جدمار أنير) (Prof. Gudmar Aneer من قسم العلوم الإنسانيّة واللغات في جامعة دالارنا (Dalarna University Collegeوالبروفسور (هاكان ردفنج) (Prof. Håkan Rydving من قسم الدراسات الكلاسيكيّة والروسيّة وتاريخ الأديان في جامعة بيرجن، ومن ثمَّ البروفسور (ماتياس جاردل) (Prof. Mattias Gardellمن قسم اللاهوت في جامعة أوبسالا (Uppsala University). وإنّي لممتنٌّ جدّاً للنقد البنّاء والمساعدة والتشجيع الذي تلقيتُه من هؤلاء جميعاً.

ولا أنسى الدكتور تشارلز أمجد عليّ) (Dr. Charles Amjad-Ali)، مدير مركز الدراسات المسيحيّة في راولبندي في الباكستان، الذي جعلني أدرك أنّ الشيعة ليست فرقة ضالة في الإسلام، وإنّما هي تأويل تطبيقي مزدهر لتعاليم الإسلام المتوارَثة، وإنّها حقّاً تستحقّ الدراسة.

كما قام عدد من الأساتذة بالقراءة والتعليق على النسخ الأوليّة للمقالة، تمّت بعد ذلك إعادة كتابتها بشكلٍ موسّع ومفصّل لتصبح على ما هي عليه اليوم (وهي هذا الكتاب)، وهؤلاء الأساتذة هم: الدكتور (كلايس هلجرن) (Dr. Claes Hallgren)، من قسم الثقافة والإعلام في جامعة دالارنا (Dalarna University College)، والدكتورة (جوديث يوزيفسن) (Dr. Judith Josephson)، من قسم اللغات الشـرقيّة والأفريقيّة في جامعة جوتبورغ (Göteborg University)، والدكتورة (أولريكا مورتنسن) (Dr. Ulrika Mårtensson)، من قسم علم الآثار والدراسات الدينيّة في الجامعة النرويجيّة للعلوم والتكنولوجيا في تروندهيم (Norwegian University Of Science And Technology, Trondheim)، والدكتورة (كارين سبور) (Dr. Karin Sporre)، من قسم إعداد المعلّمين في السويد والعلوم الاجتماعيّة في جامعة أوميو (Umeå Univer).كما قرأ هذه الأُطروحة البروفسور ليف ستنبورغ (Prof. Leif Stenberg)، من مركز اللاهوت والدراسات الدينيّة في جامعة لوند (Lund University)، وكتب عنها ملاحظات قيّمة من أوّل مسوّدة للمخطوطة الكاملة، من وجهة نظر أُستاذٍ متخصّصٍ في الدراسات الإسلاميّة، وذلك من خلال حلقة دراسيّة أُقيمت في جامعة أوبسالا.

كما أشمل بشكري الجزيل الدكتور لوسيان سكوبلا (Dr. Lucien Scubla)، من مركز بحوث نظريّة المعرفة التطبيقيّة في مدرسة العلوم التطبيقيّة في باريس؛ إذ قام مشكوراً بقراءة المخطوطة كاملة، والتعليق عليها من وجهة نظر أُستاذٍ في النظريّة البنيويّة.

كما أعانني السيد يوجين رابي(Mr. Eugene Rapi) على تقويم النصّ الإنجليزي للصفحتين الأُوليين من الكتاب؛ إذ إنّني قد كتبته باللغة السويديّة منذ سنين طويلة، ثمّ تُرجم إلى الإنجليزيّة.

وممّا يُؤسف له أنّه لم تسنح لي الفرصة لمراجعة وتدقيق ما عدا ذلك من النص الإنجليزي؛ ولهذا فإنّ القرّاء المتقنين اللغة الإنجليزيّة سوف يضعون أيديهم على أغلاط كثيرة، ممّا يدعوني للاعتذار إليهم عن ذلك.

أمّا أصدقائي وزملائي في قسم الدراسات الدينيّة في جامعة دالارنا، فلم يتوقّف دعمهم لي، وكانوا دائماً مصدر تأييدٍ لي، وخاصّةً في السنتين الأخيرتين حين دخل هذا العمل في مرحلةٍ جديدة.

وبالتالي، فإنّي أُقدم شكري الجزيل (للدكتور تورستن بلومكفيست) (Dr. Torsten Blomkvist)، والبروفسور ليسيلوت فريسك (Prof. Liselotte Friskوالدكتور يوهانا جوستافسون لوندبيرغ (Dr. Johanna Gustafsson Lundbergوالسيّد ميخائيل تويفيو (Mr. Michael Toivioوالسيّدة هانا تروتسيغ،(Ms. Hanna Trotzig) والسيّدة جل تورنيجرن (Ms. Gull Törnegrenوالسيّدة لينا أوهمان هالينغ (Ms. Lena Åhman Halling). كما أبدى كثيرٌ من زملائي دعمهم لي من أقسام أُخرى من جامعة دارلانا، وهم أكثر من أن آتي على ذكر أسمائهم هنا؛ لذا فأنا أُقدم لهم جميعاً شكري وامتناني.

 

مدينة فالون (Falun)

كانون الثاني/2007

تورستن هايلين (Torsten Hylén)

مدخل

واقعة كربلاء في هذا العصر

مواقف سيارات الأُجرة في مركز مدينة هاثي ـ في راولبندي في الباكستان ـ وتقاطع الفيل في سوق سدّار، في هذا المكان تتلاقى ثلاثة طرق ضيّقة، حيث ترى ساحة مفتوحة بين البيوت، وفي وسط التقاطع كانت هناك جزرة وسطية مظلّلة، لطالما ظننتُ أنّها قد أُعدّت لكي يقف تحتها شرطي المرور من أجل أن يقوم بعمله لتنظيم المرور، ولكنّني لم أرَ قطّ أنّها استخدمت لهذا الغرض!

أمّا الآن، فقد وُضع ميكروفون هناك ومكبرات للصوت على سقف المظلّة، ترجّلتُ من سيارتي، ووقع نظري على بعض الأصدقاء الذين وضعوا مصاطب لهم في مكان، حيث تطلّ إحدى تلك الطرقات الضيّقة على الساحة، ثمّ حيَّوني وقدّموا لي كرسيّاً لأجلس عليه، وكان الجو السائد ينمُّ عن ترقُّبٍ لحدثٍ ما، وما كان التوتر الظاهر على وجوه المجتمعين هناك ليخفى على أحد.

وبدا أنّ العدد الكبير من الشرطه الذين كان بعضهم متسلّحاً بكلِّ أنواع الأسلحة، قد أُمروا بالوقوف على جميع جوانب الساحة، وقد كانوا على أُهبة الاستعداد لمواجهة أيِّ عملٍ قد يعكّر صفو النظام هناك.

ثمَّ سألت صديقي نعمان، وهو من المسلمين السنَّة: لأيِّ سببٍ كان هو وعائلته يقفون بجوار المصطبة التي أعدّوها وزينوها بأكواب الماء، كي يقدّموها مجاناً خلال ذلك المهرجان الشيعي الخالص؟!

فأجابني بأنْ سرد عليَّ قصّة الإمام الحسين حفيد النبيّ محمّد، وكيف هاجمته وحاصرته قوات الخليفة يزيد في صحراء كربلاء في العراق، حيث حُرموا من الماء. وهكذا فلقد أَصبح من السُنّة ـ أي: عقيدة مقدَّسة يجب اتّباعُها ـ أن يكفَّروا عن ذنبهم هذا ببذل الماء(*) للذين يحيون ذكرى مقتل الحسين وأنصارِه. ثمَّ علمتُ بعد ذلك أنّ الحسين هو شخص مقدّس عند أهل السُنّة أيضاً وخاصّةً في جنوب آسيا.

اليوم كان التاسع من المحرّم، ولقد كانت هذه أوّل مرّة لي أحضـر فيها وأشاهد تلك الشعائر الشيعيّة التي لطالما قرأت عنها، وعلى بُعد بضع مئات من الأمتار بالقرب من المسجد الشيعي، رأيت أنا وأصدقائي راياتٍ سوداء وحمراء مرفوعة، وكان يتبعها موكب منظّم، ثمّ سمعنا أصواتاً متناسقة، فتحرّكنا أنا وصديقي نعمان للأمام، لنرى أنّ مصدر تلك الأصوات كان مجموعة كبيرة من الرجال الذين كانوا يضربون بأيديهم على صدورهم الحاسرة، على إيقاع رجال آخرين كانوا يُنشدون قصائد في رثاء الإمام الحسين×، ثمَّ تشكّلت حلقة من الناس بالقرب منّا، وكان الذين يحيطون بهذه الحلقة ينشدون بصوت واحد متناغم: (يا حسين، يا حسين).

ثمَّ رأينا في وسط تلك الحلقة شابَّين متقابلين، لم يتجاوز عمرها العاشرة أو الثانية عشرة، ولم يرتديا قمصاناً، يمسكون بأيديهما سوطين صُنعا من سلاسل تنتهي بشفراتٍ حادة، وكلّما ازدادت صيحات الجمع الذي كان يطوقهم حِدةً، بدأ الفَتَيان بضرب بدنيهما بالسلاسل التي في أيديهم حتى تسيل الدماء من ظهريهما، وما أن تمرّ نصف دقيقة أو أكثر بقليل حتّى يفقد الفتيان القدرة على تحمّل أيّة ضربات أُخر، ويتوقفان عن جلد نفسيهما بتلك السلاسل مع خفّة شدّة الصيحات حوليهما.

وبعد ذلك بقليل، تشتد مرّة أخرى حدّة صيحات: (يا حسين، يا حسين)، ويبدأ الفتيان بالضرب مرّة أُخرى، ولا تتوقّف نظرة أحدهما للآخر، وكأنّ أحدهما يريد أن يستبين إن كان الآخر سيتوقف أوّلاً قبل صاحبه(*).

ثمّ غادرت أنا ونعمان المكان وعدنا إلى تلك المصطبة، حيث كان أصدقائي قد شرعوا بتوزيع المياه، وعصير الليمون في أكواب صغيرة صُنعت من الفخار؛ كي يرووا ظمأ المارَّة.

وبعد هنيهة، اقترب الجمع منّا أكثر وتوقّف في مركز ساحة (هاثي)، فجلس عدد كبير منهم هناك، بينما تقدّم عدد آخر من المصطبة كي يشربوا.

ولقد وقع نظري على عدد من الرجال بدت ظهورهم حمراء وكأنّها قطع من الدماء بسبب ضرب أنفسهم بتلك السلاسل، إذ أُصيب اثنان أو ثلاثة منهم بالإغماء بسبب نقص الدم، فأُسرع بهم إلى مشفى كان قريباً من مكان الحدث، ثمَّ بدأ رجل بإلقاء كلمة من جهاز مكبر الصوت في مركز الازدحام المروري، ثمّ جاء رجل آخر فأنشد قصيدة في رثاء الحسين، كانت كلماته تدور حول مأساة كربلاء، ثمّ تقدّم مُلاّ - خطيب ديني - ليلقي خطبة، ورغم أنّني لم أفهم ما كان يقوله ذلك الخطيب، ولكن الجمع المحتشد كانوا بين فينة وأُخرى يرفعون أصواتهم بالنداء: (يا عليّ)أو (يا حسين)،وفي مكانٍ ما خلف تلك الساحة كانت النساء يبكين.

وكان الجو متوتراً، وقد فهمت الآن كيف يكون من السهل أن تُعبّأ الجماهير من خلال الرمزيّة الفعّالة الموجودة بشكلٍ ملحوظ في قصّة كربلاء، وهو عين ما حدث عند انطلاق الثورة الإيرانيّة في العام (1979-1980م)، عندما أُعطي الشاه دور يزيد الخليفة الفاسد، والشعب أخذ دور الحسين، وبهذا أصبحت الشهادة وسيلة شرعيّة في الكفاح ضدّ النظام الفاسد الذي كان يحكم البلاد([38]).

ثم استغرقت خطبة المُلاّ ما يقارب النصف ساعة، ثمّ بدأت الجموع بالتفرّق حال انتهاء الخطبة، ولم يستمر بالتجمهر سوى قسم من تلك الجموع، بينما عاد الأكثريّة إلى بيوتهم.

وفي آخر صفوف تلك الجموع وقع نظري فجأة على حصان أبيض، قد تمّ تزيينه بشكلٍ جميل، فبدأ أصدقائي بتفسير ذلك المنظر لي بالقول: إنّ الحصان يمثّل ذا الجناح، وهو الجواد الذي كان الحسين يمتطيه في معركة كربلاء، ثمَّ اجتمع عدد كبير من الناس حول ذلك الحصان، وكان أكثر المجتمعين من النسوة كان الحصان مغطىً بقطعة قماش أبيض مضرّجة بالدماء، وتعلوه أكاليل من الزهور والورود، كما رُفعت على سرجه عصاً طويلة تنتهي بتمثال يشبه اليد مصنوع من المعدن، والأصابع في تلك اليد المعدنية تمثّل أفراد العائلة المقدّسة الخمسة، أهل بيت محمّد، وهم: (محمّد، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين).

فالنسوة اللائي اجتمعنَ حول الحصان كنّ يدعين ويبكين، بينما كان هناك عدد كبير من الناس يعطون الصدقات لمستحقّيها([39]) الذين أحاطوا بالحصان.

وقد قِيل لي: إنّ الله يستجيب لتلك الدعوات التي تُتلى عند ذي الجناح(*)أكثر من غيرها التى تُتلى في أماكن أُخرى، ثمّ تحرّك الحصان وتحرّك الجمع معه، وعدنا نحن إلى جوار تلك المنصّة التي جُمعت وخلا المكان من الناس عند حلول الظلام.

وفي اليوم التالي، سوف يعاد نصب تلك المنصّة مرّةً أخرى؛ لكي يقدّم الطعام للحشود التي ستجتمع هناك بعدد أكبر؛ لأنّ اليوم التالي سيصادف ذكرى مقتل الحسين.

لقد أثّرت بي كثيراً هذه الحادثة التي شهدتُها في راولبندي في شهر حزيران من العام (1993م)، إذ أصبحت مفتتناً بتلك النوبة الجنونيّة، وبذلك التفاني والإخلاص اللذين أظهرهما أُولئك الناس، إلّا أنني لم أشعر بالارتياح لمنظر الدماء والألم الذي ظهر هناك([40]).

فإنّ ما تعلّمته وشاهدته في الباكستان من قبل ـ وحتى ما تعلّمته أكثر بعد حضوري شعائر محرّم من العام (1993م) ـ قد جعلني أُدرك مدى العمق والتأصُّل الذي خلَّفَتْهُ قصّة الحسين وموته في كربلاء في النظرة العالميّة للمسلمين الشيعة، وفي ضمائر الشيعة أنفسهم؛ إذ إنّ هذه القصّة أنشأت أُنموذجاً مركزيّاً يحمله كلُّ شيعيٍّ معه، سواء أكان رجلاً أم امرأة، وهو أُنموذج لرموز وقصص وطقوس ومواقف وقيم لا ترتبط بالحسين وشهادته فقط، وإنّما ترتبط بكلِّ أفراد آل النبيّ ومعاناتهم.

وهكذا، فإنّ لتلك المراسيم والشعائر التي أتينا على ذكرها آنفاً، جذورَها التي استمرت لعقود بعد موت النبيّ محمّد في السنة الحادية عشرة للهجرة (632 ميلاديّة)، ولم يتوقف سرد قصّة مأساة كربلاء بين المسلمين أبداً رغم اختلاف انتماءاتهم المذهبيّة، وإن كانت تُروى بصورة خاصّة بين المسلمين الشيعة، وقد سطّرتها الكتب في نُسخ لا تُعدّ ولا تُحصى منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا.

من أقدم أشكال سرد هذه المأساة، وأطولها وأكثرها استرسالاً وتفصيلاً ما كتبه الطبري المتوفّى سنة (310 هـ /923م)، وهو فقيه ومتكلّم ومؤرِّخ لا ينتمي إلى الطائفة الشيعيّة؛ وعليه نعتمد في استقصائنا لهذه المأساة في الرسالة التي بين يدي القارئ([41]).

ومن أجل القرّاء الذين ليست لديهم فكرة عن تاريخ الإسلام، سوف نعرض فيما يلي نبذة مختصرةً عن خلفية أحداث مأساة كربلاء كما ترد في الكتب الدراسية الحديثة التي تتحدّث عن الإسلام:

حين تُوفي (النبيّ محمّد) في السنة الحادية عشـرة للهجرة (632 للميلاد)، لم يكن له ولد ذكر ليرثه، فقالت جماعة من أتباعه ـ الذين عُرفوا فيما بعد(*) بالشيعة أو (شيعة عليٍّ)، والتي تعني (أتباع أو حزب عليٍّ)-: إنّ النبيّ في حقيقة الأمر قد أوصى إلى ابن عمّه وصهره عليّ أن يكون الإمام والقائد على المسملين بعد وفاة النبيّ. وفي الحقيقة، فإنّ الشيعة يؤكدون بأنّ مَن اختار عليّاً لهذا المنصب هو الله؛ لذا كان عليٌّ يحمل مهمّة الهدي الإلهي بنفسه، وبهذا فهو أولى الناس أو هو الشخص الوحيد المناسب لمهمّة قيادة وهداية المجتمع المسلم أو الأُمّة الإسلاميّة، فقد كان معصوماً من قبل الله ولم يرتكب ذنباً أو خطأً أبداً، علاوةً على ذلك، كان عليٌّ زوج فاطمة بنت محمّد، وكان من الطبيعي أن يرث(**) ابناه الحسن والحسين مهمّة القيادة الربانيّة من أبويهما معاً. (اُنظر إلى الشكل 1،1).[44]



الأسماء المكتوبة باللون الأسود الغامق تمثّل أهل بيت النبيّ المباشرين.


الأرقام تمثّل تسلسل الأئمة عند الشيعة الإماميّة.

أمّا الجماعة الأُخرى التي سُمّيت فيما بعد بالسنَّة(*)، فإنّها ادّعت أنّ قيادة الأُمّة الإسلاميّة ليس بالضرورة أن تكون في آل محمّد؛ لذا فقد اختاروا لهذا المنصب رجلاً كبيراً في السن، وذا خبرة اسمه أبو بكر، وقد أصبح فعلاً قائد المسلمين، ثمَّ استولى على السلطة بعد ذلك الأُمويون، وهم من أبناء الطبقة العليا من بيوت مكّة.

ومع مرور الزمن ازداد التوتر بين تلك الجماعتين، وبعد مرور ما يقرب من خمسين عاماً على وفاة النبيّ، انطلق الحسين الابن الأصغر لعليٍّ نحو الكوفة في العراق، حيث كانت هذه المدينة منذ أمدٍ ليس بالقصير حصناً حصيناً للشيعة.

ولكن السلطات الحاكمة الأُمويّة اعتبرت حركة الحسين هذه عملاً تمرّدياً، وفي كربلاء عند نهر الفرات قام جيش كبير العدّة والعدد بأمرٍ من الخليفة يزيد بمحاصرة الحسين ومنعه من ورود نهر الفرات، كما منعوا عنه كلَّ موارد المياه هناك. ولقد كانت حقيقة مرّة للحسين حين علم أنّ كثيراً من أهل الكوفة الذين كانوا قد بايعوه قد أظهروا الخيانة له، وجاءوا ليقفوا ضدّه مع جيش الخليفة.

وفي بادئ الأمر حاول الحسين أن يتفاوض مع جيش الخليفة، ولكن الشروط الصعبة التي اشترطها حاكم الكوفة للهدنة كان من المستحيل على الحسين أن يقبلها، فلم يكن له بديل عن القتال حتّى الموت؛ لذا وفي اليوم العاشر من المحرّم سنة إحدى وستين للهجرة ـ الموافق للعاشر من تشـرين الأوّل سنة (680) للميلاد ـ هاجم جيش الخليفة ذو الأربعة آلاف مقاتل الحسينَ ومجموعته الصغيرة، والتي كانت مكوّنة من حوالي مائة شخص أو أكثر قليلاً من الرجال والنساء والأطفال(*).

أمّا تفاصيل المعركة، والموقف الميؤوس منه لتلك المجموعة الصغيرة وعطشهم واستبسالهم في القتال، والمواقف الجبانة والوحشيّة لأعدائهم الذين قتلوا حتّى الأطفال الصغار وروّعوا النساء، فتجدها مفصّلةً بإسهاب في الروايات المختلفة التي روت تلك المعركة.

وفي النهاية حتّى الحسين نفسه سقط قتيلاً، واحتُزَّ رأسه وأُحضر إلى الخليفة في دمشق ([46]).ومن حينها والحسين وأصحابه يتربعون على قمّة أروع نماذج الاستشهاد عند المسلمين الشيعة، وهكذا أصبح الحزن على ما حلّ بالحسين وجماعته بكربلاء، والخزي الذي لحق بأهل الكوفة لخيانتهم سيّدهم(*) السمة الأبرز لهذه الجماعة من المسلمين.

الشكل 1.2: خارطة توضّح مسير الحسين والموضع الذي حدثت فيه مأساة كربلاء.[48]

ففي الأيّام الأولى لشهر محرّم من كلِّ عامٍ، تُحيى ذكرى هذه المأساة من خلال طقوسٍ وشعائر تغصّ بها المدن والقرى، حيث يلطم أهاليها على صدورهم ويضربون أنفسهم بسلاسل وما يشبهها كالسياط، وفي بعض الأحيان يتجاوزون هذا الحدّ ليضربوا أنفسهم بسكاكين وسيوف، وكلُّ هذه الطقوس هي محاولة للتعبير عن أسفهم على مقتل الحسين وولائهم لآل بيت النبيّ.

وفي كلِّ أنحاء العالم - حيث يتواجد الشيعة - لا تقتصـر مراسيم إحياء الأفكار والقيم المستوحاة من مأساة كربلاء، وترديد الأحداث التي جرت هناك على شعائر محرّم، بل تتجاوزها لتشمل أوقاتاً وأشكالاً أُخرى كثيرة([49])، ففي المجتمع الباكستاني، يعدّ من أظهر علامات الحضور الشيعي - علاوةً على الممارسات الشعائريّة المذكورة آنفاً حسب ما لاحظت بنفسـي - هو الوجه السياسي للقيم المستوحاة من هذه المأساة التي لا يخفيها هؤلاء الشيعة.

وعلى سبيل المثال، ينظر شيعة الباكستان - الذين يمثّلون حوالي ثلاثين بالمائة من سكان هذا البلد - إلى المضايقات والاضطهاد الذي يتعرّضون له على أيدي بعض الجماعات المتشدّدة التي تناهض التشيّع على أنّها معاناة يجب تحمّلها في سبيل الحسين وأهل بيته المقدّسين(*).

وتبدو مُثُل الشيعة أكثر وضوحاً في تفاصيل أُخرى صغيرة، فلقد شاهدت أنا بنفسي أكثر من مرّة لافتات صغيرة معلّقة في المحال والعيادات الطبيّة مكتوبٌ عليها باللغة الإنجليزيّة: (عِش حياتك كعلِيٍّ، ومُتْ كالحسين)،ومن المظاهر الجليّة الأُخرى التي تعبّر عن ولاء هؤلاء الناس للعائلة المقدّسة هو كتابة أسمائهم بخطٍّ حسن على الصور أو على الجدران مباشرة، وتسمية أبنائهم بتلك الأسماء.

إنّ مشاهداتي الشخصيّة لأهمّية مأساة كربلاء تدعمها دراسات أكاديميّة عديدة، حيث اتّفق كاتبوها على أنّ حادثة كربلاء لم تكن مسألة حياة أو موت في هذه الدنيا فحسب، وإنّما لها أبعاد كونيّة واسعة إلى أبعد حدٍّ، يقول فيرنون شوبل (Vernon Schubel) الذي قام بدراسة ميدانيّة في كراتشـي عام (1983): «يعتقد الشيعة في كلِّ أنحاء العالم أنّ حادثة كربلاء إنّما هي واحدة من الأحداث الحاسمة في تاريخ العالم»([50])،كما تؤكد دراسات كُتبت عن المذهب الشيعي بأنّ الأفعال الشعائريّة التي يُراد منها إظهار التضامن والولاء للعائلة المقدّسة، إنّما يقوم بها أصحابها من أجل الثواب الذي يضمن لهم نجاتهم، فإنّ الله قد أعطى الحسين وأهل بيته - بما فيهم الأئمّة من بعده ـ القدرة على الشفاعة للمؤمنين يوم القيامة؛ وذلك بسبب ثباتهم وصبرهم على ما عانوه في كربلاء(*)؛ ولهذا السبب تُرجى النجاة من الله بحقّهم ([51]).

ومنذ العصور الأُولى، كان يُعتقد أنّ الأئمّة الاثني عشـر يملكون معرفة تفوق معرفة الناس العاديين(*)، قد هدوا من خلالها المؤمنين على مرِّ العصور([52]).

فضلاً عن ذلك، فإنّ لشهادة الحسين أثرها ليس على الذين عاشوا بعد استشهاده فحسب، وإنّما تؤكد كتب التاريخ التي كتبها الشيعة ومجموعاتهم الروائيّة بأنّ آدم - وهو أوّل إنسان عاش على هذا الكوكب - قد تأثّر كثيراً حينما سمع باسم الحسين لأوّل مرّة، وحين سأل عن سبب هذا الشعور الذي انتابه، أخبره ملَكٌ بقصّة مقتل الحسين التي ستحدث في المستقبل البعيد، وقد رُويت قصص كثيرة مشابهة عن الوقع المؤلم الذي تركته قصّة مقتل الحسين على أنبياء عاشوا قبل الإسلام([53]).

الأُسطورة وصناعتها وكتابة التاريخ

حينما عدت إلى أبسالا بعد بضع سنين من مشاهدتي لشعائر محرّم في راولبندي، حضرت سلسلة من حلقات دراسيّة حول مفهوم الأُسطورة، نظّمهاالأُستاذ الراحل (يان بيرجمان) وطلاب الدكتوراه الذين كانوا تحت إشرافه، وقد طُلب منّا نحن الطلبة أن نكتب مقالةً حول هذا المفهوم من وجهة نظر العادات والتقاليد التي درسها كلُّ واحدٍ منّا([54]).

وفي ذلك الوقت أدركت أنّ مفهوم الأُسطورة يكاد ينعدم في الإسلام، وحين شرعت بالبحث بشكلٍ نظامي عن مصادر تُعنى بموضوع الأُسطورة في الإسلام، تأكّد لي ما كنت أعتقد به سالفاً من أنّ الأُسطورة ليس لها مكان في الإسلام([55]).

وفي نفس الوقت خامرني شعور قوي، بأنّ قصصاً مثل قصّة مقتل الحسين في كربلاء تلعب دوراً مهماً، ولها وزنها عند المسلمين الشيعة أكثر ممّا تلعبه تلك القصص التي نطلق عليها اسم (أُسطورة) عند باقي الأُمم؛ لذا لماذا لا يُطلق اسم (أُسطورة) على هذا النوع من القصص في الإسلام؟

هنالك على الأقل سببان ـ فيما أعتقد ـ من نفور أساتذة الأديان الغربيين([56]) من استخدام مصطلح (أُسطورة) في كلِّ ما يخصّ الإسلام:

السبب الأوّل: هو أنّ لمؤرِّخي الدِّين طريقتهم المتوارثة الخاصّة بهم في تعريف الأُسطورة، وبالرغم من عدم وجود تعريف محدّد للأُسطورة يتّفق عليه كلُّ المعنيين بها، أو على الأقل مؤرِّخو الأديان، فإنّ هناك مقتضيات ضمنيّة يمكن أن يُقال: إنّها وصلت إلى مستوى قريب من الإجماع فيما بينهم، إذ يُجمعون على أنّ الأُسطورة يجب أن تُعرَّف على أنّها: ضربٌ من الرواية يمتاز عن غيره من الضروب، كالسيرة والحكاية الشعبيّة ([57]). على أنّ هذا التمايز لا يستخدم إلّا نادراً في تاريخ الأديان المعاصر، ولكنّه ما زال يُخلِّف تأثيراً يُذكر، ونفس هذا التأثير يمكن أن يُلاحظ في علوم أُخرى غير تاريخ الأديان.

ولكي نميّز بين الأنواع المختلفة من (الحكايات النثريّة)([58])، كان من الطبيعي أن نعمد إلى معايير نصنّف من خلالها شكل ومضمون كلٍّ من تلك الأنواع، ومعايير أُخرى تبيّن موقف تلك الأنواع المختلفة من القصّة بمفهومها العام.

وخير مثال هو جدول المعايير الذي وضعه و(يليم باسكوم)(WilliamBascom)، وقام بتصنيف تلك الأنواع على ضوئه حسب المعايير المذكورة في الجدول أدناه:

الجدول 1.1: ثلاثة أنواع من الحكاية النثريّة كما صنّفها ويليم باسكوم:

النوع

الاعتقاد

الزمان

المكان

الموقف العام

الشخصيات الرئيسة

الأُسطورة

حقيقة

الماضي البعيد

أماكن مختلفة من العالم القديم والحديث

مقدّس

كائنات غير بشريّة

السيرة

حقيقة

الماضي القريب

العالم الحديث

دنيوي ومقدّس

كائنات بشريّة

الحكاية الشعبية

خيال

جميع الأزمنة

جميع الأماكن

دنيوي

كائنات بشريّة وغير بشريّة

وبالاعتماد على المعايير التي رسمها ويليم باسكوم في جدوله، تُصنَّف مأساة كربلاء على أنّها سيرة أكثر منها أُسطورة، بالرغم من أنّها تُعدّ حقيقة ومقدّسة، ولو بالنسبة للشيعة، فمن المفترض أن تكون حقيقة تاريخية لا تقتصر على الماضي البعيد أو على غير عالمنا، ثمّ إنّ أبطال هذه القصّة هم بشر، وإن كان للربِّ دور فعّال ومميّز في أحداثها، ولو من خلف الكواليس.

ونفس الشيء يمكن أن يُقال عن معظم القصص التي تروي أحداثاً وقعت في الإسلام، كما في قصّة حياة وسيرة محمّد، والأحداث التي تلت وفاته واستمرت لعقود من الزمن.

أمّا السبب الثاني في عدم تصنيف القصص التي تروي أحداثاً جوهريّة في تاريخ الإسلام على أنّها قصص أُسطوريّة، فهو أنّ الأساطير يُنظر إليها على كونها قصصاً خرافيّة لا تمتّ إلى الواقع بصلة، فإنّ التفريق بين الأُسطورة بما هي قصّة زائفة، والقصّة بما هي كلمات أو حكايات صحيحة ومعقولة، يعود إلى أفلاطون (Plato)، ومنذ ذلك الحين وهذا الفرق واضح ومفهوم في المجتمع الغربي ككلٍّ([59]).

وقد أصبح هذا التصنيف أداةً للتمييز بين الحقيقة والخيال في الغرب، كما تمّ تطبيقه والاستفادة منه بنجاحٍ كبير للتمييز بين العلم - أي المنطق - والمفاهيم الأُخرى كالخرافات أو الأساطير الدينيّة - أي الأُسطورة بمعناها الأعمّ - وحيث إنّ التاريخ حسب هذا التصنيف يدخل تحت مسمّى العلم، فقد أصبح نقيضاً للأُسطورة، وإن كان لهذا التمييز عواقبه على تصنيف التاريخ الإسلامي.

وحتى سبعينيات القرن الماضي، كان معظم العلماء الغربيين المختصّين بالإسلام وتاريخه لا يعترضون على النظرة الإسلاميّة التي تقول بأنّ كتابات المؤرِّخين المسلمين، بما فيها سِيَر النبيّ محمّد، وعدد كبير من الأحاديث المروية عنه، والتصانيف التاريخيّة التي كتبها مؤرِّخون كبار، كالبلاذري (المتوفىّ سنة 279 هـ/892 م) والطبري، كلُّ هذه الكتابات قد نقلت حقائق أساسيّة عن الأحداث التي وقعت فعلاً في عصر ظهور الإسلام والعصور التي تلته([60]).

وحيث إنّ المادّة الأساسيّة لهذا الكتاب تختصّ بالتاريخ، وإن كان عليَّ أن أعترف بأنّني في نقل كثيرٍ من الأحداث اعتمدت على تاريخ متحيّز وغير منصف، فإنّ من غير الممكن أن نعتبر تلك الأحداث نوعاً من الأساطير، ويؤيّد هذه الحقيقة العقيدة الإسلاميّة التي تقول بأنّ بعضاً من تلك المصادر التاريخيّة اعتمدت كليّاً على الوحي - وخاصّةً أحاديث النبيّ وسيرته - كما اعتمدت وبشكلٍ أساسي على التمييز القاطع بين خرافات عصـر ما قبل الإسلام ـ المعروف بالعصر الجاهلي ـ وبين حقيقة الإسلام التي نقلها النبيّ([61]).

وبالطبع فإنّ التفريق بين الحقيقة الموحاة والأُسطورة ليس شيئاً انفرد به الإسلام، وإنّما يمكن أن نراه في جميع الأديان الأُخرى ومنقولاتها، فبالإضافة إلى التمييز بين التاريخ والأُسطورة الذي أسّسته الدراسات الغربيّة الأكاديميّة، فإنّ للدِّين أيضاً تقسيماً مماثلاً يبيّن الفرق بين الحقيقة المستوحاة من الوحي الإلهي والقصص المستوحاة من مصادر أُخرى، والتي أُصطلح عليها اسم الأُسطورة من وجهة نظر سياقات تحليليّة متعدّدة.

أمّا بالنسبة إلى الإسلام، فإنّ كلا القسمين قد عملا معاً ضدّ كلّ ما يمكن أن يطلق عليه اسم (أُسطورة)، كمفهوم ينطبق على قصص بالغة الأهمّية تمّ توارثها من العصور المؤسّسة لأحداث تلك القصص. (اُنظر: الجدول 1،2).

 

 


الأكاديميّة

الدِّين

زيف أو باطل

أُسطورة

أُسطورة

حقيقة

التاريخ

الوحي الإلهي

الجدول 1،2: الأُسطورة ونقيضاتها في الفكر الدِّيني التقليدي وفي الفكر الأكاديمي الغربي.

وفي نظري، تكمن المشكلة في أنّ كثيراً من القصص التي لها خلفية تاريخيّة داخل المواريث الدينيّة تؤدّي وظيفتها المؤثرة على حياة المؤمنين بها، وبسبب تلك الآثار تكتسب تلك المواريث صفة الأُسطوريّة أكثر من صفة كونها سِيَراً أو أحداثاً تاريخيّة صرفة لا تتعدّى أهمّيتها ذلك، ولا تُعتبر نقلاً لأحداث وقعت بالفعل في الماضي.

وهذا يسري أيضاً على مأساة كربلاء، وعلى قصص أُخرى مماثلة حدثت في بدايات ظهور الإسلام، وهذه القصص ومثيلاتها هي الأساس في تشكيل النظرة العالميّة عن الإسلام، كما تُعطي السبب في ممارسة الطقوس وأُسلوب الحياة الذي يتّخذه المؤمنون في تلك القصص، بنفس الطريقة التي تعطيه القصص الشعبيّة عند المجتمعات الأُخرى والتي نُطلق عليها اسم أُسطورة.

ومن الصعب أن نجد اصطلاحاً آخر يمكن أن ينقل بدقّة الأثر الذي تتركه تلك القصص على المسلمين المؤمنين؛ لذا فإنّي أُفضّل أن أقترح استخدام التصنيف التحليلي للأُسطورة على أنّها قصة لها أثر ووظيفة معينة، لا أنّها قصة من نوع أدبي.

وحينما تناولت الأُسطورة بالبحث في مواضع أُخرى، اعتمدت على مقالةٍ كتبها أُستاذ فنلندي متخصّص بالقصص الشعبيّة وعلم الأديان المقارن، وهو الأُستاذ (لاوري هونكو) (Lauri Honko)، وهو يبحث في موضوع الأُسطورة([62])، فإنّ التعريف الذي يقترحه هذا الأُستاذ طويل وغير مجدٍ، ولكنّه مبني على أربعة معايير، قد اعتمدت عليها كأُسس لتقديم تعريفي الخاصّ بالأُسطورة([63])، وتلك المعايير هي:

الأوّل: الأُسطورة هي من النوع الروائي؛ إذ إنّها متّصلة ببعضها لفظيّاً، إلّا أنّه يمكن التعبير عنها بطرقٍ أُخرى، كما في القصص المأساويّة، والفنّ... إلخ.

الثاني: محتوى الأساطير يتفاوت بين أُسطورة وأُخرى، ولكنّه يروي أحداثاً إبداعيّة أو حاسمة حدثت في أوّل الزمان؛ لهذا السبب فإنّ تصوير أحداث حدثت في بداية نشأة الكون يكون عنصراً أساسيّاً في كتابة الأساطير.

يقول الكاتب (هونكو) وهو يصوّر مدى أهمّية هذه النقطة في كتابة الأساطير: كما هو واضح، ليس بالضرورة أن يكون محتوى كلِّ الأساطير هو تصويرات لبداية نشأة الكون، إذا ما استخدمنا كلمة (بداية نشأة الكون) بمعناها اللغوي المقيّد، ولو أنّ أهمّ ما في الأمر ـ فيما يبدو لي أنا على الأقلّ حين استخدامي لهذا المصطلح ـ هو التطابق البنيوي بين الأساطير التي تروي أحداث بداية نشأة الكون، وقصص أُخرى تروي أصل العالم والوجود، والتي تنظر إليها المجتمعات على أنّها الأساس في تحديد هويّة هذا العالم.

وبمعنىً آخر، فإنّ مصطلح بداية نشأة الكون في هذا المعنى يضمّ تحته جميع أشكال القصص التي تروي كيف بدأ العالم، وكيف بدأت رحلتنا فيه كبشـر، وكيف أنّ الأغراض التي نرمي إلى الوصول إليها إنّما هي أغراض حتميّة، وكيف أنّ مبادئنا المقدّسة هي تابعة لنواميس طبيعيّة لا يمكن القفز عليها أو تجاهلها؟

وعلى أساس هذه الفكرة، فإنّ السورة السادسة والتسعين من القرآن أي: سورة العلق، أوّل ما نزل من القرآن، وولادة المسيح، وحياة لينين، وموت جيفارا، وخطابات ماو، كلّها أشياء مادّية يمكن أن تتركب تحت ظروف معيّنة بطريقةٍ تشبه أساطير الزمن الغابر وبداية نشأة الكون([64]).

الثالث: تمثّل الوظيفة التي تؤدّيها الأساطير أمثلةً تُحتذى ونماذجَ قائمة، ويمكن تلخيص هذه النقطة التي طرحها (هونكو) بالتعريف ذي الحدّين الذي قدّمه الكاتب كليفورد جيتز (Clifford Geertz) حول مفهوم النموذج، إذ يقول: «تارةً تكون الأساطير نماذج جامدة عن العالم في نشأته الأولى، وتارةً أخرى تكون نماذج للسلوك الإنساني»([65]).

الرابع: سياق الكلام في الأساطير عادةً يكون شعائريّاً بتكراره لحوادث حدثت في زمانٍ ما، ولكن أحداثه مرتبطة بما يحدث في الزمن الحالي.

يمكن تطبيق المعيار الأوّل والأخير بسهولة على مأساة كربلاء؛ إذ إنّ هذه المأساة في شكلها الأساسي هي رواية لأحداث، ولو أنّها كثيراً ما تُروى بشكل درامي يتجلي فيه الفن والشعر، كما أنّها متصلة بشكلٍ عميق بعددٍ من الشعائر والطقوس يأتي على رأسها شعائر إحياء ذكرى عاشوراء كما وصفتها في الصفحات الأُولى لهذا الكتاب، وهناك شعائر أُخرى تتمّ ممارستها أسبوعيّاً وشهريّاً وسنويّاً تختلف باختلاف الثقافات الشيعيّة المتنوّعة، ومع ذلك، فإنّها جميعاً تشترك في نفس العناصر الأساسيّة، وهي إحياء معاناة ومقتل الحسين وأهل بيته في كربلاء ([66]).

حتّى وإن سلّمنا أنّ المعيار الأوّل والرابع من تلك المعايير التي وضعها (هونكو) منطبقة على مأساة كربلاء، فإنّ من غير الواضح أن ندّعي أنّ المعيار الثاني ينطبق على هذه المأساة.

ويبدو أنّ من المستحيل أن نقف على حقائق ثابتة تاريخيّاً جرت في معركة كربلاء([67])، فإنّ معظم الكتّاب الغربيين يتفقون على أنّ هذه الحادثة ليست أكثر من حدث تاريخي صغير في خِضم الأحداث الكبيرة التي حدثت في القرن الأوّل من ظهور الإسلام، إذ يصف أحد هؤلاء الكتّاب حادثة كربلاء على أنّها: «عملية سياسيّة روتينيّة»،بالنسبة للسلطات الأُمويّة الحاكمة آنذاك ([68])، كما يصفها آخر كما يلي: «لا يبدو أنّ حادثة كربلاء رمت بثقلها على الأُمويين؛ إذ لم يحسبوا لها حساباً كبيراً، فإنّ قوّة الحسين وتأثيره كان قليلاً، إذ تمت السيطرة عليه بسهولة تامّة إذا ما قُورن بالاضطرابات الأُخرى التي حدثت في ذلك الوقت»([69])([70]).

وفي الاصطلاح التاريخي، لا يمكن التعبير عن الحادثة بالمصيريّة أو الحاسمة في تاريخ العالم أو في المجتمع الإسلامي، حتى وإن درسناها على ضوء المفهوم الموسّع الذي طرحه هونكو لمصطلحي (مصيري) و(حاسم)فيما اقتبسنا منه آنفاً.

ولم تأخذ هذه الحادثة تلك الهالة الكبيرة إلّا بعد وقوعها بزمنٍ طويل، وبعد استمرار روايتها عبر الأجيال وإعطائها تفسيرات ذات أبعاد عديدة؛ إذ أصبحت بعد ذلك قصّة مؤثّرة ومثالاً للبطولة وعبرةً وأُنموذجاً للمعاناة التي يتعرّض لها الصالحون([71]).

وهكذا، لا يمكن أن ننظر إليها كقصّةٍ تحمل أماراتٍ عن نشأة الكون - وهو ما يميّز الأُسطورة عن باقي أشكال القصص الشعبيّة - إلاّ بعد أن نجعلها تتوافق مع المعيار الثالث، أي بعد أن ننظر إلى قصّة كربلاء على أنّها تمثّل أُنموذجاً وعبرة.

ولعلَّ الكاتب (روسل مكوتشيون) (Mccutcheon) قد أشار إلى عملية تفسير حدثٍ ما إلى أُنموذج وعبرة حين عرَّف الأُسطورة على أنّها: «تحويل حدث يومي عابر إلى حدث استثنائي غير عادي»([72]).

والحقُّ يقال: إنّ هونكو نفسه، كما في مقالته المقتبسة أعلاه، يدمج المعيار الثالث للأُسطورة مع المعيار الثاني، وبذلك فهو يجعل المعيار الثالث غير ضروري بشكلٍ أو بآخر، فما يجعل من القصّة أن تأخذ شكل الأُسطورة هو ما تؤدّيه من وظيفة ترتبط بحكايات نشأة الكون أكثر ممّا تحتويه هذه القصّة من أسطر حول مادّة نشأة الكون.

وفي هذا الكتاب، فإنّي ساستخدم صفة (تأسيسـي)؛ لكي أعبّر عن هذا الدمج بين تمركز الأُسطورة حول أحداث تتعلّق بنشأة الكون، وبين تقديمها أنموذجاً شعبيّاً أو عبرة تُستخلص منها دروس معيّنة ([73]).

ويمكن للمرء أن يقول الشيء ذاته عن كثير من القصص التي تروي أحداثاً وقعت في صدر الإسلام، أو أحداثاً وقعت للديانة المسيحيّة، أو حتى تلك القصص الأُخرى التي تحمل بصمات عن (نشأة الكون)، أو عن (بطولات تصلح لأن تكون نموذجاً ومثالاً يُقتدى به)، كما يقول هونكو؛ لهذا السبب سوف أعتمد في كتابي هذا على التعريف التالي للأُسطورة: هي: حكاية تأسيسيّة للنظرة العالميّة حول شيءٍ ما أو لهويّة مجموعةٍ ما من البشر.

إحدى الميزات الواضحة لهذا التعريف هي: إنّ الأُسطورة بهذا التعريف تشمل كلَّ أنواع القصص التي لها أهمّية بالغة عند الناس، بحيث يمكن أن تمثّل دوراً تأسيسيّاً في معتقداتهم، وهي بذلك لا تفرّق بين أن تكون تلك القصّة صحيحة وثابتة تاريخيّاً أو لا، بمعنى: أنّ أحداث تلك القصّة قد لا يمكن إثبات وقوعها بالفعل بالطرق العلميّة؛ وهذا يعني أنّ التفرّع بين الأُسطورة والتاريخ يفقد أهمّيته؛ إذ يمكن لرواية ثابتة تاريخيّاً أن تكون أُسطورة، ويمكن لأُسطورةٍ ما أن تكون حدثاً قد سجّل التاريخ وقوعه الفعليرسميّاً([74]).

وعلى الرغم من أنّ التاريخ الرسمي يُفترض أن يمثّل (حقائق موضوعية وموثّقة)([75])، إلاّ أنَّ كلَّ هذه الحقائق تكون خاضعة لما يفهمه المؤرِّخ الأكاديمي وما يثير اهتمامه منها.

يقول الكاتب البريطاني سيث كونين - وهو متخصّص بعلم الإنسان (الأنثروبولوجيا) عموماً، وباحث في علم الأساطير العبريّة خصوصاً ـ: «إنّ الثنائيّة: (أُسطورة/تاريخ) لا تكون ذات أهمّية في كثير من الأحيان؛ لأنَّ كلَّ الأوصاف التي تقال عن حدث معيّن إنّما هي مصاغة بشكلٍ مكلَّف واصطناعي؛ إذ إنّها تعزل لحظات معيّنة من أحداث قصّةٍ ما، وتقدمها حسب ما يقتضيه تطوّر الزمن. وإنّنا وإن كنّا لا ننفي حدوث واقعةٍ ما في الماضي، إلّا أنّنا ننفي إمكانية تكرار ما حدث في الماضي بشكلٍ لا يكون لراويه أيّة يدٍ في إعادة صياغته أو بنائه ليحاكي الحاضر.

إنّ كلاً من الأساطير والأحداث التاريخيّة، لا بدّ أن تكون روايات قد صِيغت بشكلٍ متقن جدّاً؛ لكي تتناسب مع الأذواق والعالم الحاضر، فهي - أي الأساطير والأحداث التاريخيّة - إذن متطابقة من حيث الوظيفة التي تؤدّيها، والفرق يكمن في المحتوى فقط؛ إذ إنّ الأساطير تنقل أحداثاً قد تكون خياليّة، وقد لا تكون كذلك - أي أنّ الأساطير يمكن أن تتضمّن أحداثاً وقعت فعلاً في التاريخ - بينما ينقل التاريخ أحداثاً يُفهم منها أنّها حقيقيّة»([76]).

يعطي مجتمعنا أفضلية وامتيازاً للحقائق على الأشياء غير الحقيقية، ولكن في مجتمعات أُخر، يكون الأمر بالعكس تماماً؛ لذا يقول (كونين): إنّ الفرق بين التاريخ الرسمي بما هو نقل لحقائق حدثت فعلاً، وبين الأُسطورة بما هي سرد لوقائع قد تكون زائفة، يعتمد بالأساس على نظرة يكون العرق فيها هو الأساس في الحكم على الأشياء، وبقولٍ آخر: الفرق بين التاريخ الرسمي والأُسطورة يعتمد على الطريقة التي ينظر إليها مجتمعنا إلى العالم ويفهمه من خلالها([77]).

وأنا أُوافق تماماً على آراء كونين في هذا الأمر، وأُضيف: حتى وإن لم تكن أحداث التاريخ الرسمي دائماً تأسيسيّة، فإنّ الأساطير تكون تأسيسيّة دائماً، كما أرى أنّ التوافق بيني وبين كونين في رؤيتنا للأُسطورة والتاريخ سببه هو حقيقة أنّ كلينا تعامل مع الأُسطورة من خلال مجتمعات تعتمد اعتماداً كليّاً على التاريخ في وعيها.

والنتيجة هي: إنّ الأسطورة تعني اصطناع العالم الذي نعيش فيه، ولكنها رغم ذلك مصطنعة، وقد تكون خارج هذا العالم الذي نعيش فيه؛ لأنّنا عادةً ما نستجيب لما نشاهده من تجارب شخصيّة على أساس اصطناع وتحوير الأساطير.

يقول (روسل مكوتشيون) (Russel Mccutcheon) - وهو عالم أديان أميركي-: إنّ «محور دراسة الأُسطورة يجب أن يُنقل من دراسة الأساطير على أنّها شيء متحجّر غير قابل للتغيير، أو على أنّها قصص تروي ما هو مقدّس، أو على أنّها تروي أحداثاً غير مألوفة، إلى دراسة صناعة الأساطير كعملية مستقلة، وكنوعٍ من الجدال الاجتماعي، وكأُسلوب معالجة، وكخطّة متقنة تكون طبيعيّة مائة بالمائة، وتكون إحدى الوسائل التي لا يمكن الاستغناء عنها في بناء الهويّة الذاتيّة» ([78]).

إنّ هذا التغيير في مفهوم الأُسطورة يتناسب تماماً مع الفكرة القائلة: إنّ جميع الأحداث التاريخيّة العاديّة وكلَّ ما هو موجود في محيط جماعةٍ ما يمكن أن يُستخدم كأُسطورة.

كلود (ليفي شتراوس) (Claude Lévi-Strauss)- العالم الفرنسـي المتخصِّص بعلم الإنسان والبنيويّة - قد أطلق على عملية التغيير هذه اسم (Bricolage) أي: التركيب الآني، وهي كلمة يصعب ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية؛ إذ إنّها مشتقة من الجذر الفرنسـي (Bricoleur)،وهو اسم يُطلق على نوع من الرجال الذين يُستخدمون لإنجاز ضروب مختلفة من الأعمال، كما يُطلق على الحرفيين الماهرين الذين لهم القدرة على إصلاح وترميم كلّ ما يرونه أمامهم، مستخدمين أيّة وسيلة تكون في متناولهم. فالمركّب الآني هو: «الرجل الماهر الذي يصلح لإنجاز أنواع مختلفة من الأعمال... ويكون عَاَلم أدواته مغلقاً، وقواعد لعبته هي أن يستخدم كلَّّ ما يراه متاحاً أمامه»([79]).

كما يقول (ليفي شتراوس) بأنّ الأساطير يتمّ بناؤها بضـروب مختلفة من العناصر الموجودة والمهمّة في نظر مجتمع معيّن، سواء أكانت أحداثاً تاريخيّة - كما هو الحال غالباً في المجتمعات المتأثّرة بتاريخها - أم تفاصيل عن المحيط الطبيعي لمجتمعٍ ما، أو علائم اجتماعيّة أو اقتصاديّة داخل ثقافة المجتمع، أو كلّ ما يتوفر ويكون في المتناول ([80])، فالأساطير تعابير أو مظاهر سيقت بشكلٍ روائي للتراكيب التحتيّة الملازمة لمجتمعٍ أو حضارةٍ ما، في حين أنّ التراكيب عادةً ما تكون ثابتة بدرجة أو أُخرى، وتكون الأساطير متغيّرة أو (متحوّلة) كما اصطلح عليها شتراوس؛ بسبب عملية التركيب الآني المذكورة آنفاً ([81]).

ينظر (ليفي شتراوس) إلى التركيب الآني على أنّه عملية جماعيّة ومجهولة المصدر، وتصدر عن اللاوعي ولكن بشكلٍ متفاوت.

أمّا بالنسبة (لمكوتشيون)، فإنّه يرى أنّ صناعة الأُسطورة هي أيضاً عملية يقوم بأدائها مجموعة معيّنة من الأفراد أو المجاميع. ونفس النظرة يحملها (بروس لينكولن) (Lincoln) ـ وهو كاتب أميركي متخصِّص بعلم الأديان ـ وعلى الرغم من أنّه يكّن لـ(ليفي شتراوس) غاية الاحترام، إلّا أنّه يختلف معه في هذه النقطة بالذات، إذ يرى أنّ الغرض الرئيس من الأُسطورة هو تصنيف العالم الذي نعيش فيه، وهو جانبٌ أثار اهتمام (ليفي شتراوس) كثيراً، ولكنّه مع ذلك لم يناقش الجوانب الأُخرى السياسيّة التي تخصّ علم التصنيف (أي دراسة المبادئ العامّة للتصنيف العلمي).

وعلى عكس (ليفي شتراوس يرى لينكولن)، إنّ علم التصنيف لا يكون عادةً عملية محايدة؛ لأنّ النظام الموضوع لكلِّ ما يجري تصنيفه - بما في ذلك المواضع التي تُعامل على أنّها إشارات ضمنيّة، والأنظمة التي يتمّ من خلالها تصنيف المجاميع البشريّة - عادةً ما يكون متسلسلاً هرميّاً أو طبقيّاً.

ويضيف (لينكولن): «لذا، فأنا أميل إلى القول بأنّ علم التصنيف عندما يتمّ ترميزه بشكلٍ أُسطوري، فإنَّ الروايات تتضمّن في طيّاتها نظام تمييز محتمل في شكلٍ جذّاب يبقى في الذاكرة، بالإضافة إلى ذلك، هذه الروايات تعطي صفة الحياديّة والشـرعيّة للأُسطورة، وهكذا لا تكون الأُسطورة نظام تصنيف فحسب، بل هي آيديولوجيّة على شكلٍ روائي»([82]).

ثمّ يؤكد الكاتب (لينكولن) بأنّ رؤية الأُسطورة بهذا المنظار، يتطلّب منّا أن نأخذ بنظر الاعتبار دور الرواة الذين كثيراً ما يغيّرون في رواية الأُسطورة، ويُحدثون تغييرات في تصنيف الرواية؛ لكي يظهروا للعيان النقاط التي يريدون من المستمعين التركيز عليها([83]).

وبالأخذ بنظر الاعتبار تقييد المعنى الذي يقترحه (لينكولن) على نظريّة (ليفي شتراوس) حول الأُسطورة والتحوّل الأُسطوري، وجدت أنّها تجذب الانتباه إلى خواص عملية بناء الأُسطورة، ولهذا السبب سوف أستخدمها في تحليلي لمأساة كربلاء حسب ما نقلها الطبري.

وقبل البدء بهذا العمل، عليَّ أن ألفت نظر القارئ إلى أنّ هناك تصادماً بين استخدامي لمصطلح (أُسطورة) وبين استخدام ليفي شتراوس لنفس الكلمة، بينما يكون تعريفي للأُسطورة مبنياً على الوظيفة التي تؤدّيها الرواية، فإنّ (ليفي شتراوس) يستخدم المعايير البنويّة والوظيفيّة من أجل تصنيف قصّةٍ ما (أو حتى مجموعة من القصص) كأُسطورة ([84])، بَيْدَ أنّ هذا لا يعني أنّني أنفي وجود التراكيب في الأساطير، ولكنني على العكس من ذلك، كما أسعى لإثباته في هذه الدراسة، أرى أنّ الأساطير في معظمها - إن لم تكن كلّها - تكون ذات تراكيب مبنيّة بشكلٍ مُتقن، ويبقى الفرق الوحيد بين استخدام (ليفي شتراوس) لمصطلح الأُسطورة واستخدامي أنا لنفس المصطلح هو: أنّي أضع الوظيفة التي تؤدّيها الأُسطورة في المقام الأوّل، ما يجعل مفهوم شتراوس للأُسطورة يبدو أوسع من مفهومي لها، وهكذا تدخل كثير من القصص تحت مسمّى الأُسطورة حسب مفهوم شتراوس بخلاف ما هي عليه حسب مفهومي لها.

الغرض من هذه الدراسة وفحواها

سوف أقوم في هذه الدراسة بتحليلٍ لقصّة مقتل الحسين بن عليّ - أي مأساة كربلاء - كما رواها محمّد بن جرير الطبري، المؤرِّخ واللاهوتّي(*)المسلم، المتوفّى سنة (310هـ /923م).

ومن خلال هذه الدراسة، سوف أنظر إلى هذه القصّة على أنّها أُسطورة حسب المعنى الذي ذكرته للأُسطورة في القسم السابق من الكتاب، وسوف يكون تحليلي لها مبنياً على النظريّة البنيويّة وعلى منهج (كلود ليفي شتراوس)(Claude Lévi-Strauss) كما طوّره علماء من قبيل: ألي (كونغاس ماراندا) (E. Köngäs Maranda)، و(بيير ماراندا) (P. Maranda أس.ماركوس، أل. سكوبلا، بالإضافة إلى آخرين([85])، راجياً في عملي هذا تحقيق هدفين اثنين:

أوّلهما: تقديم مفهوم أعمق لمأساة كربلاء كقصّةٍ تأسيسيّة في نظر الطبري، وربّما للصورة الذاتيّة للمجتمع الإسلامي في عصره، ولكي أفهم بشكلٍ صحيح مغزى هذه المأساة بالنسبة للطبري وعصره، كان عليَّ أن أعمل مقارنة بين هذه القصّة كما رواها الطبري، وبين مروياتها من طرقٍ أُخر، ولكن هذا لم يكن ممكناً لي في ضمن الإطارات المعتمد عليها في هذا الكتاب؛ لذا علينا أن نعتبر هذه الدراسة كخطوة أُولى في هذا المضمار، مع استجلاب استقصاءات أُخرى مأخوذة من المرويات الأُخرى لهذه القصّة ومقارنتها بما سنقوم بدراسته في هذا الكتاب.

وثانيهما: أن أستقصي مدى وكيفية تطبيق نظريّة البنيويّة عند شتراوس على ما وصلتنا من روايات تعود إلى الفترة الأُولى لظهور الإسلام، وكما سأبيّن فيما بعد، فإنّه لا نكاد نجد ـ في أيٍّ من الدراسات التي وصلتنا باللغة العربيّة ـ أيَّ شكلٍ مطابق لما قد نطلق عليه تسمية البنيويّة. وأكثر من ذلك، فمنذ أن تلاشى الاهتمام بكتابات ليفي شتراوس ونظريّاته في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، لم يعد مناسباً أن نطبّق أدواته النظريّة والمنهجيّة على دراسة تاريخ الأديان، وإن تمّ تطوير أفكاره والتعليق عليها في العقدين الأخيرين، ما حدا بي إلى الاعتقاد الجازم بأنّ تاريخ الأديان بما هو فرع من الدراسات الأكاديميّة كان من الممكن أن نعيد إدماجه في ضمن مجموعة نظريّات وأساليب البنيويّة التي تبنّاها شتراوس.

دراسات مسبقة: الأُسطورة في الإسلام

بالرغم من أنّ من النادر أن نجد منفذاً للأُسطورة في الإسلام، إلاّ أنّ دراسات قليلة في السنوات السابقة قد ناقشت مفهوم الأُسطورة في الإسلام، ولو بشكلٍ نظري فقط، وفيما يلي سأتعرّض ولو بشكلٍ ملخّص لبعض من أُولئك الكتّاب الذين ناقشوا هذا الموضوع:

إحدى أكثر المناقشات توسّعاً حول موضوع الأُسطورة في الإسلام هي تلك التي كتبتها (أنجليكا نيوويرث) (Angelika Neuwirth)، الألمانيّة التي ركّزت جلَّ اهتمامها على موضوع الأُسطورة في القرآن الكريم خصوصاً، ففي إحدى مقالاتها التي ساهمت في إصدار موسوعة القرآن الكريم([86]) المطبوعة حديثاً، تفصّل الكاتبة بين الأُسطورة والخرافة في القرآن الكريم([87])، فتقدّم تعريفاً للأُسطورة على أنّها: «روايات تساهم في تفسير ووصف العالم المكتشَف عن طريق إظهار نماذج ذات طراز بدائي»، والتي عادةً ما تؤطَّر بشكل نصوصٍ عن نشأة الكون، أو عن ظواهر خارقة للعادة، تصلح لأن تخلق معاني مشخّصة وتعطي نصائح وتوجيهات.

أمّا الخرافات، فتعريف الكاتبة لها أنّها: «قصص خياليّة تمجّد التقوى التي يبديها أشخاص يصلحون لأن يُتَّخذوا أُسوة حسنة» ([88]).

ومن عدّة نواحٍ، تحاكي هذه التعريفات التصنيفات التقليديّة التي سبق أن أسّس لها (باسكوم)، كما هو مبيّن في الجدول السابق (1-1)، إذ لم يتوضّح لي جليّاً ما تقصده (نيوويرث) بقولها: (نماذج ذات طراز بدائي)، ولكن حسب المجال الذي تعمل فيه، يبدو أنّها تشير إلى معانٍ طُرحت في الكتاب المقدّس المكتوب باللغة العبريّة كما في العهد الجديد كذلك، علاوةً على الموروثات العربيّة القديمة - ولو بشكلٍ أقل - التي تؤدّي وظيفة نماذج لتأكيد الهويّة، وللهداية التي تجسّدت في الميثولوجيا الإسلاميّة، وهذه (الضروب من الروايات التي تتميّز بكونها تؤخذ على شكلها التأويلي الأوّلي) ليست موجودة في القرآن فحسب، بل يمكن رؤيتها في أشكال الأدب العربي الأُخرى([89])، ففي القرآن تمّ إزالة الشكل الأُسطوري لتلك الشخصيات التي تُتَّخذ كنماذج يُحتذى بها، أي أُخرجت من شكلها التاريخي والروائي، ثمّ أُعيد بناؤها حسب إطار إسلامي بحت.

ثمّ تسجّل (الكاتبة نيوويرث) قائمة بعدد من تلك الأساطير والخرافات المذكورة في القرآن، قبل أن تحاول أن تبرهن أنّ هناك رواية قرآنيّة واحدة، يمكن أن ينظر إليها على أنّها من أساطير التاريخ([90])، وهي قصّة خروج أو هجرة موسى التي قدّمت عِبرةً ومثالاً يُحتذى به للنبيّ محمّد والمسلمين الأوائل([91]).

أمّا أحد أهمّ العبر ذات الطراز البدائي التي تكرّر ذكرها في القرآن في مناسبات كثيرة، فهي مسألة إهلاك الأُمم السابقة التي لم تؤمن بأنبيائها ولم تُطِعهم، وهي تسمّى قصص العقوبات. ففي نظر نيوويرث هذه القصص إنّما هي استعارة وإعادة تشكيل لقصّة برج بابل المذكورة في التوراة والإنجيل، إلّا أنّ القرآن يرى بأنّ هذه القصّة حدثت مراراً وتكراراً في التاريخ، لا في مناسبة فريدة في زمن معيّن قبل تاريخ الإنسانيّة، كما هو الحال في روايتها في التوراة والإنجيل.

أمّا الغرض من ذكر قصص العقوبات الإلهيّة تلك، فهو لإعطاء معنى لذلك الوضع المحفوف بالمخاطر الذي واجه النبيّ والمسلمين الأوائل، حينما استهزأ بهم وثنيو مكّة واضطهدوهم؛ «لذا، فإنّ الوضع الراهن اكتسب معنىً أبعد، تطلّب أن يتمّ التأكيد عليه من خلال إعطائه بُعداً له صلةٌ بأمثلة مشابهة حدثت في التاريخ البعيد، وإن كان بعض تلك الأمثلة حدثت في أماكن أُخرى بعيدة عن وطن أُولئك الذين تعرّضوا لهذا الاستهزاء والاضطهاد»([92]).

وفي مقالةٍ أُخرى، تصِف (نيوويرث) سورة الرحمن (رقم55) بأنّها أُسطوريّة؛ وذلك: (أنّها تذكر الأفعال الفرديّة لخلق السماوات والأرض، كما تبيّن أنّ إنشاء الأرض ورفع السماوات قد تمّا بشكلٍ نظامي ودقيق)، ثمّ تحذّر السورة الثقلين ـ أي: الإنس، والجان ـ أنّهما إن حاولا تخطّي الحدود الإلهيّة، فإنّهما سيواجهان العقوبة في الآخرة ([93])، وهنا أيضاً يمكننا رؤية آثار من النظرة التقليديّة للأُسطورة، حيث يعاد سرد أحداث ما جرى قبل التاريخ؛ إذ بمشاركة كائنات غير البشر أمكن الاستفادة من عناصر أُخرى من عناصر تصنيف الأُسطورة.

أمّا أهم ما يواجه الكاتبة(نيوويرث) من مشاكل في مناقشتها هذه للأُسطورة في القرآن برأيي، فهو أنّها تذبذبت بين رأيين حول الأُسطورة المبنية على الأُسلوب الأدبي، وهما: الرأي القائل بأنّ الأُسطورة تؤدّي وظيفة معيّنة. والرأي الآخر القائل بأنّ الأُسطورة ما هي إلّا تقليد عند الشعوب. فتارةً تقول الكاتبة بأنّ تلك الأساطير هي: (روايات تُلقى بشكلٍ تأويلي خاصّ)، أي أنّها قصص تزوِّد متلقيها بنماذج مقصود منها أخذ العبرة من شخصيات من الأزمنة الغابرة، (وهذا ما نعني به العنصر الوظيفي للأُسطورة).

وتارةً أخرى تتحدّث الكاتبة عن قصص تعود لطبقات معيّنة، ثمّ تفصل بين الأُسطورة والخرافة، بأنّ كلاً منهما يمثّل ضرباً محدّداً من ضروب العمل الأدبي ([94])، ولكنّها مع ذلك تشير إلى أمرٍ مهم، حين تذكر أنّ مواضيع من قصص سابقة تمّ إعادة استخدامها وإعادة نسجها؛ لكي تتلائم مع المثال القرآني، وهذا ما اعتبره ضرباً من التركيب الآني عند المسلمين الأوائل.

وهناك دراسة أُخرى مثيرة للاهتمام حول موضوع الأُسطورة في القرآن وفي أدب ما بعد القرآن، وقد قام كاتبها (ياروسلاف ستيكيفيتش)(Jaroslav Stetkevych) ببحث كيفية انتقال ودمج نمط الأُسطورة في فترة ما قبل الإسلام ـ وهي فترة ازدهار الأدب ـ إلى الأُسطورة الإسلاميّة ([95])، ويبدو من كتابه أنّ هذا الكاتب يحمل نفس الفكرة عن الأُسطورة التي تحملها الكاتبة (نيوويرث)، وإن لم يتطرّق أبداً إلى تعريف واضح المعالم لمفهوم الأُسطورة.

أمّا الكتاب الذي بين يديك، فهو تاريخ لفترة ما بعد القرآن عموماً، ولفترة الطبري خصوصاً، والذي سوف أُركّز جلَّ اهتمامي عليه في هذا الكتاب.

هناك كاتبان اثنان على وجه الخصوص قد ناقشا مفهوم الأُسطورة في كتب التاريخ الإسلامي عموماً وكتابات الطبري خصوصاً، وهما:

البروفسور في التاريخ الإسلامي، (ر. ستيفن همفريز) (R. Stephen Humphreys)، وهو أُستاذ أميركي.

 والبروفسور في التراث والحضارة العربيّة، (كلود جيلوت) (Claude Gilliot)، وهو أُستاذ فرنسي.

بَيْدَ أنّ كلاهما لم يقدّم أيَّ تعريفٍ لمفهوم الأُسطورة، بل ناقشا هذا المفهوم على أنّه موجود في تراكيب الروايات التاريخيّة، وليس ضرباً خاصّاً من ضروب الأدب.

أمّا (همفريز)، فيقول: إنَّ تفسير التاريخ في الروايات التي أرّخت للعصـر الإسلامي الأوّل قد تأثر إلى حدٍّ كبير بالقرآن ([96])، وقد كان لزاماً على مؤرِّخي تلك الفترة أن يتعاملوا مع صدمة العنف والاختلافات التي عصفت بالمسلمين الأوائل، ما حدا بأُولئك المؤرِّخين أن ينظروا إلى تلك الخلافات من منظار القرآن([97]).

ويضيف همفريز بأنّ هذه النقطة تبدو جليّة؛ وذلك أوّلاً: من خلال حقيقة أنّ جميع المؤرِّخين لتلك الفترة قد آمنوا بأنّ ظهور الإسلام والقرآن كان بداية لعصرٍ جديد في تاريخ العالم ككلٍّ.

وثانياً: لأنَّ كلَّ أولئك المؤرِّخين قد رووا فعليّاً نفس الأحداث المفصليّة التي جرت في بدايات ظهور الإسلام، والتي تبدو ملائمة لخلق أُنموذج بنيوي يمكن أن نراه أيضاً بشكلٍ جليٍّ في القرآن، حيث يلاحظ في هذا الأُنموذج وجود ثلاثة مفاهيم، وهي:

1- الميثاق (أي الوعد الإلهي بالنجاة حين يلتزم كلُّ الناس بطاعة وعبادة الإله دون سواه).

2- الخيانة (أي عجز البشر عن إيفائهم بواجباتهم تجاه الميثاق الإلهي وإنكار بعضهم للنبيّين).

3- الخلاص«أي إيمان بعض المجتمعات بالنبيّين وتجديدهم للميثاق أو العهد الذي قطعوه على أنفسهم تجاه الإله» ([98])؛ لذا «فإنّ البحث عن الروح التي أثارتها جدليّة الكتاب المقدّس والعِبر المستوحاة من التاريخ، قد تبلورت في شكل أُسطورة يؤمن بها جميع البشر تقريباً؛ وبذا يمكن لنا أن نسمّيها أُسطورة الميثاق، والخيانة، والخلاص»([99]).

ثمّ يحاول (همفريز) أن يبرهن بأنَّ هذه الأُسطورة تُعطي مثالاً يُحتذى به، تُفسَّـر على أساسها جميع أحداث التاريخ عند كلِّ المؤرِّخين الإسلاميين على مرِّ التاريخ حتى القرن العاشر؛ إذ يعتقد كلُّ أولئك المؤرِّخين بأنّ الميثاق الذي أخذه الله على الأُمّة الإسلاميّة ـ وهو آخر المواثيق الإلهيّة مع البشـر ـ قد تمّ نقضه؛ ما جعل الأُمّة الإسلاميّة تغرق في الاختلاف فيما بينها؛ لذا كان من المهمّ أن نستقصـي أسباب وعوامل حدوث هذا النقض للميثاق الإلهي، وكيف يمكن أن نستجلب الخلاص الإلهي إن أمكن ([100]).

وقد وجّه البروفسور الإسرائيلي في الدراسات التاريخية (بواز شوشان) (Boaz Shoshan) نقداً لفكرة همفريز هذه، يتلخّص في أنّ الآخر قد أسّس فكرته على قراءات لتاريخ أحداث العصر الأوّل للإسلام أكثر ممّا هي عليه في الواقع.

ويضيف شوشان (Shoshan) بأنّ مفهوم (الميثاق الإلهي) لم يُعطَ أهمّية قصوى في القرآن ولا في التاريخ المتأخّر بالخصوص، كما ادّعى همفريز([101])، بالرغم من أنّ مفهوم (الميثاق) في أضيق معانيه قد لا يكون بالوضوح الذي بيَّنه همفريز، إلّا أنّني أرى أنّ المداليل والأفكار التي يعبّر عنها هذا المصطلح - أي العلاقة الجيّدة بين الربِّ والإنسان، والتي تشمل مجموعة من المسؤوليات المتبادلة بين الاثنين - لا يمكن نكران وجودها بشكلٍ أو بآخر في القرآن وفي الكتابات التي أرّخت العصر الأوّل للإسلام؛ لذا فإنّني أتّفق مع (همفريز) على أنّ الأُنموذج الذي وصفه يمكن رؤيته في تلك النصوص، أي القرآن والكتابات المؤرِّخة للحقبة الأُولى للإسلام ([102]).

يذكر الكاتب الفرنسي (كلود جيليو) أنّ هناك مركّباً من التناقضات والوسطيّة المزدوجة في كتابات الطبري، مثلما هي موجودة في العهد القديم([103])، ويضيف بأنّ الطبري يستخدم هذا النوع من التركيب في كتاباته التاريخيّة والتفسيريّة؛ لكي ينقل إلى القارئ رسالته الأخلاقيّة، وهي التأكيد على إحياء عقائد السلف، فإنّ المفتاح التفسيري والشبكة التأويليّة التي ينظر من خلالها الطبري لأحداث التاريخ، هو التناقض البنيوي بين التسليم لله من جهة، والتمرّد ضدّ القوانين الإلهيّة من جهةٍ أُخرى ([104]).

ثمّ يؤكد الكاتب أنّه ليس هناك حاجة لاستخدام نوع خاص من الرواية، والذي نطلق عليه عادةً (أُسطورة) من أجل نقل رسالة الطبري الأُسطوريّة، فإنّ تراكيب (الأُسطورة الذهنيّة) - والتي من خلالها فقط يمكن لي أن أفهم المقصود بالتناقض والوسطيّة - يمكن تحقيقها في قصةٍ ما أو في روايةٍ تاريخيّة، كما هو الحال فيما نحن بصدد مناقشته([105]).

ثمّ تحدّث (همفريز) و(جيلوت) عن تركيبة الأُسطورة - ولو أنّ همفريز لم يستخدم كلمة (تركيب) ولكنه تحدّث عن (نماذج) أو (أمثلة) - أكثر ممّا ناقشا مسألة الأُسطورة في شكل روايةٍ تاريخيّة، وهذا «التركيب» يمكن رؤيته متحقّقاً في قصص مختلفة؛ لذا فإنّ مفهومهما للأُسطورة قد يبدو أقرب لمفهوم (ليفي شتراوس) لها ممّا أفهمه أنا عنها، فإنّني أعتبر نفس تلك القصص التي تُروى من العصـر الأوّل للإسلام أساطيراً، ولكن لسببٍ آخر يختلف عمّا علّله الآخرون، وهو أنّ تلك القصص هي مواد تأسيسيّة للمسلمين في عصـر ظهورها، ولكن النقطة الأهمّ هي أنّ همفريز وجيلوت قد أشارا إلى أنّ من الممكن أنّ نحلّل بنيويّاً الكتابات التي أرّخت العصر الأوّل للإسلام؛ لكي نحصل على فهم أفضل للنظرة العالميّة والهويّة للمسلمين الذين عاشوا في عصور الإسلام الأُولى.

دراسات حديثة حول مأساة كربلاء

مع أنّ عدداً من الدراسات الحديثة قد كُتبت حول حادثة مقتل الحسين بن عليٍّ في كربلاء وأهمّيتها في الإسلام، إلّا أنّ من المستغرب أن نرى أنّ عدداً قليلاً من مثيلات تلك الدراسات قد كُتبت حول أحداث مأساة كربلاء على شكل متون.

في هذا القسم من الكتاب سوف أُلقي نظرةً عامّة، ولكن بشكلٍ مختصـر على مجموعة من الدراسات التي كتبت حول مأساة كربلاء على شكل أحداث ـ وإن كان هناك عدد أكبر من هذه الدراسات يمكن أن نختار من بينها - ثمّ أُناقش دراستين كُتبتا حول هذه المأساة على شكل متون على حدِّ علمي.

إنّ معظم الدراسات التي ذكرت تاريخ مأساة كربلاء قد ناقشت هذه الحادثة على ضوء العلاقة بينها وبين نشوء التشيّع، وإنّ بعض تلك الدراسات قد استفادت من عدد من المصادر كانت حصة الأسد منها لما رواه أبو مخنف كما رواه الطبري عنه، وأكثر الدراسات من هذا النوع ما هي إلّا صياغة جديدة لقصّة كربلاء بتفاصيل مطوّلة أحياناً ومختصرة أحياناً أُخرى، دون التطرّق إلى أيِّ نقدٍ أو تقييمٍ لأحداثها، ثمّ تنتهي تلك الدراسات بتعليقات على الأحداث تعتمد على وجهة نظر مؤلِّفيها الذين تتباين آراؤهم كثيراً.

قبل أكثر من مائة عام، كتب (جوليوس ولهاوزن) (Julius Wellhausen) فصلاً عن الحسين ومعركة كربلاء في كتابه (The Religio- Political Factions Inearly Islam)(الطوائف الدينيّة السياسيّة في العصـر الأوّل للإسلام)([106])، حيث قام بتلخيص رواية (مقتل أبي مخنف) كما هي في كتاب الطبري، ثمّ كتب تعليقة على أُسلوب أبي مخنف، وكيفية استفادته من مصادر روايته، وذلك بعد أن بحث ـ بشيءٍ من التفصيل ـ العناصر النفسيّة والوجدانيّة لأبطال القصّة.

وفي كتابه هذا لا يخفى تركيز (ولهاوزن) على دور السياسة المتسلطة في القصّة، فهو يرى أنّ الحسين أناني وضعيف، وقد كان يعيش في دنيا الخيال، ولكنّه لم يستطِع تحقيق شيءٍ من أحلامه تلك حينما قام بتلك المحاولة الهشّة للاستيلاء على السلطة (كطفلٍ يمدّ يده ليتناول القمر!)([107]).

كلُّ عواطف (ولهاوزن) كانت مع حاكم العراق آنذاك عبيدالله بن زياد، المسؤول بشكل مباشر عن مقتل الحسين، «بوسائل قليلة، ولكن بنيّة صادقة وعزم كبير، استطاع الحاكم أن يصل إلى حلِّ هذه المعضلة الكبيرة... فقد قام بواجبه، ولكنّه تخطى كلَّ الحدود بشكلٍ افتقد إلى الحكمة»([108])؛ لذا حين التقى الخصمان لم يكن إلّا ما كان متوقعاً: «كقِدرٍ مصنوع من الطين - يعني الحسين - يتصادم مع عبيدالله، الرجل الحديدي!»([109]).

إنّ مثل هذا الموقف الذي لا يُبدي أيَّ تعاطفٍ مع الحسين لا نجده عادةً في كتابات المؤلِّفين المتأخّرين([110]).

أمّا الكاتبة (لورا فاشيا فاغليري) (Laura Veccia Vaglieri)، فقد قامت بإلقاء نظرة شاملة غاية في الروعة حول هذه القصّة في مقالتها حول الحسين، المنشورة في الطبعة الثانية من (Encyclopedia Of Islam)(موسوعة الإسلام)([111])، إذ تناقش المقالة شخصية الحسين أكثر ممّا تسـرد أحداث كربلاء، ونظراً لكون جميع المصادر عن الحسين تركّز على هذه الحادثة بشكلٍ كبير، فإنّ جزءاً كبيراً من المقالة يتمركز حول معركة كربلاء.

تبدأ الكاتبة بسرد قصّة معركة كربلاء، ثمّ تناقش أُسطورة الحسين، أي: المعجزات والعجائب التي جرت على يديه([112])، ثمّ تختم مقالتها بتفنيد ما كتبه (ولهاوزن) وأمثاله حول القصّة.

وفي نهاية المطاف تشير الكاتبة إلى خطب الحسين كما روتها المصادر، لتصل إلى نتيجة مفادها: إنّ الحسين رجل قادته عقيدته - بتأسيس نظام حاكم يلبّي متطلبات الإسلام الحقيقي - إلى اتخاذ هذا الموقف، بالرغم «من أنّه قرّر بصلابةٍ لا تلين أن يصنع نهايته بيده، كما هو الحال مع كلِّ نهايات الأبطال الدينيين الملتزمين»([113]).

أمّا كتاب محمود(*)أيوب: (المعاناة الفدائيّة في الإسلام)، فقد يكون من أكثر المصادر تأثيراً على نظرة الكتّاب الغربيين للعاطفة الشيعيّة، مع أنّ الغرض الرئيس من كتابه هو وصف وتحليل المظاهر العباديّة لشعيرة عاشوراء ـ أي: التحضيرات الأخيرة لمأساة كربلاء - إلّا أنّ الكاتب لا يغفل مسألة الأبعاد التاريخيّة لشخصية الحسين وأحداث كربلاء، ودون التطرّق إلى أدنى عاطفة في تحليلاته لشخصية الحسين، يصف الكاتب هذا الشخص بأنّه «رجل تقوى وعقيدة، ومكارم أخلاق، وزهد وابتعاد عن هذه الدنيا»([114]). ثمّ يخلص إلى القول بأنّ دراسة دقيقة للمصادر تؤكد النظرة القائلة بأنّ الحسين كان محقّاً في ثورته ضدّ (اغتصاب السلطة غير المشروع... يزيد)؛ لأنَّه كان منافياً لمُثُل الإسلام ([115]).

وعلى الرغم من أنّ محمّد أيوب كان حذراً في القول بأنّ عوامل سياسيّة كان لها دورها في مأساة كربلاء، إلاّ أنّه حاول أن يبرهن أنّ هذه العوامل وحدها لا يمكنها تفسير ما فعله الحسين، إذ - بالإضافة إلى تلك العوامل الخارجيّة - يقرّر الكاتب ثلاثة دوافع أدّت إلى استشهاد الحسين، وهي: «مثاليّة سيرة وسلوك الحسين، وإيمانه أنّ مصيره الذي سيلقاه قد كان رُسِم له مسبقاً، وحقيقة أنّه لم يكن أمامه سوى خيارين: إمّا أن يستسلم وإمّا أن يُقتل»([116]).

وفي نفس الفصل من الكتاب، حاول الكاتب أن يفهم الحسين كشخص وعاطفة أكثر من نظرته للمصادر التي ذكرت مأساة كربلاء على أنّها صورة لما أوَّلَه جيل متأخّر لحادثة حدثت في السابق ([117]).

وفي فصول أُخرى من كتابه، حاول أيوب أن يعطينا دراسة بديعة تدلّ على براعته الأكاديميّة عن التفسيرات العباديّة المتأخّرة لمأساة كربلاء.

أمّا أُطروحة رسالة الدكتوراه التي كتبتها (ماريا ماسي داكاكه) (Maria Massi Dakake) التي حملت عنوان (Loylty, Love, And Faith) (الولاء والحبّ والإيمان)([118])، فهي دراسة من نوعٍ آخر عن هذا الموضوع، فقد تتبّعت الكاتبة في أُطروحتها هذه تطوّر الهويّة الطائفيّة الشيعيّة، كما حاولت أن تبرهن بأنّ حادثة كربلاء لم تكن نقطة تحوّل من حركة سياسيّة إلى حركة دينيّة بحتة، كما وُصفت في كثير من الدراسات ([119]).

ثمّ تستنتج الكاتبة بأنّ الحركة الشيعيّة كان لها أبعادها الدينيّة منذ البداية؛ وبهذا تؤيّد الكاتبة هذه الفرضيّة حين تقوم بدراسةٍ لاستخدام كلمة (الولاية) وهو مصطلح ديني سياسي ذو دلالات كثيرة، ولكن أسهل تفسير له هو القول بأنّه يعني السلطة والولاء.

بالرغم من أنّ هذا المصطلح استُخدم كثيراً في الحكايات التي روت الحرب الأهليّة الأُولى في الإسلام - أي حينما هوجمت سلطة عليٍّ، والد الحسين - إلّا أنّها غابت تماماً في الروايات التي روت قضية كربلاء، إذ استُخدمت في هذه الروايات كلمة (النُّصرة)، والتي تعني الدعم والمساندة للحسين كبديل لمصطلح الولاية، ولو أنّ كلمة النصرة ما هي إلّا مرادف لمصطلح الولاية كلّما استخدمت في هذا السياق، والفرق الوحيد بين الكلمتين هو أنّ كلمة (نصرة) خلت من أيِّ معنىً طائفي أو إعجازي، أو سلطة مطلقة ولو بشكلٍ باطني غير معلن، وهو ما تدلّ عليه كلمة ولاية([120]).

لم تكن النقطة الأهمّ في جميع الروايات التي تحدّثت عن الحسين في مأساة كربلاء هي موضوع شرعيّة سلطته كما كان الحال مع أبيه عليٍّ، ولكن تلك الروايات ركّزت على انتهاك حرمة الحسين وكونه رمزاً للهداية ([121]).

والحقيقة أنّ أُطروحة (داكاكه) تختلف اختلافاً كليّاً عن جميع ما كُتب عن هذا الموضوع ممّا ذكرناه آنفاً، ونقطة الاختلاف هي: أنّ أطروحتها تركزّت على مفاهيم جاءت في الروايات التي أرّخت للإسلام، أكثر ممّا تركّزت على القصص التي روت تلك الحادثة، ما يفتح الباب للكاتبة؛ لكي تنفصل بشكلٍ سليم عن محتوى النصوص التي روت الحادثة، وتجد بديلاً آخر وهو استقصاء الجانب التاريخي في حادثة كربلاء.

فقد حاولت الكاتبة استنطاق «الجدال الذي يحيط بثورة الحسين التي أخفقت، كما جاء في كتب التاريخ الشهيرة»([122]).

ولكن ما زالت هناك مشكلة، وهي: أنّ الكاتبة لم تتعرّض لوضعية المصادر التي روت الحادثة، ولكنها ناقشت ما ذكرته تلك المصادر على أنّه حقائق تاريخيّة لا مجال للشكِّ فيها، فالكاتبة بدت وكأنّها تؤمن سلفاً بأنَّ أيَّ خطابٍ أو رسالةٍ دوَّنَها المصدر التاريخي لا بدّ أن تكون قد نُقلت كما كُتبت أو قيلت بالضبط، (أي أنّ الكاتبة لا تدع مجالاً للشكِّ في نقل مُتون تلك الخطب والرسائل) ([123]).

وهذا ما جعل من الصعب على الكاتبة أن تفصل نفسها عن شخصية الحسين وعن أفكاره، حينما تتحدّث في مواطن متفرّقة من الأُطروحة عن دوافع قيام الحسين والأفكار التي كان يحملها([124]).

وبالتركيز على مأساة كربلاء كحادثة تاريخيّة، فقد قرأ هؤلاء الكتّاب وغيرهم المصادر التي روت المأساة على أنّها حقائق حدثت فعلاً في التاريخ، ولكن بشكلٍ يتفاوت فيه مدى مصداقيتها حسب نظر كلٍّ من أُولئك الكُتّاب، مع أنّني لا أُنكر أن ما روته تلك المصادر واقعيّاً إلى حدٍّ ما، إلّا أنّ مثل هذا النهج يتطلّب منّا أن نناقش بشكلٍ أعمق كون تلك المصادر حوت نصوصاً تمّ استقصاؤها بدقّة.

علاوةً على ذلك، فإنني أرى أنّ من المستحيل أن نجد شيئاً أبعد من الخصائص الرئيسة لأيّة حادثةٍ تاريخيّةٍ في مثل تلك النصوص؛ لذا فقد تبقى العواطف والأفكار والدوافع الشخصيّة لأبطال الحادثة مخفيّةً عنّا للأبد.

أمّا التحليل الأمثل الذي وقع نظري عليه لحادثة كربلاء من ناحية النصِّ، فقد وجدته في كتاب (بواز شوشان) (Boaz Shoshan) الموسوم (Poetics Of Islamc Historiography) (أشعار التاريخ الإسلامي)([125])، في القسم الثاني من الكتاب، يضـرب (شوشان) (Shoshan) أربعة أمثلة على طريقة الطبري في الكتابة: أحدها: أُسلوبه في سرد مأساة كربلاء، فيرى الكاتب في قصّة مقتل الحسين مأساة بكلِّ أبعاد المأساة، إذ تتكون من قضيتين رئيسيتين مختلفتين، بمعنى أنّ القصّة بشكلها المعقّد تؤدّي بالتالي إلى نتيجة مأساوية واحدة، ففي أحد جوانبها يقرّر الحسين أن يرضَ بقضاء الله، ليسير إلى الكوفة ولا يستمع إلى نصائح أصحابه - الذين أشاروا عليه عدم المسير - وفي الجانب الآخر، يحاول أن يفلت من مصيره بعد أن يُدرك أنَّه مهدّدٌ بالقتل ([126]).

وبهذه الطريقة، يخلص (شوشان) (Shoshan) إلى القول بأنّ مأساة كربلاء تبدو قريبة جدّاً من تعريف المأساة إلاّ في جانبٍ واحد، وهو عنصر الثقة المفرطة بالنفس([127])، ولكنّني لا أتفق مع تأويل (شوشان) (Shoshan) الخاصّ به لقصّة مأساة كربلاء، كما سيتّضح ذلك في تحليلي الخاصّ لنصوص هذه المأساة الذي سيأتي لاحقاً في هذا الكتاب، ولو أنّ طريقته في فهم نصوص هذه المأساة أقرب لي من الطريقة التي سلكها كُتّاب آخرون ممَّن ذكرتُهم سابقاً؛ إذ إنّي في هذا الكتاب سوف أخطو خطوة أكثر، وأقوم بتحليل القصّة على أنّها أُسطورة، بمعنى أنّها قصّة تأسيسيّة - أي تؤسّس لمذهبٍ معيّن وطريقة فهم خاصّة - وليست مجرّد نصّ تاريخي.

والفرق بين الاثنين هو: أنّني أبحث عن تراكيب عميقة وأساسيّة يمكن إيصالها إلى المتلقّي من خلال محتوى وتركيب القصّة الروائي ([128]).

الفصل الاول

الطبري وروايته

الطبري وسياق روايته

نشوء علم الكلام والسياسة في الإسلام

سأحاول في هذا القسم من الكتاب أن أرسم صورة للنظرة المحتملة لنشوء الأُمّة الإسلاميّة في القرون الثلاثة الأُولى من ظهورها، والحقيقة هي أنّنا لا نعرف إلّا القليل عن التطوّر التاريخي المعقّد لهذه الأُمّة في تلك الحقبة؛ إذ بالرغم من وجود مجموعة هائلة من الأدب الذي يؤرِّخ لتلك الحقبة محفوظاً لدينا من خلال كتابات كُتبت في القرون التي تلتها، إلّا أنّنا لا نكاد نرى شيئاً من ذلك الأدب يعود للحقبة من القرن الأوّل إلى الثاني الإسلامي - أي القرن السابع إلى الثامن الميلادي - ولا نرى إلّا النزر اليسير من الأدب المكتوب في القرن الثالث الإسلامي - التاسع الميلادي - وإن وُجد فهو لا يمثّل شكلاً ينمّ عن التقدّم في تلك الفترة([129]).

وكلُّ ما تبقّى لدينا اليوم من تلك الحقبة هي نُسخٌ محقّقة ومنظّمة، وتصانيف تعود للقرن الثاني الهجري، ولكي نبسط القول قليلاً، نقول بأنّ المصادر التي تروي عن العقود الأُولى للحضارة الإسلاميّة ما هي إلّا كتابات كُتبت في القرن الثالث الهجري، وفيها كتب ربّما تكون قد صُنِّفت قبل قرن من ذلك التاريخ، ولكنها جُمِعت أو حُقِّقت بعد ذلك.

وتلك المصادر تعتمد فيما روت على نُقولٍ شفاهية، قد قال قائلوها إنّهم سمعوها من أُناس رأوا تلك الأحداث رأي العين ([130])، على أنّنا لا نجد دليلاً توثيقيّاً أو آثاريّاً مرويّاً في كتابات تاريخيّة لغير المسلمين يؤيّد ما نُقل في تلك المصادر، حتى أنّ تاريخ القرآن الذي يتناقله الكُتّاب المسلمون لم يزل موضع تساؤل وشكّ عند الأكاديميين الغربيين، وقد كثر هذا التساؤل في العقود الأخيرة، بالرغم من عدم وجود إجماع على وصول بديل عن ذلك التاريخ إلى أيدينا، وليس من المعلوم أنّنا نستطيع أن نستفيد من ذلك التاريخ كمصدر لمعرفة تاريخ رسالةمحمّد أو عقيدة معاصريه ([131]).

وهذه الحقيقة تجعلنا نطرح كمّاً كبيراً من التساؤلات حول قيمة التاريخ العربي كمصدر لتاريخ الحقبة الأُولى للإسلام.

أمّا الأكاديميّة الغربيّة، فقد اتّخذت مواقف متباينة حول هذا الموضوع، فقد اعتبر بعضها تلك النصوص الواصلة إلينا من الحقبة الأُولى للإسلام مصادر يمكن الوثوق بها، بينما اعتبرها بعضٌ آخر كتابات يعتريها شكّ مطلق وتساؤل حول إمكانية ترميمها وإعادة بنائها أم لا([132]).

وليس البحث الحالي مناسباً لعرض مناقشة وافية لوضعية مصادر التاريخ الإسلامي، ولكن ما سنتلوه عليك من ملاحظات حول تلك المصادر قد يجذب نظرك إلى نقطةٍ مهمة، وهي: أنَّ الخلاصة التاريخية حول تطوّر الإسلام في القرون الأُولى أمرٌ نظري، مثله مثل أيّة عملية ترميم([133]).

ويمكن رؤية صورةٍ للدولة التي قامت في المدينة - حيث كانت للنبيّ الذي يتلقى هداه من الله السلطة المطلقة - في مصادر التاريخ الإسلامي منذ عهوده الأُولى([134])، ومن تلك المصادر علمنا أنّ سيرة محمّد بدأت هناك، إذ لم تكن أيّة دولة في وسط الجزيرة العربيّة، ولكن كان هناك نظام القرابة - أي العوائل والعشائر والقبائل - إذ كانت كلُّ مجموعةٍ تضمن مصالح أفرادها.

وقد أوَّل علماء معاصرون نشوء مجتمع إسلامي في المدينة كمحاولة لتفتيت التكتّلات القبلية وإبدالها بـ (قبيلة واحدة عظيمة تضمّ كلَّ المؤمنين)([135]). وهكذا جاءت الأوامر الإلهيّة التي تلقّاها النبيّ من الله، وبلّغها بدوره إلى المسلمين؛ لتحلّ محلّ العادات والتقاليد القبلية، إذ إنّ المعنى المألوف لكون المرء مؤمناً هو أن يعترف بقيادة محمّد([136]).

ولم يكن كلُّ أفراد الأُمّة يحملون نفس الفكرة عن كيفية الحكم وإدارة أُمور مجتمعهم، ومع ازدياد عدد المسلمين ازدادت الحاجة إلى تطبيق الأوامر الإلهية على المؤمنين العاصين، وبذلك كثرت والسائل لتطبيقها.

وقد ذكرت مصادر تاريخيّة متأخّرة عن تلك الفترة بأنّ مشيئة الله بدت ظاهرة للعيان من خلال حياة ونجاح الأُمّة الإسلاميّة، وأنّ محمّداً - وهو الواسطة بين الله والناس - كان القائد السياسي والمرشد الدِّيني لهذا المجتمع، وتلك الصفتان اجتمعتا معاً في شخصه، إذ يصفه القرآن بالأُسوة الحسنة التي يجب على الجميع أن يقتدي بها في كلِّ نواحي الحياة؛ لأنّه مسدَّد من الربّ ([137])، وفي كثير من مواضع القرآن يؤمر الناس بإطاعة الله والرسول([138]).

من وجهة نظر القرآن، ينقسم الناس إلى ثلاث فئات؛ فمنهم من آمن بالرسول واتبعه على هدًى، وهؤلاء موعودون بالخلود في نعيم الآخرة، ومنهم من نأى عن الرسول وصدّ عنه جهاراً نهاراً، وهؤلاء محكومون بدخول النار، والقسم الثالث، وهم الذين أعلنوا ولاءهم له بألسنتهم ولكن أفعالهم تقول عكس ذلك، يُسمَّون بالمنافقين في القرآن، وهؤلاء عادةً ما يُعتبرون من المؤمنين(*)، ولكنّهم على جرف الرِّدَّة عن الدِّين([139]).

وهكذا، لم يكن المجتمع المسلم تحت قيادة محمّدٍ متّحداً سياسيّاً فحسب، حسب ما تذكره تلك المصادر القديمة، بل كان الشغل الشاغل لأفراد ذلك المجتمع هو إيجاد السبيل إلى النجاة وإلى الآخرة.

أمّا أُولئك الذين عاشوا مع النبيّ في فترة حياته، فقد أُطلق عليهم فيما بعد اسم (الصحابة)(**)، ولأنّهم شاركوه في حياته وتبعوه، فقد كان يُنظر إليهم بعد وفاة النبيّ على أنّهم أقدس الأشخاص، والتالون له في كونهم الأُسوة الحسنة التي يجب أن تُتّبع([141])، فقد كانوا متّحدِين في أيّام حياته تحت رايته في الإيمان، وقد جاهدوا معه ضدّ الهجمات التي تعرّض لها المجتمع المسلم.

ولكن بعد وفاة محمّدٍ، لم يستطِع المسلمون أبداً تحقيق الوحدة بصورتها المتكاملة التي كانت عليها في أيّام الحكومة التي أسّسها النبيّ في المدينة. تروي المصادر كيف أنّه في خلال عقدين من الزمان ـ بعد رحيل النبيّ ـ ظهرت طوائفٌ مختلفة ومخالفة لبعضها البعض، تحمل كلٌّ منها عقيدتها الخاصّة بها في تطبيق الإسلام على الواقع، وقد تصارعت تلك الطوائف على السلطة السياسيّة؛ لغرض تطبيق وجهة نظرها عن الدِّين والسياسة، فكان كلٌّ من تلك الطوائف يدّعي أنّه الأحقّ، وأنّ أفراده يمثّلون المؤمنين الحقيقيين، وقد استخدموا كلَّ أساليب الحسم والصلابة؛ لكي يتمكّنوا - حسب ادّعائهم - من تطبيق إرادة الله؛ إذ إنّهم آمنوا أنّ الهداية الإلهيّة لم توجد إلّا فيهم ومعهم.

أمّا مفهوم إمام الأُمّة، فقد كان الأساس في كلِّ شيءٍ، تقول (باتريشا كرون) (Patricia Crone) بأنّ دور الإمام كان شبيهاً بدور قائد القافلة في الصحراء، إذ أُنيطت به مهمّتان أساسيتان، وهما:

أنّه يمنح الأُمّة وجودها؛ إذ بدونه ليس هناك وجود لأيّة قافلة، وإنّما يكون أفراد تلك القافلة مجرّد مسافرين مبعثرين هنا وهناك يحاولون عبور الصحراء بلا قائد.

والمهمّة الثانية هي أنّ القائد يُوصل تلك القافلة إلى مقصدها؛ لأنّ الإمام الحقيقي نفسه كان يتلقّى الهداية مباشرة من الله.

وتضيف الكاتبة: «الإمام يفهم كلَّ الأُمور أكثر من أيِّ أحدٍ آخر؛ لأنّه أفضل أهل زمانه، وقد اتّبعه الجميع من أجل ما يتميّز به من فضيلة تفوق كلّ ما يتميّز به الآخرون، أمّا إرشاداته وهدايته، فهي شرعيّة ابتداءً ـ أي أنّه يبيّن ما هو حقّ وما هو باطل ـ لأنّه بالعيش في ظلِّ تطبيق أحكام الله وحده يستطيع الناس الوصول إلى النجاة.

وقد يُكره الإمام بعض المخالفين على الالتزام بأوامر الله ونواهيه كيلا يضلّوا، وهذا نوع آخر من الهداية الممنوحة له؛ لأنّ من ضلَّ عن الصـراط القويم فقد خسـر، وإذا ما تفرّقت تلك القافلة، فإنّ ذلك يعني هلاك الجميع... مَن سار مع الإمام فقد نجا، ومن تخلّف فقد هلك»([142]).

لا ريب أنّ محمداً، يُعتبر أوّل الأئمّة، وقد سار كلُّ أفراد الأُمّة التي أنشأها في المدينة على الصراط المستقيم نحو النجاة حينما اتبعوه، لهذا السبب فإنّ الصـراع على السلطة الذي ظهر بين أصحابه بُعيد وفاته مثَّل صدمة لا دواء لها، إذ يتساءل الجميع: إن لم يستطع أصحاب النبيّ أن يفلحوا في تدبّر أمرهم من بعده، فمَن ذا الذي يستطيع ذلك؟!

تتركّز معظم النصوص التاريخيّة المذكورة في تلك المصادر(*) التي أرّخت لتلك الفترة على الخليفتين الثالث والرابع، وهما: عثمان الأُموي، وعليّ الهاشمي، ابن عمّ النبيّ وزوج ابنته، وبالرغم من أنّهما كانا يُصنّفان كصحابة للنبيّ، إلّا أنّ التقسيم في أشدّ حالاته يبدأ منهما، فقد أُخبرنا أنّه حينما أتُّهم عثمان بالحكم الفاسد، وقُتِلُ في عام (36هـ/656م)، اتُّهم عليٌّ بأنّ له يداً في قتله، أو أنّه لم يفعل ما كان بوسعه أن يفعل من ملاحقة القتلة والتنكيل بهم، وانتهى الأمر إلى نشوب حرب في صفّين بين معاوية زعيم الأُمويين وأنصاره من جهة، وعليّ والموالين له(*) من الجهة الأُخرى.

ثمّ حدثت انشقاقات أُخرى، وقد وصل الأمر حين اغتيل عليٌّ في الكوفة سنة (40هـ/661 م)(**)، أنّ معاركاً ومناوشاتٍ حدثت بين أربعة أحزاب على الأقلّ، يدّعي كلٌّ منهم أنّه الأحقّ في تولّي الحكم على المسلمين(**).

وتسمّى هذه الحقبة من الاضطرابات بالفتنة الأُولى، إذ تعني كلمة (فتنة)اختبار، أو امتحان، أو إغراء، وبذا فإنّ مصطلح الفتنة يعني: إنّ الله قد امتحن المسلمين عن طريق هذه الانشقاقات، ليميّز المؤمن الحقيقي من المنافق أو الكافر([145]).

أمّا الفتنة الثانية، فقد بدأت في العام (61هـ/680م) مع معركة كربلاء، واستمرت بنشوب سلسلة من الصراعات المتفاوتة في حجمها حتى العام (74هـ/692م)، ثمّ تبع ذلك فترة من السلام النسبي حتى حدوث الفتنة الثالثة التي بلغت أوجها في الفترة ما بين عامي (127هـ ـ 135هـ / 744م ـ 752م)، و(135هـ/752م)، وأدّت إلى سقوط الحكم الأُموي، وظهور الحكم العبّاسي.

تقول الكاتبة (إيلا لانداو تاسيرون) (Ella Landau-Tasseron) ملخّصةً بدقة التفاعل المعقّد للعوامل التي ساهمت في تلك الانقسامات في المجتمع الإسلامي الأوّل: «كان المجتمع القبلي في فترة ما قبل الإسلام متجانساً وبعيداً عن المركزيّة في القيادة أكثر ممّا كان عليه المجتمع الإسلامي، إذ كان مقسّماً إلى مجاميع متوازية تحكمها الأنساب، وقد جاء الإسلام ليُحدث تطوّرات بعيدة المدى في جميع نواحي الحياة الروحيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والماديّة، وقد أدّت تلك التطوّرات - إلى جانب أشياء أُخرى - إلى النمو المعقّد لخطوط الانقسام التي تفرّقت ليس إلى مجاميع قبلية فحسب، بل إلى زُمَر قبلية كقيس واليمان، ومجاميع دينيّة سياسيّة، كالشيعة(*) والخوارج والقادرية والمرجئة، وإلى أقاليم كأهل الشام ضد أهل العراق وأهل الحجاز، وإلى طبقات اجتماعيّة كالعسكر والمدنيين، وإلى مجاميع عرقية كالعرب والموالي.

وكلُّ هذه الخطوط تتقاطع مع بعضها البعض، وتشكّل مجاميع متصارعة فيما بينها، ولم يكن بوسع الخليفة ـ أو ربّما لم يشأ ـ أن يصبح في منأى من تلك الصراعات»([146]).

وعلى الرغم من كلِّ شيءٍ، كانت فكرة خلق أُمّة مختارة ومهدية من قبل الله مهمة جدّاً، كما جاءت فكرة الأُمّة المختارة هذه لتفتح طريقاً إلى الابتعاد عن التقاليد البالية وعن اليهوديّة والمسيحيّة بالدرجة الأساس.

 كما أنّ حسّ الاختيار هذا استلزم وحدة المسلمين، فقد ذكر القرآن بأنّ الاختلاف والافتراق كان أحد خصائص المجتمعات الهالكة ([147])، إذ كيف يمكن لأُمّةٍ أن تكون شعب الله المختار لو أنّها كانت متمزّقة كالمسيحيين؟ لذا كان تمزّق المسلمين - ومن أوضح صوره اغتيال الخليفة الثالث والخليفة الرابع والحروب الأهليّة(*) التي نشبت بين المسلمين - من أشدّ القروح إيلاماً، ما حدا بكُتّاب التاريخ الذين جاؤوا فيما بعد أن يولوا هذا الأمر جلّ اهتمامهم.

والحقيقة - كما يقول (فان أس) (Van Ess) - أنّ تلك الأحداث الجسيمة أعطت الدافع لبروز العديد من الاتجاهات الفكريّة ذات الأهمّية في التاريخ، والتي لم تزل آثارها محفوظة في نصوص التاريخ الإسلامي.

ويضيف الكاتب: «لا بدّ أن يكون أحدٌ ما مسؤولاً عن تلك الاختلافات، هذا ما اعتقده الناس، لذا سارع كلٌّ منهم إلى إبراء ساحته، وهذا ما أدّى إلى ظهور كتابة تاريخ تلك الأحداث، ما جعلنا نضع أيدينا على رسائل كثيرة كُتبت عن معركة الجمل وصفّين، وعن يوم السقيفة قبلهما، وهكذا بدأ المؤرِّخون يتساءلون: كيف يجب عليهم كمسلمين حقيقيين أن يتجاوزوا تلكم الخلافات، ويتقدّموا بدل أن يتقهقروا؟ وهذا ما أدّى إلى نشوء النظريّة السياسيّة.

أمّا مسألة معرفة أو التغاضي عن المجرم الحقيقي الذي كان السبب وراء كلّ إدخال تلك الخلافات، فقد كانت معضلة دينيّة، وهذا ما أدّى إلى توريط علم الكلام في الموضوع.

أمّا أكثر الأُمور الملفتة للانتباه في هذا السياق أنّ تلك العناصر الثلاثة - أي: التاريخ، وعلم الكلام، والفكر السياسي - إنّما ظهرت في نفس الوقت وبشكلٍ مبكّر؛ ما جعلها لا تنفك عن مسألة البحث عن الهويّة التي كانت الشغل الشاغل للأُمّة الإسلاميّة في أوّل نشوئها واستمرّت حتى يومنا هذا.

أمّا النقطة الحيوية في تفسير الأحداث، فهي أنّ أُولئك الصحابة الذين تقاتلوا وقتل بعضهم بعضاً في أحداث الفتنة الأُولى أصبحوا شيئاً فشيئاً مثلاً يُحتذى به للأجيال التي جاءت بعدهم، ولكن تبقى الحقيقة أنّ أُولئك الصحابة قد ارتكبوا إثماً، فكيف يمكن أن نتعامل مع هذه الحقيقة؟!»([148]).

كما وضّحت سلفاً، فإنّ أساتذة معاصرين - من قبيل: ستيفن همفريز، وكلاود جيلوت، وآخرين - يرون أنّ الانشقاق في الأُمّة الإسلاميّة مهدّ لنشوء فكرة نقض الأُمّة الإسلاميّة العهد أو الميثاق مع الله، وهو موضوع غاية في الأهمّية في تاريخ الإسلام الأوّل، إذ يشارك هؤلاء الأساتذة الكاتب (فان أس) (Van Ess) الرأي في أنّ أحد أهمّ أهداف كتابة التاريخ كان لمعرفة كيفية وأسباب حدوث هذه الخيانة - للعهد الإلهي - وكيفية النجاة من عواقبها إن أمكن.

وهكذا تشير تلك المصادر - أي مصادر تاريخ الإسلام في فترته الأُولى - إلى أنّ كثيراً من المسلمين في القرون الأُولى لظهور الإسلام أبدوا غاية القلق من تلك الاختلافات بين المؤمنين، وسعوا إلى إيجاد طريقةٍ ما إلى الإصلاح بينهم، فمثلاً، تقول فرقة المرجئة: إنّه طالما لا نمتلك معرفة كافية عن عثمان وعليّ، فإنّ علينا أن نرجئ - أي نفوّض - الحكم في هذه القضية إلى الله وإلى اليوم الآخر؛ كي يتبيّن مَن منهم كان على الحقِّ ومَن كان على الباطل.

ثمّ توسعت هذه الفكرة لاحقاً لتأخذ شكلاً آخر، مفاده: هو أنّ علينا أن نكفّ عن اتّهام أيِّ أحدٍ بالكفر طالما كان ذلك الشخص مسلماً، كما طُرحت في الوقت ذاته أفكار إصلاحيّة أُخرى، وتطوّرت تلك الأفكار لتشمل دوائر أُخرى.

وفي نفس الوقت تطوّرت هذه الفكرة واستحوذت على الكثير؛ لينتهي بها المطاف إلى الاعتقاد بأنّ الخلفاء الأربعة الأوائل الذين كانوا من صحابة النبيّ كانوا جميعاً على نفس المستوى، ويجب أن يُعتبروا (خلفاء راشدين) أي مهديين من قبل الله، ومعنى هذه الفكرة هو أنّ الحكّام الذين جاؤوا بعد أُولئك الخلفاء الراشدين لم يكونوا من الضروري أتقياء ومسلمين نموذجيين، ولكن الحقيقة هو أنّ معظمهم كانوا عكس ذلك، كما تؤكّد تلك المصادر.

وفكرة أنّه ليس من الضروري أن يكون الخليفة أفضل المؤمنين جعلت كثيراً من الناس يسألون: كيف يمكن العيش تحت حكم رجلٍ آثم؟ إذ إنّ فكرة أنّ الواجب على المسلمين أن يؤدّبوا مَن وُجد آثماً هي فكرة قرآنيّة، والكثير من أهل الدِّين يرون أنّ من الواجب على كلِّ فردٍ أن ينهى عن المنكر وإن كان صادراً من الخليفة؛ إذ إنّ واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب ألّا يُعطّل، وأن يكون ساري المفعول في كلِّ الأحوال ([149]). ويقول الحديث: إنّ هذا الأمر يجب أن يُقام باليد، أي بالقوّة، أو باللسان، أي بالكلام التأديبي، أو بالقلب، أي بالاعتراض داخلياً على المنكر ([150]).

وقد اختلفت الطوائف الإسلاميّة القديمة حول هذه المسألة كثيراً، فقد أفتى بعضهم بالقتال (اليد) ضد الحاكم الآثم، وأفتى بعضٌ آخر بتوبيخه بالكلام (اللسان) أو السكوت عليه وإبداء عدم الرضا (القلب).

وهناك أمثلة كثيرة في تاريخ الفترة الأُولى للإسلام على اللجوء إلى مسألة قتال الحاكم الآثم، ولكن مع مرور الزمن استحوذت فكرة اللسان والقلب على فكرة اليد، ثمّ انتهى الأمر إلى غلبة هذه الفكرة في الفكر الشـرعي والسياسي للمسلمين(*) ([151]).

ومع ازدياد المجتمع المسلم تعقيداً، أصبح من غير الممكن أن نرى وظيفتي الهداية الإلهيّة والسلطة السياسيّة مجتمعتين في نفس الشخص.

أمّا آخر محاولة جادّة قام بها مَن يتمتع بسلطة الخليفة لإبقاء وظيفة الهداية الدينيّة تحت رعايته، فقد كانت في الزمن الذي يسمّى زمن المحنة، أي التحقيق التعسّفي، الذي حرّض عليه الخليفة المأمون في العام (214هـ/829م)، فقد أثار الخليفة مسألة كلاميّة خلافيّة حول خلق القرآن، وأمر جميع مَن كان يشغل منصباً قضائيّاً أو لاهوتيّاً أن يوافقه على اعتقاده القائل بأنّ القرآن مخلوق وليس قديماً.

يمكننا أن نفسّر هذه (المحنة) على أنّها حركة ضد حزب علماء الدِّين والفقهاء، الذين يُطلق عليهم اسم (أصحاب الحديث)، الذين مارسوا بالفعل أدوارهم في هداية الناس في القضايا الكلاميّة والفقهيّة، فآمن أصحاب الحديث بأنّ القرآن لم يكن مخلوقاً. والحقيقة أنّ أهمّية هذا الإجراء من قبل الخليفة لا تكمن كثيراً في المعتقد نفسه، ولكنّها محاولة لفرضه على الناس من أجل تقوية سلطة الخليفة الدِّينية.

وقد كانت (المحنة) فلتة، وبعد مضي عشرين عاماً انتهت تماماً، أمّا منصب طبقة العلماء كسلطة دينيّة، فقد حُفظت وضعفت سلطة الخليفة أكثر وأكثر في العقدين التاليين، وأصبحت طبقة (العلماء) أكثر أهمّيةً من ذي قبل ([152]).

وعلى أيّة حالٍ، يجب أن لا نُسيء فهم الفصل بين السلطة السياسيّة والسلطة الدِّينيّة، وذلك لسببين:

أوّلهما: لم يكن هناك فاصل واضح بين السلطتين.

 وثانيهما: كلاهما لم يبرحا أن يكونا من الله.

تقول الكاتبة كرون: «إذا ما تكلّمنا عن الإسلام في عصوره الوسطى، فإنّ هذا الإنقسام يعتبر تغييراً في نمط تطبيق حكومة الله على الأرض، وليس عملية لإفراغ الحكومة من مفهومها الدِّيني، فهي تعني أنّه لم يعد هناك رجل معيّن فوّض الله إليه كامل سلطته؛ إذ إنّ العلماء قد أخذوا على عاتقهم مهمّة هداية البشـر، وتُرِك نائب الله مع الدور القسري الذي تحوّل آخر الأمر إلى الملوك. وكان هذا الفصل بين السلطة والدِّين مشابهاً لما حصل في أوروبا في قرونها الوسطى، حيث احتفظ الإله بـ (سيفه) في يد مؤسّسة معيّنة، و(كتابه) في مؤسّسة أُخرى، وفي كلا الحالتين فإنّ السيف والكتاب لم يبرحا للإله، وكلُّ ما في الأمر هو أنّ الإله لم يعُد يُعطي الاثنين - أي السيف والكتاب - لنفس الشخص»([153]).

تعطي الكاتبة (كرون) صورة توضيحيّة لعملية الفصل بين ممالك الأُمّة الإسلاميّة برسم ثلاث دوائر تمثّل الدولة - أي السلطة السياسية - والأُمّة والدِّين، فتتّحد تلك الدوائر مبدئياً في دائرة واحدة تمثّل ما كان عليه المجتمع الإسلامي حينما حكمه النبيّ في المدينة، حيث كانت تلك الحقول الثلاثة متطابقة تماماً وبشكلٍ متكامل، ثمّ تفرقت هذه الدوائر تدريجيّاً وأصبحت دائرتا الدولة والدِّين - والذي أصبّ جلّ اهتمامي عليه في هذه المقالة - وصارتا بمعزل عن بعضهما البعض بشكلٍ فعلي، وهو ما كان عليه الحال في نهاية حقبة الحكم الإسلامي التقليدي([154]).

وفي زمان الطبري - أي أواخر القرن الثالث، وبداية القرن الرابع الهجريين - القرنين التاسع والعاشر الميلاديين - لم يزل هناك تداخل بين السلطتين السياسيّة والدِّينيّة، أي الدولة والدِّين. اُنظر إلى الشكل [155]

قدّمت في الفقرات السابقة رسماً توضيحيّاً عن التطوّر الذي حصل للأغلبيّة المسلمة التي أُطلق عليها فيما بعد اسم (السُنّة)، وهو مختصر لتسمية أهل السنّة والجماعة.

أمّا الجماعة الأُخرى التي استمرّت في البقاء في إزاء هذه الجماعة فهم (الشيعة)، وهم لا يعيرون أيَّ اهتمامٍ لخلافة الخلفاء الراشدين الأربعة؛ إذ إنّهم يؤمنون بأنّ قيادة المسلمين إنّما هي امتياز لأهل بيت النبيّ، سواء كان ذلك في معنى ضيّق أم واسع؛ لذا فلا أحد من أُولئك الخلفاء الأربعة كان شرعيّاً سوى عليّ، إذ كان ابن عمّ محمّد وزوج ابنته(*)، أمّا الثلاثة الآخرون، فقد كانوا غاصبين للخلافة.

التصق الشيعة بفكرة أنّ القيادتين السياسيّة والدينيّة لا يمكن أن يفترقا، إذ إنّهما متحدتان في شخصٍ واحد، وهو (الإمام) الذي انتجبه وهداه الله(1)، ولكن الشيعة لم يحصلوا على سلطة سياسيّة حقيقيّة لا في الزمان ولا المكان الذي يدور موضوع هذا الكتاب حوله، وبهذا لم تُختبر نظريّاتهم حول الحكم والسلطة السياسيّة عملياً، ولم تدخل عالم السياسة كواقع.

والخلاصة: إنّ العملية التي أتيت على ذكرها في الأسطر السابقة معقّدة جدّاً، ولم أذكر منها إلّا النزر اليسير من مراحل تطوّرها، ولأغراض تفيدنا في تحليلنا لهذه العملية سوف أذكر بالخصوص مُركّبين متقاربين جدّاً ومتداخلين مع بعضهما البعض، يمكن أن نستفيد منهما في عرض التطوّر الذي حصل للفكر السياسي الدِّيني في القرون الثلاثة الأُولى لظهور الإسلام، وسوف نوضِّح كلاً من هذين المركّبين عن طريق حركتين: طردية وجاذبة - أي مندفعة نحو المركز أو بعيداً عن المركز:

أوّلهما: انقسام المجتمع المسلم إلى مجاميع، يدّعي كلٌّ منها أنّ رؤيتها للإسلام هي الأصحّ، وأنّها النموذج الأمثل لحركة كثير من الكلاميين، وأنّها تمثّل الحكومة المركزيّة التي تريد أن تحقّق الوحدة السياسيّة والدِّينيّة للمسلمين.

وثانيهما: هو الانفصال التدريجي للسلطة الواحدة التي كان عليها المسلمون في بادئ الأمر، إلى مساحة كبيرة من السلطات السياسيّة والدِّينيّة والحركات المعارضة، التي تمثّلها سلطة الخليفة من أجل الحفاظ على وحدة تلك السلطات.

ولكن صورة المجتمع المسلمالموحد ومؤسّساته السياسيّة والدِّينيّة، التي لم تتحقّق في الواقع إلّا على يد النبيّ محمّد في المدينة، كانت عامل إلهام للفكر السياسي الإسلامي، واستمرت كذلك حتى في زمن الطبري على الأقل، إذ نراها واضحة في المصادر التي اعتمد عليها هذا المؤرِّخ.

الطبري وتاريخه

يُنسب أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري إلى إقليم طبرستان على الساحل الجنوبي لبحر قزوين، حيث كانت لأسرته قطعة من الأرض هناك، وهي محل ولادته في العام (225هـ/839م) ([157])، ومنذ نعومة أظفاره كان ناضجاً عقليّاً أكثر من أقرانه في الدروس التي كان يتلقّاها، (وقد أُخبرنا بأنّه حفظ القرآن عن ظهر قلب في سنِّ السابعة، وأمَّ المسلمين في الصلاة في سنِّ الثامنة)، وفي سنِّ الثانية عشرة أُرسل الطبري من مدينته آمل التي تقع شمال مدينة الري الإيرانية - قرب طهران حالياً - ليكمل دراسته، وبعد مضي خمس سنوات سافر إلى بغداد لطلب العلم.

وفي السنوات الخمسة عشرة التي تلت ذلك درس الطبري في بغداد، وقام برحلتين مدرسيتين طويلتين على الأقل، انتقل في إحداهما إلى جنوب العراق، والأُخرى إلى سوريا وفلسطين ومصر. وقد التقى وتتلمذ على يد عدد من العلماء البارزين في مختلف صنوف العلم، حيث دوّن ملاحظات من المحاضرات التي كان يتلقّاها من أساتذته، مثله مثل أيِّ طالب علمٍ آخر، وقد أشار في كتاباته إلى كثير من أُولئك الأساتذة ([158]).

وأثناء مكوثه في بغداد عمل كأُستاذ لابن وزير الخليفة المتوكل عبيدالله بن يحيى ابن خاقان، وحين عودته إلى بغداد من مصر (حوالي سنة 256 م/870 م) وضع حدّاً لدراسته، وأمضى ما بقي من سني عمره في التعليم والكتابة، وإنّه لم يتوقف أبداً عن طلب العلم.

من المحتمل أنّ الطبري لم يتزوج أبداً ولم يكن له عقب، أمّا وفاته فكانت في العام (310هـ/923م) في بيته في بغداد.

وكلُّ مَن عاصره من العلماء كان يأخذ قسطاً وافراً من علم الحديث، والفقه، والدراسات القرآنيّة، والتاريخ حيث كان يعنى بجمع معلومات عن سيرة عدد من الشخصيات، وبالرغم من أنّ اهتمام الطبري العلمي كان منصبّاً على الفقه، إلّا أنّ مساهماته الكبيرة في كلِّ ميادين العلم لا تُنكر.

كما كان مهتماً كثيراً بالفلسفة العربيّة، وكانت له معرفة ببعض اللغات الأُخرى غير الفارسيّة، التي لا بدّ أنّه كان يُتقنها بحكم مسقط رأسه.

علاوةً على ذلك، كان الطبري مولعاً بالطب، فقد درس هذا العلم وإن لم يمارسه كطبيب محترف، إلّا أنّه كان يعطي نصائح طبية لأصدقائه وتلامذته بين الحين والآخر، وقد أُخبرنا بأنّ كتاب (فردوس الحكمة) الذي كتبه عليّ بن ربّن، وهو خلاصة وافية في علم الطب، كان واحداً من الكتب المفضّلة لدى الطبري.

وقد دخل الطبري في صراع مع مفكّرين آخرين، مثله مثل كلِّ عالمٍ ذي استقامة ومنزلة رفيعة، وقد كان صِدامه مع الحنابلة - وهم أتباع العالم الكبير أحمد ابن حنبل المتوفّى سنة (241هـ/855م) - مشهوراً جدّاً، إلّا أنّ جذور ومنهج هذا الصِدام لم تكن معروفة، ولكن المعروف هو أنّ الحنابلة لطالما هدّدوا الطبري ودخلوا معه في دوامة العنف، ومهما يكن سبب هذا الصِدام، فإنّ المهم في الموضوع هو أنّ الطبري كان يجلّ ابن حنبل كثيراً.

أمّا سبب توجّهه إلى بغداد في سنٍّ مبكرة، فيقال إنّه أراد الحضور عند هذا العالم الكبير، ولكن ابن حنبل توفي قبل وصول الطبري إلى بغداد، أضِف إلى ذلك أنّ الطبري كان كثيراً ما يستشهد بما رواه ابن حنبل، واعتبره مرجعاً كبيراً في باب علم الحديث.

إذن؛ لم يكن الصِدام مع ابن حنبل نفسه، ولكنّه كان مع بعض أتباعه الذين جاؤوا بعده، وقد يكون هذا الصِدام حول مسائل في الفقه والإدارة، وأنّ الحنابلة سعوا لتأسيس مدرسة في الفقه لهم ([159]).

وعلى الرغم من إعجاب الطبري بابن حنبل كأُستاذ في علم الحديث، إلّا أنّه لم يكن يرى أنّه ذو علم واسع بالفقه، ما حدا بأتباع ابن حنبل أن يحملوا الظغينة ضد الطبري([160]).

وفي خضّم هذا الصراع شُيّع في الأوساط أنّ الطبري كان شيعيّاً، وكانت هذه التهمة في ذلك الوقت كافية لتشويه سمعة أيِّ خصمٍ، ولكن لا نرى أيّة إشارة إلى هذا التوجّه في أيٍّ من كتب الطبري، والعكس هو الصحيح؛ إذ إنّ الطبري كان يدافع عن الرأي القائل بأنّ الخلفاء الأربعة الراشدين متساوون في المنزلة، ومن الواضح أنّ الطبري كان يدعم رأي أهل السنّة فيما يخصّ علم الكلام والفقه([161]).

يقول المؤرِّخ الأمريكي (مارشال هودجسون) (Marshall Hodgson) فيما يخصّ الشؤون السياسيّة المعاصرة، بأنّ جلّ اهتمام الطبري كان مركّزاً على تحويل المجتمع المسلم من خلال إصلاحات شرعيّة أكثر من ثورة مسلّحة. ويضيف الكاتب: «كان الطبري يمثّل مجموعة من المسلمين([162]) الذين آمنوا بأنّ الحلَّ لمسألة تحقيق أهداف الإسلام العليا لا يمكن أن يوجد في التمرّد المسلّح (ضد الحكّام)، على أمل أن يتسلّم السلطة حاكمٌ عادل، وإن كان هذا الأمل ضعيفاً بحدِّ ذاته... ولكن يجب على المجتمع أن يتكاتف حتى وإن كان ثمن هذا التكاتف هو الرضوخ للحاكم، ومن ثَمّ يجب على المجتمع أن يفضح كلَّ العيوب اللاأخلاقيّة لأُولئك الحكّام وأن يبطلها فعليّاً.

إذن، الحلّ لهذه المعضلة يكمن في العمل على الإرتقاء بأفراد المجتمع الإسلامي؛ للوصول إلى مرحلة من الوضوح والوحدة على أُسس شرعيّة، ما يضمن لهم حياة كريمة لا يستطيع إنكارها أيُّ حاكمٍ مهما كان متسلّطاً، وإن تمكّن هؤلاء المسلمون من إرساء القواعد لأحكام يعترف بها الجميع ويطبّقها، فإنّ ماهيّة الحاكم وأُسلوب حكمه لن يكون ضروريّاً»([163]).

وبالنظر إلى هذه الرؤية التي يحملها الطبري عن الثورة على الحاكم نقول: بأنّ مهمته في التعامل التاريخي لمسألة القيام المسلّح ضد الحاكم الجائر الذي أشعله الحسين - حفيد النبيّ محمّد، والمثل الأعلى للإسلام الحقيقي لا بدّ أنّها كانت مهمّة شاقة للطبري؛ إذ إنّها تعارض ما يحمله من فكرة حول الثورة على الحاكم). وهذا هوالغرض من هذا الكتاب؛ إذ إنّ مهمتنا هي أن نحلّل كيفية تعامل الطبري مع هذا الحدث.

لقد كان الطبري مكثاراً في الكتابة، وقد دوّن له الكاتب (جيلوت) سبعة وعشرين كتاباً([164])، بَيْدَ أننا لم نعثر على معظمها، والبعض الآخر لم نعثر إلّا على جزء أو أجزاء منها محفوظة على شكل أجزاء مبعثرة.

ومن بين كتبه الكثيرة، لم يبقَ منها كاملاً إلّا تفسيره للقرآن المتعدّد المجلدات، والذي يحمل عنوان (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)([165])، والمشهور باسم (تفسير الطبري)، وكتابه الآخر الذي يضاهي بضخامته كتب التاريخ العالميّة والذي يحمل عنوان (تاريخ الرسل والملوك) والمشهور باسم (تاريخ الطبري)([166]).

أمّا كتابه في الفقه والذي يحمل عنوان (اختلاف علماء الأمصار في أحكام شرائع الإسلام)([167])فلم يصلنا منه إلّا أجزاء معدودة، أمّا باقي كتبه الفقهيّة، فلم يبقَ منها محفوظاً إلّا النزر اليسير.

وقد اشتهر الطبري عند معاصريه باطلاعه الواسع في المسائل الفقهيّة والكلاميّة، وبالرغم من أنّ (تاريخه) نال شهرة واسعة في وقته، إلّا أنّه لم يحظَ بتلك الأهمّية البالغة إلّا بعد مرور قرون على وفاة كاتبه([168]).

السمات العامّة للتاريخ الإسلامي في مراحله الأُولى

يشاطر كتاب (تاريخ الطبري) عدداً من السمات المشتركة لجميع ما كُتب عن التاريخ الإسلامي في ذلك الوقت، وسوف أناقش الآن سمتين عامّتين ـ بشكلٍ مختصر ـ ممّا امتازت به الكتب التي أرّخت للإسلام في ذلك الوقت:

أمّا السمة الأبرز لكتب التاريخ العربيّة التي كتبت في ذلك العصـر، فهي اعتمادها على الأخبار، وهي تقارير مستقلة تتباين في طولها من سطرٍ واحد إلى عدّة صفحات للخبر الواحد، وعادةً ما يتقدّمها إسناد، وهو سلسلة من الرواة تنتهي عند شاهد عيان قد عاصر الحدث الذي تنقله تلك الأخبار، وكثيراً ما تكون تلك الأخبار مرتّبة، لكي يكون الحدث الذي ينقله الخبر متسلسلاً، وفي بعض تلك الأخبار وخاصّةً عند الطبري، توضع روايات متعدّدة تروي نفس الحدث - وقد تكون مختلفة قليلاً عن بعضها البعض - معاً لكي تكون متمّمة لبعضها البعض، وقد نرى في بعض الأخبار روايات متضاربة عن نفس الحدث توضع واحدة تلو الأُخرى([169]).

والإشارة المستمرة للسند عند نقل أيٍّ من تلك الأخبار قد جعلت بعض الأكاديميين الغربيين التقليديين يتّهمون التاريخ الإسلامي بالتقليديّة والسعي للمحافظة على شكله القديم، ما يقلّل من شأن دَور المصنِّف في تصنيفه لذلك الكتاب، وضياع سماته الفرديّة في الكتابة([170]).

والحقيقة أنّ الكاتبة (أولريكا مورتنسون) (Ulrika Mårtensson) قد حاولت ببراعة البرهنة على أنّ الإسناد في الكتب التي أرّخت للإسلام، ككتاب الطبري، يلعب نفس الدور الذي تلعبه الهوامش في الكتب التقليديّة الأكاديميّة المعاصرة. وحين يذكر الطبري أخباراً متضاربة عن نفس الحدث، فإنّه يريد أن يبيّن بأنّ شهود العيان الذين نقلوا تلك الحادثة قد فهموها بأشكال مختلفة، كما يريد الطبري أن يكشف عن حقيقة أنّ رواة حادثةٍ ما لهم بصماتهم الشخصيّة في نقل تلك الحادثة.

ثمّ تضيف الكاتبة (مورتنسون): «والخبر الذي ينقل بشكله التقليدي - أي ذكر السند قبل الحدث - ينقل لنا الآراء الشخصيّة للمؤرِّخ الذي يسطّره في كتابه، كما تظهر الدراسات حول نقل الطبري لأحداث تاريخيّة معيّنة، كالفتنة الثانية، ومقتل عثمان بن عفّان، وحرب الجمل، فإنّ آراء الطبري الشخصيّة قد وجدت لها سبيلاً في طريقته لعرض تسلسل الحدث وتطوّره، كما يمكن رؤية آرائه الشخصيّة في تعليقاته على الأحداث المتناثرة هنا وهناك»([171]).

سآتي قريباً على ذكر تنقيحات الطبري المذكورة في كتابه.

أمّا السمة الأُخرى التي تشترك فيها جميع الكتب التاريخيّة المكتوبة باللغة العربيّة، فهي سمة الدِّين، فإنّ جميع الكتب التي أرّخت للإسلام والتي كُتبت في مرحلةٍ مبكرة من ظهوره مبنية أساساً على نظرة دينيّة، وهذا يعني أنّ تلك الكتب تنظر إلى أنّ العالم بأجمعه خاضع لحكم الله، وأنّ التطوّر التاريخي ما هو إلّا تعبير عن العلاقة بين الله والإنسان.

وهذه السمة - أي سمة التأثّر بالدِّين - هي محلّ إجماع مطبق، يتفق عليه جميع الكتّاب المعاصرين([172])، ولو أنّ هناك اختلافاً في الرأي حول مدى تأثير سمة الدِّين على كتابات التاريخ التي كتبها المؤرِّخون المسلمون، فقد أوضح الكاتب (همفريز) بأنّ بعض الكتّاب - من قبيل (فرانز روزنتهال) (Franz Rosenthal)، وجون وانزبرو - ينظرون إلى كتابة التاريخ الإسلامي على أنّه جامد ومتحجّر بالأساس، وأنّه غير مثمر، ومنجرّ نحو نظرة مبنية على أنّ التاريخ ليس إلّا الاشتياق إلى الماضي، بمعنى أنّ المؤرِّخين المسلمين ينظرون إلى العقود الأُولى لظهور الإسلام على أنّها العصر الذهبي، وينظرون إلى العصر الذي يعيشون فيه على أنّه ليس إلّا إحدى الانتكاسات التي تلت ذلك العصر الذهبي([173]).

ومن ناحيةٍ أُخرى، فإنّ (همفريز) نفسه بالإضافة إلى كتّاب آخرين - مثل هودجسون وجيلوت - يرون بأنّ الأُنموذج الدِّيني في تلك الكتابات مثمر جدّاً، ويعبّر عن برنامج مليء بالنشاط والحيويّة؛ إذ إنّه يهدف إلى إحياء نظام أخلاقي بدائي([174]).

بعض الدراسات المعاصرة لـ(تاريخ الطبري)

بالرغم من أنّ عدداً من الدراسات قد نُشـرت في العقود الأخيرة حول موضوع كتابة التاريخ الإسلامي عموماً، إلّا أنّه لم تظهر أعمال كثيرة حول تاريخ الطبري بالخصوص، وأهمّ حدث في دراسة تاريخ الطبري التي ظهرت مؤخّراً هي ترجمة كاملة للكتاب إلى اللغة الإنجليزيّة، وقد ظهرت بين عامي (1985 و1999م) في ثلاثة وثمانين مجلّداً، يتكون كلُّ مجلّدٍ منها على ما يقارب المائتي صفحة، وقد قام بالترجمة عددٌ من الأساتذة الأفذاذ المختصّين باللغة العربيّة وتاريخ الإسلام، ويشتمل كلُّ مجلّدٍ على مقدّمة كتبها المترجم، وهوامش على طول متن الكتاب، وقد كتب مقدّمة عامّة لكلِّ العمل بأجمعه الأُستاذ (فرانز روزنتهال) (Franz Rosenthal) المذكور سالفاً([175]).

ويتضمّن الكثير من تلكم المقدّمات أفكاراً قيّمة عن الكتاب، ولكن لا يمكن اعتبار تلك المقدّمات دراسات منظّمة للكتاب ككلِّ (اُنظر كمثال: (مقدمة عامّة) التي كتبها (روزنتهال) (Rosenthal فهي لا تتعدّى كونها ترجمة لحياة الطبري متبوعة بقائمة بأعماله).

ومهما يكن من أمر، فإنّي أودّ مناقشة ثلاث دراسات كُتبت حديثاً عن تاريخ الطبري:

أُولاها: دراسة مثيرة للاهتمام حول كتابة تاريخ العصر العبّاسي، كتبها (طيّب الهبري)، وهو أُستاذ أميركي متخصّص بالدراسات العربيّة والشـرق الأدنى([176])، وعلى الرغم من أنّ الكاتب الهبري لا يذكر في أيِّ موضعٍ من كتابه صراحةً أنّه سيعتمد في دراسته على التاريخ الذي كتبه الطبري، إلّا أنّه في قسم كبير من كتابه - وخاصّةً في الأقسام التي يناقش فيها، ويحلّل تاريخ الخليفة هارون الرشيد وابنيه الأمين والمأمون وحفيده المتوكل - يعتمد اعتماداً كليّاً على كتاب (تاريخ الطبري).

أمّا النقطة الأبرز والأهمّ فيما يخصّ هذه الدراسة التي بين يديك، فهي المنهج الذي تبعه الهبري في كتابه، إذ إنّه يحاول أن يبرهن بأنّ الغرض من الكتابة عند الطبري ومؤرِّخين آخرين فيما يخصّ العبّاسيين «لم يكن نقل الحقائق بالأساس، وإنّما كان لكتابة تعليقات على قضايا سياسيّة ودينيّة واجتماعيّة وثقافيّة معيّنة، والتي قد تكون قد استُلَّت من سلسلة أحداث حقيقيّة ومثيرة للخلاف حدثت فعلاً في الحياة الواقعية»([177]).

وبعملهم هذا لقد استفاد المؤرِّخون من عدد من «ضروب أُسلوبية معقّدة، الغرض منها التعبير عن آرائهم الشخصيّة»([178])، كاستخدامهم لأُسلوب المجاز والتلميح والسخرية...إلخ، وبما إنّ نصوصهم لطالما استخدمت أو أعطت إيحاءات إلى نماذج يمكن أن نراها في الأساطير وقصص الزمن الغابر، (كقصص من أيّام الأسلام الأُولى ومن القرآن، أو حتّى من الكتاب المقدّس)، فإنّ ترجمة وتأويل تلك النصوص «يستلزم مهمّة مزدوجة في تعقّب المعنى المقصود من النصِّ، وتأسيس سلاسل وصل عبر العصور والمناطق وطرق التفكير المختلفة»([179]).

فإنّ كتاب الهبري لم يتطرّق أبداً إلى مفاهيم (ليفي شتراوس) البنيويّة، ولم يقصد الكاتب أيّاً من تلك المفاهيم في كتابه فيما أرى، ألّا أنّ من المغري أن نطبّق بعضاً من تلك المفاهيم على المنهج الذي سنصفه لاحقاً في هذا الكتاب؛ لذا فإنّي سأفسّر مصطلحه (مهمّة مزدوجة) المذكور أعلاه على أنّه تطبيق مفهوم بناء الجملة ـ كما في استخدامه لجملة (تعقّب المعنى المقصود)المذكورة أعلاه ـ ومفهوم المثال ـ كما في استخدامه لعبارة (تأسيس سلاسل وصل عبر العصور) إلخ، المذكورة أعلاه أيضاً ـ وهي مفاهيم تعود إلى البنيويّة ([180]).

أمّا مصطلحات (قلب (انقلاب)، عكس (تعاكس)، تحويل (تحوّل)، ارتكاس...) و(إضعاف المتناقضات)([181])، و(الإسهاب)([182])،فهي مفاهيم بنيويّة أُخرى ترتبط بوصف العملية الروائيّة للطبري حسب ما يقول الهبري.

والمشكلة في كتاب (الهبري) تكمن في افتقار كتابه إلى منهجيّة منظّمة ومفصّلة أكثر من العبارات المبعثرة في متن كتابه هنا وهناك.

وهذه العبارات نراها في بعض الأحايين طبيعيّة جدّاً، ومن الصعب أن نجد لها شيئاً يدعمها في الكتاب، إلّا أن نرجع إلى دراسات أُخرى كُتبت في نفس الموضوع، وفي أحيان أُخر نرى أنّ عبارة: (أُخرى) تعود إلى نفس الفقرة القصيرة من الموضوع المناقَش، إذ يصبح من الصعب أن نفهم كيف أمكن للكاتب أن يطبّق تلك العبارة على دراسة الطبري؟

ومن المؤسف له أنّ هذا الأمر يفتح الباب لسوء تفسير والدراسة التي قام بها الهبري وسوء فهمها، وإن كانت دراسة رائعة؛ إذ إنّ الأُسلوب البنيوي لفهم التاريخ العربي لم يزَل غريباً جدّاً، وإنّ وجهة النظر البنيويّة وأدواتها النظريّة الأساسيّة قد تكون غير معروفة لمعظم مؤرِّخي الإسلام.

أمّا المشكلة الأُخرى في كتاب (الهبري)، والتي أشار إليها كثير من الذين راجعوا كتابه، فتكمن في نقطة المغادرة، أي أنّ المؤرِّخين المسلمين في ذلك العصر - بما فيهم الطبري - لم يكونوا ينوون نقل الحقائق التاريخيّة، وإنّما كان جلُّ اهتمامهم هو كتابة تعليقات على قضايا ذلك العصر.

وقد ظهر أنّ الهبري لم يكن ثابتاً على هذه النقطة، ولكنّه كان كثيراً ما يحاول إعادة صياغة التاريخ من خلال النصوص التي درسها([183]).

أضف إلى ذلك أنّ هذه النقطة لطالما تعرّضت للنقد، فمثلاً يقول الكاتب (كيت لانغ) (Kate Lang) في مراجعة وافيه للكتاب: إنّ الهبري «قد وضع ازدواجية ليس لها أدنى ضرورة، وقد أقحم نفسه في مهمّة مستحيلة، وهي مهمّة الفصل بين الحقيقة والخيال...»([184])،وحقيقة أنّ المؤرِّخين استفادوا من حادثةٍ ما لنقل رسالة أخلاقيّة لا يمكن أنّ تثبت أنّ تلك الحادثة لم تكن تاريخيّة.

أمّا بواز (شوشان) (Boaz Shoshan) - وهو الذي كتب الدراسة الثانية حول تاريخ الطبري، والتي أودّ أن أتكلم عنها في الأسطر التالية - فيري أنّ الطبري كان ينوي فعلاً نقل الحقيقة التاريخيّة، ولطالما ادّعى تصريحاً وتلميحاً بأنّ عمله هو إظهار الحقيقة من كلِّ واقعةٍ تاريخيّة([185]).

ويخصِّص الكاتب فصلاً كاملاً لذكر الأدوات المختلفة التي يستخدمها الطبري، ومصادره لإعطاء الانطباع بأنّ واقعة تاريخيّةً ما إنّما هي حقيقيّة وواقعيّة([186]).

وهذا لا يمنع بأيِّ شكلٍ من الأشكال بأن يكون (صوت ويد) الطبري متورطين، أو لهما دور في المسألة، وأنّه إنّما ينقل رسالة أخلاقيّة عن طريق اختياره للمادّة، وترتيب سرد الأحداث ([187]).

وأنا أتفق تماماً مع رأي (شوشان) (Shoshan) حول نيّة الطبري في نقل محاكاة الأحداث، أو إعادة إبراز الحقائق التاريخيّة كما وقعت، ولكنّي أيضاً مقتنع بأنّ في تاريخ الطبري - كما في كثير من الروايات التاريخيّة والدِّينيّة - تركيباً أعمق، يجب أن يتمّ تحليله عن طريق مناهج تشابه تلك التي استخدمها الهبري في كتابه، ولكن بشكلٍ أكثر تنظيماً وتنظيراً.

وقد أهمل (شوشان) (Shoshan) التراكيب الأعمق لمأساة كربلاء، ففي دراسته لنصوص هذه المأساة فاته أن يشير إلى نقاط أساسيّة تتعلق بهذه القصّة، كما سنناقشه فيما بعد.

وهكذا، فإنّ (الهبري) و(شوشان) (Shoshan) يناقشان تاريخ الطبري كنصٍّ أكثر من كونه سجلاً لأحداث تاريخيّة، ولكنّهما يختلفان اختلافاً كليّاً في مناقشتيهما للموضوع، وأنا أرى أنّهما يكملان بعضهما الآخر أكثر ممّا يختلفان، بالرغم من أنّ جدالهما مخالف لأحدهما الآخر.

فضلاً عن ذلك، يقول شوشان (Shoshan) بأنّ تاريخ الطبري لا يمثّل نموذجاً كلاميّاً أو سياسيّاً واحداً فحسب، بل يمثّل نماذج عدّة ([188]).

أمّا الدراسة الثالثة التي أودّ أن أذكرها ها هنا، فهي للكاتبة السويدية (أولريكا مورتنسون) (Ulrika Mårtensson) المتخصِّصة بتاريخ الأديان، إذ تؤكد الكاتبة في دراستها هذه أنّ الطبري كتب تاريخهمن أجل أن يدافع عن نظام ديني سياسي خاصّ، وهو حكومة الخليفة المركزيّة التي تخضع لمعايير التشـريع الإلهي في علاقته برعيته، ما يجعل هذا النوع من الحكومة متميّزاً عن السلطة اللامركزيّة، حيث يمكن بسهولة أن تكون اليد العليا فيها للاستبداد السلطوي والإداري([189]).

وفي هذا السياق ميّز الطبري بين الدِّين والدولة، وقرّر بأنّ وظيفة الدِّين هي تزويد الدولة بالهداية الأخلاقيّة.

وتضيف (مورتنسون) بأنّ مفهوم الميثاق - أو العهد - هو مفهوم مركزي عند الطبري؛ إذ إنّه يعبّر عن العلاقة الصحيّة بين ميدان الدِّين وميدان الدولة، فالميثاق هو عقد بين الله والإنسان، أمّا الأنبياء من آدم إلى محمّد، فهم وسطاء ينقلون أوامر الدِّين إلى الإنسان.

ثمّ تشير الكاتبة إلى أنّ الطبري ينظر إلى أنّ أشخاصاً قلائل من الماضي جمعوا بين النبوّة والملك على أنّهم استثناء للقاعدة، وهم داود، وسليمان، والنبيّ محمّد، والخلفاء الراشدون الأربعة(*)([190]).

وفي أوقات أُخرى، كما في العصر الذي عاش فيه الطبري، «يتقاسم السلطة مؤسّستان هما: الدِّين، والدولة، مع الهداية النبويّة عن طريق العلماء الذين يتولَّون رئاسة المؤسّسة الدِّينيّة»([191]).

وترى الكاتبة بأنّ (تاريخ الطبري) هو تاريخ لكلا المؤسّستين: الدِّين والدولة اللتين يمثّلهما الأنبياء والملوك على التوالي، وهذا هو بالضبط ما يشير إليه عنوان كتاب الطبري: تاريخ الأنبياء والملوك(**)، وهذا الفهم للتاريخ الذي دوَّنه الطبري يدعم تقسيم (قوانين) الدِّين والسلطة، الذي هو موضوع الفصل القادم من الكتاب.

الفصل الثاني

البِنية والتحليل البنيوي

ما هي البنيويّة؟([193])

إنّ الطريقة التي يستخدم بها البنيويون لفظة (بِنية أو تركيب) موحّدة بينهم، أي أنّهم جميعاً يستخدمون هذه اللفظة لتدلّ على معنًى واحد عندهم، وتدلّ اللفظة عادةً على العلاقات بين عناصرٍ ظاهرةٍ ما في الطبيعة، أو في حضارةٍ ما([194]).

إذن؛ التحليل البنيوي يتركّز على العلاقات بين العناصر أكثر ممّا ينصبّ على العناصر نفسها، فإنَّ كلَّ عنصرٍ بحدٍّ ذاته خالٍ من أيِّ معنىً ولو بشكلٍ متفاوت، إلّا إذا تمّ ربطه بعناصر أُخرى، كما في الحروف الأبجديّة التي لا تُضمّ إلى بعضها، أو في الكلمات المجرّدة إذا لم توضع جنب بعضها في جملةٍ ما، فالعناصر تصبح ذات معنى إذا رُبطت بعناصر أُخرى، بحيث يكون مجموع العناصر تابعاً لنفس النظام، يمكن أن نرى التراكيب في كلِّ مكانٍ حولنا، كما في عالم الطبيعة - في كلِّ شيءٍ، ابتداءً من الجزيئات وانتهاءً بالمجرّات - وفي «عالم ما وراء الطبيعة بما في ذلك الأفكار واللغات... كعلم النحو، وعلم بناء الجملة، والألحان، والوزن الشعري، والسلوك، والطقوس، وأنظمة التصنيف الرمزي، وعلم الكونيات الديني»([195]).

أمّا الفيلسوف البنيوي الأميركي (بيتر كوز) (Peter Caws)، فإنّه يشير إلى أنّه في نوع التراكيب التي تتمّ دراستها في العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، فإنّ (العوامل السببية... دائماً تتضمن النوايا البشرية)، وهذا ما يميّزها عن تلك التراكيب الموجودة في الطبيعة([196])؛ لهذا السبب يرى الكاتب أنّ التراكيب التي هي من صنع الإنسان تشترك في صفتين اثنتين:

أُولاهما: إنَّ كلَّ تلك التراكيب ذات معنى، وبذلك تكون تلك التراكيب بحدِّ ذاتها واضحة جليّة، ويمكن إدراكها بالعقل، كما أنّ بإمكانها أن تجعل العالم الذي نعيش فيه مدرَكاً بالعقل.

وثانيهما: إنّ تلك التراكيب التي يصوغها الإنسان هي تراكيب مؤثرة أو مهمّة، بمعنى أنّها ضروريّة ومرغوب فيها من قِبل أُولئك الذين صاغوها وتعاملوا معها، «وتكمن جذور تلك الأهميّة في بنية الحاجات الأحيائيّة ـ البيولوجيّة ـ وأنّها تقع ضمن تلبية عقلانيّة لتلك الحاجات، وهذه التلبية تتطلب تقديم المعنى على كلِّ شيءٍ سواه»([197])؛ لذا فإنّ البنيويّة ضمن العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة عادةً ما تبحث في قضايا تعود إلى أعمق شؤون الوجود الإنساني.

فإنّ الطريقة التي تبني بها عقولنا هذا العالم هي طريقة لا شعوريّة وغير مقصودة إلى حدٍّ كبير([198])؛ إذ إنّنا في كثير من الأحيان لا ندرك كيف نربط تجاربنا ببعضها البعض، وحينما نريد أن نعبّر عن أنفسنا، سواء عن طريق الكلام، أو كتابة نصوص، أو تلحين قطعة موسيقيّة، أو إبداء فنٍّ ما، أو في الطريقة التي ننظم بها مجتمعنا، فإنّ تلك التراكيب التي نصوغها بلا وعي هي التي تحدّد كيف نفعل تلك الأشياء، ولو جزئياً على الأقل.

ولطالما قيل عن البنيويّة كحركةٍ أنّها بدأت عند ظهور كتاب دروس في علم اللغة العام (Course De Linguistique Générale) لـ(فيردناند دي سوسير) (Ferdinand De Saussure) (عام 1916م)([199])، ولكن جذور البنيويّة تعود إلى زمن قبل ذلك، (والحقيقة أنّ الكاتب (بتيتو) (Petitot) يعزو ظهور البنيويّة إلى (إمانيويل كانت) (Immanuel Kant)، المتوفّى عام 1804م، أمّا الكاتب (ليتش) (Leach)، فإنّه يعزو ظهورها إلى مرحلة قبل ذلك بكثير على يد (جيامباتيستا فيكو) (Giambattista Vico)، المتوفّى سنة 1744م ([200]).ثمّ تطوّرت البنيويّة ونحت مناحي مختلفة؛ ما جعل من الصعب على أحد أن يتكلّم عن حركة بنيويّة واحدة، ولعلَّ تصوير الكاتب (ايرنست كاسيرر) (Ernst Cassirer) للبنيويّة على أنّها (تعبير عن نزعة عامّة في الفكر)([201]) التي أطلقها عام (1945م) لم يزل الوصف الأنسب لهذه الحركة.

وهكذا، فإنّ البنيويّة بمعنى طريقة تفكير يمكن رؤيتها في علوم مختلفة، كعلم الأحياء والرياضيات وعلم النفس وعلم اللغة وعلم الاجتماع وعلم الإنسان والأدب ([202]).

وفي هذه الدراسة التي بين يديك سنصبّ اهتمامنا على الجانب الإنساني ـ الانثروبولوجي - من البنيويّة عموماً، وعلى بنيويّة (كلود ليفي شتراوس) (Claude Lévi-Strauss) على وجه الخصوص([203]).

ولد (ليفي شتراوس) في فرنسا عام (1908م)، ونشأ وسط عائلة فرنسيّة تهتمّ بالموسيقى والرسم، ودرس القانون والفلسفة في جامعة السوربون([204])، وبعد تخرجّه ببضع سنوات حظي بموقع في جامعة ساوباولو في البرازيل، ورغم أنّه لم تكن له سابق دراسة في حقول علم الإنسان وعلم الأعراق الوصفي، إلّا أنّه صبّ جلّ اهتمامه على هذين العلمين، وأخذ بدراستهما بشكلٍ شخصي، وقد قام بجولتين ميدانيتين أثناء إقامته في البرازيل، ولم تفلح إلّا واحدة منهما في تكوين مادّة تمّ الترويج لها.

وعند عودته إلى فرنسا نشبت الحرب العالميّة الثانية، وتمّ احتلال باريس، واضطر إلى الفرار إلى الولايات المتحدة؛ لأنّه كان من أصل يهودي، وفي نيويورك بدأ بدراسة علم الإنسان بجدّ، وتعرّف إلى أحد أبرز علماء اللغة البنيويّين، وهو (رومان جاكوبسون) (Roman Jakobson)، الذي أدخله إلى حقل علم اللغة والبنيويّة، وعند عودته إلى فرنسا بعد انتهاء الحرب قدّم ودافع عن أُطروحته الموسومة (التراكيب الأوليّة للقرابة: Les Structures Élémentaires De La Parenté)، والتي طُبعت فيما بعد في شكل كتاب، وقد تلقاه القرّاء بشغفٍ كبير، وأصبحت البنيويّة على يد ليفي شتراوس تمثّل آخر صرعة في باب الفكر والنزعات الفكريّة.

وبعد أن أصدر عدداً من الكتب بما فيها كتاب (الزهرة المتوحشة: La Pansée Sauvage) الذي طُبع في عام (1962م)، بدأ ليفي شتراوس بإصدار تحفته الأدبيّة، وهي سلسلة كتابه ذي الأربعة مجلّدات الذي يحمل عنوان (علم الأساطير: Mythologiques) في الفترة بين عامي (1964 و1971م)، ويناقش الكتاب مئات من الأساطير الأميركيّة، وفي العام (1973م) انتُخب (ليفي شتراوس) عضواً في الأكاديميّة الفرنسيّة.

لا بدّ لنا من الاعتراف بأنّ أعمال (ليفي شتراوس) صعبة الفهم والإدراك، وقد كانت البنيويّة منذ سبعينيات القرن الماضي قديمة الطراز، ولم تكن مطابقة للنزعات الفكريّة السائدة آنذاك، ولم تحظَ كتابات (ليفي شتراوس) بإعادة تقييم ونظر إلّا بشكلٍ بطيء جدّاً؛ ما جعل أفكاره غير معروفة في الأوساط الأدبيّة.

إنّ عدداً كبيراً من المقالات التي كُتبت كمقدّمات لطريقة تفكير (ليفي شتراوس) لم تهمل دقائق تفاصيل نظريّاته فحسب، بل زادت على ذلك بأنّها أساءت فهم أساسيات تلك النظريّات([205]).

وبافتراض أنّ (ليفي شتراوس) ليس معروفاً بالقياس إلى كتّاب آخرين عند معظم المؤرِّخين المسلمين - ولو أنّ الحقّ يحتّم علينا أن نقول بأنّه ليس معروفاً عند معظم المؤرِّخين في العالم، وعلى الأقل خارج العالم المتحدّث بالفرنسيّة - فإنّ هذه المقدّمة إلى طريقة تفكيره ومناهجه ستكون مطوّلة ومسهبة إلى حدٍّ بعيد.

وبالرغم من أنّ كثيراً من أعماله التي كتبها في أوّل انطلاقته الفكريّة كانت مخصّصة لمسألة التراكيب التي تستخدم للتعبير عن القرابة النسَبيّة، وعن الطوطميّة ـ وتعني الاعتقاد بوجود صلة خفية بين جماعةٍ ما وكائن أقوى منهم ـ إلّا أنّ أفكاره وكتاباته عن الأُسطورة هي ما جذب انتباهي في كتابي هذا؛ لذا سوف أناقش فيما تبقى من هذا الفصل أفكاره، وكيفية تطبيقها على تحليلي لمأساة كربلاء.

وفيما يلي من أسطر، سأحاول التركيز على طريقة تفكير (ليفي شتراوس)، على أنّني ساستعين أحياناً بما ذكره كُتّاب آخرون من تفسيرات لتلك الطريقة، وبعد أن ذكرت السمات الأساسيّة لطريقة التفكير تلك، سأنتقل الآن لذكر بعض التفسيرات التي أشار إليها علماء آخرون لبعض الجوانب المهمّة في نظريّات (ليفي شتراوس)، وبالخصوص نظريّته المسمّاة (الصيغة القانونيّة)، وهذا ما سيجرّني إلى الحديث عن القضية المنهجيّة لكيفية تحليل النصّ، الذي هو محور كتابي هذا في القسم الأخير من هذا الفصل.

المفاهيم الأساسيّة في بنيويّة ليفي شتراوس

من أجل مسايرة العالم الذي نعيش فيه، لا بدّ لجميع البشـر أن يهتمّوا بطريقةٍ تساهم في تنظيمه ذهنيّاً، أي لا بدّ لهم أن يوجدوا معاني من التدفّق المستمرّ للإدراكات الحسّيّة التي تغزو عقولهم بلا توقّف، ثمّ إنّه من المهمّ لأكثرنا أن ننظر إلى عالمنا بشكله التام المترابط، دون النظر إلى جانبٍ ما وإغفال الجوانب الأُخرى؛ إذ يجب أن ننظر إلى جميع تفاصيله على أنّها مرتبطة ارتباطاً لا انفصال فيه بشكلٍ أو بآخر، وإلّا فلن نتمكّن أن نفهم أيّاً من تلك التفاصيل، وهذا ينطبق على الشعوب التي نحن بصدد دراسة أساطيرها وسلوكها، كما ينطبق على العالم الذي يسعى إلى شرح تلك الأساطير.

يقول (ليفي شتراوس): «مع وجود هذا التشويش واللانظام في الممارسات الاجتماعيّة أو الصور المختلفة التي تمثّل الأديان، هل سنستمر في البحث عن تفسيرات جزئيّة تختلف مع اختلاف القضية التي نحن بصددها، أو علينا أن نحاول اكتشاف نظام تحتي أساسي وبنية عميقة، نستطيع من خلال آثارها أن نحلّل ونفسّر هذا التنوّع، وأن نتغلّب على التنافر الحاصل فيها؟»([206]).

يحاول البنيويون أن يرسموا خارطة طريق لكيفية إيجاد هذا التنظيم الذهني في الواقع، أو على الأقلّ لما يجب أن يبدو عليه في الثقافات المختلفة، وهذا يعني أنّ البنيويّة تبحث كثيراً في الطرق التي نستطيع بها تصنيف وتنظيم عالمنا، وقد مرَّ بك أنّ الحاجة إلى التصنيف لطالما اعتُبرت حاجة أحيائيّة (بايولوجية أو حياتية) بالأساس.

وبالرغم من أنّ (ليفي شتراوس)في أحيان كثيرة ألمح إلى أنّ التراكيب كلّها تعود في الأصل إلى جذور بيولوجية (أحيائيّة)، إلّا أنّه لم يتطرّق إلى هذا الموضوع على شكل أفكار متناسقة ومتماسكة إلّا نادراً ([207]).

وفي رأيه أنّ المستويات الأُخرى للتراكيب أسهل في التحليل إذا ما قِيست بمستوى تحليلها على أُسس بيولوجيّة، وفي مناقشته لهذه النقطة يقول (سيث كونين): إنّ (ليفي شتراوس)يتعامل مع التراكيب على مستويات مختلفة، ولأسباب تحليليّة، وهذا ما يجعل الأمر مناسباً لأنْ يُستخدم كنموذج لأربعة مستويات مختلفة، ثلاثة منها تخصّ التركيب الأساسي (S1-S2)، والآخر يخصّ المستوى الروائي(N)([208]).

أمّا المستوى الأوّل الأعمق (S1)، فإنّه يخصّ التركيب البيولوجي للدماغ؛ لذا فهو مستوى كلّي، أي يشمل الجميع، ولطالما قيل بأنّ التركيب على هذا المستوى هو مزدوج في طبيعته، ولكن من المستحيل أن يكون معقّداً أكثر من ذلك، وفي وصفه لهذا المستوى من التركيب يشبِّه (كونين) هذا المستوى بالقطعات الداخليّة أو الأساسيّة التي يتكون منها جهاز الحاسوب. والحقيقة هي أنّ تحليل المستوى الأوّل الأعمق للتراكيب لم يكن الغرض الأسمى الذي يقصده البنيويون.

أمّا المستوى الثاني (S2«فإنّه يُفهم على أنّ حضارةً ما، أو ربّما مجموعة حضارات، حين أعطت ذلك التركيب شكلاً ما، لم تفعل ما فعلت وهي على دراية بما تفعل، بل إنّها أعطته ذلك الشكل بلا وعي منها، ونعني بمجموعة الحضارات تلك المجموعة التي تربط عدداً من الحضارات ببعضها البعض بشكل أقلّ إحكاماً من الروابط التي تربط حضارة بعينها»([209]).

فالمستويان (S1-S2) يعنيان: «النقلة من القوّة البيولوجيّة للتركيب إلى الصورة الواقعيّة الحضاريّة لتركيب أو تراكيب معيّنة»([210])،والتركيب بهذا المعنى مثالي جدّاً، وخالٍ من أيِّ محتوىً معيّن، بل إنّ الشكل الذي تأخذه الأنواع المختلفة للموجودات يتكوّن في هذا المستوى من التراكيب (أي يتحدّد كون هذا النوع ثنائيّاً أو ثلاثيّاً)، كما يتحدّد في هذا المستوى أيضاً النمط الذي ترتبط فيه تلك الأنواع المختلفة مع بعضها البعض.

ولكي يوضِّح الصورة أكثر، استخدم (كونين) التشابه بين هذه العملية والمستوى الأساسي في عملية برمجة جهاز الحاسوب، كلغة آليّة.

أمّا المستوى الثالث للتراكيب (S3)، فهو الحضارة والسياق الخاصّ بها، وهذا المستوى أقلّ مثاليّة من سابقه، إذ يتمّ في هذا المستوى من التراكيب تنظيم عناصر الأُسطورة والطقوس بطريقةٍ تمنحها معنى، وهو المعنى الذي تمّ تحديده في المستوى الأوّل للتراكيب (1S). ويضيف (كونين) بأنّ وحدات قياس الأُسطورة، ووحدات قياس الشعيرة ـ أي أصغر العناصر في بناء الأُسطورة والشعيرة - التي أوجدها (ليفي شتراوس) موجودة في هذا المستوى، وحيث إنّ هذه الوحدات لا تحمل أيَّ معنىً لوحدها، فإنّها تكتسب معانيها من خلال علاقتها بالعناصر الأُخرى التي هي من سنخها.

ثمّ إنَّ هذا المستوى «هو نظير المستوى الذي تنصبّ فيه المعلومات الخاصّة لجهاز حاسوبٍ ما، ثمّ تُستخدم هذه المعلومات أو تُنظّم على أساس البرمجة المجرّدة التي وُضعت سالفاً في جهاز الحاسوب، وبإضافة أيّة معلومة جديدة فإنَّ البرمجة هي التي تحدّد أنسب طريقة لتنظيمها داخل الجهاز»([211]).

وفي المستوى الأخير للتراكيب - وهو المستوى الروائي (ر) - يتمّ إعادة ترتيب وحدات الأُسطورة والشعيرة؛ لتأخذ شكل رواية أو شعيرة، وهذه الرواية تعتمد في شكلها كثيراً على السياق الحضاري والتاريخي للأُسطورة، ثمّ تتغيّر تلك الروايات والشعائر وتنتقل من حالةٍ إلى أُخرى، مع التحوّل المكاني والزماني الذي يطرأ على تلك الأُسطورة والشعيرة، فإنّ المستوى الروائي للتراكيب هو مستوى واعٍ، بخلاف مستويات التراكيب الأساسيّة.

ويقوم (كونين) بعمل مقارنة بين هذا المستوى الروائي، وبين الناتج الذي يظهر على شاشة جهاز الحاسوب، كلعبةٍ ما أو وثيقة مكتوبة.

وقد استخدم (ليفي شتراوس) عدّة مرّات مصطلحات مثل: (درع)، و(رمز)، و(رسالة)([212])، وفي هذا الكتاب سوف استخدم هذه المصطلحات كنظائر تطابق في معناها مستويات التركيب (S1)، و(2S)، و(3S) و(ر) التي استخدمها (كونين).

تعتبر الأساطير التي هي من نتاج الإنسان إحدى أكثر الحقول التي استخدم الإنسان فيها تركيبات متقنة جدّاً؛ للتعبير عنها (وهذا ما يجعل دراستها سهلة المنال)([213]).

يقول(ليفي شتراوس): إنّ الغرض الرئيس من الأساطير هو «لبيان السبب الذي جعل الأشياء التي اختلفت عن بعضها البعض منذ البداية تبدو بالشكل الذي هي عليه، والسبب الذي يجعلها لا تنفك عمّا هي عليه؛ وذلك لأنّ الأشياء إذا تغيّرت في عالمٍ واحد، فإنّ النظام الكلّي للعالم سوف ينقلب رأساً على عقب؛ بسبب التشاكل بين كلِّ العوالم»([214]).

إذن؛ فالأساطير تساعدنا على إيجاد تراكيب نعبّر بها عن عالمنا الذي نعيش فيه، كما تساعدنا على إيجاد تفسيرات لهذا العالم، ولكن الحياة - كما يعلم الجميع - لا تسمح لنا بسهولة لأن نجد لها تراكيب نعبّر بها عنها؛ إذ إنّ هناك دائماً أُموراً شاذّة، وحالات استثنائيّة تقف بين أصنافها وبين أيّ تغيّرٍ قد يطرأ على فئاتها، وكثيراً ما تخلق تلك الأُمور الشاذة معضلات كبيرة تتحدّى الطبيعة الاجتماعيّة والوجوديّة لأيِّ مجتمعٍ.

والأساطير هي التي تتعامل مع المشاكل التي يوجدها هذا الصـراع، الذي سببه وجود تلك الاستثناءات والحالات الشاذة؛ إذ إنّ الأساطير هي ما يقف في وجه تلك الحالات؛ لكي تجد حلولاً للتناقضات بين المثال والواقع.

والحقيقة أنّ تلك الصراعات ليس لها تفسير؛ لأنّها غير متأصّلة في الوجود الإنساني وفي المجتمع، ولكن تلك الأساطير تنقل تلك المشاكل إلى مساحات تبدو أقلّ خطراً على المجتمع([215]).

ففي الأساطير إذن يصبح الصراع مشابهاً للتضادات الأُخرى التي «وإن كانت لا تستطيع أبداً حلّ التناقض الأساس بين الأشياء، ولكنها تجعله يتكرّر ويعيش إلى الأبد في مجالٍ أضيق وأصغر...»([216]).

أمّا أوضح تعبير استخدمه (ليفي شتراوس) للتعبير عن هذه الفكرة، فنجده في (محادثاته) مع الصحفي (ديدييه أريبون) (Didier Eribon)، إذ يناقش الكاتبان في حادثةٍ واحدة تأكيد سجموند فرويد (Sigmund Freud) الأحادي الجانب على الجنس - أي التأكيد على الشؤون الجنسيّة الذي ينفرد به (فرويد) - ثمّ يعلّق (أريبون) (Eribon) على تحليل محتوى الأُسطورة الذي ذكره (ليفي شتراوس): قائلاً: أمّا في الأساطير التي قمتُ بتحليلها، فإنّ المرء قد يصبح مغرماً بوجود الجنس الطاغي، وبسلسلة أعمال العنف التي تصاحبه.

يجيب (ليفي شتراوس): نحن نلاحظ ذلك؛ لأنّ هذا الجانب قد شغل مساحة واسعة في نظام القيم والحياة الاجتماعيّة الذي تبنّيناه، ولكن لاحظ أنّ الأُسطورة لا تتعامل أبداً مع المشكلة العائدة إلى الجنس من نفسها - أي بدون عوامل خارجيّة - مجرّدة عن كلِّ القضايا الأُخرى المتعلّقة بها، فالأُسطورة تسعى لبيان أنّ هذه المشكلة هي أساساً نظيرة المشاكل الأُخرى التي يتحدّث عنها الناس فيما يخصّ الأجسام السماويّة، وتعاقب الليل والنهار، وتعاقب فصول السنة، والتنظيم الاجتماعي، والعلاقات السياسيّة بين المجموعات المتجاورة... فالفكر الأُسطوري حينما يواجه مشكلة خاصّة فإنّه ينظر إليها كما ينظر إلى جميع المشاكل الأخرى دون أدنى فرق، ثمّ يبدأ حالاً باستخدام شيفرات عديدة لحلِّ تلك المشكلة.

يقول (أريبون) (Eribon): إذن هذا تفسير يأتي عن طريق استخدام وسائل المشاكل المتعاقبة.

يجيب(ليفي شتراوس): إنّ الذي يعطي انطباعاً بأنّ تلك المشاكل يمكن حلّها ـ دون الوصول إلى حلٍّ لأيٍّ منها ـ هو التشابه بينها كلّها؛ لأنّ هذا يجعل المرء على دراية بأنّ الصعوبة الكامنة في قضيةٍ ما لا يمكن أن نراها في القضايا الأُخرى، أو على الأقل لا تكون في القضايا الأُخرى بنفس المستوى الذي توجد عليه في هذه القضية، ونبرّر نحن ذلك قليلاً بنفس التبرير الذي نستخدمه حينما نُسأل عن تفسير لقضيةٍ ما، فإنّنا نجيب: هذا التفسير ممكن فقط عندما تكون المسألة كذا وكذا... أو هذه القضية شبيهة بقضية كذا وكذا... والحقيقة أنّ جوابنا هذا هو ضربٌ من الكسل الذي أُصبنا به، ولكنّ الفكر الأُسطوري يستخدم هذا الإجراء استخداماً مطواعاً ونظاميّاً، ما يجعله يحلّ محلّ البرهان ([217]).فالأساطير إذن لا تتحاشى الصراعات، وإنّما في الواقع تحدّدها بدّقة، ولكن الغرض الحقيقي للأساطير يظهر بالعملية التي تقوم بها الأساطير، وهي عملية نقل المشكلة من جوانب مختلفة في الحياة إلى صورة ضبابية غير واضحة عن الصراع الحقيقي، هذا ما يقوله (ليفي شتراوس).

والسؤال الآن هو كيف تتصرّف الأُسطورة في التعامل مع هذه المشاكل والصراعات؟

استخدم (ليفي شتراوس) في الجملة المقتبسة السابقة مصطلح (شيفرات)، عند حديثه عن جوانب الحياة المختلفة، وتُستخدم تلك الشيفرات لإيصال الرسالة التي تريد الأُسطورة إيصالها.

والواقع أنّ مفهوم الرمز ليس خالياً تماماً من الإشكالات، ولكنّني سأؤجّل البحث فيه إلى قسم آخر من هذا الكتاب، ويكفينا ها هنا أن نعترف بأنّ الرمز هو (فئة أو صنف من المصطلحات...) يرتبط بجانبٍ من جوانب الحياة ([218]).

يفترض (ليفي شتراوس) في إحدى فرضياته الرئيسة أنّ تركيباً واحداً معيّناً في الأُسطورة يتمّ التعبير عنه من خلال رموز مختلفة، ويمكن ترجمة أيٍّ من تلك الرموز إلى رمزٍ آخر([219]).

وعلى حدِّ علمي، فإنّ أوّل استخدام لمصطلح (رمز) عند (ليفي شتراوس)نراه في مقالته المشهورة حول أُسطورة أسديوال، وهي إحدى أساطير الهنود (السيمشينيين) الذين يقطنون الساحل الغربي الكندي.

وفي عرض هذه الأُسطورة يتمّ استخدام أربع شيفرات مختلفة - ولكن (ليفي شتراوس) في تلك المقالة استبدل لفظة (مستوى) بلفظة (رمز) عدّة مرّات وبالعكس، ولو أنّ اللفظتين كانتا تدلّان على نفس المفهوم -لتوصيل الرسالة المبتغاة من الأُسطورة: فرسالة جغرافيّة، وأُخرى اقتصاديّة، وثالثة اجتماعيّة، ورابعة كونيّة، (وكلُّ واحدٍ من تلك المستويات الأربعة - بالإضافة إلى الرموز المناسبة لكلٍّ منها - يُنظر إليه على أنّه عملية تحويل في التركيب المنطقي الأساسي المشترك بين جميع تلك المستويات)([220]). ولكن لا يمكن لـ (العقل الفطري) أن يميّز بين تلك الرموز؛ لذا حين تتحدّث الأُسطورة عن الصراع والخلاف بين السماء والعالم التحتي ـ ونرمز إلى هذا الصـراع بـ(الرمز الكوني) ـ وقُلل الجبال والوديان، أي الرمز الجغرافي، والصيد في الجبال وصيد البحر، أي الرمز الاقتصادي، فإنّنا نريد بذلك أن نعبّر عن الصراع بين العالي والمنخفض، وهذه هي الرسالة التي تريد الأُسطورة أن تنقلها.

إنّ المشكلة الحقيقيّة هي أنّ الأُسطورة تحاول أن تبقَ متماسكة من خلال جميع تلك الرموز المختلفة، وهذه المشكلة تقع في جانب مختلف كليّاً عن الجوانب التي تعالجها الأُسطورة، وهو جانب التنظيم الاجتماعي للهنود السيمشينيين عموماً، وجانب عادات الزواج عندهم على وجه الخصوص.

يقول (ليفي شتراوس): إنّ الهنود السيمشينيين كانوا يحملون فكرة أنّ الزواج بين اثنين ينتسبون إلى أحدهم الآخر من جهة الأُمّ يحلّ عدداً كبيراً من الصراعات حول السلطة والملكيّة، التي عادةً ما تحدث بين مجاميع ينتمون إلى نفس القبيلة، ولكن التجربة أظهرت بأنّه لم يكن من السهل أن يتمّ التغلب على تلك التشنجات بين مجاميع كهذه، فالصراع الذي تسعى الأُسطورة إلى إيجاد حلٍّ له يكمن بين خلق مجتمع مسالم وعادل، ولا يمكن أن يطبّق فيه السلام والعدل إلّا من خلال تزويج أُولئك الذين تربطهم صلة قرابة عن طريق الأُمّ بعضهم ببعض، وبين حقيقة أنّ تلك المؤسّسة الاجتماعيّة التي تحكم تلك القبائل لن تؤثّر فيها النتيجة المتوخّاة من تلك الزيجات، ورغم ذلك تفشل الأُسطورة في إيجاد حلٍّ للصـراع، ولكنّها تنجح في نقل جوانبه الأُخرى الجغرافيّة والكونيّة والاقتصاديّة.

يقول (ليفي شتراوس): «إنَّ كلَّ المفارقات اللفظيّة - أي العبارات الموهمة للتناقض - التي يعيها العقل الفطري في أكثر الجوانب اختلافاً كالجانب الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الكوني، تستوعبها تلك المعضلة الأقل وضوحاً والأكثر توهيماً بحقٍّ، وهي معضلة الزواج بين الأقارب من جهة الأُمّ، والتي حاولت ولكنّها فشلت في حلِّ المشكلة، ولقد اعترفت أساطيرنا بهذا الفشل، وهنا تكمن وظيفة تلك الأساطير»([221]).

وفي هذا السياق يبدو من غير الممكن أن نغوص أكثر في المشكلة التي تسعى أُسطورة أسديوال إلى التمسّك بها، والنقطة التي نودّ إلفات النظر إليها ها هنا هي: أنّ الرسالة التي تودّ الأساطير إيصالها إلى المتلقي - كما يقول (ليفي شتراوس)- قد تمّ بالفعل تبليغها من خلال رموز مختلفة، ولكنها كلّها تعبّر عن نفس التركيب الأساسي.

إنَّ الانتقالة بين رمزٍ وآخر قد تمّ من خلال استخدام أُسلوب الاستعارة (المجاز)، والاستعارة - حسب مذهب (ليفي شتراوس) ـ هي: مصطلح يعود إلى رمز معيّن يتمّ استبداله بمصطلح من رمزٍ آخر([222]). وبهذا تكون الاستعارات هي العلاقات المبنية على وجه التشابه بين عنصرين يقعان جنباً إلى جنب.

وفي أُسطورة أسديوال يمثّل اللفظان (شرق) و(غرب) استعارتين تعبّران عن القرابة من جهة الأُمّ والقرابة من جهة الأب على التوالي، وهما لفظان مأخوذان من الرمز الجغرافي في الأُسطورة، ليكونا بديلين عن الرمز الاجتماعي فيها، وهكذا فقد تمّ إيجاد علاقة استعاريّة بين ذلكما الرمزين الجغرافي والاجتماعي([223]).

ولكي نوضِّح الأمر أكثر، نقول: إنَّ التشابه بين اللفظين في داخل الرمز الجغرافي ونفس اللفظين في داخل الرمز الاجتماعي، قد تمّ تلقيهما على الشكل الذي أُريد لهما أن يعنياه، ففي الغرب وفي المجتمع الذي تربط أفراده علاقات نسبيّة من جهة الأب يكون الطعام متوفراً بغزارة، ولكن في الشرق وفي المجتمع الذي تربط أفراده علاقات نسبيّة من جهة الأُمّ لا يكون هناك طعام كافٍ عادةً (سوف أعود إلى شرح هذه النقطة بكشل موسّع في مناسبة أُخرى من الكتاب).

حينما يتحدّث (إدموند ليتش) (Edmund Leach) - وهو بريطاني متخصّص بعلم الإنسان (الأنثروبولوجيا) - عن الاستعارة، فهو يعتبرها تعابير اعتباطيّة ـ أي لا تخضع لقاعدة أو مبدأ ـ تربط بين أصناف أو رموز معيّنة ([224])، فمثلاً هناك علاقة استعاريّة بين الأفعى (رمز حيواني) وبين الشرّ (رمز غيبي).

في العالم الغربي وعلى العكس من ذلك، نرى أنّ الأفاعي في الهند كثيراً ما تعتبر مظاهر للأرواح الخيِّرة.

بالطبع إنّ الأفاعي بحدِّ ذاتها ليست خيرة ولا شريرة، ولكن الأساطير العائدة لتلك المنطقتين الحضاريتين ربطت قيمتا الخير والشـرّ بذلك الحيوان بشكلٍ اعتباطي على الغالب.

كما أنّ الاستعارات تعابير تقليديّة - كما يقول (ليتش) (Leach)- إذ إنَّ أيَّ شخصٍ من الشطر الغربي للحضارة الإنسانيّة ليس له أدنى فكرة عمّا يرمز إليه هذا الحيوان في الحضارة الهنديّة، فإنّه سيرى تقديس الأفعى في الهند أمراً لا ينمّ عن عقلٍ سليم.

والنوع الآخر من العلاقة في التراكيب اللغويّة هوالكناية - أي استخدام كلمة تشير إلى إحدى صفات كلمة أُخرى في محلِّ تلك الكلمة - والتي يمكن أن نعرّفها على أنّها علاقة انتقال أو قرب، وأكثر شكل شائع للكناية هو ما نسمّيه المجاز المرسل - أي ذكر الجزء وإرادة الكلّ، أو العكس - كما في قطع خصلة من الشعر للدلالة على الشخص الذي قطعت تلك الخصلة من شعره، أو حينما يمثّل التاج ملوكية ملكٍ ما، ولكن توجد علاقات تركيبيّة أخرى في اللغة، كالعلاقة المسمّاة بـ (علاقة السبب والنتيجة)([225]).

يقول (ليتش) (Leach): لكي نميّز بين الكناية والاستعارة، والتي هي علاقة اعتباطيّة، نقول بأنّ العلاقات الكنائيّة يعتقد بأنّها باطنيّة (أي ناشئة من نفس التركيب)، وهذا أمر جليّ وطبيعي في النصوص الصادرة من حضارات تستخدم علاقات كنائيّة كهذه في أساليبها، ولكن الأمر لن يبدو طبيعيّاً لمَن يأتي من حضارات أُخرى تُخِضع الأشياء لتصنيف مخالف لتصنيف الحضارة الأُولى لها.

والآن يجب القول: إنّ التمييز بين الاستعارة والكناية ليس واضحاً، خلاف ما قد يبدو عليه للوهلة الأُولى، فإنَّ أيَّ ترابط اعتباطي تكرّر استخدامه مرّات ومرّات يبدو أن ترابطه جوهري([226]).

وهناك مصطلحان آخران قريبان جدّاً ومرتبطان بالاستعارة والكناية، وهما: صيغ التصريف، وبناء الجملة، وهما مستعاران من علم اللغة البنيوي، كما هو الحال في الاستعارة والكناية.

يقول (ليفي شتراوس) في أواخر صفحات كتابه (الخزاف الغيور): «نعلم جميعاً بأنّ معنى أيّة كلمةٍ يشوبه الشكّ حين نريد أن نحدّد ما يُقصد منه، ويتحدّد معنى أيّة كلمةٍ إمّا عن طريق الكلمات التي تسبقها، أو التي تليها في الجملة، وإمّا عن طريق الكلمات التي تصلح أن تكون بديلاً عنها لنقل نفس الفكرة التي ترمي إليها تلك الكلمة، ويسمّي علماء اللغة السلسلة من الكلمات من النوع الأوّل بالسلسلة المنتظمة، وهي منطوقة في وقتها، أمّا النوع الثاني (الكلمات البديلة) فتسمّى بالمجاميع الصـرفيّة، وتتكوّن من كلمات قد تتبدّل بأُخرى في اللحظة التي يراها المتكلّم أنسب من التي استخدمها سابقاً في نفس السياق»([227]).

ولنضرب مثالاً بسيطاً: نجد سلسلة منتظمة في جملة من قبيل: (كان لدى ماري حمَل صغير)،فإنّ كلمات هذه الجملة تُنطق بالتسلسل واحدةً تلو الأُخرى، ويعتمد معنى هذه الجملة على الترتيب السليم لكلماتها، فإذا ما تغيّر ترتيب نفس الكلمات فقد تعطي الجملة معنىً آخر، كما لو قلنا: (كان لدى حمل صغير ماري)، أو (كان لدى صغير حمل ماري)، وقد لا تعطي الجملة أيَّ معنىً إذا ما تغيّر ترتيب الكلمات رأساً على عقب، مثل: (حمل لدى صغير ماري كان).

كما أنّ من الممكن أن نحافظ على نفس ترتيب الجملة، ولكن نختار كلمات مرادفة للكلمات المستخدمة في الجملة، فنصنع جملاً عدّة من قبيل:

كان لدى ماري حمل صغير .

كان لدى الفتاة حمل صغير .

امتلكت ماري حملاً صغيراً .

كان لدى ماري نعجة حديثة الولادة .

كان لدى ماري خروف في أوّل سني عمره .

وطالما الكلمات تبقى في مكانها الصحيح في الجملة، فإنّنا نستطيع أن نستبدلها بكلماتٍ أُخر تحمل نفس الدلالة اللفظيّة، ويبقى الأمر منوطاً بالمتكلّم؛ إذ يمكن له أن يستخدم إمّا كلمة (ماري) أو معادلها وهو (الفتاة)، فإنَّ كلا اللفظين يصنعان مجموعة صرفيّة، كما يمكن أن تنشأ مجموعة صرفيّة أُخرى من أحد اللفظين: (كان لدى)، أو (امتلكت)، كما يمكن استخدام ألفاظ أُخرى لها نفس الدلالة، مثل (حازت)، ويمكن توضيح هذه الفكرة من خلال الجدول التالي:

ماري

كان عندها

حملٌ

صغير

الفتاة

امتلكت

نعجة حديثة الولادة

صغيرة

جدول 3/1: الترتيب الصرفي للجمل

وبعمل تغييرات في معظم كلمات الجملة يمكننا أن نصل إلى هذه الجملة: (إنَّ الفتاة امتلكت نعجة حديثة الولادة) وهي جملة مفيدة ومفهومة، وهي تؤدّي نفس الغرض، وتنقل نفس المعنى المرجو نقله من الجملة الأُولى المأخوذة من أنشودة شهيرة.

ولكن نفس المعنى قد لا تنقله الجملة البديلة، ففي بعض الحالات تكون الألفاظ البديلة ليست معادلة لألفاظ الجملة الأصليّة، فلفظة (ماري) تشير إلى فتاة بعينها، ولكن لفظة (الفتاة) قد تشير إلى أيّة بنت أو امرأة، وسيأتي شرح مفصّل أكثر لهذه المسألة في هذا القسم من الكتاب.

يستخدم (ليفي شتراوس) مفهومي الاستعارة والكناية في ضوء هذين الاصطلاحين، فيقول في كتابه (الخزّاف الغيور): ص 205: «إنَّ استخدام الاستعارة يعني أنّنا ننقل كلمة أو عبارة من سلسلة منتظمة (إعرابيّاً) أو (صرفيّاً) معيّنة ونضعها في سلسلة نظاميّة أُخرى».

وتشير عبارة أُخرى له ذكرها في نفس الكتاب إلى أنّ السلاسل النظاميّة هي دلالات على الرموز التي ذكرناها مسبقاً في هذا الكتاب، والاستعارات لا تنقل المعنى من مصطلحٍ إلى آخر، ولكنها تنقل المعنى من رمزٍ إلى رمزٍ آخر([228])وهكذا، في حين أنّ الروابط الاستعاريّة تكون مصاحبات لغويّة بين رموز مختلفة، فإنَّ الكنايات روابط تستخدم في نفس الرمز.

ومن ناحيةٍ أُخرى يستخدم (ليفي شتراوس) اصطلاح السلسلة المنتظمة ليشير إلى الأساطير باعتبارها قصصاً مرويّة، وفي هذه الحالة تكون المجموعة الصـرفيّة عدداً من الأساطير المرتبطة بعضها بالبعض الآخر، أو تكون أجزاءً من نفس الأُسطورة، والتي تعبّر عن نفس التركيب ولكن بتغييرات مختلفة([229]).

وفي كلا الحالتين يبدو من الواضح أنّ (ليفي شتراوس) يعتبر الفكر الأُسطوري من سنخ الأشكال اللغويّة المترابطة والقابلة للتبادل، ولكن حينما يكون المعنى المضمور في الصيغ الصرفيّة ملفوظاً، فحينها لا بدّ من أن يتمّ التعبير عنه عن طريق سلسلة منتظمة، أي يأخذ شكل قصّة أو رواية، وفي هذه السلسلة المنتظمة يتمّ الربط بين المفاهيم من خلال الاستعارات والكنايات؛ لذا تكون الاستعارات والكنايات متحدّة دائماً في الأساطير (وفي كلِّ مقالةٍ أيضاً)، ويعتمد المعنى الواقعي لكلِّ أُسطورة على التنقلات بين الأشكال الصـرفيّة والتسلسل المنتظم لنصوصها.

ومع انتشار وإعادة إلقاء الأُسطورة تحدث تغييرات جديدة في نصوصها، وبالرغم من بقاء النمط التركيبي الأساسي للأُسطورة دون تغيير ـ وهو (الدرع) في اصطلاح (ليفي شتراوس) ـ فإنَّ الرموز المستخدمة في نصوص تلك الأُسطورة قد تتغيّر، وقد يتمّ قلب الأدوار الملعوبة في الأُسطورة، وقد تُضاف أو تُحذف بعض العناصر منها، وتقل حدّة الصراعات داخل أحداث الأُسطورة... إلخ.

والخلاصة: إنّ عدداً من العناصر التي يسمّيها (ليفي شتراوس) تنقّلات داخل الأُسطورة قد تجد لها مكاناً، ولأنّها مرتبطة واحدة بالأُخرى فإنّها تخلق سلسلة من التنقّلات أو (مجموعة تنقّلية)([230]).

وكمثال على هذه العملية يمكننا أن نتصوّر كيف جرت وانتشـرت (أُسطورة أسديوال)، فإنّ النظرة العالميّة للهنود السيمشينيين اشتملت على عدد من الأفكار عن محيطهم الجغرافي، والطرق المختلفة لحصولهم على ما يقتاتون به، وتفكيرهم عن الكون، والقوى العليا الخفيّة التي أثّرت في حياتهم، والصورة عن تكوين مجتمعهم، وكيف يمكن فهم تركيبة ذلك المجتمع، كما أنّ تلك الأُسطورة نقلت لنا فكرة عن المشاكل الأساسيّة في مجتمعهم.

والحقيقة أنَّ كلَّ تلك الأفكار تداخلية بمعنى أنّها ترتبط ارتباطاً لصيقاً واحدة بالأُخرى، وقد حملتها معاً في وقتٍ واحدٍ، وربطت هذه الأفكار معاً شبكة من العلاقات، وهي مجموعة صرفيّة من الصعب إدراكها.

ولكن حين أراد الهنود السيمشينيون التعبير عن معضلة التعارض بين أُسلوب الحياة المثالي وما كان عليه أُسلوب حياتهم بالواقع، كان لا بدّ لهم من أن يرتّبوا تلك الأفكار على شكل سلسلة منتظمة، وفي هذه الحالة وبسبب أنّهم نظروا إلى مشكلتهم تلك على أنّها صعبة للغاية ومليئة بالمخاطر، فقد أخذت تلك السلسلة شكل قصّة، نسمّيها نحن المحلّلين للحضارات: (أُسطورة)، بالأخذ بنظر الاعتبار شكلها الخارجي ([231])؛ ونظراً لأنّ هذه الأُسطورة قد تمّ تداولها من قبل مختلف أصناف الناس؛ لذا تباينت النصوص التي نقلتها بتباين مستويات أُولئك الناس، فقد ظهرت نسخ مختلفة من تلك الأُسطورة، ولكن جمع تلك النسخ المختلفة اشتركت في نفس التركيب الأساسي للقصّة، وهذا ما يهمّ ليفي شترواس.

وقد جمع بعض المتخصّصين بعلم الإنسان قليلاً من تلك النسخ المختلفة لأُسطورة أسديوال، وقد كتب (ليفي شتراوس) كتابات تحليليّة عن تلك النسخ، وقد تشابكت عناصر من الرموز الجغرافيّة والاقتصاديّة والكونيّة والاجتماعيّة في هذه الأُسطورة (أو المجموعة من الأساطير) من خلال علاقات استعاريّة، ما جعل اتجاهاتها الجغرافيّة - على سبيل المثال - ترمز إلى منظمات اجتماعيّة معيّنة، حيث يرمز الشرق في الأُسطورة إلى سكن الزوجين في بيت أهل الزوج، ويرمز الغرب إلى سكن الزوجين في بيت أهل الزوجة، فالعلاقة إذن بين الاتجاهات الجغرافيّة في القصّة والمنظمات الاجتماعيّة هي تشبيه تقليدي، يمكن أن نرسمه على الشكل التالي:

الشرق: الغرب: السكن في بيت أهل الزوج: السكن في بيت أهل الزوجة

وهذا الشكل يمكن أن نقرأه كما يلي: (إنَّ نسبة الشرق إلى الغرب هي نفس نسبة سكن الزوجين عند أهل الزوج إلى سكن الزوجين عند أهل الزوجة)، والهدف من تشبيهٍ كهذا في أُسطورةٍ ما هو إنشاء علاقات بين رمزين، وهما في حالتنا هذه الرمز الجغرافي والرمز الاجتماعي، وبقولٍ آخر: تحويل الاستعارات إلى كنايات وتحويل الكنايات إلى استعارات، وقد تمّ الربط بين الشـرق والغرب بشكلٍ كنائي، إذ إنّهما من نفس الرمز، ونفس الشيء ينطبق على أشكال السكن الأُخرى بالنسبة للأزواج الجدد.

وإذا نظرنا إلى المسألة من وجهة نظر تخصّ تركيب الأُسطورة، فإنّا سنجد رابطاً آخر بين الشرق ومسألة سكن الزوجين عند بيت أهل الزوج، وبين الغرب ومسألة سكنهم عند بيت أهل الزوجة، مع الأخذ بنظر الاعتبار «أنّ ما كانت في السابق علاقات استعاريّة أصبحت روابط كنائيّة، وما كانت في السابق علاقات كنائيّة أصبحت علاقات استعاريّة...»([232])(اُنظر: الشكل 3/1).[233]

والأساطير زاخرة بمثل تلك التشبيهات، كما يقول (ليفي شتراوس)، والتحوّلات من الاستعارة إلى الكناية وبالعكس تضيف أهمّية إلى بعض المفاهيم، وبذلك تعمل على ربط مساحات من الحياة بعضها بالبعض الآخر؛ وذلك «لأنّ العقل يعمل حسب التناقض في المنهج الديكارتي، أي أنّه يرفض أن يحوّل الصعوبة أو المشكلة إلى أجزاء صغيرة، ولا يقبل بأيِّ حالٍ من الأحوال نصف الحلول، يبحث عن تفسيرات تحيط بكليّة الظاهرة وليس بجزء منها، وحينما تواجه الأُسطورة أيّة مشكلة فإنّها تتعامل معها على أنّها شبيهة بالمشاكل الأُخرى التي توجد في أبعاد أُخرى من الحياة، كالبعد الكوني والطبيعي والأخلاقي والفقهي والاجتماعيإلخ، ويحاول أن يعالج كلَّ تلك الأبعاد في نفس الوقت وبشكلٍ مباشر»([234]).

وفي عملية إنشاء ارتباطات جديدة بين مجالات الحياة غير المترابطة، فإنّ التنقّلات بين الاستعارة والكناية تخلق تغييراً في نظام التصنيف الخاصّ بمجموعة أو حضارة معيّنة، ثمّ إنَّ هذه التنقلات كثيراً ما تستخدم لمناقشة الأسباب التي تقف وراء اعتبار تصنيف معيّن أنسب من الآخر؛ لتظهر علاقة ما بين كيانين بالتي قد تبدو اعتباطيّة وبعيدة الإحتمال هي في الواقع حقيقية وطبيعيّة، ويقول (إدموند ليتش) (Edmund Leach): إنّنا نستخدم تلك التنقلات بين الاستعارة والكناية؛ «لكي نُثبت بأنّ التعبير المجازي الذي يبدو فاقداً للمعنى سيكون ذا معنى إذا حوّلناه إلى تعبير كنائي، وبالعكس»([235]).

كما يؤكّد (ليفي شتراوس) أنّ هذه الحركة التنقليّة موجودة في كثير من الأساطير، ثمّ يحاول أن يعطي الشرعيّة لتلك العمليات المنطقيّة البعيدة الاحتمال التي ينتجها العقل، والتي يكون وجودها مصاحباً لبعضها البعض - والذي يسمّيها (ليفي شتراوس) بـ (الاستدلال ذو الاحتمال الخارق للطبيعة) - وذلك عن طريق جعل تلك العمليات تبدو وكأنّها طبيعيّة ومبنيّة على تجارب تتحصّل عن طريق الملاحظة، والتي يسمّيها هو بـ (الاستدلال التجريبي)([236]).

وبعد ذكر هذه النقطة يوضِّح (ليفي شتراوس) بأنّ التغيير من استدلال خارق للطبيعة إلى استدلال تجريبي، هو ليس نفس التحويل بين الاستعارة والكناية، ولكنّه من الطبيعي أن يكون أكثر تعقيداً من ذلك؛ إذ إنّ الاستعارة والكناية كلاهما يتمّ توظيفهما في الاستدلال التجريبي([237]).

أمّا النقطة التي أودّ أن أُثيرها هنا، فهي أنّ الأساطير مهما يكن المنهج الذي تستخدمه تحاول أن تخلق ارتباطات بعيدة الاحتمال واعتباطيّة ومبهمة، وتجعلها تبدو طبيعيّة جوهريّة وواضحة المعالم.

ففي مأساة كربلاء تظهر هذه النقطة بأجلى صورة كما سيمرّ عليك في هذا الكتاب، ومحاولة التغيير من علاقة بعيدة الاحتمال إلى علاقة طبيعية، عادةً ما تتمّ من خلال تنقلات بسيطة بين الاستعارة والكناية.

ثمّ إنّ المثال المطروح حول الانتقال من الاستعارة إلى الكناية وبالعكس فيما يخصّ أُسطورة أسديوال، وقد لفت نظري مفهوم مهم آخر من مفاهيم (ليفي شتراوس)، وهو مفهوم التعارض، ويجب أن لا نفهم هذه الكلمة بمفهومها السلبي؛ إذ إنّها بالواقع اصطلاح محايد يشير في أغلب استخداماته إلى أيّة علاقةٍ بين مفهومين، يقول ليفي شتراوس: «يعمل الفكر الأُسطوري من خلال وسائل تعارض ورموز، ولكن نظريّة التعارض المزدوج ـ التي اتُّهِمت باستخدامها بشكلٍ مفرط ـ تدخل بشكلٍ طارئ على تحليل الأُسطورة، بصفتها القاسم المشترك الأصغر للقيم المتبادلة التي تنشأ من المقارنة والتشبيه، وهكذا فقد تبدو التعارضات المزدوجة بأشكال متنوّعة كثيرة من المشـروطات - أي متوقّفة على شروط معيّنة - من قبيل التماثلات، والتي تكون على أشكال مختلفة، والتناقضات، والتعارضات، والقيم النسبيّة، والعبارات المجازيّة، والأفكار المجازيّة، وما شابهها، كلُّ تلك الضـروب المختلفة من التعارض تعود إلى الأنواع الغريبة من أشكال الكلام، أضف إلى ذلك أنّها لا تأتي أبداً بشكلٍ مجرّد؛ أي لا تأخذ شكلاً نظريّاً، ولكنها تأخذ شكلاً تطبيقيّاً من ضمن الرموز...»([238]).

وقد لا يبدو غريباً في المثال المذكور سالفاً والمأخوذ من أُسطورة أسديوال أنّ الاتجاهين الجغرافيين أو طريقتي السكن - أي السكن عند أهل الزوج أو أهل الزوجة - تعارض إحداهما الأُخرى، فقد رأينا أنّ الرابط الذي يربط العناصر المأخوذة من الرموز الجغرافيّة والاجتماعيّة مأخوذ أصلاً من رمز ثالث وهو الرمز الاقتصادي التقني، وهو ما تشير إليه الأُسطورة على أنّه الشرق، والسكن عند أهل الزوج، إذ يشير هذا الرمز إلى وفرة الطعام بغزارة، ولكن في الغرب - أي في السكن عند أهل الزوجة - توجد المجاعة.

ففي هذه الأُسطورة يتعارض السكن عند أهل الزوج بالسكن عند أهل الزوجة فيما يتعلّق بوفرة مؤونة الطعام، كما هو الحال في الفرق بين الشـرق والغرب.

والنقطة التي أودّ أن أُشير إليها هنا هو أنّ التعارضات التي تكتسب أهمّية تكون دائماً تعارضات فيما يتعلّق بموضوع معيّن؛ لذا فيمكن للمرء أن يلعب أدواراً عدّة في الحياة، فيمكنه أن يصبح زوجاً وأباً ومعلّماً ولاعب كرة قدم هاوياً... إلخ.

فحينما يتعلّق الأمر بعلاقة ذلك المرء مع زوجته، فهذا لا يمتّ بأيّة صلةٍ بكونه لاعب كرة قدم مهاجماً أو مدافعاً، وعندما يكون الحديث عن قاعة الصف، فهذا ممّا ليس له علاقة بكون ذلك المعلّم متزوجاً أو أعزباً... إلخ.

وحينما يتعلّق الأمر بالحياة الأُسريّة، فما يخطر على الذهن هو الأدوار المنزليّة التي يلعبها الإنسان بصفته زوجاً أو أباً... إلخ، والتعارض يكون بينه وبين زوجته بصفته الزوج، كما يكون التعارض بينه وبين أطفاله بصفته الأب.

أمّا في ساحة كرة القدم، فتكون الاحتمالات كثيرة فيما يخصّ الدور الذي يلعبه اللاعب، إذ قد أن يكون مهاجماً أو مدافعاً... إلخ، والتعارض بينه وبين أعضاء الفريق الآخرين يمكن أن يأخذ شكل كونه رجلاً خلوقاً في غرفة تبديل الملابس، ويمكن أن يأخذ شكل كونه مهاجماً في الفريق، كما يمكن أن تأخذ أشكالاً أُخرى، ككونه بطل الفريق إذا كان الأفضل بينهم، والتعارض بينه وبين الفرق الأُخرى، هو أنّه يعتبر خطراً على تلك الفرق التي تواجه فريقه.

وحين يحلّل (ليفي شتراوس) الأساطير فإنّه كثيراً ما يتكلّم عن (اصطلاحات) تكون مؤهلة للقيام بأكثر من وظيفة؛ إذ يمكن لتلك الاصطلاحات أن تكون ممثلة بأشخاص - أي أناساً معينين أو حيوانات أو آلهة... إلخ - أو أشياء... إلخ: بمعنى أي موضوع قادر على التمثيل، وقادر على أن يلعب دوراً ما في الأُسطورة([239]).

 أمّا الوظيفة التي نتحدّث عنها فتأخذ أدواراً مختلفة، أو سمات تحملها وتعبّر عنها تلك الاصطلاحات، ويواجهنا في الأُسطورة عدد من الشخصيات - أي الاصطلاحات - وكلّها يمكن أن يكون لها أدوار عديدة، أي وظائف.

وقد نُوقش مفهوما (اصطلاح) و(وظيفة) عند (ليفي شتراوس)([240]) من قبل الأُستاذ الروماني سولومون ماركوس (Solomon Marcus) - وهو متخصّص في الرياضيات ونظريّة وظائف الإشارات والعلامات - الذي يقول: «تولِّد كلُّ شخصيةٍ ميداناً من السمات الدلاليّة، ولكن قليلاً من تلك الشخصيات أو واحدة يمكن أن تخلق دوراً، فإذا لم تحدّد الاصطلاحات بالوظائف فإنّها لن تكون أكثر من عناصر عائمة، وهذا يعني أنّ الشخصيات بمجرّدها إذا كانت لا تمثّل أيَّ دورٍ، فإنّها تصوّريّة وكيانات خياليّة ليس لها وجود على أرض الواقع»([241]).

لا يمكننا من بين الأدوار الكثيرة المحتملة، أن نعرف الدور الذي يمكن أن يتحقّق في الواقع في السياق الذي بين أيدينا إلّا من خلال معرفة التعارض بينه وبين شخصية أُخرى تلعب دوراً مختلفاً.

يضرب الكاتب (ماركوس) مثالاً مأخوذاً من كتاب (الخزاف الغيور) للكاتب ليفي شتراوس، ففي هذا الكتاب ينشأ الترابط بين الأساطير من خلال تعارض المرأة وطائر السبد من جهة، برجال آخرين من جهةٍ أُخرى، يقول (ماركوس): «لذا حينما يكون التعارض بين امرأة وطائر، فإنّنا سنختار تلك السمات الدلاليّة للمرأة التي تكون أوثق صلة بالموضوع في تعريفنا لذلك الاختلاف والتعارض بينها وبين ذلك الطائر، ولكن حين يكون التعارض بين امرأة ورجل، فإنّنا سنختار السمات الدلاليّة التي تبيّن التعارض بين المرأة والرجل؛ لذا فإنّ سمة الإنسانيّة هي الأنسب في الحالة الأُولى، بينما سمات أُخرى مثل الغيرة تكون هي الأوثق صلةً بالموضوع»([242]).

وعلى هذا يمكن أن نعرّف التعارضات المزدوجة بأنّها (أكثر مركبات البنية أصالةً)، وهذا التعريف الذي يعود للكاتب (كوز) (Caws) هو حقّاً تعريف رائد ودقيق([243]).

وسنعود إلى مناقشة أوسع لمفهومي (الاصطلاح) و(الوظيفة) لاحقاً، ولكن يبدو أنّ علينا الآن أن نقدّم مصطلحاً آخر مهماً من المصطلحات التي استخدمها (ليفي شتراوس) للتعبير عن طريقة تفكيره، وهو مصطلح (الواسطة)، وقد علمنا أنّ وظيفة الأُسطورة على رأي (ليفي شتراوس) هي تقليل التناقضات الحاصلة في الواقع، إذ لا يمكن بأيِّ حالٍ من الأحوال أن نضع حدّاً للصـراعات في الأُسطورة، ولكن يمكننا أن نتعامل معها على أساس تشبيهها بمجالات أُخرى من الحياة، حيث يمكن لنا من خلال تلك المجالات أن نتعامل مع الصـراعات بشكلٍ أسهل.

ويلعب الوسطاء دوراً مهماً في هذه العملية التي يناقشها (ليفي شتراوس) في مقالته الرئيسة المسمّاة: (الدراسة البنيويّة للأُسطورة)؛ إذ يشير إلى حقيقة أنّ (المخادع) في الأساطير الأميركيّة لطالما يتعامل معه محلّلو الأساطير على أنّه شخصية مشكلة ومشكوك فيها.

ثمّ يتساءل (ليفي شتراوس): لماذا يُعطى هذا الدور في أغلب الأحيان إلى القيوط(*) أو الغراب الأسود؟

ويجيب عن هذا التساؤل عن طريق ضرب مثال من أساطير (الهنود البويبلو) (Pueblo Indians)(*)، فيقول: «دائماً ما يتمّ استبدال اصطلاحين متعارضين لا يتوسطهم أيّة واسطة باصطلاحين آخرين مقابلين لهما، شريطة أن يكون بينهما واسطة، ثمّ يأتي ثالوث آخر ليستبدل الاصطلاحين الآخرين وواسطتهما وهكذا؛ فيصبح لنا مركّب وسطي يأخذ الشكل المطروح في الجدول التالي:

الزوج الأوّلي

الثالوث الأوّل

الثالوث الثاني

الحياة

 


 


 


الزراعة

 


 


 


الحيوانات المقتاتة على العشب

الحيوانات المقتاتة على الجيف (كالغراب والقيوط)

الحيوانات المفترسة

 


الصيد

 


 


الحرب

 


الموت

 


 


 

الجدول 3/2: تركيبة أساطير الهنود البويبلو كما يراها (ليفي شتراوس)

...ويولّد كلُّ اصطلاح الاصطلاح الذي يأتي بعده عن طريق عملية مزدوجة من التعارض والواسطة»([246]).

يُظهر الجدول السابق بأنّ التعارض الرئيس عند الهنود البويبلو هو تعارض الموت والحياة، وهذا التعارض - كما يرى (ليفي شتراوس) - هو في الحقيقة التعارض الرئيس عند كلّ الجنس البشري ككلّ([247])، والذي هو تعارض أخطر وأصعب من أن يتمّ التعامل معه، وقد تمّ استبداله بالتعارض (الأضعف)، بين (الزراعة) التي هي سبب الحياة و(الحرب) التي هي سبب الموت.

إنّ هذا التعارض أضعف من التعارض بين الحياة والموت؛ لأنّه يكون تحت سيطرة الإنسان إلى حدٍّ معيّن على الأقلّ، ولكن يتمّ إدخال الصيد بين هذين القطبين في هذا التعارض الجديد كواسطة؛ لأنّه يشاطر القطبين المتعارضين في صفاتهما، حيث إنّ الزراعة توفر الطعام - أي الحياة - بينما تسبّب الحروب الموت، وفي حالة الزراعة والصيد يُنشـيء أحد الاصطلاحات المحوريّة والواسطة تعارضاً جديداً، حيث تدخل الحيوانات التي تقتات على العشب كواسطة، فبالرغم من أنّ هذه الحيوانات تأكل النبات فقط ولا تقتل ما تقتات عليه، ولكنّها عرضة للاصطياد.

وفي الجهة المقابلة لتلك الحيوانات التي تقتات على النبات تقف الحيوانات المفترسة، ثمّ تدخل واسطة جديدة بين هذين النوعين من الحيوانات، وهي الحيوانات التي تقتات على الجيف، السباع التي تأكل جيف الحيوانات الميتة ولكنها لا تسبب الموت لما تأكل، تماماً مثل الحيوانات المقتاتة على العشب. وهنا يدخل حيوانا القيوط والغراب - وهما حيوانان يقتاتان على الجيف - إلى المشهد، وحسب ما يرى (ليفي شتراوس): «فإنّ المخادع يلعب دور الواسطة، ولأنّ وظيفته في التوسط تشغل موقعاً يقع في الوسط بين اصطلاحين محوريين؛ فلا بدّ له من أن يستبقي شيئاً من تلك الازدواجيّة، أي تكون شخصيته غامضة ومريبة»([248]).

إنّ وظيفة الواسطة هي إنشاء جسر بين الأشياء المتعارضة، ولكن تلك الواسطة أيضاً ـ وفي حالات كثيرة ـ تعمل على تأكيد المسافة بين تلك الأشياء المتعارضة، أي أنّها تبيّن بأنّ من الاستحالة لتلك الأشياء المتعارضة أن تنتصر، أو يجب أن يُسمح لها بالانتصار. ولنأخذ مثالاً مشوّقاً على الوظيفة المزدوجة للواسطة من إحدى أساطير منطقة الأمازون، وفي هذه الأُسطورة تسافر الشمس والقمر في زورق، وهذا الزورق يستلزم أن يقوده شخصان، يجلس أحدهما في مقدّمته ليجذف، والآخر الذي يوجّه الزورق يجلس في مؤخّرته، وكلا الشخصين لا بدّ من وجودهما في الزورق، ولا يمكن لهما أن يقتربا أو يبتعدا عن بعضهما البعض؛ إذ لا بدّ لهما من المحافظة على مركزهما في الزورق.

وتقول الأُسطورة: إنّه إذا اقتربت الشمس والقمر من بعضهما البعض في ذلك الزورق، فإنّ العالم سيحترق (بسبب حرارة الشمس)، أو يتعفّن (بسبب الماء الذي يرافق القمر)، أو يحترق ويتعفّن في نفس الوقت، وإذا ابتعدت الشمس والقمر أكثر من اللازم، فإنّ تعاقب الليل والنهار سيتعرّض للخطر، مّما يسبب تشوّشاً واضطراباً في نظام الكون، ومع بقاء الشمس والقمر في الزورق (وهو الواسطة في هذه الأُسطورة)، فإنّ المسافة بينهما ستحقّق التكامل في الكون([249]).

والمثال الآخر على الدور المزدوج الذي يلعبه الواسطة هو القبّعة في بعض الأساطير، والتي تؤدّي نفس الدور الذي يلعبه الضباب في أساطير أُخرى، يقول (ليفي شتراوس): «نرى في فكر الهنود الأميركيين ـ وربّما في فكر أقوام آخرين في العالم ـ أنّ القبعة تؤدي وظيفة واسطة بين العالي والمنخفض، والسماء والأرض، والعالم الخارجي والجسد، فهي تلعب دور الوساطة بين هذين القطبين؛ إذ إنّهما إمّا أن يتّحدا وإمّا أن يتفرّقا إلى مسافات مختلفة، وكما قلت فيما مضى، فهذا هو أيضاً الدور الذي يلعبه الضباب، والذي يكون تارةً فاصلاً وتارةً أُخرى رابطاً بالتناوب بين العالي والمنخفض وبين السماء والأرض، فهو اصطلاح توسطي يوحِّد الطرفين ويجعلهما غير متميّزين عن بعضهما البعض، أو يدخل بينهما لكي يمنع اقتراب أحدهما من الآخر»([250]).

ويتحدّث (ليفي شتراوس) أكثر من مرّة ـ على الأقل ـ عن وظيفتي الربط والفصل التي يؤدّيها أُولئك الذين يلعبون دور الوسائط في الأساطير، باعتبارهم وسائط إيجابيّة وسلبيّة على التوالي ([251]).

الصيغة القانونيّة وتطبيقاتها

يقول (ليفي شتراوس): إنّ الأساطير تتحوّل حسب نمطٍ خاصٍّ، والذي يسمّيه هو (علاقة قانونيّة)، ويمكن إيجاز هذه العلاقة في صيغة (معادلة) ظهرت أوّلاً في إحدى مقالاته تحت عنوان (الدراسة البنيويّة للأُسطورة) في عام (1955م)، وتكرّرت في فترات متباعدة جدّاً لحين نشر بعض مقالاته في علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) والأُسطورة Anthropology And Myth) عام (1984م)، الخزّاف الغيور (The Jealous Potter) عام (1985م)، وأعماله الأخيرة، حيث استخدم هذه الصيغة بصورة صريحة([252]).

وعلى الرغم من أنّ هذه الصيغة غائبة تماماً في كتابه (الميثولوجيا) (علم الأساطير) (Mythologiques)، فقد بيّن مرّات عديدة أنّها كانت على قدرٍ كبير من الأهمّية له في كلِّ أجزاء كتابه مع الأساطير التي قام بتحليلها في تلك الكتب([253]). هنا تكون الصيغة كالتالي:

Fx(A): Fy(B): : Fx(B): Fa-1(Y)

قدّم (ليفي شتراوس) هذا التعليق الغامض حول هذه الصيغة، عندما ظهرت أول مرّة بالقول: «هنا، مع إعطاءطرفين أو عنصرين هما: (A وBووظيفتين هما: (X وY) لهذين الطرفين؛ يُفترض وجود علاقة من التكافؤ بين موقفين يُعَرَّفان على التوالي بتضادّ الأطراف والعلاقات تحت شرطين:

الأوّل: استبدال أحد الأطراف بنقيضه (في الصيغة أعلاه، A وA-1).

الثاني: تضادّ بين قيمة الوظيفة وقيمة الطرف لعنصـرين (A وY) في الصيغة أعلاه»([254]).

في هذه الفقرة، ظهرت (الأطراف) و(الوظائف) الواردة أعلاه لأوّل مرّة، حسب (ليفي شتراوس) يكون الجزء الحاسم من المعادلة هو العنصر الرابع
(
Y)Fa-1)، حيث الطرف (A) قد استبدل بنقيضه (A-1)، والطرف والوظيفة (A وY) (أو بالأحرى قيمتاهما) قد غيّرا مكانيهما، والآن، ماذا يعني ذلك؟

المشكلة الأساسيّة في الصيغة القانونيّة هي أنّ مؤلّفها لم يوضّح بصورة صريحة أبداً معناها، ولم يُعطِ مثالاً خالياً من الغموض، ليبيّن كيفيّة استخدام هذه الصيغة، أو كيف ينبغي أن تُطبّق في الحالات الأُخرى، وبالرغم من مظهر الصيغة الرياضي، إلّا أنّ (ليفي شتراوس) (Lévi-Strauss) قد صرّح لمرّاتٍ عديدة بألّا تُقرأَ على أنّها معادلة رياضيّة، ولكن «كشكل أو صورة: كتصميم بياني والذي يمكن، كما أعتقد، أن ييسّر الإدراك البدهي لسلسلة من العلاقات»([255]).

وكما بيّنت ردود الأفعال على هذه الصيغة، فإنّها ليست بتلك السهولة حتى تُفهَم بالبديهة من قبل أغلب القرّاء، كما يقول المؤلّف، ولا لأُولئك الذين اتّخذوا موقفاً سلبيّاً تجاهها، ولا لأُولئك الذين مالوا إليها إيجابيّاً([256]).

التفسير الأكثر وضوحاً لهذه الصيغة، والذي قدّمه (ليفي شتراوس) نفسه، هو استخدامه العملي لهذه الصيغة في تحليله لسلسلة أساطير (جيفارو) (Jivaro) في (الخزّاف الغيور) (The Jealous Potterوفيما يلي خلاصة للأُسطورة الرئيسيّة في هذا الكتاب:

«كان للشمس([257]) والقمر نفس الزوجة، وتسمّى أوهو (Aôho)(وتعني طائر السُّبَد)(*)، الشمس الحارّة القويّة ضحكت من القمر البارد الضعيف، غضب القمر وصعد إلى السماء على شجرة الكرم، وهو ينفخ على الشمس ليدفعها بعيداً، تسلّقت أوهو خلف القمر، وأخذت سلّةً من الطين كالذي تستخدمه النساء في صناعة الخزف، قطع القمر الكرمة فسقطت أوهو إلى الأرض، تناثر الطين على جميع الأرض، حيث يمكن للرجال العثور عليه، وتحوّلت أوهو إلى طائر السُّبَد، وبعد ذلك تسلّقت الشمس الكَرمة، ولكنّ الشمس والقمر أخذا يتهرّبان من بعضهما البعض، ولم يُرَيا معاً أبداً، من أجل هذا، أصبح رجال الجيفارو (Jivaro) غيورين من أحدهما الآخر وتقاتلوا على النساء»([258]).

وعند تحليله هذه الأُسطورة مع عددٍ آخر من أساطير مختلفة، يتساءل (ليفي شتراوس): «ما هي العلاقة بين السُّبّد، الذي يمثّل هنا طائراً غَيوراً أو سبباً للغيرة، وبين النساء اللاتي يأتين هنا لبيان أصل صناعة الخزف؟»([259]).

وإحدى الأفكار الرئيسيّة في هذه الأُسطورة هي الغيرة الزوجيّة، وزيادةً على ذلك، فإنّ صناعة الخزف تعتبر في الغالب بأنّها (فنّ الغيرة)، ليس فقط في ثقافة الـ(جيفارو) (Jivaro)، بل في جميع أنحاء العالم.

إنّ فرض الشكل على الشيء عديم الشكل هو ممارسة السيطرة عليه؛ أي فرض الثقافة على الطبيعة وامتلاكها، بالإضافة إلى ذلك، فإنّ التقنيات المتّبعة في صناعة الخزف مرهفة إلى حدٍّ بعيد، وهي بذاتها محاطة بـ (مواقف وطقوس الإقصاء والتي تكون (الغيرة) معادلها الروائي)، وترتبط صناعة الخزف بين الكثير من الهنود الحمر في قارّة أميركا بالمرأة، التي تكون لها - خصوصاً أثناء فترة حملها - هيأة كالآنية، ودورها يكون كالحاوية([260]).

ويرتبط طائر السُّبَد بالغيرة؛ ففمه الكبير يوحي بمشاعر الجشع، وطباعه الليليّة وصوته الحزين الموحش، وحقيقة أنّه لا يبني عشّاً ولا يعيش مع قرين، كلُّ ذلك يبيّن انطوائيّته (أفكار كلّها توحي بنزعة (الغيرة)).

وقد استُغِلّت نزعة الغيرة في طائر السُّبَد في كثيرٍ من الأساطير في كلِّ أنحاء القارّتين الأميركيتين([261])؛ ولهذا يقول (ليفي شتراوس): إنّ هناك علاقة بين المرأة وصناعة الخزف، بين المرأة والغيرة، وبين السُّبد والغيرة.

ولكن ماهو الارتباط بين السّبد وصناعة الخزف؛ أو بعبارةٍ أخرى: لماذا يأتي السُّبد في الأساطير عند الحديث عن أُصول صناعة الخزف؟ وللجواب على هذا السؤال، يستخدم (ليفي شتراوس)الصيغة القانونيّة.

إلى الآن، تمّ تحديد طرفين (المرأة والسّبد) ووظيفتين (الخزافة والغيرة)، وطبقاً للصيغة القانونيّة تكون العلاقة بين هذه الأطراف والوظائف كالتالي:

Fj (G): Fa(W) : : Fj(W): Fg-1(P(

حيث G=طائر السّبد، W=المرأة، J=الغيرة، P=الخزافة.

«بعبارةٍ أخرى: وظيفة غيرة السُّبد بالنسبة لوظيفة خزافة المرأة هي كوظيفة غيرة المرأة بالنسبة لوظيفة السّبد المعكوس للخزّاف»([262]).

العلاقات الثلاث الأُولى في المعادلة قد تمّ تعيينها بالفعل، فهناك ترابط بين السُّبد والغيرة، وبين المرأة والخزافة، وبين المرأة والغيرة. وبما أنّ الأساطير عادةً تتّبع أُسلوب التحوّل كما في المعادلة، فإنّه يجب أن تكون هناك العلاقة الرابعة، كما يقول (ليفي شتراوس)، على الرغم من أنّها لا توجد في أساطير الـ(جيفارو)(Jivaro).

وأمّا في الأساطير الأُخرى لسكان أميركا الجنوبيّة، فهناك طائر ـ والذي هو على عكس طائر السُّبد ـ طائر الفرّان (Ovenbird) الذي يعيش في تآلفٍ مع قرينٍ آخر، ويقوم بأفعاله اليوميّة في النهار، وله صوت بهيج، ويبني أعشاشاً جميلة من الطين.

وخلاصة القول: إنّ لهذا الطائر صفات هي على العكس تماماً من صفات طائر السُّبد، والواقع - كما يقول (ليفي شتراوس) - هناك أساطير كثيرة منتشرة بين الشعوب المجاورة لشعب الجيفارو (Jivaro) تحتوي على طائر الفرّان، وهي (النقيض لأساطير طائر السُّبَد)([263]).

على أنّ هذا النوع من التحوّل أو (الانعطاف المزدوج: Double Twist)
ـ المتمثّل بالعنصر الرابع في المعادلة ـ يحدث عندما تتجاوز الأُسطورة أحد الحدود، مثلاً أحد حدود اللغة أو الحدّ الثقافي، أو حتّى (حسب ما يتبنّاه في أحد تحليلاته لـ(فنّ عمارة الساعة الرمليّة)) التحوّل من مادّة بناءٍ إلى أُخرى، هو مسألة غالباً ما طرحها (ليفي شتراوس)([264]).

بالإضافة إلى ذلك، فقد ادّعى ـ في بعض أمثلته على الأقلّ ـ أنّ بعض الأساطير المتحوّلة بهذه الطريقة تشكّل (نوعاً من مجموعة تحوّلات...)، مع أنّه أحياناً يطبّق المعادلة على العلاقة بين الأُسطورة والطقوس، وحتّى على فنّ العمارة كما بينّا سابقاً([265]).

ومع ذلك، فالحقيقة هي أنّه بالرغم من الاستعمال المتكرّر للصيغة القانونيّة في مؤلَّفات (ليفي شتراوس) اللاحقة، فإنّ كثيراً من خواصّها بقيت خافية في ضبابٍ كثيف. عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي (لوسيه سكوبلا) (Lucien Scubla) قد حدّد بعضاً من أهمّ تلك العقبات ذات الصلة بالموضوع، ومنها([266]):

الأُولى: لم يتمّ تعريف مجال تطبيق المعادلة بصورةٍ وافية، وتنطبق هذه المشكلة على نوع المواضيع المستخدمة (الأساطير، الطقوس، العلاقة بين الأُسطورة والطقس، فنّ العمارة، إلخ)، وكذلك على شموليّة تطبيقها (فهل هي ـ مثلاً ـ قانون عام كقانون الجاذبيّة لنيوتن، أو عامل منطقي يربط أساطير من ثقافاتٍ متجاورة ببعضها؟

الثانية: يستخدم (ليفي شتراوس)هذه المعادلة بصورةٍ خصوصيّة (فرديّة) فقط، وأمّا تطبيقها العام فلم يتمّ التطرّق له أبداً، وفي كلِّ مرّةٍ يقوم بتطبيق هذه الصيغة يتمّ استخدام جزء صغير من المادّة (الموضوع) الموجودة، ولم يَرِدْ أبداً بيان السبب في اختيار هذا الجزء من بين كلِّ المعلومات الموجودة، وفضلاً عن ذلك، فإنّ عدّة صيغ مختلفة للمعادلة تأتي دون أن تُعطي الأسباب في تفضيل إحداها على الأُخرى.

الثالثة: لا يمكن لأي من تطبيقات المعادلة أن يكون مُقنِعاً من حيث إنّه «يؤسّس علاقة غير قابلة للجدل بين الصيغة القانونيّة والموادّ التجريبيّة التي يُفترَض أن تكون مرتبطة بها»([267]).

على أيّة حالٍ، الحقيقة التي تقول: إنّ الصيغة بقيت تُلهِم (ليفي شتراوس) في كلِّ أعماله حول الأُسطورة، وأنّها تواترت في الثمانينيّات بعد غيابٍ عن النشر لحوالي عقدين من الزمان ـ مع أنّ (ليفي شتراوس)يؤكّد أنّها كانت تُلهِمه باستمرارـ تصبح ذات قيمة عند إلقاء نظرةٍ أدقّ عليها، ورؤيةٍ ما إذا كان يمكنها أن تضيف إدراكاً أعمق إلى تفكيره، وفيما إذا كان يمكنها أن تقدّم لي عوناً ما في تحليلي لأحداث كربلاء.

علاوةً على ذلك، فقد حدثت عدّة محاولات ناجحة لتأويل وتطبيق هذه الصيغة بطريقة أكثر عموماً بعد (نهضتها) عند نشر محاضراته عام (1984م)([268])، و(الخزّاف الغيور) في العام الذي تلاه.

أخذت معظم تلك التأويلات نقطة انطلاقتها في الدراسة من سنة (1971م)، بواسطة عالِمَي الأنثروبولوجيا ألي (كونغاس ماراندا) (Elli Köngäs Maranda) وبيير ماراندا (Pierre Maranda)، حيث قاما بتطبيقها ليس على الأساطير ولكن على أنواعٍ من الحكايات والأحجيات الفولكلوريّة الأقل تعقيداً([269]).

بدأ هذان الشخصان، من خلال المقارنة مع القياس التخطيطي المشترَك الذي يوجد في صيغتين هما: (القياس المستمر)، A: B: : B: C (حيث علاقة A إلى B كـ علاقةBإلى C)، و(القياس المنقطع) A: B: : C: D(حيث A إلى Bكـ C إلى D)ـ ببيان أنّ الصيغة القانونيّة يمكنها أن «تقنّن الانعطافات (التغيّرات الغريبة) في الأساطير....»([270])، إضافةً لذلك، «فإنّ صيغة ليفي شتراوس:

Fx(a): Fy (b) : : Fx (b) : fa-1 (y(

ينبغي أن تُفهَم على أنّها التشبيه لعمليّة وساطة، حيث إنّ بعض الأدوار الديناميكيّة (الفاعلة) فيها تُجَسَّد بصورةٍ أكثر دقةً ممّا في النموذج البسيط للقياس»([271]).

في التأويل الذي قدّمته (ألي كونغاس ماراندا) (E. Köngäs Maranda) و(بيير ماراندا) (P. Maranda تبدأ الصيغة ببيان تناقضٍ بين الأطراف (A) المقيّدة بالوظيفة (X) و(B) المقيّدة بالوظيفة (Y) في الجانب الأيسر من المعادلة. أمّا في الجانب الأيمن، فإنّ (B) يستولي على الوظيفة (X«وهكذا، فإنّ (B)مخصّص بالتناوب لكلتي الوظيفتين؛ وبهذا يمكنه أن يكون وسيطاً بين المتناقضات»([272]).

وبتحديدٍ أكثر، فإنّ العنصر (A) غالباً ما يخصَّص بالوظيفة السالبة (X)، وبهذا يصبح الشخصيّة السيّئة، أو الوغد في القصّة.

وفي الجانب الآخر، فإنّ العنصر (B) مخصّص بالوظيفة الإيجابيّة (Y)، وبهذا يصبح البطل باتّخاذ الوظيفة السلبيّة (X)، وتوجيهها ضد الوغد (A)، ستصبح (B) الوسيط في القصّة.

ومن الممكن التحوّل بين الوظيفتين، وتوجيه الوظيفة السلبيّة ضدّ الشخصيّة السيّئة، هذه العمليّة (تقود إلى (نصر) أكثر كمالاً وتبدأ من (تدمير) العنصر (A)، ويقيناً سترسّخ القيمة الإيجابيّة (Y) للمحصّلة النهائيّة...لنقُل مجازاً: إنّ قلب الخسارة (إلى نقيضها) التي تبيّن التأثير الحقيقي للقوّة السلبيّة ليس فقط خسارة عديمة القيمة أو تعويضاً للخسارة، بل هو كسب، ولذلك -1(Y)(Fx(B)Fa ([273]).

ويمكن القول بعبارةٍ أُخرى: إنّ انتصار الخير (Y) على الشرّ (X) يعطي (Y) قوّةً أعظم بكثيرٍ ممّا كانت لها قبل الصراع بين (A) و(B). بهذا تبيّن الصيغة عمليّةً تكون فيها العناصر الثلاثة الأُولى مؤدّيةً إلى النتيجة المُبيَّنة في العنصـر الرابع، والنتيجة أعظم من البداية.

وفيما يلي رسم توضيحي للعمليّة في المخطط 3: 2، والذي يبيّن الطريق من العنصر الأوّل للصيغة القانونيّة حتّى العنصـر الأخير، من خلال وساطة (B) الذي يؤدي بالقيمة السلبيّة (X) إلى الفناء، ويقود القيمة الإيجابيّة (Y) إلى التقدّم.

 المخطط 3: 2، (النموذخ البصـري) الذي طرحته ألي كونغاس ماراندا (E. Köngäs Maranda)
 وبيير ماراندا (
P. Maranda) في تأويلهما للصيغة القانونيّة.[274]

يعلّق (سكوبلا) على هذا التأويل للصيغة القانونيّة بالقول: «مع أنّه يتطلّب التوضيح، إلّا أنّ تأويل (ألي كونغاس ماراندا) (E. Köngäs Maranda) و(بيير ماراندا) (P. Maranda) هو الأكثر إقناعاً في مبدئه من حيث إنّه مؤسَّس على عبارات نظريّة، والتي هي إمّا صريحة وإمّا ضمنيّة في كتابات (ليفي شتراوس)، والتي طُرِحت بذلك لتكتسب درجةً من الانسجام خاليةً من الريبة، ويبيّن هذا التأويل الصلة القريبة بين النصّ الأساس لسنة (1955م)، والنموذج البصـري للتحوّلات الأُسطوريّة التي يذكرها (ليفي شتراوس) في نهاية دراسته لـ (قصّة أسديوال) (The Story Of Asdiwal)....»([275]).

وفي الوقت نفسه، هناك فرق واضح بين استخدام (ليفي شتراوس)للصيغة القانونيّة وتأويلها الذي قدّمته (ألي كونغاس) و(بيير ماراندا) (P. Maranda)؛ إذ يعتقد الأوّل أنّها تصف دورةً من التحوّلات بين عددٍ من الأساطير (وهذا يصدق أيضاً على تطبيق (النموذج البصري) في (قصّة أسديوال))، بينما الآخران يطبّقانها على التحوّلات التي تحدث ضمن الأُسطورة الواحدة.

ويعتقد )

uble Twist+*-++++++9سكوبلا - على أيّة حالٍ - أنّ (ليفي شتراوس) ليس واضحاً في هذه المسألة، علاوةً على ذلك، يبدو أنّها نفس آليّة التمييز المستخدَمة من جهة لخلق وتأييد الاختلاف الضروري ضمن الأُسطورة الواحدة أو الثقافة الواحدة، ومن جهةٍ أُخرى ليؤكّد التباين الكافي بين الثقافات أو المجتمعات من خلال أساطيرها الخاصّة بها، حسب سكوبلا، فإنّ هذا سيوضّح السبب الذي يجعل الصيغة قابلة للتطبيق على الحالتين كلتيهما([276]).

ويعتقد سولومون ماركوس (Solomon Marcus) أيضاً أنّ الصيغة قابلة للتطبيق ضمن الأُسطورة الواحدة، وبين الأساطير المختلفة على حدٍّ سواء، وهو يرى أنّ الصيغة ينبغي أن تُقرأ على أنّها (قصّة أساسيّة)([277])، حيث يمكن القول: إنّ الأُسطورة مختزَلة إلى شكلها المجرّد إلى أبعد حدٍّ، حيث تعتمد عناصرها الواحد على الآخر، ويجب أن تأتي في التسلسل الصحيح حتّى تكون ذات معنى([278]). من جهةٍ أُخرى يقول: إنّ هناك أوقاتاً يختلف فيها تسلسل الأُسطورة عن ذلك المفترَض في الصيغة القانونيّة.

«ويحدث هذا في الغالب عندما تدخل نسخ مختلفة لأُسطورةٍ ما بصورةٍ مؤثّرة في التحليل - يبدو إلى حدٍّ بعيد أنّ (ليفي شتراوس) هو الأُستاذ الوحيد في هذا المشـروع - ...، وفي مقابل تحذير (ليفي شتراوس) من تأويل الصيغة القانونيّة بشأن جميع النسخ المختلفة للأُسطورة، فإنّ أكثر تطبيقات الصيغة القانونيّة المقترَحة مرتبطة إلى حدٍّ بعيد بنسخ مستقلّة بذاتها، كما أنَّ الانتقال من بُعدين إلى ثلاثة أبعاد ـ (الحكاية)، (الاكتشاف البنيوي) [لأفكار الأُسطورة]، (مجموعة النسخ) ـ يبدو صعباً...»([279]).

وفي الحقيقة، فإنّ (ليفي شتراوس) نفسه قد أقرّ في تعليقٍ له على مقالة ماركوس بأنّ استخدامه للصيغة القانونيّة يتضمّن خاصيّة التغيّرات اللغويّة مع مرور الزمن، والنسخة الأخيرة في مجموعة التحوّلات والتي يمثّلها العنصـر الرابع في الصيغة تتّصل بحادثةٍ حدثت في وقتها، متجاوزاً حدود اللغة أو الثقافة، إلخ. ولهذا يقول: «ربّما يدرك أحدنا تغيّرات اللغة عبر أحد طريقين: إمّا كما هو مكتوب في الفترة الزمنيّة الداخليّة لروايةٍ معيّنة (Le Temps Du Récit)، أو من نصوص عدّة روايات مترابطة في فترة زمنيّة خارجيّة (Le Temps Historique)»([280]).

وبالرغم من تأكيد (ليفي شتراوس) أنّه لم تكن لديه نوايا تخصّ الرياضيّات في صيغته، فقد تولّى بعض علماء الرياضيّات تأويلها مع الوصول إلى نتائج إيجابيّة جدّاً، وأكّد جميعهم عدم تناسقها والمميّزات الأساسيّة في تأويل ألي كونغاس وبيير ماراندا (P. Maranda)([281]).

سوف لن أدخل في مناقشة التحليلات الرياضيّة للصيغة القانونيّة؛ فهذا ليس من تخصّصي، ولكن سأتحوّل عوضاً عن ذلك إلى تأويل لوسيه سكوبلا (Lucien Scubla)، باعتباره أحد علماء الأنثروبولوجيا، حيث يبدأ من قراءة ألي كونغاس وبيير ماراندا (P. Maranda) للصيغة القانونيّة، ويتوسّع فيها كثيراً في ضوء نظريّة تغيّر البنية (Morphogenetic Theory) التي أوجدها رينيه توم (René Thom وطوّرها جان بيتيتو(Jean Petitot)([282]).

حسب سكوبلا إذاً الصيغة تصف الطريقة التي تتطوّر بها الأساطير - كما سنرى لاحقاً - وكيف يتمّ ذلك في علاقتها مع الطقوس([283]). ويقول كذلك: إنّ الصيغة لا تبيّن الوساطة الإيجابيّة فقط، بل الوساطة السلبيّة أيضاً، أي التفريق بين الوحدة الأصليّة المتّصلة بالإضافة إلى ضمّ وحدتين متباينتين، وعمليّة التفريق هذه ـ بالطبع ـ نموذجيّة لجميع الأساطير المتعلّقة بنشأة الكون، التي تصف الطريق منذ وحدة الكون المتباين قبل تفرّقه حتى وقتنا الحاضر، وبعد تحليل اثنين من أساطير البورورو (Bororo) (*)، يستنتج (ليفي شتراوس) ما يلي:

«يبدو أنّ الأُسطورتين معاً، تشيران إلى ثلاثة ميادين كلُّ واحدٍ منها كان في الأصل متّصلاً، ولكن عدم الاتّصال يجب أن يُقدَّم من أجل أن تكون لكلِّ واحدٍ منها فكرة ما، في كلِّ واحدةٍ من الحالات يتمّ القطع بواسطة: الحذف الجذري (The Radical Elimination) لمقطعٍ معيّن من الوحدة المتّصلة»([284]).

(الحذف الجذري) الذي يتحدّث عنه (ليفي شتراوس) في هذا المقطع قد تمّ توضيحه شكليّاً حسب سكوبلا بالتحوّل التالي: A®A-1.

يحدث هذا في الأساطير عادةً عندما يتمّ إعدام مخلوق شرّير بقسوة([285])، علاوةً على ذلك، الفقرة من Fy(B) إلى Fx(X) ينبغي ـ كما يقول سكوبلا ـ ألّا تُبيَّن كثيراً في مصطلحات الوساطة، كما في عدم التباين أو العدوى.

بعبارةٍ أُخرى: يمكن وصف هذه العمليّة كانتقالة من تضادٍ بين خاصّيتين متميّزتين (X) و(Y)، يحملهما عاملان مختلفان (A) و(B) إلى تلوُّثٍ عابر لـ (B) بواسطة (X)، ويمكن رسم هذا كما يلي:

Fx(A)/Fy(B) ®Fx(A) وFx(B)

أو كما يلي ببساطة، لو ذُكِرت الوظائف فقط:

X/Y ® X.

هذه العمليّة (يمكن أن تُلغى وتُعكَس بحذف طرف غير مرغوب فيه (أي العمليّة A®A-1))([286]).

يقترح سكوبلا نسخة مبسّطة للصيغة القانونيّة التي يجب أن تُقرأ بحالتين، كمعادلة استاتيكيّة(*):

A: B: : M: X

وكعمليّة:

A/B® M® X

حيث العناصر في أقصى اليسار، A/B، تشير إلى التضادّ الثنائي بين العنصرين A وB، كما هي محدّدة بالوظيفتين X وY. العنصر الثالث: M، يشير إلى الوساطة أو عدم التشكّل، حيث B قد استولى على الوظيفة X للحظةٍ ما، والعنصر الرابع: X بالنسبة للنتيجة، يحتوي على تشكّل بينما تمّ حذف: A وترقية: Y([287]).

النسخة الاستاتيكيّة للصيغة يمكن أن تُقرَأ كنوعٍ من القياس، حيث تكون كما يلي: (حيث إنّ A مناقِضة لـ B؛ لذا تكون M مناقِضة لـ X)، والتي تبيّن «النزعتين المتعارضتين تجاه التشكُّل وعدم التشكُّل دائماً عند العمل في الفكر الإنساني والمجتمعات الإنسانيّة»([288]).

إحدى النقاط المهمّة في تأويل سكوبلا هي أنّ العنصر الرابع في الصيغة لا يمثِّل النهاية الكليّة لعمليّة التشكّل، بل نتيجة دورة واحدة من التحوّل، والتي بدورها تولِّد دورةً جديدة من التحوُّلات. وهذا يمكن أن يوضع في مخططٍ كالتالي:

التباينات (A/B)¬عدم التشكّل (M)¬النهاية المتشكّلة (X)

حيث X تصبح نقطة البداية لدورة جديدة من التبدُّلٍ الأساسي:

يواصل سكوبلا قوله: «لو افترضنا أنّ كلَّ حكايةٍ أُسطوريّة تميل إلى وصف جزءٍ ثابت من الناحية البنيويّة من هذه العمليّة الدوريّة، عندئذٍ يمكننا أن نفهم أنّ المجموعة الكاملة لهذه الحكايات ربّما تبدو على أنّها قد رُكِّبت من نسخٍ مختلفةٍ لنفس الأُسطورة الواحدة، وأنّ تلك النسخ المختلفة ربّما بدورها قد تمّ ترتيبها - كما وضعها (ليفي شتراوس) في استعمالٍ غير تقليدي في القاموس الرياضي - في سلسلةٍ تكوّن نوعاً من مجموعة التحوّلات الأساسيّة، والنسختان اللتان وضعتا في الطرفين المتباعدين باعتبارهما متماثلتين، مع أنّ علاقة إحداهما متعاكسة مع الأخرى»([289]).

ينبغي أن تُعرَض الصيغة القانونيّة كالتالي:

La Loi Génétique Du Myth, Et… Le Modèle D’un Processus Orphodynamique.([290])

 قد أُوّلت هذه العبارة لتعني أنّ الصيغة تصف:

أوّلاً: العمليّة التي تُصاغ بها الأساطير. ثانياً: البنية العميقة لهذه القصص.

بل يذهب سكوبلا أبعد من ذلك، ويربطها بنظريّة التشكُّل(Morphogenetic Theory) للطقوس في علاقتها مع الأساطير. التضحية (تقديم القرابين) هي: ـ حسب ما يقول ـ نوع من الطقوس التي يتمّ فيها (المحو الجذري) للشيء غير المرغوب فيه (الشـرّ)، ويقدِّم مثالاً على ذلك بمناقشة الصلة بين الأُسطورة والطقوس في اليونان القديم، حيث الأُسطورة الهسيوديّة(*) حول السلالات (الأعراق)، التي يمكن أن تُؤَوَّل بأنّها ترتبط بطقوس كبش الفداء (Pharmacos)([291])، خلال هذه الطقوس ينقلب المجتمع عن بكرة أبيه رأساً على عقب، وتُنتهَك كلُّ القواعد الاجتماعيّة، وفوق ذلك، يفرّغ الملك جميع الصفات السيّئة الموجودة في شخصيّته في رجلٍ يصبح صورته السلبيّة المعكوسة (كما في المرآة)، وهو كبش الفداء؛ وبهذا يصبح الأخير النقيض للملك الطيّب، والذي يُفترَض أن يكون الحاكم في العصـر الذهبي في أُسطورة السلالات لهسيود، أي النقيض الحقيقي للملك (في الصيغة القانونيّة المتمثّل بـ A-1، أو كما في تأويل سكوبلا، King-1). عند انتهاء الطقوس، يُنفى كبش الفداء أو يُقتَل، وبهذا يتمّ تطهير المجتمع وتمييز المزيج الخطر للفضيلة (Dikè) والرذيلة (Hubris)، الذي يكون سائداً حتى ذلك الحين، ويُستتَبُّ النظام ثانيةً، ويُعاد تنصيب الملك الشرعي مرّةً أُخرى.

وفي هذا السياق، ينبغي أن يُقرأ نموذج سكوبلا كالتالي: ابتداءً، الرذيلة (Hubris) والفضيلة (Dikè) تناقض إحداهما الأُخرى (A/B)، كلّما يتطوّر المجتمع تختلط الرذيلة والفضيلة (M)؛ لتُنتِج موقفاً خطيراً، حيث لا يمكن الفصل بين الخير والشرّ، وهنا يتطلّب التمييز بينهما (X)، وبينما تمّ التلميح فقط لذلك في أُسطورة السلالات لهسيود، ففي طقوس الـ (Pharmacos) يتحمّل كبش الفداء لوحده جميع الصفات السيّئة للمجتمع (X)، ثمّ يُقتل أو يُنفى، وبهذا يُعاد تنظيم المجتمع مرّةً أُخرى، «الطريق معكوس في الصيغة من العنصـر الرابع إلى العنصر الأوّل»([292]).[293]

إذاً؛ حسب سكوبلا، تُظهِر الصيغة القانونيّة كيف أنّ الأُسطورة والطقوس مرتبطة إحداهما بالأُخرى، وبالمقارنة مع ماركوس، الذي يرى أنّ الصيغة (القانونيّة) هي: «قصّة أساسيّة قادرة أن تستولي على مجموعة كاملة من القصص المستقلّة»، و«قائمة على مستوىً آخر من التجرّد والعموميّة، غير النُسخ المختلفة المستقلّة للأسطورة»([294]). يقول سكوبلا: إنّه في مسألة أُسطورة السلالات لهسيود، على الأقلّ،

L’application Do La Formule Canonique…Est Donc Bien Plus Qu’une Anscription Sténographique De Son Contenu, Elle Le Rattache Au Ritual Royal Et Met Au Jour Le Mécanisme Victimaire Qui Leur Est Sous-Jacent.([295])

يتحقّق هذا الارتباط بين الأُسطورة والطقوس، والذي وجده سكوبلا ضمنيّاً في كثير من كتابات (ليفي شتراوس) المتأخّرة، على الرغم من تأكيداته الشديدة في الكثير من أعماله المبكّرة على وجوب الفصل بين الأُسطورة والطقوس، هو ـ في نظري ـ واحد من أهمّ الجوانب الممتعة في تأويل سكوبلا للصيغة القانونيّة.

في هذا الكتاب، سأتعامل بصورة أساسيّة مع الجانب الأُسطوري في أحداث كربلاء، وسأتطرّق بصورة عابرة فقط إلى ارتباطها مع شعائر عاشوراء، أو كما تسمّى شعائر محرّم، وتطبيق نموذج سكوبلا على هذا المركّب من الأُسطورة والطقوس([296]).

آراء منهجيّة أُخرى

قبل الدخول في المنهج المتّبَع في هذه الدراسة، هناك مسألتان في منهج (ليفي شتراوس) الذي ينبغي أن نتوسّع في بحثه:

المسألة الأُولى: رأينا فيما سبق أنّ فكرة (ليفي شتراوس) هي أنّ الأُسطورة بيان نحوي (إعرابي) للبنية الذي يمكن أن يُكتشَف فقط عندما يُعاد ترتيبه في صيغةٍ صرفيّة، في مقالةٍ تحت عنوان: الدراسة البنيويّة للأُسطورة، إذ يوضّح منهجه كالتالي:

(لِنَقُل، على سبيل المثال، أننا كنّا في مقابل سلسلة من هذا النوع: 1، 2، 4، 7، 8، 2، 3، 4، 6، 8، 1، 4، 5، 7، 8، 1، 2، 4، 5، 7، 3، 4، 5، 6، 8...، والواجب هو وضع كلِّ الواحدات (أو أعداد الواحد) معاً، وكذلك الاثنينات، والثلاثات، وهكذا؛ والنتيجة سيتكوّن هذا الجدول:

1

2

 


4

 


 


7

8

 


2

3

4

 


6

 


8

1

 


 


4

5

 


7

8

1

2

 


4

5

 


7

 


 


 


3

4

5

6

 


8([297])

 

الفرضيّة هي: أنّ كلَّ الواحدات (تُظهِر ميزةً مشتركة واحدة)([298])، وكلَّ الاثنينات ميزةً أُخرى، وهكذا عند وضعها معاً، وتحليل كلِّ واحدٍ من الأعمدة من خلال علاقته مع الأعمدة الأُخرى، يمكن فهم معنى الأُسطورة بصورةٍ أفضل.

وكما بيّنت سابقاً، لم يعتبر (ليفي شتراوس) الأساطير كقصص مستقلّة، بل إنّها تشكّل مجموعاتٍ من التحوّلات، و«لو أنّ أسطورةً ما مكوّنة من جميع نسخها المختلفة، فينبغي على التحليل البنيوى أن يأخذها جميعاً بالحسبان»([299])، وألّا يُطبَّق أُسلوب إعادة ترتيب النظام النحوي في نظامٍ صرفي على كلِّ نسخةٍ منفردة من الأُسطورة فقط، ولكن على جميع النسخ المختلفة التي تتطلّب مقارنتها الواحدة مع الأُخرى من أجل الوصول إلى المعنى([300]).

يرى (ليفي شتراوس) أنّه لا توجد هناك نسخة موثوقة أو حقيقيّة للأُسطورة التي يمكن أن يبدأ بها الشخص تحليله، فمن الناحية النظريّة ـ على الأقلّ ـ يمكن لكلِّ نسخةٍ أن تشكّل نقطة مناسبة للشروع؛ لأنّه في النهاية سيكون على الشخص مواجهة جميع الأساطير في مجموعة التحوّلات بأيِّ حالٍ، ويستخدم (ليفي شتراوس) مصطلح (الأُسطورة المفتاحيّة (الحاسمة)) أو (الأُسطورة المرجعيّة)؛ ليشير إلى الأُسطورة الأُولى التي يتمّ تحليلها([301]).

المسألة الثانية التي ينبغي التأكيد عليها هي: إنّ التحليل البنيوي لا يحدث في الفراغ أبداً، فبناء الأُسطورة يحكي شيئاً عن الثقافة التي تحيا فيها الأُسطورة، وهو بالتالي تعبير عن كيفيّة رؤية أهل تلك الثقافة لعالَمهم؛ لهذا السبب يقول (ليفي شتراوس): إنّ على التحليل البنيوي دائماً الأخذ بعين الاعتبار الوصف الأثَني (Ethnography)(*) وتاريخ ذلك الشعب، فهو عند تحليله أساطير شعبٍ ما، يشير باستمرار إلى معتقدات ذلك الشعب وعاداته واقتصاده وبنيته الاجتماعيّة، وحتّى عادات وأشكال الحيوانات والنباتات التي يحتكّ بها ذلك الشعب؛ فمن أجل معرفة السبب وراء استخدام هذا الحيوان أو النبات في الأُسطورة بدلاً من ذاك، وما هي خصائص ظاهرةٍ كونيّة معيّنة تجعل ذلك الشعب ينظر لها من خلال ارتباطها بعادةٍ معيّنة عنده، أو بالنسبة لحيوانٍ بعينه، على الشخص أن يعرف جيّداً الوصف الأثني [علم الأعراق](*)لذلك الشعب والتاريخ الطبيعي لبيئته([302]).

وفي هذه الدراسة سأخرق إحدى القواعد الأساسيّة في بنيويّة (ليفي شتراوس)، وهي: اعتبار الأُسطورة كوحدة كاملة لنُسَخها المختلفة وتحليلها جميعاً. وأقوم في هذه الدراسة بدلاً عن ذلك بتحليل نسخة واحدة فقط من أحداث كربلاء، فهناك فقرة لـ(ليفي شتراوس) يمكن أن تُؤخذ كتبرير لهذا المنهج، يقول فيها:

(كلُّ سلسلةٍ نحويّة، باعتبارها مجرّدة في نفسها، يجب أن يُنظَر إليها على أنّها بدون معنىً... ومن أجل التغلّب على هذه المشكلة، يمكننا فقط أن نلجأ إلى إجرائين:

الإجراء الأوّل: يكمن في تقسيم السلسلة النحويّة إلى أجزاء متطابقة وفي إثبات أنّها تشكّل نُسَخاً مختلفة لفكرةٍ واحدةٍ بعينها (اُنظر: (الدراسة البنيويّة للأسطورة) و(قصّة أسديوال).

أمّا الإجراء الآخر، والذي هو تتمّة للأوّل، فيكمن في مطابقة السلسلة النحويّة بأكملها - بعبارةٍ أُخرى، أُسطورة كاملة - مع أساطير أُخرى أو أجزاء من تلك الأساطير. ويتبع هذا إذاً أنّه في الحالين كليهما نقوم باستبدال سلسلة نحويّة (تركيبيّة) بأُخرى صرفيّة (بكاملها)؛ الفرق يكمن في أن الحالة الأُولى [تُشتَقّ فيها] المجموعة الصـرفيّة برمّتها من السلسلة، وأمّا في الحالة الثانية تكون السلسلة هي التي تُدمَج فيها. ولكن فيما إذا كان الكلُّ مركّباً من أجزاء السلسلة، أو أنّ السلسلة نفسها داخلة كجزء، فإنّ القاعدة ستبقى هي نفسها.

السلسلتان النحويّتان (أو المركّبتان) أو الجزءان من نفس السلسلة، اللذان لا يحتويان معنىً محدّداً إن تمّت ملاحظتهما بمعزلٍ عن الآخر، يكتسبان ـ ببساطة ـ معنىً من حقيقة أنّهما قطبان متناقضان، وحيث إنّ المعنى يصبح واضحاً في اللحظة المناسبة عندما يتشكّل الاثنان، فهو [كما لو أنّه] لم يكن موجوداً من قبل، خافياً ولكنّه موجود، كبعض البقايا غير الفاعلة في كلِّ أُسطورةٍ أو جزء من أُسطورة عند اعتبارها منفصلة عن الأُخرى.

ويكمن المعنى كليّاً في العلاقة الديناميكيّة التي تخلق بصورة متزامنة عدّة أساطير أو أجزاء من نفس الأُسطورة، وكنتيجة لذلك تكتسب هذه الأساطير أو أجزاء من الأساطير وجوداً منطقيّاً، وتحقّق إنجازاً معاً كأزواج متناقضة لمجموعةٍ واحدة بعينها من التحوّلات)([303]).

وفي هذه الفقرة، يتحدّث (ليفي شتراوس) عن إجراءين في تحليل الأساطير:

الأوّل: من خلال تحليل سلاسل متعاقبة مختلفة (من الأحداث أو المشاهد) لأُسطورة واحدة بعينها.

والآخر: من خلال تحليل سلسلة من الأساطير المرتبطة فيما بينها.

وفي هذه الفقرة، على الرغم من أنّ هذين الإجراءين يكمّلان ويدعمان أحدهما الآخر، لايستبعد المؤلّف ـ على الأقلّ ـ استخدام الإجراء الأوّل فقط.

وفي الحقيقة، كما يُظهِر سياق النصّ المُقتبَس ـ وكذلك تحليلات أُخرى ل(ليفي شتراوس) ـ أنّ الإجراء الأوّل هو شرط ضروري للإجراء الثاني. ومن أجل مقارنة عدّة أساطير مع بعضها البعض، ينبغي أوّلاً تحليل واحدة منها حسب حسناتها الخاصّة بها، وكخطوة أُولى في التحليل، ينبغي (اشتقاق) (وهي في الفرنسيّة Extrait De) المجموع الصرفي الذي تُدمَج فيه الأساطير من الأُسطورة الأُولى، إذ يجب أن توضع الأُسطورة الأُولى ـ بأيّة حالٍ ـ في وحدة صرفيّة كاملة «حيث إنّ الأساطير في هذه المرحلة لم تُهيّأ بعد، ويجب أن يُبحث عنها خارج المجال الأُسطوري، وهذا يكون في التوصيف الأثني»([304]).

والتحليل المستمر لعدّة أساطير مرتبطة ببعضها سيجعل شبكة العلاقات متينة (في حين يملأ الثغرات هنا وهناك)([305])، أمّا التحليل الذي قمت به في هذه الدراسة، فيمكن أن يُعتبَر دراسةً رائدة مهمة وضروريّة لمقارنة مستقبليّة بين النسخ المختلفة لأحداث كربلاء.

رواية أحداث كربلاء في نسخة الطبري قد أخذت صفحات طويلة جدّاً من الكتاب، ففي طبعة لَيْدِن (Leiden) لتاريخ الطبري تمتدّ الرواية لحوالي 175 صفحة، وفي ترجمة هاوارد (Howard) الإنجليزيّة أخذت نفس الطول تقريباً([306])؛ ولهذا فإنّ طول القصّة يجعل من الصعوبة إعطاء تحليل بنيوي شامل للمتن بكامله.

وبالقياس مع مقالة (ليفي شتراوس) (الأُسطورة المفتاحيّة (الأساس))، أو (الأُسطورة المرجعيّة)، أعددت دراسة معمّقة حول جزء واحد من المتن، والذي جعلته تحت عنوان (النصّ المرجعيوهو يشتمل على ثمان صفحات (عشـرة في الترجمة)([307])، من أجل مطابقة الرموز والمتضادّات والتحوّلات التي تكوّن البنية، ومع أخذ هذه الخواصّ البنيويّة في الحسبان، فقد أعددت دراسة خاطفة جدّاً عن القصّة بكاملها.

لم يكن اختيار (النصّ المرجعي) اعتباطيّاً تماماً، مع أنّ أجزاء كثيرة أُخرى من القصّة يمكن أن تكون قد اختيرت (هكذا)، على أنّي قد بيّنت هنا أسبابي الرئيسيّة في اختيار هذه الفقرة دون سواها، وينبغي ملاحظة أنّ بعض تلك الأسباب كان في البداية مبنيّاً على أساس بديهتي الذاتيّة أكثر ممّا هو على أساس المعايير الموضوعيّة:

السبب الأوّل: هو أنّ الفقرة المنتخبة كـ (نصّ مرجعي) تحتلّ موقعاً مركزيّاً في القصّة ككلّ، فقد جاءت في وسط الرواية، وهي تقدِّم لحظةً جديدة في حبكة القصّة: المواجهة البدنيّة بين الحسين وأهل الكوفة الغَدَرة.

السبب الثاني: هو أنّني أعتقد أنّ الخُطَب الأربع التي ألقاها الحسين ـ حسب ما جاء في النصّ ـ ذات أهمّية مركزيّة بالنسبة للرسالة الموجودة في القصّة، ففي هذه المواعظ وسياقها كانت قد اتّضحت مواقف الحسين والأشخاص الذين حوله (أصحابه وأعدائه).

وحجّتي الثالثة: هي أنّني شككت فيما إذا كانت أفعال الحسين المثيرة للدهشة نوعاً ما - سقايته لأعدائه وإمامتهم في الصلاة - ذات أهمّية بنيويّة.

وأخيراً، فإنّ هذا النصّ هو واحد من أطول الأخبار([308]) في القصّة كلّها، مع أنّ فيه نقطتين مقحمتين؛ ولهذا سيجعله ذلك جزءاً محدّداً، ومستقلاً بذاته نوعاً ما في القصّة ككلّ.

ومهما يكن، فإنّ التحليل سيُظهِر التلميحات التي ثبتت صحّتها، وبالإضافة لذلك فإنّ (النصّ المرجعي) يحتلّ موقعاً مهمّاً في البنية الروائيّة للقصّة مجموعها.

كدراسة رائدة، فإنّ هذا التحليل أوّلي (غير نهائي) في كثير من الوجوه، وبالرغم من أنّ استخدام الأشكال البيانيّة والمعادلات شبه الرياضيّة يمكن أن يعطيه نَفَساً من الواقعيّة، التي تشبه شيئاً من العلوم الطبيعيّة (الشيء الذي غالباً ما يُتّهَم به (ليفي شتراوس) نفسه)، إلّاّ أنّ الأمر ليس كذلك، والتحليل البنيوي لـ(ليفي شتراوس) هو عمليّة اقتراح فرضيّات ومحاولة تطبيقها، وكأيِّ محاولةٍ ضمن حقل الإنسانيّات فهي تعتمد كثيراً على وجهة النظر المنتخبة وسياق المحلّل، وسأعود إلى هذه المسألة عمّا قريب([309]).

الرموز

مفهوم الرموز ـ الذي ناقشته سابقاً ـ مسألة جدليّة، يكون البتّ فيها صعباً في كثير من الوجوه، ولكنّها لا تزال ذات أهمّية في كتابات (ليفي شتراوس)، وقد استخدمتُها كثيراً في هذه الدراسة.

لو كان الرمز(أو مجموعة الرموز) (فئة أو صنف من المصطلحات) كما يعتقد ليفي شتراوس([310])، فهو مهمّ كأداة لتصنيف العالَم الفكري للفرد، ولهذا يكون مهمّاً للمحلّل البنيوي الذي يريد أن يرسم ملامح النظرة العالميّة لشعبٍ ما.

وفي الجانب الآخر، يستخدم (ليفي شتراوس) المصطلح في وجوه مختلفة حيث يبدو أحياناً أنّ أحدها يناقض الآخر.

وبالنسبة للوسيه سكوبلا (Lucien Scubla)، فإنّ مفهوم الرمز (أو مجموعة الرموز) في كتابات (ليفي شتراوس) ملتبس وغير مترابط([311])، فهل الرموز هي خاصيّات ملازمة للأُسطورة، أو أنّها تصنيفات تحليليّة يستخدمها الباحث الذي يحقّق فيها؟ يستخدم (ليفي شتراوس) المفهوم في الجانبين كليهما، في واحدٍ من نصوصه المتأخّرة، يقول: «الفكرة الأسطوريّة تعمل خلال وسائل التضادّ والرموز... التضادّات الثنائيّة... لا تقدّم أنفسها أبداً في هيأةٍ مجرّدة، وإن جاز التعبير في حالةٍ نقيّة، بل بالأحرى تكتسب خاصيّةً متماسكة ضمن رموزٍ تُستعمل لصياغة الرسائل، التي هي نفسها يمكن أن تُترجَم إلى مصطلحاتٍ لرموزٍ أُخرى، ويمكن بدورها أن تتحوّل إلى رسائل تتعلّق بنظامها الخاص بها، والمُستلَمة عِبْر قنوات الرموز المختلفة، هذه الرموز نفسها متباينة، حيث يمكن أن تكون: مكانيّة، زمانيّة، كونيّة، جنسيّة، اجتماعيّة، اقتصاديّة، بلاغيّة، وهكذا.

من الوجهة النظريّة ـ على الأقل ـ عددها غير محدود، حيث إنّ الرموز هي أدوات تُصاغ لإشباع متطلّبات التحليل، فيما بعد فقط يمكن أن تتحقّق الدرجة التي تتطابق فيها (الرموز) مع الواقع، ولكن علينا أن نعترف أنّه في المراحل الأُولى للبحث، يكون اختيار وتعريف المحاور التي أُقيمت عليها التناقضات، واختيار وتعريف الرموز التي تكون قابلة للتطبيق عليها مديناً إلى حدٍّ بعيد لذاتيّة المحلّل، وهكذا يكون لها طابع تأثُّري» ([312]).

هذه الفقرة على درجة من الأهمّية؛ لأنّها أوّلاً تبيّن أنّ التحليل البنيوي بالنسبة لـ(ليفي شتراوس) نفسه هو محاولة ذاتيّة، كما ذكرتُ أعلاه، ولكنّها تبيّن أيضاً ـ حسب ما أرى ـ أنّ الرموز تُستخدَم في الأساطير كفئات وأصناف من المصطلحات التي ترتبط بعالَمٍ خاص من الحياة([313])، وأنّها (أدوات تُصاغ لإشباع حاجات المحلّل).

وهكذا فإنّ تحليل الأساطير يمضي قُدماً خلال نوعٍ من المجال التأويلي (هرمنيوطيقا)، حيث إنّ المحلّل ـ ومن خلال القراءات الأُولى للأُسطورة، في ضوء المعرفة الأثنيّة التي يملكها عن ثقافة البيئة التي تُستخدم فيها الأُسطورة ـ يفترض رموزاً معيّنة.

ومن خلال دراسة عدد أكبر من الأساطير، والتعمّق أكثر في الوصف الأثني (العِرقي)، يتمّ تعزيز وتنقيح الفرضيّات المبكّرة حول الرموز، وبالشروع من هذه التنقيحات يتمّ إعداد دراسات جديدة.

باتّباع هذا الإجراء، قمت بتعريف الرموز في (النصّ المرجعي) كالتالي:

الرمز المكاني: والذي يشير إلى الأوضاع الطبيعيّة (الفيزيائيّة) النسبيّة للناس والأشياء في المحلّة المتقاربة، يتحدّث (ليفي شتراوس) أحياناً عن الرمز الجغرافي، ولكنّي وجدت هذا التعبير غير مقنعٍ في هذه الحال، حيث إنّ معظم المتضادّات المكانيّة في النصّ تحدث في مسافات قصيرة (أو مساحات صغيرة).

الرمز الزماني: والذي يشير إلى خصائص الزمن كساعات النهار المختلفة في بيان رسالته.

الرمز الإجتماعي: والذي يشير إلى العلاقات الموجودة، أو تلك التي يُسعى إليها، كإظهار العداوة أو المودّة أو المقامات الاجتماعيّة بين الناس.

الرمز النَسَبي (المتعلّق بالأنساب): والذي يشير إلى براهين موجودة في أنساب (سلالات) الناس أصحاب الشأن، ففي ثقافة العرب قبل الإسلام كان علم الأنساب على درجة عالية من الأهمّية، وكثيراً ما كان يُلتجَأ إلى مناقب الأسلاف لتعزيز ادّعاء الأفضليّة - ليس الأفضليّة السياسيّة فقط - لشخص على شخصٍ آخر([314]).

من أهمّ الخطوات القويّة المبكّرة للإسلام كانت محاولة تقييم الناس ليس على أساس أنسابهم، بل على أساس التقوى، فقد فشل هذا المجهود بعض الشيء، ومع أنّ التقوى أصبحت هي المعيار الأساسي، إلّا أنّ الأنساب بقيت ذات أهمّية بالغة([315])، ويمكن أن يُرى هذا على أنّه مسألة خاصّة في الرمز الاجتماعي، ولكنّه ذو أهمّية كبيرة في النصّ، حيث اخترته لأتعامل معه في التحليل على أنّه رمز متميّز.

الرمز الاقتصادي: والذي يشير إلى توزيع الموجودات المادّيّة كالماء والقوّة الطبيعيّة.

رمز اللباس: والذي يشير بطبيعة الحال إلى الرسالة التي يوصلها لباس الشخص.

الرمز اللغوي: والذي يشير إلى الطريقة التي تُستخدَم فيها اللغة.

وجدت في الرمزين الأخيرين كثيراً من الإشكال يصعب البتّ فيه بسهولة، وهما بحاجة إلى كثيرٍ من الدراسة أكثر من الرموز السابقة، فهما يشيران إلى تفاعُلٍ معقّد بين الدِّين والسياسة، فقد وجدنا أنّ أغلب الدراسات القديمة والتقليديّة في الإسلام تتعلّق بمسائل كالشرعيّة السياسيّة، وطبيعة الحكم، ودور الحاكم، والتي كان لها أُسس فكريّة، وتَستخدم لغةً مفعمةً بالإشارات إلى الدِّين، ومناقشة مسألة الحسين وحقّه (أو عدم حقّه) في تحدّي سلطة الخليفة يزيد وواليه ابن زياد لم تكن استثناءً بالتأكيد، ففي القصّة التي تمّ تحليلها هنا، وكذلك معظم التاريخ الإسلامي المدوّن تأتي لغة الدِّين ولغة السياسة في بعض الأوقات متداخلة إلى حدٍّ بعيد، بحيث يكون من الصعب الفصل بينهما، وكما قلت سابقاً، يشكّل الدِّين والسياسة من الناحية الفكريّة مجالين مختلفين في الحياة، بالنسبة للطبري على الأقلّ.

على أيّة حالٍ، عند تصنيف هذين الرمزين تردّّدْتُ في استخدام مصطلحي (الدِّين) و(السياسة)؛ حيث الجوانب التي يُستخدم فيها هذان المصطلحان اليوم في الثقافة الغربيّة على العموم ضيّقة جدّاً، وأمّا في الدراسة الأكاديميّة لـ (تاريخ الأديان) و(علم السياسة) فهي واسعة جدّاً.

وفي المجتمع العلماني الحديث يشير مصطلح (الدِّين) عادةً إلى محيطٍ خاصّ له علاقة محدودة، أو ليس له علاقة أصلاً بالسياسة، والتي هي مسألة عامّة فالاثنان (الدِّين والسياسة) منفصلان، (أو ينبغي أن يكونا منفصلين) تماماً، وفي المجال الأكاديمي لتاريخ الأديان من جانبٍ آخر يمكن أن يُطبَّق مفهوم الدِّين على كلِّ شيءٍ تقريباً، كلّما دخل في الأمر الاعتقاد بما يعبّر عنه مؤرّخو الأديان بـ (القدرة المتعالية (فوق كلِّ شيءٍ))، وفي أغلب الأحيان تدخل الأبعاد السياسية للدِّين في هذه التعاريف، وتصبح السياسة منغمسة في هذا الموضوع.

وعلى غرار هذا، وضمن حقل العلوم السياسيّة، غالباً ما يصبح مفهوم السياسة واسعاً إلى الحدٍّ الذي يكون تطبيقه بعيد المنال؛ لأجل هذا الغرض على الأقلّ([316])، وليس الأمر أنّني أرفض هذه التعاريف الواسعة بذاتها، ولكنّها في السياق الحالي غير قابلة للتطبيق؛ ومن هنا، فالمفهومان بالعربيّة (دين) و(دولة (السياسة))واسعان جدّاً بالنسبة لي، وتداخلهما الواسع يجعل من الصعب التمييز بينهما في التحليل؛ لهذا السبب قررت أن أستخدم مصطلحي (رمز التقوى) و(رمز السلطة) بدلاً عنهما.

كلمة (التقوى(يمكن ترجمتها بـ(الخوف من الله)، (تذكُّر الله واليوم الآخر)، أو ببساطة (الخشوع (لله))([317])، يتضمّن هذا الرمز تعابير حول التقوى وكذلك حول عدمها (العقوق)، ويتضمّن كذلك التجلّيات المادّيّة للإيمان، كالشعائر العباديّة، والأعمال الصالحة عموماً، التي يمكن القول عنها إنّها مشرّعة من الله.

وأخيراً رمز السلطة، الذي يشير إلى أقوالٍ حول الحكومة الدنيويّة، وتعابير حول الولاء السياسي للشخص الذي يتبنّى الدعاوى السياسيّة، وهذه ترتبط كثيراً بالمفهوم العربي لـ (البيعة)، وهو مصطلح جاء في النصّ الوارد في هذه الدراسة، ويعني: إعلان الولاء لشخصٍ آخر على أنّه السلطة([318]).

نعم، حسب ما سيُظهِر التحليل، هناك تداخلٌ كبير بين هذين الرمزين: (التقوى والسلطة)، وأحد الأمثلة على ذلك هو أنّ الحسين عندما اتّهم الحكّام في ذلك الوقت بسوء الحكم؛ لأنّهم لم يتّبعوا شرع الله الذي جاء في القرآن والسنّة، ففي هكذا حال، سأتحدّث عن الرمزين متضافرين معاً.

الفصل الثالث

البِنية في رواية الطبري

 حول أحداث كربلاء

إطلالة على مصادر الطبري

بالتأكيد لم يكن الطبري الرجل الأوّل الذي روى أحداث كربلاء، فإنّ نسخته هي تجميع لعددٍ من الكتابات التي سبقته في الموضوع، وبسبب استعماله المستفيض للإسناد (الرواة)، فمن الممكن أن نتقصـّى مصادره إلى حدٍّ ما على الأقل.

في هذا الفصل، سأقدّم خلاصة قصيرة حول المصادر التي اعتمدها بمقدار ما هي معروفة لدينا اليوم.

قصّة مقتل الحسين في كربلاء تخصّ نوعاً من الأدب العربي، غالباً ما يُشار إليه بأدب (المقتل)([319]). كلمة (مَقاتل) هي صيغة الجمع لكلمة (مَقتل(، والتي تعني في هذا السياق) الموت القاسي غير الطبيعي)، (القتل العمد) و(الاغتيال)([320]).

لقد تطوّر هذا الأدب بصورة رئيسيّة في الدوائر الشيعيّة، ولعب دوراً مهمّاً في صياغة الهويّة الشيعيّة كجماعة مظلومة ومضطهَدة.

على أيّة حالٍ، هنالك أيضاً أعمال كُتبت حول مقاتل أناس من غير الشيعة، كالخليفة الثالث عثمان مثلاً.

يُعرِّف (سِباستيان غونثر) (Sebastian Günther) أربع مراحل في تطوّر أدب المَقاتل:

المرحلة الأُولى: هي مرحلة ما قبل الكتابة في قصص الموت العنيف لأشخاص مشاهير تناقلتها الألسن شفهيّاً في (الأخبار)([321])، عند نهاية القرن الأوّل الهجري (السابع الميلادي)، وبداية القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي)، بدأ بعض الأشخاص المهتمّين بالتاريخ بتجميع تلك الأخبار.

في المرحلة الثانية والتي تمتد من النصف الأوّل من القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) حتّى بداية القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) حيث دُوِّنَت موادّ حول مَقاتل خاصّة على سبيل المثال، مقتل عليّ والحسين، إمّا على شكل (أدوات للتذكُّر) يستفيد منها العلماء في حلقات الدرس، وإمّا على شكل ملاحظات يدوّنها الطلاب من تلك الدروس، مع أنّ قسماً منها قد حقّق بعض الانتشار وورد في الفهارس القديمة، إلّا أنّها لم تكن (كُتباً) في إطار الأعمال الأدبيّة.

يستخدم غونثر المصطلح الإغريقي(Hypomnêmata) في وصف هذا النوع من الأعمال([322]). في هذه الفترة، تمّ إصدار أوّل كتب المَقاتل بمعنى التأليف والنشر.

أمّا المرحلة الثالثة، فتُواصل مسيرها من منتصف القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) حتّى بداية القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي). في هذه المرحلة دخلت موادّ المَقاتل في أعمال كبيرة كتاريخ الطبري، ومجموعات خاصّة بهذا الموضوع مثل (كتاب مقاتل الطالبيّين)لأبي الفرج الإصفهاني.

في المرحلة الرابعة ـ والتي تبدأ من منتصف القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) ـ توقّف نشـر أدب المَقاتل في اللغة العربيّة، ولكنّه انتعش في أدب اللغات الأُخرى، كالتركيّة والفارسيّة بأشكالٍ أُخرى.

وبهذا يبدو واضحاً أنّ الطبري كان لديه الكثير من المواد ليختار من بينها عندما كتب عن مقتل الحسين، فالكتب المعروفة عندنا منذ القرون الأُولى للإسلام ليست أقلّ من تسعة عشر مؤلَّفاً تحت عنوان (كتاب مقتل الحسين)([323])، أشهر هذه الكتب والذي رجع إليه بصورة أساسيّة جميع المؤرّخين، ومنهم الطبري في نهايات القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، وبدايات القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) هو كتاب لوط بن يحيى الأزدي المعروف بأبي مخنف (الولادة سنة 70 للهجرة /689 للميلاد)، و(الوفاة سنة 157هـ/775م).

ومن المحتمل أن يكون أبو مخنف قد عاش في الكوفة معظم حياته، وكان من الكُتّاب الغزيري الإنتاج في أدب المَقاتل، وكتب حول مَقاتل العلويين وغيرهم([324])، ويبدو أنّه حصل على معظم معلوماته حول أحداث كربلاء عن طريق تجميع الأخبار السماعيّة، ولكن من المحتمل أنّه استفاد من المواد المدوّنة أيضاً([325]).

والجدير بالذكر أنّ كتاب أبي مخنف الأصلي مفقودٌ لدينا، وعلى أيّة حالٍ، تمّ اقتباس هذا الكتاب بصورة واسعة جدّاً من قِبَل هشام بن محمّد الكلبي (الولادة سنة 120هـ/737م)، و(الوفاة سنة 204هـ/819م)، والذي ألّف كتاباً يحمل نفس العنوان (كتاب مقتل الحسين). في هذا الكتاب يستخدم الكلبي معلومات كثيرة من كتاب أبي مخنف، ويبدو أنّه يقتبس فقرات طويلة منه بأمانة، كما أنّه يستفيد من مواد كثيرة من مؤلَّفات أُخرى أيضاً، وكلُّ هذا يعني أنّ ابن الكلبي كان قد عالج ونقّح مواده، ومع أنّ الفقرات التي اقتبسها من أبي مخنف قد استنسخها بدقّة، لكن يبدو أنّه قد نقلها من هنا إلى هنا لتناسب نسخته الخاصّة به من القصّة.

اعتمد الطبري كتاب ابن الكلبي كمصدر رئيسي (حوالي أكثر من 90% من روايته كان من هذا المصدر)، وبذلك يكون قد أخذ الكثير من مواد أبي مخنف من هذا الباب([326]).

وهناك مصدر آخر اعتمده الطبري في روايته عن أحداث كربلاء (حوالي 5% من مادّته) وهو المحدّث الشيعي عمّار بن معاوية الدهني(*) (المتوفّى سنة 133هـ/750م)، والذي بدوره أخذ معلوماته من الإمام الخامس للشيعة أبو جعفر محمّد الباقر (حفيد الحسين المتوفّى سنة 114هـ/732-733م)، اُنظر: (المخطّط 1: 1).

تُقدّم هذه المادّة القصّة كاملةً ولكن بإيجاز، ولم يُشَر إليها في أيِّ مكانٍ على أنّها كتاب، وأنا أظنّ أنّها من نوع الـ (Hypomnêma) الذي وصفها غونثر([327]).

ويمكن أن يُقال الشيء نفسه عن مصدر الطبري الثالث، وهي رواية قصيرة عن القصّة الكاملة بواسطة المحدّث الكوفي الحسين بن عبدالرحمن (المتوفّى سنة 136هـ/753-754م).

وهناك مصادر أُخرى تضيف بعض التفاصيل، ولكنّها لا تعطي القصّة كاملةً. راجع: المخطّط 4: 1 لتشاهد مجمل مصادر النقل.

هناك نقطتان يجب مناقشتهما قبل المضي قدماً إلى القصّة نفسها وتحليلها:

النقطة الأُولى: مع أنّ سلاسل النقل المفصّلة قد تمّ بيانها في كثيرٍ من الحالات، إلّا أنّه ليس من الواضح مطلقاً أنّها صحيحة، فغالباً ما يكون الإسناد ملفّقاً، وخصوصاً في النصوص الشرعيّة، وكذلك في النصوص التاريخيّة؛ من أجل إعطاء خبرٍ ما معنىً آخر في أذهان القرّاء غير ذلك الذي يدلّ عليه حقّاً، ولهذا ـ على سبيل المثال ـ فإنّ (هاوارد) (Howard) يشكّك في صحة الرواية المنسوبة لعمّار الدُهني([328])، بما أنّ سند الدُهني هو الإمام الخامس الباقر، فربّما تكون الرواية قداعتُبِرت على هذا الأساس بأنّها الرواية الشيعيّة الرسميّة والأكثر وثاقةً ـ كما يقول (هاوارد) (Howard) ـ مع ذلك يشكّك هاوارد بأنّها لا ترجع إلى الإمام الباقر، ولم تأتِ من الدُهني الشيعي المذهب، وحسب تأويله، فإنّ النسخة المنسوبة للدُهني تقلّل من شأن الحسين، ولا يمكنها إعطاء تفاصيل مهمّة عن المعركة، كما هو متوقَّع من الرواية الرسميّة ومن مصدر قريب جدّاً من الحسين كحفيده.

مهما يكن، فالنقطة التي أودّ طرحها هنا هي أنّه من الممكن، ومن الضروري حقّاً، أن ننتبه كثيراً بخصوص سلاسل النقل الواردة في الروايات التاريخيّة.

أمّا النقطة الثانية التي أُريد أن أناقشها، فهي تنقيح المادّة التي كانت متوفّرة
لدى الكتّاب عند تدوين نُسَخهم المختلفة لرواية أحداث كربلاء، (وكذلك الحوادث المختلفة في تاريخ الإسلام، بطبيعة الحال)، لقد تطرّقت لهذا بالفعل عند مناقشتي لابن الكلبي فيما سبق، ويصدق هذا على الطبري أيضاً، ومن النُسَخ المختلفة للمؤلّفين الذين اعتمدوا رواية ابن الكلبي يبدو واضحاً أنّهم استخدموا هذه الرواية بصورة انتقائيّة، وأعادوا ترتيبها من جديد، وليس المجال هنا لدراسة كيف كان الطبري قد استخدم مادّته، ولكنّني سأُعطي مثالاً واحداً فقط له صلة بالتحليل التالي، في آخر روايته حول أحداث كربلاء، يورد الطبري قصيدةً لعبيد الله بن الحرّ الجعفي، وهو من أشراف العرب وشعرائهم المعروفين. ابن الحرّ هذا مذكور أيضاً في خبرٍ قبل المعركة، حيث يحكي الخبر كيف التقى به الحسين وطلب منه أن يلتحق به في مواجهة أهل الكوفة، غير أنّ ابن الحرّ رفض ذلك، وقرّر أن يبقى على الحياد([329]). وبعد ذلك في آخر خبرٍ من قصّة الطبري، يُروى أنّ ابن الحرّ زار كربلاء وقبور القتلى، وأنشد قصيدةً يعرض فيها ندمه على عدم نصرة الحسين، ابن فاطمة وسبط الرسول، وعدم الدفاع عنه ضدّ جيش والي الكوفة.

في نسخةٍ أُخرى من رواية ابن الكلبي التي وُجدت في أربع مخطوطات مترجمة بواسطة (فرديناند ووستنفِلْد)(Ferdinand Wüstenfeld)سنة (1883م)، لم تكن القصيدة في آخر القصّة، ولكن كانت هناك قصيدة مختلفة وبنفس المعنى، لها صلة باللقاء الأوّل بين الحسين وابن الحرّ([330])، مع أنّه من الصعب إثبات ذلك، إلّا أنّني أُسلّم جدلاً أنّ الطبري نفسه كان قد نقل القصيدة إلى مكانها التي هي فيه في نسخته، وبإضافة الخبر إلى نهاية القصّة ـ وهو خارج السياق تماماً ـ يكون الطبري قد أعطاه أهمّية أكبر بكثير ممّا سيكون له لو تركه في مكانه في وسط القصّة، وهذا أُسلوب فنّي بارع يستخدمه في غير مكانٍ لينقل بمهارة بعض آرائه حول مسألة معيّنة([331]).

بالإضافة إلى ذلك، فهو يستخدم أيضاً أساليب فنيّة أُخرى في نقل أفكاره الخاصّة. اُنظر: (الملحق3) حول بعض الأمثلة لهذه الأساليب.

تحليل النصّ المعتمد (المرجعي)

فيما يلي يأتي تحليلٌ للنصّ الذي كان مرجعنا في الموضوع، ومن أجل التحليل وتيسير الرجوع إلى المصدر، قمت بتقسيم النصّ إلى فصول وفروع، حيث ابتدأتُ تحليل كلِّ فصلٍ بإيراد خلاصة عن النصِّ المذكور فيه، ولمشاهدة النصّ الكامل يُرجى مراجعة الملحق (2). أُشير إلى النصِّ الوارد في التحليل برقم الفصل، متبوعاً برقم القسم المتفرّع عنه في الملحق؛ حيث 1: 4 يشير إلى القسم الرابع من الفصل الأوّل في الملحق (2).

المخطّط 4: 1، رسم تخطيطي لمصادر نسخة الطبري حول أحداث كربلاء[332]

القسم الأوّل

«بعد توقّفهم ليلاً وهم في طريقهم من مكّة إلى الكوفة، أمر الحسين أصحابه ليستقوا الماء، ثمّ أتمّوا السير. عند الظهيرة رأوا ما ظنّوا أولاً أنّه واحة نخيل، ولكن تبيّن لهم أنّه جيشٌ يحثُّ الخطى نحوهم، ومن أجل أن لا يحيط بهم الأعداء، أمر الحسين أصحابه أن يلجؤوا إلى ذي حسم. وصل الجيش الذي كان قوامه ألف رجل يقوده الحرّ بن يزيد التميمي، وكانوا على أُهبة القتال، عند ذلك أمر الحسين أصحابه بسقاية العدو وخيوله، وكان عليّ بن الطعّان المحاربي ـ وهو من جيش الحُرّ ـ قد وصل متأخراً، فسقاه الحسين بنفسه»(*).

من أوضح المتضادّات في الفصل الأوّل هو التضادّ المكاني، حيث كان الحسين وأصحابه من الناحية البدنية في مقابل الحرّ وجيشه، كان ذلك منذ اللحظة التي عرف أحدهما الآخر من بعد، ويتّضح جليّاً من هذه العبارة: «وجاءَ القومُ وهم ألفُ فارسٍ مع الحُرّ بن يزيد التميمي اليربوعي حتّى وقفَ هو وخيلُه مقابلَ الحسينِ في حَرّ الظهيرة»(1: 4)([334])؛ وعليه فإنّ الرمز المكاني يفرض صورة الخصومة بين الفريقين، ولكنّ الخصومة البدنيّة قد هُزِمت نوعاً ما عندما قدّم الحسين الماء لعدوّه.

ما ورد في الرمز المكاني يؤكد التضادّ الاجتماعي وهو الخصومة بين الفريقين، في هذا الفصل يوصَفُ الحرّ ورجاله بأنّهم أهل ظلمٍ وجور، بينما كان الحسين وأصحابه يدافعون عن أنفسهم ضدّ ذلك الجور، يحاول الحسين اللجوء إلى ذي حسم؛ حيث يمكنه حماية نفسه بسهولة هناك.

ومن جهةٍ أُخرى، يذكر النصّ أنّ الحسين كان قد نصب خيامه قبل وصول العدو، ومن الملفت للنظر ذِكرُ هذا؛ حيث الأخبار فيه تبدو مستفيضة، ومن خلال الأسطر السابقة، يُظهِر المشهد الذي يمكن تصوّره، أنّ الحسين وأصحابه كانوا للتوّ قد وصلوا وادي ذي حسم، قبل أن يعترض سبيلهم فرسان الكوفة، ومن المستبعد أن يكون الوقت قد أمهلهم لنصب الخيام؛ إذاً هل كان ذلك من الأهمّية بحالٍ كي يُذكرَ هنا؟

أحد الوجوه التي يمكن تأويل الخبر بها هو: أنّه عندما نصب الحسين خيامه صار بهذا زعيم مخيّم في الصحراء؛ لذا يمكن اعتباره صاحب دار ضيافة يستقبل ضيوفه في هذا المخيّم. ويمكن تعزيز هذا التأويل بتقديم الحسين الماء لجيش الكوفة. حسب النصّ كان الحسين من جهةٍ متهيّئاً للدفاع، ومن جهةٍ أُخرى كان يرغب بمداراة جيش الكوفة، وقد قام فعلاً بضيافتهم.

وبعبارةٍ أخرى: فإنّ تضادّ الخصومة قد ضعفَ بعد حركة الحسين البدنيّة والاجتماعيّة باجتياز حدود العداوة.

في هذا الفصل، جاء التأكيد على الخصومة بين الفريقين ضمن رمز (اللباس)، فقد ارتدى الحسين ورجاله لباس الحرب (1: 4).

في الرمز الزماني كان هناك تضادّ أيضاً: وهو بين الفجر والظهر. الفجر هو وقت جلب الماء، وأمّا الظهر فهو وقت الحَرّ والعطش، يظهر الحسين عند الفجر، ويظهر الحُرّ عند الظهر.

في الرمز الاقتصادي، كان التضّاد بين امتلاك الماء وعدم امتلاكه؛ في الصباح وقبل مواصلة المسير يأمر الحسين أصحابه بجلب الماء (1: 1).

هذا الكلام ـ عند ملاحظته بدقّة ـ لم يكن ضروريّاً في تطوّر القصّة، إنْ لم يكن ذا أهمّيةٍ فيما بعد، وأهمّيته تبرز عندما يلتقي الحسين وأصحابه بالعدو يكون معهم الماء، وعندما يصل الحُرّ ورجاله يكونون عطاشى هم ورواحلهم، وهذا يعني أنّهم يفتقدون الماء فيأمر الحسين أصحابه بسقايتهم (1: 4)، وتتجسّد هذه الفكرة عندما يقوم الحسين بنفسه بسقاية عليّ بن الطعّان المُحاربي([335])، الذي يصل متأخّراً بعد القوم وقد أخذ العطش منه مأخذه (1: 5).

إضافةً إلى ذلك، فإنّ أوّل رجل من أصحاب الحسين الذي اكتشف كتيبة العدوّ توهّم أنّ ما رآه كان مجموعة من النخيل (1: 1-2)، فقد توحي أشجار النخيل بوجود واحة في الصحراء ممّا يعطي احتمال العثور على الماء فيها، عندما ثبت أنّهم فرسان العدو الذين وصلوا إلى ذي حسم، تحوّل تخيّل العدو إلى صورة من الحَرّ والعطش، هذه الصلة بين العطش ـ حَرّ الظهيرة ـ وكتيبة العدوّ تظهر في الرمز اللغوي بوضع اسم الحُرّ بجانب كلمة الحَرّ (1: 4)  في الكتابة المجرّدة من الحركات الإعرابيّة (والتي هي أمر عادي في الكتابة العربيّة)، تبدو هاتان الكلمتان كأنّهما واحدة: حر، وبالتأكيد لم يكن صدفةً وضع (حَرّ الظهيرة) بجانب اسم (الحُرّ)، (وإلّا فهو خارج عن المطلوب)؛ وبهذا فقد اقترن الحُرّ ورجاله بالحَرّ والعطش، والحسين بالماء وإرواء العطش.

ولا يزال هناك تضادّ آخر في الرمز الاقتصادي في النصِّ: بين امتلاك وعدم امتلاك القوّة العسكريّة، وهنا يكون التوزيع معكوساً، فالحُرّ ورجاله يمتلكون قوّةً عسكريّة كبيرة (ألف رجل مدجّج بالسلاح)، بينما جماعة الحسين أقلّ من ذلك بكثير.

فيما نلاحظ في القصّة حول عليّ بن الطعّان (1: 5)، وجود تضادّ أيضاً بين جهل هذا الرجل بالكلمات التي استخدمها الحسين وكيفيّة استعمال القربة من جهةٍ، وبين علم الحسين من جهةٍ أُخرى. مرةً أُخرى يتقاسم الحسين ما يملك، وفي هذه الحال يتقاسم المعرفة حول كيفيّة الحصول على الماء.

يأتي الحُرّ وابن الطعّان هنا في كنايةٍ عن كتيبة الكوفيين، الأوّل (باعتبار الحُرّ قائد الكتيبة)، والآخَر هو آخِر من يصل من الجند، الحُرّ هو القائد وابن الطعّان هو المقاتل؛ وبهذا فإنّ الصفات التي يوصف بها هذان الرجلان يمكن أن تنطبق على كتيبة العدوّ بأكملها: فقدان الماء وفقدان العلم، سوى امتلاك القوّة الماديّة.

في الجدول 4: 1، تمّ ذكر بعض المتضادّات المهمّة في هذا الفصل من بناء الرواية، حيث افترض أنّ توزيع الماء ينسجم مع توزيع المعرفة، وتقديم الحسين للماء كتقديمه لها، وسأُناقش هذا بشيءٍ من التفصيل لاحقاً.

الرموز

المتضادّات

الرمز المكاني

الحسين وجماعته

الحُرّ وجماعته

الرمز الاجتماعي

دفاع

جور

الرمز الزماني

الفجر

الظهيرة

الرمز الاقتصادي

ماء

بلا ماء

 


فقدان القوّة العسكريّة

امتلاك القوّة العسكريّة

 


علم         

جهل

الجدول 4: 1، متضادّات مهمّة في الفصل الأوّل

القسم الثاني

السبب وراء مهمّة الحُرّ هو أنّ عبيدَالله بن زياد ـ والي الكوفة ـ قد وضع قوّة عسكريّة كبيرة في القادسيّة للبحث عن الحسين، وكان قد أرسل قبلها الحُرّ لمقابلة الحسين.

الفصل الثاني هو مجرّد ملاحظة قصيرة تعترض مجرى الرواية من أجل بيان سبب قدوم الحُرّ، ويبيّن النصُّ في هذا الفصل أنّ الخصومة بين الحُرّ والحسين ليستفقط بين هذين الرجلين ومَن معهما، ولكن وراء الحُرّ هناك والي الكوفة، وعلى رأسهما معاً الخليفة يزيد بن معاوية، فقد أمر يزيدُ واليَ الكوفة (ابنَ زياد) أن يفعل كلَّ ما يراه لازماً لصدّ الحسين، فالعدوّ الحقيقي للحسين ليس الحُرّ بقدر ما عليه أسياده (ابن زياد وبنو أُميّة)، وستتّضح أهمّية هذا كلّما تقدّمت القصّة شيئاً شيئاً.

في هذا الفصل، يبيّن النصّ كذلك التوزيع غير المتعادل للقوّة، فيقف خلف الحُرّ ليس الألف فارس الذين كانوا معه فقط، بل جيش الإمبراطوريّة (الأُمويّة) بكامله، مقابل تلك الجماعة القليلة مع الحسين.

في الوقت نفسه، يبيّن هذا الفصل الأهمّية السياسيّة الكبرى التي يعلّقها الخليفة على الحسين وقدومه إلى الكوفة؛ وبهذا يكون التضادّ الاجتماعي الموجود في الفصل الأوّل قد انعكس، ففي هذا الفصل يُنظَر إلى حركة الحسين نحو الكوفة من المنظار الأُموي، حيث يكون الحسين هو الباغي، بينما الأُمويّون الذين يمثّلهم والي الكوفة هنا هم المدافعون عن أنفسهم.

القسم الثالث

عندما دنا وقت صلاة الظهر، خرج الحسين من خيمته مؤتزاً منتعلاً وعليه عباءة، خطب في الناس قائلاً: إنّه إنّما قدِم لأنّ أهل الكوفة قد كتبوا له وناشدوه أن يكون قائداً (إماماً) لهم، وإنّه عازم على أن يُنجز هذا أو يرجع إذا شاؤوا. فلزم أهل الكوفة الصمت حيال ذلك، ولكنّهم رضوا أن يأتمّوا به في الصلاة. بعد الصلاة عاد الفريقان إلى مواضعهما([336]).

في الفصل الثالث، يأتي مجرى الرواية من الفصل الأوّل مرّةً أُخرى، هناك حادثتان محوريّتان في هذا الفصل:

الأُولى: اجتماع الفريقين معاً في الصلاة (3: 3).

والأُخرى: الخطبة التي ألقاها الحسين (3: 2).

مسألة اجتماع الفريقين معاً في الصلاة ذات أهمّية كبيرة ـ على الأقلّ أبعد من معناها الظاهر في رمز التقوى بإقامة أحد الفروض الدِّينية ـ من جهتين:

الأُولى: هي أنّ الفريقين اجتمعا معاً ثمّ افترقا مرّةً أُخرى في الرمز المكاني، في هذا الفصل يتّضح لنا بروز الرمز المكاني، ففي البداية والنهاية يبدو التضادّ المكاني واضحاً؛ في البداية كان خبر التعارض بين الحُرّ والحسين الذي أخذ مجراه في القصّة من الفصل الأوّل (3: 1)، وفي النهاية أنّهما رجعا إلى مواضعهما السابقة بعد أداء الصلاة معاً (3: 4).

والثانية: ما تضمّنته الصلاة وما حدث مباشرةً قبلها وبعدها، ويرتبط هذا المشهد برمز السلطة وبرمز التقوى، عندما صلّى الفريقان معاً، فهذا يعني أنّهم يعتبرون أحدهم الآخر أُخوة في الدِّين، وبهذا فهم أُمّة واحدة، ما كان يدلُّ على كون الفرد واحداً من الأُمّة في عصـر الإسلام الأوّل هو مشاركته في صلاة الجماعة، حيث كانت الصلاة واحدةً من أهمّ الوسائل التي تُظهر ولاء الفرد السياسي لجهةٍ ما، إمّا بصلاته وإمّا عدم صلاته خلف أميرٍ ما([337]).

في هذه الحال ومهما كان الأمر، فإنّ فعل أهل الكوفة بيّن بوضوح أنّهم لم يكونوا يرضون بالحسين أميراً سياسيّاً عليهم، فصلاتهم خلفه تعني أنّهم كانوا يقرّون بأفضليّته من الناحية الروحيّة، ولكنّ فعلهم قبل وبعد الصلاة يبيّن أنّهم لم يكونوا يعترفون بإمرته السياسيّة عليهم، رضاهم بالحسين إماماً في الصلاة كان مظهراً للوحدة الدِّينيّة وليس الوحدة السياسيّة؛ وهنا فإنّ فعل الصلاة ـ والذي عادةً يُظهر رمز التقوى ورمز السلطة ـ يصبح مظهراً للتقوى فقط. بطبيعة الحالٍ لا تزال الصلاة فعلاً سياسيّاً من حيث إنّ الجماعةَ تبيّن من خلالها هويّتها الجماعيّة، ولكنّها ليست فعلاً تجسّدت من خلاله إمرة الحسين السياسيّة، فقد بدا ذلك واضحاً من خلال موقف أهل الكوفة تجاه خطبته.

وهناك - علاوةً على ذلك - متضادّان آخران في الرمز المكاني:

الأوّل: بين بقاء الحسين في مكّة وقدومه نحو الكوفة.

والثاني: بين اقتراحه أن يواصل المسير نحو الكوفة أو الرجوع إلى الحجاز (3: 2).

هذه المتضادّات عادة ترتبط بالتعارض بين دعوة أهل الكوفة ورفضهم له، وهي أفعال لها احتمالات سياسيّة ودينيّة معاً، ففي خطبته ذكّرهم الحسين بدعوتهم الملحّة له بالقدوم كقائد ديني وسياسي معاً؛ ورفضهم له الآن يَظهرُ من خلال صمتهم بعد خطبته فيهم في دعوة أهل الكوفة للحسين، ورفضهم له بعد ذلك تَظهرُ رموز التقوى والسلطة واضحةً هنا.

عندما خاطب الحسين أهل الكوفة فقد خيَّرهم بين تعهّدهم بنصـرته ـ حسب دعوتهم له ـ وبين عدم فعل ذلك، فإن قبلوه فسوف يُقدِم عليهم، وإن رفضوه سيعود من حيث أتى، فلو حصل الأمر فسيكون من نتائج قدوم الحسين إلى الكوفة هو أنّ أهلها سيكون لهم إمامة جماعة وهدى من خلاله، وحيث إنّ فكرة الإمام لها معنًى خاص عند الشيعة، فإنّها في هذا السياق تُستخدم دائماً في المعنى العام للقائد السياسي والفقيه الأعلم([338]).

ومن الأهمّية بمكان ملاحظة أنّ المفهوم هنا يرتبط إلى حدٍّ بعيد بالجماعة (الوحدة) والهدى، وهي المفاهيم التي تفيد ضمناً أن يكون الفرد واحداً من الأُمّة الإسلاميّة الدينيّة والسياسيّة التي قد اختيرت من قِبَلِ الله، وهذا بدوره يدلّ ضمناً على النجاة والحياة الأبديّة([339]).

وما قدّمه الحسين في هذه الخطبة هو الحياة الروحيّة من خلال الهدِّاية السياسيّة والدِّينيّة نحو الوحدة في المجتمع المسلم، فقد قدّم لهم شيئاً لم يكونوا يملكونه، والذي كانوا قد بيّنوا فيما سبق أنّهم بحاجةٍ مُلِحّةٍ إليه، لقد أوّلْتُ عرض الإمامة هذا على أنّه تشابه ضمن الرمز الاقتصادي مع بذله الماء في الفصل (4: 15)، حيث إنّ الإمامة والماء كلاهما يدلاّن على خصائص مختلفة في الحياة: مادّية وروحيّة؛ وبالتالي فإنّ كثيراً من المتضادّات الواردة في الفصل الثالث جاءت ترجمتها ضمن الرمز المكاني. الحركات المكانيّة يمكن رسمها كما في المخطط 4: 2.

وهناك نقطة أُخرى تستحقّ الاهتمام، وهي اللباس الذي كان يرتديه الحسين عندما خرج من خيمته: إزار، وعباءة، ونعلان. على قدر ما أستطيع أن أتصوّره أنا فإنّ هذا اللباس كان بصورة خاصّة يُرتدى في حالتين: عند الحجّ إلى مكّة، وككفن يُكفّن به الميت عند دفنه([340]). في الحالة الأُولى، يبيّن هذا أنّ الشخص الذي يرتدي هذا اللباس يكون في حالة إحرام، وفي هذه الحالة يكون القتل محرّماً عليه، ويكون المُحرِم نفسه ذا قدسيّة، ولا يجوز انتهاك حرمته([341]). أمّا في حالة الميت يكون للّباس ـ مع التغسيل والتطييب بالحنوط ـ أهمّية نقله إلى حالة الطهارة الروحيّة. المقصود من هذا هو إعداد الميت للقاء ربّه عند الحساب، وأن يكون جاهزاً لدخول الجنّة([342]).

حسب ما فهمت، فإنّ هذا النوع من اللباس لم يكن مرتبطاً بالصلاة العاديّة، مع أنّ المؤمن أثناء الصلاة يدخل مؤقّتاً في حالة الإحرام([343]).

التعليق على لباس الحسين يشير إلى اتّجاهين حسب تأويلي أنا:

فمن جهةٍ يبيّنُ أنّ الحسين ـ كمُحرِم ـ يريد تحقيق السلام، ولا يجوز انتهاك حُرمته (وإنْ لم يكن في حالة إحرام فعلاً). وفي هذا الخصوص، يبدو ذلك في تعارضٍ تامّ مع ذكر لباس الحرب الذي كان يرتديه هو وأصحابه في الفصل 1: 4.

المخطّط 4: 2، التحرّكات المكانيّة في الفصل الثالث[344]

وتؤيّد هذا التأويل بقوّة مواضع عديدة في النصّ المعتمد ـ خصوصاً في محاورة الحسين مع الحُرّ في الفصل الخامس والفصل الثامن ـ وكذلك على امتداد القصّة التي يظهر فيها ضمناً أنّ الحسين كان يريد السلام، أو عند ذكر حُرمته([345]).

ومن الجهة الأُخرى، يبيّن لباسه أنّه كان مستعدّاً للموت، نعم كان يحدث أن يتوقّع المقاتلون المسلمون القتل في الميدان - أي يمضون شهداء - وكانوا يرتدون أكفانهم في المعركة([346]). وفي هذا الخصوص يشير لباس الحسين إلى ما سيأتي في النصّ المعتمد، بينما في الفصل 7: 1، يتحدّث الحسين عن الشهادة كشـيءٍ يتوق إليه عند جوابه على تحذير الحُرّ له (الفصل الثامن). وهذا يتوافق أيضاً مع مشهدٍ سيأتي لاحقاً في القصّة، حيث في الليلة التي سبقت المعركة يُعِدّ الحسين وأصحابه أنفسهم للموت بالغُسل بماءٍ فيه حنوط، وهو المعتاد عند تحضير الميت للدفن([347]). يمكن ترسيم دلالة لباس الحسين كما يلي في المخطّط[348] 4: 3.

القسم الرابع

عندما حضر وقت صلاة الظهر، أمرَ الحسينُ أصحابَه بالتهيّؤ للرحيل، ثمّ أمّ الفريقين في الصلاة، وخطب فيهم خطبةً ثانية، هذه المرّة تحدّث عن أحقيّة أهل البيت في الحكم ممّا ليس لبني أُميّة، مرّةً أُخرى بيّن الحسين أنّه مستعدّ لترك أهل الكوفة وشأنهم إنْ هم انصرفوا عمّا كانوا قد أكّدوه في كتبهم إليه.

بعد الخطبة وعندما استفسر الحُرّ عن تلك الرسائل، عرض الحسين خرجين مليئين بالرسائل التي كانت قد وردت إليه من أهل الكوفة، قال الحُرّ: إنّه مأمور بجلب الحسين إلى الوالي ابن زياد في الكوفة، ولكنّ الحسين أبى أن يذهب معه([349]).

في الفصلِ الرابِع، قام الحسينُ بحركةٍ جديدة لاختراق حدود الخصومة؛ أوّلاً بإمامتهِ للحرِّ وأصحابِه في الصلاة، وثانياً بالتحدّثِ والنُصحِ لهم. البنية الإخباريّة في كلامِ الحسينِ هنا في غاية الوضوح (اُنظر المخطّط 4: 4). وهنا يمكن القول: إنّ هذا الكلامَ يشتملُ على جملتين شَرطيّتين: واحدة في بداية الكلام (1C في المخطّط 4: 4) والأُخرى في نهايته (2C في المخطّط نفسه)، وكلتاهما تبدآنِ بأداة الشرط (إنْ)، وتتحدّثُ هذه العبارات عمّا سيحدث فيما لو رضيَ أهلُ الكوفة بالحسين أو صدّوه.

 

(1C)

إن تتّقوا اللهّ وتعرِفوا الحقَّ لأهله يكنْ أرضى لله.

(S)

ونحنُ أهلُ البيتِ أولى بولايةِ هذا الأمرِ عليكم من هؤلاء المدّعينَ ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان.

(2C)

فإن أنتم كرِهتمونا وجهلتم حقّنا، وكان رأيُكم غيرَ ما أتتني به كتبُكم، وقدِمَت عليّ بهِ رسلُكم، انصرفت عنكم.

 

 المخطّط 4: 4 خطبة الحسين الثانية

C1,C2: جُملتان شَرطيّتان،S: جملة إخباريّة.

توجَدُ بين الجملتين الشَرطيّتين جملةٌ إخباريّة بيَّنَ فيها الحسينُ فضائلَ أهلِ بيتِه ورذائلَ أُولئك القوم، والذي ينبغي هنا أن يُفهَمَ من: (هؤلاء المدّعين) أنّهم تلك الحكومة القائمة وهم بنو أُميّة. وهنا البنية المتوازية في الخطبة واضحه جدّاً؛ حيثُ إنَّ حرف الجرّ (مِن) في العربيّة يأتي كمحورٍ يُرتكَزُ عليه.

يتحدّث النصّ الذي يأتي قبل هذه الجملة عن اتّخاذ الحسين قائداً، بينما الذي يليها ينوِّهُ باتّخاذ أُولئكَ المدّعين قادةً. العبارة الرئيسيّة (S)هنا تبيِّنُ:

 أوّلاً: تضادّ الحسين الذي هو واحدٌ من أهل البيت ـ ومصطلحُ (أهل البيت) هنا يجبُ أن يُحمَل على أنّهم (آلُ محمّدٍ)([350]) ـ مع هؤلاء المدّعين (بني أُميّة).

وثانيّاً: أنَّ أهلَ البيتِ هم أصحابُ الحقّ في الخلافة، بينما أُولئك القوم هم من المدّعين الذين يجلبون الجورَ والطغيان؛ وعليه فهناك تَعارُضان في هذه العبارةِ الرئيسيّة:

الأوّلفي رمز النسب: أهل البيت / أُولئك المدّعين (بني أُميّة)([351]).

والآخر في رمز السلطة: حكومة شرعيّة / حكومة غير شرعيّة.

تُظهِرُ العبارةُ بشكلٍ جليّ مقايسةً واضحة كما يلي:

أهل البيت: حكومة شرعيّة : : بنو أُميّة: حكومة غير شرعيّة.

وبنظرة أكثر عمقاً إلى الجملتين الشَرطيتين 1C و2C، تظهر بوضوح البنية الموجودة في الجدول 4: 2. يُظهر القسم الأعلى من الجدول الجملة الشـرطيّة الأُولى 1C؛ والقسم الأسفل يُظهر الجملة الشـرطيّة الثانية 2C. وترتيبها بهذا الشكل يبيّن بوضوح أنّ التعارضات والتحوّلات بين الرموز المختلفة تتعاضد لإعطاء الرسالة التي يرغب الحسين في إيصالها، وعندما يُقرأ الجدول أفقيّاً تكون العبارات الموجودة في كلِّ واحدةٍ من الجُمل منسجمةً مع بعضها البعض، حيث تكون في 1C:

تقوى الله Ξمعرفة الحقّ لأهلهΞرضا الله([352]).

وفي 2C:

بغض أهل البيت Ξجهل حقوقهم أو تقلّب الآراءΞانصراف الحسين.

 

[جدول 4: 2، الترتيب الصرفي للجُمل الشرطيّة.]

 


العمود1

العمود2

العمود3

العمود4

C1

إنْ

تتّقوا الله

(رمز التقوى)

وتعرِفوا الحقَّ لأهله

(رمز السلطة)

يكنْ أرضى لله

(رمز التقوى)

C2

إنْ

كرهتمونا

(رمز السلطة)

وجهلتم حقّنا وكان

رأيُكم غيرَ ما أتتني به كتبُكم

(رمز السلطة)

انصرفت عنكم

(رمز المكان)

 

ملاحظة: 1C و2C جملتان شَرطيّتان (اُنظر: المخطّط 4: 4)

في 1C هذا يعني أنّ ما تمّ بيانه في رمز التقوى في العبارة الأُولى (تتّقوا الله) تمّ بيانه في رمز السلطة في العبارة الثانية (تعرفوا الحقّ لأهله)، ومرّة أُخرى في رمز التقوى (أرضى لله).

وبعبارةٍ أُخرى: تمّ تحوّل رمز التقوى إلى رمز السلطة، ومن ثمّ إرجاعه إلى رمز التقوى مّرةً أخرى في 2C، هناك تحوّل مشابه في العبارتين الأوليتين من الجملة اللتين هما في رمز السلطة، والعبارة الثالثة التي هي في رمز المكان، عند القراءة عموديّاً يبيّن الجدول (4: 2) أنّ التحوّل المجازي بين رمز التقوى ورمز السلطة يأتي في العمود (2)، وآخر بين رمز السلطة ورمز المكان في العمود (4)، في الوقت نفسه جاءت قِيَم العبارات سلبيّة؛ حيث جاء ما كان موجباً في 1C سلبيّاً في 2C:

تقوى الله (+) ¬بغض أهل البيت (-)([353]) في العمود 2.

رضا الله (+)¬انصراف الحسين (-) في العمود 4.

في العمود 3ليس هناك تحوّل، حيث إنّ العبارتين كلتيهما في رمز السلطة.

على أيّة حالٍ، هناك نفي ليجعل العبارتين متضادّتين:

معرفة الحقّ لأهله (+) / جهل حقّ أهل البيت وانقلاب الرأي (-)

وفي خلاصةٍ لذلك، فإنّ أهل الكوفة قد أُعطيَ لهم الخيار مرّةً أُخرى لقبول أو رفض الحسين كقائد سياسي، وفي هذه المرّة لم تكن الحجّة التي قدّمها الحسين لأجل اختياره هي فقط دعوة أهل الكوفة له (للقدوم)، فقد كان الأبرز في خطبته هذه هو الاحتجاج بالنسب والتقوى، الحسين من أهل البيت، ولهذا فيه أمر إلهيّ لتقلّد الحكم، فلو كان أهل الكوفة يتّقون الله ـ وهو شرط لا بدّ من توفّره في كلِّ مسلمٍ ـ لكان من الواجب عليهم الرضا بالحسين قائداً سياسيّاً لهم، وكان هذا سيُرضي الله([354])، فإن كان اختيارهم أن يرفضوه، كان سينصـرف عنهم، وهذا يتضمّن علامةً لغضب الله.

عندما خطب الحسين، أخبره الحُرّ أنّه لا يعرف شيئاً عن كتب القوم التي تحدّث عنها، وعندها جاء الحسين بخرجين مليئين بالرسائل، ولكنّ الحُر ّ أنكر أنّهم، (هو ورجاله) كانوا قد كتبوها.

حتى الآن لم يكن هناك فرق بين الجماعات المختلفة من أهل الكوفة، ولكن هنا أصبح واضحاً أنّ هناك فروقاً بينهم، فضلاً عن ذلك، فأنّ مسألة إشارة الحُرّ إلى أسياده، وأنّه مأمور بأخذ الحسين إلى الكوفة كانت أوّل تلميح إلى أنّه لم يكن راضياً بما عُهِدَ إليه، فلم يأتِ إلى هناك طوعاً أبداً ولكنّه كان مأموراً بذلك، ومن جهةٍ أُخرى، قال الحسين للحُرّ بنحوٍ قاطع إنّه لا يريد الذهاب إلى الكوفة أسيراً.

القسم الخامس

عندما ذهب الحسين وأصحابه؛ لينصرفوا حال الحُرّ ورجاله بينهم وبين طريقهم، شتم(*)الحسينُ الحُرَّ، ولكنّ الحُرّ أبى أن يردّ الشتم؛ إجلالاً للحسين وأُمّه، أراد الحُرّ أن يأخذ الحسين إلى ابن زياد في الكوفة، فبدأ النزاع بينهما. أخيراً توصّلوا إلى تسوية بأن يسلكَ الحسينُ طريقاً ثالثاً لا يأخذه إلى الكوفة ولا يردّه إلى المدينة، بينما يتبعه الحُرّ ورجاله، كان الحُرّ يرجو الله أن يغنيه عبء الأمر([355]).

ازدادَ التضادّ المكاني واتّسعَت فجوته بين الحسينِ والحرِّ عندما منعَ الحرُّ الحسينَ وأصحابَه من مواصلةِ السير إلى حيث أرادوا، في تلك اللحظة،لم يُذكَرْ إلى أين ينوي الحسين السير، إلى الكوفة أم العودة إلى الحجاز، وليس الأمر المهم هنا إلى أيّة جهةٍ كان ينوي السير، ولكنّ الحقيقة هي أنّه قد مُنِعُ من مواصلة السير، وأنّ تسوية الأمر بين الخصمين تدلُّ على أنّه كان هناك خيارٌ ثالث.

يمكن أن يُطبَّق رمز النسب في النزاع بين الرجلين، فقد شتمَ(*) الحسينُ الحُرَّ من خلال أُمّه (ثكلتك أُمّك)([357])، ولكنّ الحُرّ أبى أن يردّ الشتم ويذكر أمَّ الحسين بسوء؛ حيث إنّه لم يكن بوسعه سوى ذكرأم الحسين بخير (5: 2).

الحجّة التي تُفهَمُ ضمناً هنا هي أنّ أُمّ الحسين كانت ابنة النبيّ؛ ولهذا يجب ألّا تُشتَم أبداً، فقد كانت فوق جميع نساء العرب قاطبةً، ويبدو واضحاً أنّ الحُرّ كان يجّلّ أهلَ البيت كثيراً، في هذا الموقف أرى بياناً آخر حول حُرمة الحسين بسبب نسبه.

يعطي هذا الموقف دليلاً آخر على أنَّ الحُرّ كان يرغب في تسويةٍ، وليس قتالٍ مع الحسين، وكذلك في تفسير عبارته الأخيرة في هذا الفصل، حيث كان يرجو الله أن يغنيه عبء هذا الأمر (4-5: 3).

يبيّن الحّر هنا بكلِّ وضوحٍ تردّده في الأمر، وولاءه المتزلزل لبني أُميّة.

في الرمز الاجتماعي يظهر الحسين والحُرّ مرّةً أُخرى أنّهما متعارضان مع أحدهما الآخر، فلا يزال الحُرّ يمتلك دوراً رسميّاً، حيث يتصرّف حسب أوامر ابن زياد، بينما الحسين - في نظرهم - متمرّد يجب أن يُقبَض عليه.

وعندما يزداد النزاع حدّةً، ويوشك أن يجرّهم للقتال، يقترح الحُرّ تسويةً تتضمّن هدنةً مؤقّتة، بينما ينتظر هو أوامر جديدة، ويُحسم أمر القتال.

بهذا تنسجم بنية رمز المكان مع بنية الرمز الاجتماعي. في الرمز المكاني والاجتماعي معاً، يُحدث الحُرّ تحوّلاً يتلاءم إلى حدٍّ بعيد مع أولويّات النسب في رأيه.

القسم السادس

بعد ذلك جاءت الخطبة الثالثة التي ألقاها الحسين في البيضة، ومضمونها: إنّ الواجب على كلِّ مؤمنٍ تقويم سلاطين الجور والإثم، وإنّ الحكومة القائمة فاسدة، وكونه سبط النبيّ فهو بهذا أحقّ من غيره بوضع الأُمور في مواضعها. قال: لو وفى أهل الكوفة بعهودهم لأصابوا رشداً، وإن لم يفعلوا فليس ذلك غريباً عليهم، فقد فعلوه فيما مضى مع أهله؛ وبهذا ما كانوا لينكثوا عهودهم فقط،بل آخرتهم كذلك([358]).

أكثر التضادّ وضوحاً في الفصل السادس ليس بين الحُرّ والحسين، بل ذلك الذي كان بين بني أُميّة والحسين، عندما يصف الحسينُ الأُمويّين بأبلغ لغةٍ ممكنةٍ في خطبته بما يلي: «ألا وإنَّ هؤلاءِ قد لزموا طاعةَ الشيطانِ وتركوا طاعةَ الرحمان...»، فهو يذكر اثنتين فقط من التُهَم ضدّهم (6: 2). وفي المقابل، يصف الحسينُ نفسه من خلال نسبه مع النبيّ، ومن هنا يُدرَكُ ضمناً صلاحه واستقامته (6: 3).

مع هذا، يبدو لي أنّ الأُمويّين لم يكونوا هم الغرض الرئيسي من هذه الخطبة، فقد كان دورهم بالأحرى إعطاء الصبغة الشرعيّة لثورة الحسين وقيادته لأهل الكوفة، من حيث إنّ السلطة كانت فاسدة، فكان من واجب الحسين إصلاحها (6: 3)؛ ومن هنا كان الحسينُ في حاجةٍ لنصـرة أهل الكوفة الذين كانوا قد بايعوه، ولو أنّهم التزموا بتلك البيعة كانوا سيحرزون النصح والوفاء من الحسين وأهل بيته، والمشكلة هي أنّهم لم يكونوا محلّ ثقة أبداً، والذي كان يجب أن يُتَوقّع منهم هو الخيانة، وهذا ما قاموا به من قبل تجاه أهل البيت.

في الحقيقة، قال الحسين: إنّه من الحمق الاغترار بهم، وهكذا بامتناعهم عن نصرة الحسين كانوا قد ضيّعوا نصيبهم من ثواب الآخرة، الذي كانوا سينالونه لو أنّهم نصروا الحسين (6: 4)([359]).

استفاد الحسين كذلك من النبيّ في إعطاء الشرعيّة لدعواه؛ أوّلاً: تبدأ الخطبة بحديث نبوي، والذي يلمّح إلى حقِّ الحسين بإصلاح الحكومة القائمة.

وثانياً: نوّه الحسين بمقامه أنّه حفيد محمّد، وبهذا يكون وريث النبيّ الذي يستطيع الهداية إلى طريق (الرشاد)، ويكون (الأُسوة) كما كان النبيّ نفسه كذلك([360]).

وثالثاً: يستشهدُ بنصٍّ من القرآن، يخصّ في الأصل محمّداً، ويطبّقه على نفسه وأهلِ بيته: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)([361]).

حسب الاتجاه السائد في التفسير المتعارف بين المسلمين، تتحدّث هذه الآية عن صلح الحديبية، حيث جدّد محمّدٌ البيعة في حال العسرة مع أصحابِه بوضع أيديهم فوق بعض([362])، المسألة في الآية المذكورة هي أنّه عندما وضع محمّدٌ وأصحابُه أيديهم فوق أيدي بعض، وضع الله يده فوق أيديهم، وبهذا تمّت بيعة الولاء لله ولمحمّد معاً، وقد أخذ الطبري بهذا التأويل في تفسيره لهذه الآية([363])؛ وبهذا يكون الشخص الذي تمّت له البيعة هو محمّد، ومبايعة محمّد هي مبايعة الله. هناك تحوّل بين رمز السلطة (الولاء لمحمّد) ورمز التقوى (الولاء لله).

الكلمات المقتبسة، والتي جعَلْتُها بين قوسين كبيرين، هي كلمات مقتبسة حرفيّاً من خطبة الحسين.

بحسب الطبري ومعظم أُولئك الذين يقرأون هذا النصّ، فإنّ هذا المقطع القرآني والموقف في الحديبيّة يجب أن يكون قد أتى إلى أذهانهم. جعل الحسين العلاقة المجازيّة بينه وبين النبيّ أمراً واقعاً، وأخذ على عاتقه هو وأهل بيته الدور الذي كان يقوم به النبيّ نفسه، ما يُفهَم ضمناً هنا هو أنّ مبايعة الحسين هي مبايعة الله، ويمكن وصف هذا من خلال هذه المعادلة:

  الولاء لـ محمّد = الولاء لـ الحسين (رمز السلطة) ¬ الولاء لله (رمز التقوى)

 

   (العلاقة المجازيّة في رمز النسب)

فكلُّ مَن يعطي هذه البيعة سيكسب (أجراً عظيماً) من الله، ومن ينكث إنّما (ينكث على نفسه)، حسب الطبري، تشير هذه الكلمات الأخيرة إلى خسارة الجنّة([364]).

في هذا الفصل، إذن هناك عدّة تحوّلات بين رمز السلطة ورمز التقوى، على سبيل المثال، في هذا القياس:

الوفاء ببيعة الحسين: نكث بيعة الحسين: : الوفاء ببيعة الله: نكث بيعة الله.

يكون القسم الأيمن ضمن رمز السلطة، بينما القسم الأيسـر ضمن رمز التقوى، ويمكن الاحتجاج أنّ العلاقة بين القسم الأيمن والقسم الأيسـر هي أكثر من مجرّد قياس.

ما يجول في بال القارئ الذي يتعاطف مع الحسين وأمره، هو أنّ العهد السياسي مع الحسين ليس (كـ) عهد مع الله، بل هو عهد مع الله حقيقةً. مهما يكن، فإنّ هذا القياس - كما أفترض - هو مثال آخر على كيفيّة تحوُّل المجاز إلى كناية، من خلال التحوّلات بين الرموز التي وُضِعت لتبدو أنّها متماثلة.

يمكن رسم العمليّة البنيويّة في هذا الفصل كما يلي:

الوفاء بالعهد مع الحسين (رمز السلطة) ¬ الوفاء بالعهد مع الله (رمز التقوى) و

نقض العهد مع الحسين (رمز السلطة) ¬ نقض العهد مع الله (رمز التقوى)

والعهد مع الله هنا إشارة إلى الميثاق الإلهي مع البشـر الذي ذُكر كثيراً في القرآن، وتناوله أهل التفسير والكلام بالبحث والدرس كثيراً([365]).

وهكذا، فإنّ الوفاء بالعهد مع الله أو نقضه يعني الإسلام أو الكفر، ومع أنّ الحسين لم يتّهم أحداً صراحةً بالخروج عن الإسلام، إلّا أنّه كان قريباً جدّاً من هذا المعنى في خطبته.

الاحتجاج الأساسي في هذا الفصل إذن هو: أنّ الانتخاب بين الخيارات المطروحة أمام أهل الكوفة كان أمراً في غاية الأهمّية، فالقرار السياسي الذي سيتّخذونه سيكون إمّا مع أهل بيت النبيّ وإما ضدّهم؛ لهذا - حيث يمكن هكذا ادّعاء - سيكون هذا القرار كذلك مع الله أو ضدّه، وبتبعه ستكون هناك عواقب أُخرويّة لكلِّ شخصٍ. بيان هذا الاحتجاج في المخطّط 4: 5.

المخطّط 4: 5، خيارات أهل الكوفة طبقاً للفصل السادس[366]

القسم السابع

 تُروى خطبة رابعة قد خطبها الحسين في ذي حُسُم أيضاً، وفيها يلتاع الحسين من تغيّر وسوئها، والمؤمنين يرغبون في لقاء الله، والشهادةُ خيرٌ من الحياة مع (الظالمين)، قام أحد أصحابه متكلّماً بلسان بقيّة الرجال، مؤكّداً ولاءهم للحسين والموت من أجله([367]).

في الخِطَب السابقة كان كلام الحسين موجّهاً لأهل الكوفة، غير أنّه في هذه الخطبة كان كلامُه لأصحابه، بالرغم من أنّ هذا لم يُذكر صراحةً.

 تختلف هذه الخطبة تماماً عن سابقاتها، حيث إنّه في الخطب السابقة كان هناك خياران، ولكنّ الخيارات الآن مطروحة أمام الحسين وأصحابه وليس أهل الكوفة، وخياراته المفضّلة واضحة، ومطلب الحسين هو: هل للحياة قيمة في هذه الدنيا الفاسدة، أم على المرء أن يتمنّى لقاء الله؟ فرضيّاً هناك خيار للعيش في هذه الدنيا، ولكن ليس هناك من شكٍّ أنّ الخيار الوحيد الذي يرضى به الحسين هو (لقاء الله)، وليس الموتُ غيرَ مرغوب فيه؛ بل في الحقيقة هو الشهادة (7: 1) مع كلّ ثمارها في الآخرة، وهذا ما تضمّنته هذه الخطبة([368]). في مشهد اللقاء بين المؤمن وربّه يندمج رمز المكان مع رمز التقوى.

أيّد أصحابُ الحسين هذه الكلمات، حيث أدركوا أنّه قالها بهداية من الله، فهم أيضاً قد اختاروا ما اختاره الحسين، وفضّلوا نصـرته والموت دونه على الخلود في تلك الدنيا، ففي حديثهم عن نصرته، وقف أصحاب الحسين في تضادّ مع أهل الكوفة الذين لفّهم الصمت بعد الخطبة الأُولى (3: 2)، والذين لم يقرّوا أنّهم كانوا قد كتبوا الكتب بعد الخطبة الثانية (4: 3)، والذين وُصفوا بأنّهم مخادعون وأهل غدر في الخطبة الثالثة (6: 3).

القسم الثامن

تستمرّ الرحلة، ويحاولُ الحُرّ إقناع الحسين إنْ هو واصل المسير فإنّه سيُقتل، ويردّ الحسين قائلاً: إنْ هو قُتل فذلك سيكون وبالاً على الحُرّ، ويذكرُ له قصّة أخي الأوس الذي كان في طريقه لنصرة النبيّ، وعندما حذّروه أنّه ربّما سيُقتلُ، أنشدهم شعراً قال فيه: إنّ الموت ليس عاراً على المرء المسلم الذي يقتل دفاعاً عن الحقّ وينأى بنفسه عمّن لعنهم الله([369]).

في القسم الثامن، تعود الرواية إلى حيث انتهت في القسم السادس، سار الفريقان مرّةً أُخرى بجانب بعضهما الآخر، ومن الواضح أنّ الحُرّ كان خائفاً على الحسين، فقد حاول أن يحذّره من القتل إن اختار القتال، وكان هذا التحذير علامةً أُخرى على أنّ الحُرّ كان حريصاً على الحسين وكان يريد له الخير، وقابل الحسينُ تحذيرَ الحُرّ باحتجاجين:

الأوّل: إنّ قتله سيكون بلاءً على الحُرّ ورجاله (8: 1)، ما يُفهم ضمناً في رمز النسب أنّ الحسين له حُرمة باعتباره سبط النبيّ.

والثاني: إنّ الحسينَ لا يُخوَّف بالموت، وكما تقول القصيدة: فليس هناك عارٌ في موت المسلم الذي يجاهد في سبيل المعروف بنيّةٍ صالحة، وينصـر أهل الحقّ بروحه (8: 2).

يؤكّد هذا القسم الفكرة التي جاءت في القسم السابع، وهي: إنّ الموت بالنسبة للمسلم الصالح ليس شيئاً يُخاف منه، ففي هذين القسمين، يُنظَر إلى الموت على أنّه شهادة، أي موت الجسد المؤدي إلى الحياة الروحيّة، هذا التحوّل - على أيّة حالٍ - مشروط بالوضع الدِّيني لذلك الشخص، وهو يحصل للمؤمن أو المسلم الحقيقي.

القسم التاسع

واصلوا السيرَ، ولكن كلٌّ في ناحيةٍ حتّى وصلوا عُذيب الهجانات(*)، عند ذلك جاء أربعةُ رجالٍ من الكوفة؛ ليلتحقوا بالحسين، وكان معهم دليلهم الطرمّاح بن عَدي الذي أنشد قصيدةً في مدح الحسين، وحاول الحُرّ منع هؤلاء الرجال الأربعة من الالتحاق بالحسين، ولكن عندما أظهر الحسين نيّته بالقتال من أجل هؤلاء الرجال وحقّهم في الالتحاق به، كفّ الحُرّ عن ذلك([371]).

يظهر في قسم التاسع، الرمز المكاني والرمز الاجتماعي بوضوح، استمرّ التضادّ المكاني بين الحسين والحُرّ؛ فمن تركيب الجملة الأُولى الغامض نوعاً ما «فلمّا سمعَ ذلكَ منهُ الحُرّ تنحّى عنهُ، وكانَ يسيرُ بأصحابه في ناحيةٍ وحسينٌ في ناحيةٍ أُخرى» يجب أن يُفهم بأنّهم كانوا يسيرون بفريقين منفصلين عن بعضهما، وتأكّد هذا التضادّ بمحاولة الحُرّ منع الرجال الأربعة القادمين من الكوفة من الالتحاق بالحسين، ولكن ما زال الحُرّ غير مستعدّ لقتال الحسين.

وقف الرجال الأربعة القادمون من الكوفة ـ للالتحاق بالحسين ـ في تضادٍّ شديد مع أهل الكوفة الذين كانوا قد دعوه ولكنّهم خذلوه الآن.

 أمّا تهديد الحسين للحُرّ وأنّه سيدافع عن هؤلاء الرجال ولو كلّفه ذلك حياته (9: 3)، فإنّه يوافق كلامه في القسم السادس؛ حيث تعهّد بالوفاء ـ حتّى مع الموت ـ لأُولئك الذين نصروه (6: 3).

ويوجد في قصيدة الطرمّاح رمز النسب ورمز التقوى، حيث جاء في القصيدة أنّ الحسين من نسبٍ شريف، وفيه كلُّ الفضائل التي يقتضيها هذا الأمر، وأنّه أيضاً مبعوث بأمرٍ إلهيٍّ (9: 2).

القسم العاشر

سأل الحسين الرجال الأربعة حول أوضاع الكوفة، فأخبروه أنّ أشرافها تمّت رشوتهم والتحقوا بابن زياد، وأمّا سائر الناس فعمّا قريب سيصنعون مثل ذلك، وأمّا رسولُ الحسينِ قيسُ بنُ مُسهِر الصيداوي فقتله ابن زياد، فبكى الحسين عند سماعه هذا، وتلا آيةً من القرآن تتحدّث عن موت المؤمنين،ثمّ دعا الله وسأله أن يرزقهم جميعاً الجنّة([372]).

مرّةً أُخرى يأتي رمز السلطة ورمز التقوى في هذا القسم الأكثر بروزاً بين الرموز الأُخرى، في رمز السلطة يظهر غدر أشراف الكوفة، وتقلّب عوامّها مقابل الولاء التام لرسول الحسين قيس بن مُسهِر، والتضادّ نفسه يبقى بين ولاء أُولئك الرجال الأربعة القادمين من الكوفة، وبين سائر أهلها الذين بقوا فيها، كما في كلمات الحسين هذه: «أخبروني خبرَ الناس وراءكم» (10: 1) هنا يتحوّل رمز المكان إلى رمز السلطة:

ترك أهل الكوفة وراءهم (رمز المكان) ¬ الالتحاق بالحسين (رمز السلطة)

التحوّل بين رمز السلطة ورمز التقوى يظهر في ذلك المشهد، عندما حاول ابن زياد أن يجعل قيساً يلعن الحسين وأباه، ليسلم من القتل (10: 2)، فقد فعل قيسٌ عكس ذلك، حيث صلّى على الحسين وأبيه، ولعن ابن زيادٍ وأباه. وهكذا:

بيان الولاء للشخص (رمز السلطة)¬ الصلاة على ذلك الشخص (رمز التقوى)

وهناك تحوّلٌ مشابه جاء في القياس المتضمّن في الآية التي تلاها الحسين ودعائه بعدها، فقد تلا الحسين جزءاً من (الآية 23) من سورة الأحزاب، وسياق هذه السورة يشير إلى معركة الخندق أو (الأحزاب)، عندما هاجم الكفّار النبيَّ وأصحابه في المدينة([373]). تمام الآية وبداية الآية التي تليها كما يلي: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ)([374]).

استشهد الحسين بجزءٍ من هذه الآية، وسياق الآية يميّز المؤمنين الخلّص من المنافقين الذين أعلنوا إسلامهم أمام النبيّ وخذلوه عند الشدّة، وهذا تطبيق لجزءٍ من القرآن - والذي يشير في الأصل إلى النبيّ محمّدٍ - على الحسين، وهو شبيه لما ورد في القسم 6: 4.

الولاء لـ محمّد = الولاء لـ الحسين (رمز السلطة) ¬ الولاء لله (رمز التقوى)

 (العلاقة المجازيّة في رمز النسب)

والولاء لله بدوره يقود إلى الجنّة.

الشيء الأخير الذي أودّ الإشارة إليه هو بكاء الحسين على رسوله الذي قُتل، وهكذا ينتهي هذا الخبر الطويل، الذي أسميته (النصّ المعتمد)، بذرف الحسين للماء (الدموع) تماماً كما بدأ بجلب الماء وإعطائه للآخرين، وسأعود إلى رمزيّة الماء في موضع آخر.

خواص بنيويّة بارزة في (النصّ المعتمد)

في البحث السابق(*) أوردتُ المتضادّات والتحوّلات بين الرموز التي جاءت في كلِّ أقسام (النصّ المعتمد)، وفي هذا البحث أودّ أن أنظر بشكل كلّي إلى (النصِّ المعتمد) من زاوية أهمّ الرموز المستخدمة فيه.

أربعة رموز بارزة تكرّرت كثيراً واستُخدمت أكثر من غيرها، وهي: رمز المكان، رمز السلطة، رمز التقوى، ورمز النسب. بالرغم من غلبة رمز المكان في النصِّ، إلّا أنّه من الواضح أنّ الرموز الثلاثة الأُخرى ذات أهمّية بالغة أيضاً، فإنّ دور رمز المكان ـ وكذلك الرموز الأُخرى التي لم تُذكر هنا ـ بصورة أساسيّة هو التشديد على الرسالة التي يحاول النصّ إظهارها من خلال الرموز الثلاثة الأساسيّة. إنّ رمز المكان رمز مساعد، وهذا يعني أنّ الأُمور المكانيّة ليست حاسمةً في المسائل المطروحة في النصّ، ولكنّها توجّه الرواية لتواصل مسيرها، وتجلب الأنظار نحو الأحداث المهمّة، والعمليّات والقيم من خلال التحوّلات، وبنحو أساسي التحوّلات بين هذا الرمز ورمز السلطة والرمز الاجتماعي، فقد استُخدمت بهذه الصورة في القسم الأوّل والثاني والثالث (راجع تحليل هذه الأقسام قيما تقدّم) في المخطّط 4: 3.

تمّ تلخيص الحركات الواردة في الأقسام السابقة على حدٍّ سواء مع الخيارات التي عرضها الحسين لأهل الكوفة، من القسم الرابع إلى العاشر، وأصبح واضحاً أنّ أيّاً من خيارات الحسين لم يتحقّق، فقد أراد الحُرّ أن يأخذ الحسين إلى الكوفة أسيراً وليس إماماً، وعندما امتنع الحسين بدأت المفاوضات على حلٍّ وسطٍ بين الطرفين، ليأخذ الفريقان طريقاً ثالثاً لا يؤدّي بهما إلى الكوفة، ولا يعود بهما ثانيةً إلى الحجاز.

يبيّن النصّ بصراحة أنّ الفريقيين لم يسيرا على أنّهما جماعة متحدة، وإنّما فريقان منفصلان (ومتخاصمان) (9: 1). في القسم العاشر يُستَخدم رمز المكان ليؤكّد انشقاق الرجال الأربعة الذين التحقوا بالحسين عن أهل الكوفة (10: 1).

في مكانين يتحوّل رمز المكان مباشرةً إلى رمز التقوى، في القسم الرابع، البنية في كلام الحسين تربط حضوره برضا الله بصورة مباشرة (4: 2)، وفي القسم السابع طلبُ الحسين للحقّ ورغبتُه في ترك بَرَمِ الحياة تحت حكم الظلمة يجعله يتوق للقاء الله.

مهما يكن فإنّه من خلال رمز السلطة ورمز التقوى ورمز النسب يتمّ تبليغ الرسالة، ويتّضحُ أنّ هذه الرموز هي الأكثر أهمّية في النصّ، وفي ثنايا النصّ كلّه يقوم الحسين بكلِّ ما في وسعه لإقناع أهل الكوفة أنّ قرابته من محمّدٍ تستلزم سلطته السياسيّة عليهم، وأنّ الولاء السياسي للحسين هو أمرٌ أساسي للمؤمن مثل الولاء لمحمّد، وجاء هذا بشكلٍ صريح جدّاً في الخطبة الواردة في القسم 4: 2؛ حيث إنّ الحسين - كواحدٍ من (أهل البيت) - له الحقّ في الحكم، وإنّ الإقرار بهذا من أفعال التقوى، وتأتي عبارة أُخرى مشابهة لهذه في القسم 3-4: 6، ولكن بكلمات مختلفة.

وفي هذا القسم تأتي العلاقة بين الرموز مدعومة باستشهاد من القرآن، ومن خلال التضمين في المعنى تتكوّن نفس العلاقة بين رمز النسب ورمز السلطة ورمز التقوى في القسم 10: 2. وهنا أيضاً يتمّ الاستشهاد بنَصٍّ من القرآن.

الحجّة التي يلقيها الحسين حسب النصّ هي نوع من القياس يحوّل المجاز إلى كناية، أي يجعل العلاقة الاعتباطيّة (تبدو اعتباطيّة للشخص الغريب على الأقل) بين الحسين (الولاء السياسي) والتقوى تبدو طبيعيّة تماماً (والتي هي بطبيعة الحال للحسين وأصحابه)، وتتكوّن هذه العلاقة من خلال قرابته من النبيّ محمّدٍ.

كما رأينا سابقاً، يعتبر المسلمون في زمن الطبري أنّ الولاء السياسي عند الجيل الأوّل من المسلمين تجاه شخص النبيّ هو واحد من أفعال التقوى الأساسيّة، فأُولئك الذين رفضوه كقائد سياسي وروحي لم يكونوا مسلمين حقّاً، وأُولئك الذين رضوا بألسنتهم فقط وُصفوا بأنّهم منافقون. هناك إشارتان قرآنيتان في (النصِّ المعتمد) (الآية 10 من سورة الفتح في القسم 6: 4، والآية 23 من سورة الأحزاب في 10: 2) تلمّحان إلى هذه الفكرة، بأنّ علاقة:

الولاء لمحمّد (رمز السلطة) = الولاء لله (رمز التقوى)

معروفة وواضحة تماماً عند جميع المسلمين، ولكن مشكلة الحسين هي: إنّ هذه العلاقة لم يتمّ عزوها إليه طبيعيّاً من قِبَل جميع (أو أغلب) المسلمين، ويرى الحسين أنّ الولاء الذي يُمنح لمحمّدٍ ينبغي أن يُمنح له هو أيضاً؛ حيث إنّه الرجل الأقرب نَسَباً لمحمّدٍ. وبالنتيجة يحاول بيان هذا القياس الثلاثي:

ولاء أهل الكوفة: سلطة الحسين: : الحسين سبطاً: محمّد جَدّاً

           رمز السلطة                            رمز النسب

نبوّة محمّد: جبروت الله

رمز التقوى

وهذا يعني أنّ ولاء أهل الكوفة لسلطة الحسين هي كعلاقة النسب بين الحسين ومحمّد، والتي هي كنبوّة محمّد بالنسبة لجبروت الله.

وبعبارةٍ أُخرى: من حيث إنّ محمّداً قد تسلّم سلطته من خلال علاقته مع الله، فإنّ الحسين قد تسلّم سلطته على أهل الكوفة من خلال علاقته مع محمّد. ومهما يكن فإنّه في الخُطَب الواردة في (النصِّ المعتمد) لا يشير الحسين كثيراً إلى سلطته على أنّها سلطة أهل البيت جميعاً، والذي هو على رأسهم الآن (4: 2، 6: 3).

وهذه المعادلة يمكن تبسيطها كالتالي:

ولاء أهل الكوفة: سلطة أهل البيت: : ولاء أهل البيت: جبروت الله

هنا تظهر أهمّية التحوّل بين المجاز والكناية بصورة واضحة، حيث يمكن كتابة القياس نفسه بالطريقة التالية:

ولاء أهل الكوفة: ولاء أهل البيت: : سلطة أهل البيت: جبروت الله

في المثال الأوّل الكناية هي العلاقة السياسيّة بين أهل الكوفة وأهل البيت من جهة، وبين أهل البيت وبين الله من الجهة الأُخرى، حيث ـ مَجازاً ـ يرتبط الولاء السياسي لأهل الكوفة تجاه أهل البيت بتقوى أهل البيت في الطاعة التامّة لله، والسلطة السياسيّة لأهل البيت ترتبط مع الجبروت الإلهي.

في المعادلة الثانية لهذا القياس، ابتُدعت (أصناف) أو (رموز) جديدة، وحدث تحوّل بين الكناية والمجاز، وبتعبيرٍ آخر: العلاقة الكنائيّة ضمن رمز السلطة ورمز التقوى على التوالي في نفس الوقت تُظهر التطابق بين السلطة الإلهيّة والسلطة السياسيّة من جهة، وبين تسليم الإنسان لله وولاء المحكوم للحاكم من جهةٍ أُخرى. (اُنظر: المخطّط 4: 6).

[ المخطّط 4: 6، التحوّل بين المجاز والكناية][376]

تأثير هذا القياس يتقوّى بوعود الله بالثواب لأُولئك الذين يقرّون بالعلاقة الواردة فيه، ووعيده بالعقاب لأُولئك الذين ينكرونها.

في الخطبة الثانية الواردة في (النصِّ المعتمد) يَعِد الحسين صراحةً برضا الله عن أهل الكوفة إنْ هم رضوا به (بالحسين) (4: 2)، وفي أماكن أُخرى يشير إلى عقوبة الله ـ على سبيل المثال ـ عند توسيع الوصيّة بالولاء لمحمّد لتشمل جميع أهل البيت، وخصوصاً الحسين نفسه، فإنّ الثواب والعقاب الإلهيين الذَين وعد الله بهما في القرآن يمكن أن ينطبقا على معاصريه (كما جاء في القسم 3ـ4: 6، وبالخصوص في الآية التي استشهد بها من القرآن).

وخلاصة لذلك: فإنّ العلاقة بين رمز السلطة ورمز النسب ورمز التقوى الواردة في (النصّ المعتمد) تُظهر أنّ رمز التقوى له الأسبقيّة على الرمزين الآخرين؛ فوجهة النظر السياسيّة لشخصٍ ما تحدّد علاقة ذلك الشخص مع الله - وهي العلاقة الأكثر أهمّية لأيِّ إنسانٍ كان، وفي هذا الخصوص هناك اثنان من المتضادّات الواضحة في هذا النصّ:

ثواب الله (الجنّة)/عقاب الله والإسلام / الكفر

في هذين المتضادّين تضادّ (الثواب/ العقاب) يجب أن يُرى بأنّه أقوى من تضادّ (الإسلام / الكفر)؛ حيث إنّ الأوّل يخصّ الحياة الأبديّة، بينما الآخر يتعلّق بالحياة على الأرض، وهي محدودة الأمد([377]). وطالما يعيش الإنسان في هذه الدنيا، فمن المحتمل أنّه يغيّر مجرى حياته، إمّا نحو الأفضل ويصبح مسلماً صالحاً، وإمّا ينحرف ويرتدّ عن الطريق القويم، ولكن بعد الموت ليس هناك من رجعة، فما عمله المرء فقد عمله، وسيلقى هناك عواقب حياته الدنيويّة.

من المهمّ ملاحظة أنّ مفهوم الكفر - على أيّة حالٍ - لا يوجد فعلاً في هذا النصّ، مع أنّ الحسين - كما في الرواية في القسم (6: 2) - يتقرّب كثيراً من هذه المسألة، إلّا أنّه لم يتّهم أبداً بني أُميّة أو أهل الكوفة بالكفر فعلاً، بل بالعكس، فقد أدّى الصلاة معهم (3: 3؛ 4: 1)، وهذا الفعل يبيّن أنّهم من دِينٍ واحد وأُمّةٍ واحدة، وبدلاً من إنكار إيمانهم يُضَمِّنُ الحسينُ في كلامه ما يُشعِرُ أنّهم منافقون، وهي صفة تُطلق على أُولئك الذين يُظهرون الإسلام، ولكنّهم منحرفون عن الحقّ وأقرب إلى الكفر؛ وبهذا فإنّ مفهوم النفاق يمكن أن يكون الوسيط بين الإسلام والكفر.

وهناك تضادّ ثالث في رمز التقوى يوجد في النصّ، وهو:

الرشد/ الانحراف

هذا التضادّ يخصّ المسلمين كأفراد؛ وبذلك فهو أضعف من تضادّ الإسلام/الكفر، وهي تصنيفات يمكن تطبيقها على البشر جميعاً؛ والرشد هو الوضع الصحيح للمؤمن، بينما الانحراف يعادل النفاق، وبين قطبي هذا التضادّ من الممكن الدخول في وضع وسيط: وهو الهدى الذي يقود من الانحراف إلى الرشد، ومن ثمّ إلى الإسلام (الإيمان)، وفي النهاية إلى ثواب الله، كما هو مذكور أعلاه.

هناك أيضاً فَرْقٌ بين التضادّ الأوّل (ثواب الله / عقاب الله) والذي يتعلّق بالآخرة، والمتضادّات التالية التي تخصّ الحياة على الأرض، وهكذا فإنّ هناك تضادّ رابع ضمن رمز التقوى:

الدنيا / الآخرة والذي يقابل التضادّ التالي: الحياة المادّيّة / الموت المادّي

يمكن رسم هذه المتضادّات المذكورة أعلاه كما في الجدول (4: 3)، حيث وُضعت المتضادّات الثلاثة الأُولى على المحور العمودي، بينما الرابع على المحور الأفقي ـ (الشكل 4: 3) أحادي الجهة، ليبيّن الجزء الرئيسي للبنية الأساسيّة في علم الكلام الإسلامي، والذي لم يكن في النصِّ الذي قمنا بتحليله هنا وحسب، بل يعمل كقطبٍ أساسي في رسالة القرآن، ومن ثَمّ في معظم الفكر الكلامي والتاريخي للإسلام([378]).

الجدول 4: 3، المتضادّات الأساسيّة في رمز التقوى

الآخرة

الموت المادّى

الدنيا

الحياة الماديّة

ثواب الله (الجنة)

 


 


 


الإسلام

 


 


 


الرشد

 


 


الهدى

 


 


الانحراف

 


النفاق

 


 


الكفر

 


عقاب الله

 


 


 

ملاحظة: الحقل المظلّل يشير إلى الحياة بعد الموت

في اصطلاحات (ليفي شتراوس) ستكون هذه البنية الأساسيّة هي (قلب المحرّك) الإسلامي([379])، وليس من المفاجأة - بطبيعة الحال - أن تصوغ هذه البنية أحداث كربلاء كما جاءت في تاريخ الطبري مكتسبةً المقام اللاهوتي ومنزلة مؤلّفها، والمسألة هي أنّه طبقاً للنصّ المعتمد، يملأ الحسين المصطلحات لمتضادّات (هذه الدنيا) (وهي المصطلحات الواردة في الحقول غير المظلّلة في يسار الجدول 4: 3)، ووساطاتها مع المضمون السياسي الخاصّ؛ ولذا تأتي هذه المتضادّات في رسائل الحسين متماثلة مع مفاهيم متعارضة ضمن رموز مختلفة، أهم تعارض سياسي والذي ـ كما سأناقشه عمّا قريب ـ يتطابق مع التعارض الثالث في الجدول (4: 3)، أي:

الرشد / الانحراف (رمز التقوى)

هو:

الوفاء بالعهد مع الحسين / نقض عهد الحسين (رمز السلطة)

الوضع الوسط بين هذه الأقطاب المتعارضة هو الموقف الثالث تجاه الحسين، والذي ورد في النصّ: وهو التردّد والشكّ عند الحُرّ([380])؛ ولهذا هناك علاقة مجازيّة بين المصطلحات المحوريّة في المتضادّات، حيث إنّ:

الرشد: الانحراف: : الوفاء بعهد الحسين: نقض عهد الحسين

ولكن ليس هناك علاقة مباشرة بين المصطلحات الوسيطة (الهدى) و((الازدواجيّة (أو التأرجح في الموقف) تجاه الحسين)). وحيث إنّ الأُولى تتعلّق بعملية الوحي (من خلال الحسين في هذه الحال)، فإن الثانية تتحدّث عن موقف أفراد مسلمين تجاه هذا الوحي.

هذا التضادّ في الرمز السياسي مشتقّ من تضادٍّ أقوى في رمز التقوى، كما كنت قد بيّنت ذلك في تحليل القسم السادس سابقاً:

الوفاء بعهد الله / نقض عهد الله (رمز التقوى)

وهنا مفهوم الوسط هو نفسه في الجدول (4: 3)، أي (النفاق).

في الجدول (4: 4)، تمّ عرض المضمون الدِّيني - السياسي للبنية الموجودة في (النصّ المعتمد).

الجدول (4: 4) المتضادّات الأساسيّة في رمز التقوى ورمز السلطة


الآخرة

الموت المادّي

     الدنيا

     الحياة المادّيّة

ثواب الله (الجنّة)

 


 


 


الوفاء بعهد الله

 


 


 


الوفاء بعهد الحسين

 


 


الهدى

 


 


نقض عهد الحسين

 


النفاق

 


 


 


 


 


نقض عهد الله

 


عقاب الله

 


 


ملاحظة: الحقل المظلّل يشير إلى الحياة بعد الموت

إلى هنا أكون قد ناقشت كلمات الحسين في (النصِّ المعتمد)، وفيما يلي، سأقوم بتحليل ثلاثة من الأعمال التي قام بها حسب ما جاء في النصِّ نفسه، تلك الأعمال التي تكمّل الكلمات، وتدعم الرسالة التي يريد إيصالها إلى أهل الكوفة، وبطبيعة الحال من المستحيل فصل الأعمال كليّاً عن الكلمات، ولذلك سيكون عليّ أن أعود إلى أقواله أيضاً، ولكنّ التركيز في الصفحات التالية سيكون «ما فعله أكثر ممّا قاله».

فعله الأوّل الذي سنقوم بتحليله هو جوده بالماء (كما جاء في القسم الأوّل)، وفعله الثاني هو ارتداؤه اللباس الخاص عند مخاطبته أهل الكوفة (في القسم الثالث)، وفعله الثالث هو إمامته للفريقين الخصمين في الصلاة (في القسم الثالث كذلك).

في القسم الأوّل، تقول الرواية: إنّ الحسين قدّم الماء لجنود العدو العطاشى، وأرشد الجاهل عليّ بن الطعّان كيف يشـرب الماء من القربة (1: 5). الماء في العربيّة وفي الثقافة الإسلاميّة ـ الأوسع نطاقاً ـ له دلالة على الحياة الماديّة والثواب الإلهي في الآخرة، بينما انعدام الماء والحَرّ والعطش هي نقيض ذلك، وهناك أوصاف كثيرة للجنّة والنار في القرآن والحديث هي أمثلة على ذلك([381]).

ولوكانت هذه الحادثة قد دُوِّنت على انفراد، لربّما لم يكن لها معنى أكثر من أن تُظهِر أنّ الحسين أدرك الحاجة الجسديّة لأُولئك الرجال العطاشى في جيش الحُرّ فحسب، إنّما ذلك الفعل نفسه لم يكن الحسين قد أظهر من خلاله مشاعره النبيلة فقط، بل أظهر كذلك أنّه لم يكن يريد القتال.

في جميع القصّة يكون للماء ـ باعتباره رمزاً للحياة ـ كلّ تلك الأهمّية، بحيث صار من الصعب التصديق أنّ له دلالة مختلفة في هذا القسم؛ لأنّه يحتل تلك المكانة البارزة([382])، ولهذا السبب أرى أنّ مشهد الحسين وهو يسقي الماء للرجال العطاشى والدوابّ هو شيء رمزي ـ ضمن الرمز الاقتصاديـ يرمز إلى قدرته الكامنة كسبيل للهداية والحياة الأبديّة من الله للبشر.

هذا التأويل تدعمه بشدّة حقيقة أنّ سقاية الماء المذكورة هنا تتلاءم بنيويّاً مع عدد من الشواهد خلال (النصّ المعتمد) من أوّله إلى آخره، عندما يقدّم الحسين أفضالاً مختلفة كثيرة، والتي تفضي إلى الحياة الأبديّة، ففي القسم (3: 2)، يقدّم الحسينُ وُجودَهُ (رمز المكان)، والذي يعني الإمامة، وبضمنها الوحدة والهداية لأهل الكوفة فيما لو كانوا موالين له، وفي الحال نفسه - في مقابل ولائهم له - يعِد بالرشد وولاء أهل بيته ونفسه كنموذج ينبغي اتّباعه (5: 3).

وخلاصة القول: عندما يقدّم الحسين الماء يقدّم معه الإرشاد والهداية حول كيفيّة الاستفادة منه، وهذا يقود إلى الحياة الماديّة، وبصورة مشابهة عندما يقدّم نفسه كإمامٍ ومثالٍ يُحتذى، فهذا يعني أيضاً الهداية، الوحدة، الرشد([383])... إلى آخره، وهذا يعني الحياة في الآخرة.

في الرمز الاقتصادي يكون التضادّ المقابل لتقديم الحسين للماء هو - بطبيعة الحال - فقدان الماء عند أهل الكوفة، كما ورد في القسم الأوّل، المتلازم مع الحَرّ والعطش، و(بالاستنتاج) الموت الجسدي في النهاية.

في رمز المكان، يتطابق هذا مع غياب الحسين، وفي رمز السلطة ورمز التقوى يتطابق مع انعدام الإمامة، وبالاستنتاج إلى الفرقة والانحراف عن الحقّ، والذي يؤدّي في النهاية إلى غضب الله وعقابه.

يُظهِر مشهد الحسين وهو يسقي الماء لأهل الكوفة العطاشى أنّ الحسين في موضع اقتدارٍ كبير، وأهمّية ذلك الواضحة جدّاً هي أنّه يبيّن رغبة الحسين في حفظ الحياة الماديّة لإخوانه في الدِّين، ولكنّه أيضاً كناية عن الهداية إلى الحياة الأبديّة الحقيقيّة والتي كان الحسين قادراً على تقديمها لهم، وهنا يأتي القياس التالي (اُنظر أيضاً: الجدول 4: 5):

الفعل الآخر المثير للجدل الذي ينبغي تحليله، هو ارتداء الحسين للإزار والرداء والنعلين أثناء خطبته الأُولى، والصلاة التي تلتها (3: 1). في التحليل الذي جاء في القسم الثالث فيما سبق، لقد افترضتُ أنّ هذا اللباس يحمل رسالة مزدوجة:

تقديم الماء: الحياة المادّيّة: : الهداية: الحياة الأبديّة.

الجدول 4: 5، المقام البنيوي لإعطاء الحسين الماء لأهل الكوفة



الآخرة

الموت المادّي

فقدان الماء

الدنيا

الحياة المادّيّة

امتلاك الماء

 


الوفاء بعهد الله

 


 


 


امتلاك الماء

 


 


الحسين يعطي الماء

 


 


فقدان الماء، العطش

 


النفاق

 


 


 


 


 


 


 


 


نقض عهد الله

 


عقاب الله

 


 


ملاحظة: الحقل المظلّل يشير إلى الحياة بعد الموت

أوّلاً: إنّ الحسين في إحرام، والذي يمكن الاستنتاج منه أنّه لا عنف ولا انتهاك للحرمات من جهة.

ومن جهةٍ أُخرى: إنّه يستبق الموت ومواراته الثرى كشهيد.

والفكرة الأساسيّة في هذين المفهومين هي أنّ الشخص الذي يرتدي هذا اللباس إنّما يفعل ذلك كعلامة على الطهارة الروحيّة، تلك الطهارة التي تجعله مستعدّاً للقاء الله([384]).

والشيء الذي يجلب الانتباه في هذا النصِّ هو أنّ الحسين كان مرتدياً هذا اللباس في غير محلّه المتعارف عليه في الحج أو - أقلّ تعارفاً نوعاً ما - في المعركة، وارتداؤه هذا اللباس يبيّن اعتقاده أنّ هناك استمراراً بين الحياة والموت؛ إنْ كان حيّاً أو ميتاً فهو قريب من الله، وهكذا - في معنىً ما - أن ّالتضادّ على المحور الأفقي في المخطّطات المدرجة ليس حقيقيّاً بالنسبة إليه، فقربه من الله يجعله منيعاً لا تُنتَهك حرمته حيّاً، ويفتح الطريق له إلى الجنّة ميتاً.

وكما أوردتُ أعلاه، فقد تبيّن في عدّة أماكن أنّ علاقة الحسين مع الله هي فعلٌ ناتجٌ من علاقته النسَبيّة مع النبيّ، وسيأتي بيان أهمّية لباس الحسين في المخطّط (4: 7)[385].

بالإضافة لذلك ـ وحيث إنّ الحسين يعطي الحجج في خطبه - فإنّ التحوّل بين رمز التقوى ورمز النسب يسبّب التحوّل إلى رمز السلطة؛ فبسبب قدسيّة الحسين يجب أن يُعطى السلطة السياسيّة، وهنا يكون الولاء له من أفعال التقوى.

على أيّة حالٍ، إنْ كان أهل الكوفة قد تركوا الوفاء بعهدهم وانتهى الأمر إلى مقتل الحسين، فلم يكن هذا شيئاً يَخاف منه الحسين، فإنّه سيموت شهيداً ويذهب للقاء الله.

في الفكر اللاهوتي الإسلامي، تكون العلاقات بين مفاهيم الحياة، الموت، الدنيا، والآخرة متشابكة بإحكام، يبدأ (حدّاد وسميث) بحثاً حول هذه المسألة بالقول: «في القرآن تأتي (الدنيا) و(الآخرة) بمعنى: (الآن) و(فيما بعد)، وفي تجانبهما المعنوي على وجه التخصيص بالسلبي والإيجابي»([386]).

الحياة في هذه الدنيا قد خلقها الله للجنس البشـري؛ ليحيا ويتمتّع فيها، ولهذا فهي مقدّسة وطيّبة وممتعة؛ وعلى هذا فمن واجب الإنسان أن يُظهر شكره لله وينفّذ إرادته، وبالخصوص فإنّ سلب أرواح الناس غير جائز إلّا في حالاتٍ خاصّة([387])، في هذا المعنى تكون الحياة الدنيا إيجابيّة، ولكن عند مقارنتها بالآخرة تصبح الدنيا مفهوماً معنويّاً، حيث بمقارنتها مع الآخرة تكون سلبيّةً نسبيّاً، وعندما يعطي الإنسان جلّ اهتمامه لهذه الدنيا وينسى الآخرة سيفقد التبصّر فيما هو مهمّ حقّاً وسينال عقاب الله، وفي هذا الخصوص فإنّ الدنيا هي الميدان الذي يمتحن الله فيه البشـر ويهديهم. وطالما يعيش الإنسان في هذه الدنيا، فهناك احتمال التغيّر في سيرة حياته، ولكن بعد الموت ليس هناك من شيء يمكنه تحسين سجل المرء أمام الله، «فالدنيا بذاتها لا يمكن ردّها - وثواب الآخرة لأُولئك الذين لا يغفلون عن واجباتهم في هذه الدنيا - ولكن بصيرة المرء يجب أن تتركّز على ما سيأتي»([388]).

في أحد الأمثلة القرآنيّة، تُشبَّه الحياة في الدنيا بالمطر الذي ينعش الأرض، ولكن عندما يظنّ الناس أنّ الأرض وما تعطي تحت إرادتهم وفي أيديهم، سيدمّر الله كلَّ ما ينبت فيها (القرآن، سورة يونس، الآية 24)([389]). فالحياة في هذه الدنيا سريعة الزوال، ومَن ينأى عن الصواب ويلهث وراء ملذّات الدنيا الزائلة، ستؤول حياته إلى الموت الذي لا ينتظره فيه سوى العذاب الأليم في نار جهنّم، وأمّا بالنسبة لمَن لا يعبأ بغير الآخرة، فلن يخيفه الموت بشـيءٍ؛ حيث إنّ عاقبته ستكون ثواب الله وهي الحياة الحقيقيّة.

توضّح عدة فقرات في (النصِّ المعتمد) هذه الآراء حول الحياة والموت في الدنيا والآخرة، وأوضح ما يكون ربّما جاء في القسم الثامن حيث يحاول الحُرّ تحذير الحسين من أنّه سيُقتل إنْ واصل السير لما أراد، ويجيب الحسين أنّه ليس هناك من عارٍ في الموت من أجل الإسلام، ومن الواضح جدّاً أنّ الحُرّ كان رأيه خاطئاً والحسين على صواب.

ويذهب الحسين أبعد من ذلك في خطبته في القسم السابع، حيث يتحدّث عن الدنيا الفاسدة وعن رغبته في لقاء الله؛ أي الموت المادّي، وفي هذا السياق يأتي ذكر مفهوم الشهادة على أنّه موت المؤمن الحقيقي([390])، إنّها ضدّ هذا السياق؛ حيث يجب رؤية فعل الحسين بإعطاء الماء لجيش الكوفة تماماً كما أنّ الماء المرسَل من الله - حسب المثال القرآني السالف الذكر - يعزّز الحياة الماديّة، فكذلك الماء الذي قدّمه الحسين (لأهل الكوفة)، ومثلها مثل جميع أنواع الحياة على الأرض، فإنّها حياة لن تدوم.

على أيّة حالٍ، إنّ الماء الذي وزّعه الحسين على القوم هو كنايةً عن الهداية التي كان سيقدّمها لجميع أُولئك المخلصين له، تلك الهداية التي ستجلب الحياة الأبديّة([391]).

وبنفس الصورة، فإنّ اللباس الذي كان يرتديه الحسين (في القسم الثالث) يأخذ جزءاً من أهمّيته من خلال أفكار الحياة والموت التي ناقشناها فيما سبق؛ فالطاهر روحيّاً قريب من الله، سواءً كان من الناحية المادّيّة حيّاً أم ميتاً.

سأتكلّم باختصار فقط عن آخر حدث مهم جاء في (النصِّ المعتمد)، وهو عندما أَمَّ الحسين أهل الكوفة مع أصحابه في الصلاة في ذي حُسُم (3: 3)، إذ لهذا الفعل بعدان:

الأوّل: بالصلاة معاً، حيث اعترف الفريقان المتخاصمان بأحدهما الآخر بأنّهم مسلمون.

والثاني: الذي من خلاله اعترف الجميع بالحسين إماماً، ولو بالمعنى المحدود من حيث كونه الأسمى منزلةً من الناحية الروحيّة، ولهذا يصلح أن يؤمّهم في الصلاة، مع أنّ أهل الكوفة لم يرضوا به قائداً سياسيّاً. وسأعود لهذا في بحث آخر.

الوسطّية في النصِّ المعتمد

في (النصِّ المرجعي أو المعتمد) إقناع أهل الكوفة بقبوله قائداً سياسيّاً وروحيّاً لهم، أيْ إماماً لهم (الأقسام 3: 2؛ 4: 2؛ 6)، وحجّته الأساسيّة هي أنّه كان أبرز رجلٍ من آل النبيّ، وأنّ الولاء للنبيّ محمّد تستوجب الولاء له نفسه،وهذا من أفعال التقوى التي تستوجب رضا الله وثوابه.

كما كنت قد بيّنت من قبل أنّ النصّ يسجّل ثلاثة مواقفٍ مختلفة تجاه الحسين أبداها الناس من حوله، أوضحها كان رفض جيش الكوفة له كليّاً، وكان هناك أيضاً رد فعلٍ معاكس وهو الولاء الراسخ الذي أظهره أصحابه. والموقف الثالث هو موقف الحُرّ قائد الكتيبة العسكريّة لأهل الكوفة، والذي كان متردّداً تجاه الحسين.

موقف أهل الكوفة يبدو واضحاً جدّاً في رمز المكان، حيث ورد في الرواية أنّهم سيطروا على موضعٍ مقابل الحسين (1: 4؛ 3: 1؛ 4؛ 5: 1)، وظهر كذلك من خلال صمتهم بعد خطبة الحسين الأُولى (3: 2). وبالإضافة لذلك يخبرنا النصّ أنّ نظرة الحسين تجاه أهل الكوفة بدأت تصبح متشائمة كلّما تقدّمت القصّة للأمام.

في الأقسام الأُولى يخبرنا النصّ أنّ الحسين حاول أن يُظهر نيّته الطيّبة تجاههم مع حذره واحترازه، فسقاهم الماء، وارتدى لباساً يُظهر أنّ نيّاته كانت سلميّة، وكانت خطبته الأُولى (3: 2) صريحة جدّاً معهم.

الخطبة الثانية (4: 2) كانت أكثر صراحةً من الأُولى، وفيها تلميحات إلى أنّ موقفهم السياسي له أهمّية من الناحية الدِّينيّة.

في الخطبة الثالثة (القسم السادس)، كان الحسين هجوميّاً تماماً ضدّ بني أًميّة، ووصف أهل الكوفة بأنّهم أهل غدر على حافّة اللعن، وكانت الضـربة الأخيرة ضدّ آمال الحسين بكسب ثقة أهل الكوفة (في القسم العاشر) عندما جاء الرجال الأربعة من الكوفة، وأخبروه بغدر الناس هناك.

أمّا في مقابل تقلّب أهل الكوفة كان هناك ثبات أصحاب الحسين الذين كانوا مستعدّين للتضحية بأرواحهم دفاعاً عنه، وكان هذا واضحاً في (النصِّ المعتمد) في القسمين السابع والعاشر.

ففي القسم السابع أكّد أصحاب الحسين أنّهم مستعدّون للموت من أجله (7: 2)، وفي العاشر برز ولاء سفير الحسين الثاني إلى الكوفة قيس بن مسهر، الذي قدّم حياته من أجل ولائه، في مقابل أهل الكوفة الذين اشتراهم الوالي.

والموقف الثالث تجاه الحسين كان موقف الحُرّ الذي قد عيّنه رئيس شرطة الكوفة قائداً على طليعة الجيش، وتلقّى أوامر بجلب الحسين إلى الكوفة (2؛ 4: 3؛ 5: 3)، مهما كان فإنّ الحُرّ كان كارهاً لفرض أوامره بالقوّة، واستخدام العنف ضدّ الحسين (5: 3؛ 4؛ 9: 3). وكما قدّمتُ من قبل فقد كان من الواضح أنّ الحُرّ اتّخذ هذا الموقف بسبب إجلاله لأهل البيت (5: 2).

نستطيع القول: إنّ الوسطيّة بين تضادّين يمكن أن توجد عندما يكون هناك عنصر ثالث بين أقطاب التضادّ، ذلك العنصر الذي يشترك في الميزات ذات الصلة بأقطاب التضادّ؛ والوسطيّة التي تسمح بالتحوّل بين المتضادّات تكون إيجابيّة، والتي تُبقي طرفي المتضادّات منفصلين بصورة تامّة تكون سلبيّة([392]).

وفي (النصِّ المعتمد) - كما أرى - هناك أمثلة واضحة على الوسطيّة، أحدها:

تقديم الحسين للماء (1: 4؛ 5)، حيث هناك متضادّان: الحسين ليس عطشاناً ومعه الماء، بينما أهل الكوفة عطاشى وليس معهم ماء.

عندما قدّم الحسين الماء لأهل الكوفة، فقد قلّت مؤونته من الماء وازدادت مؤونة أهل الكوفة، وعندها يمكن القول: إنّ أهل الكوفة صار عندهم ماء والحسين ليس معه ماء، وهكذا فإنّ إعطاءه الماء يشارك في خصائص المتضادّين كليهما، ويمكن القول بأنّه من أفعال الوساطة، فالغاية بألّا يبقَ أحدٌ عطشاناً قد تحقّقت هنا؛ وعليه فالوساطة هنا إيجابيّة، وهي ضمن الرمز الاقتصادي.

وكما افترضت فيما سبق، فإنّ الأهمّية الحقيقيّة لهذه الوساطة توجد في معناها المجازي والذي يظهر في رمز التقوى، وفي هذا الرمز يكون إعطاء الحسين للماء صورةً لقدرته على الهداية من الموت الروحي إلى الحياة الروحيّة؛ وفي الاصطلاحات البنيويّة، الوصل (التجسير) بين الفئات أو الأصناف، تأتي هذه الوساطة صريحةً في خطب الحسين من القسم الأوّل حتّى السادس.

وفي (النصِّ المعتمد) يتوسّط الحسين بين المتضادّات على المحور العمودي في الجدول (4: 3)، والجدول (4: 4) المتقدّمين، وعلى سبيل المثال (الانحراف/ الرشد) و(نقض العهد/الوفاء بالعهد).

كان الحسين وسيطاً؛ من حيث إنّه شارك في خصائص المتضادّين كليهما: فقد قام بعملٍ رآه علماء الكلام المسلمون بأنّه مشْكِلٌ جدّاً؛ حيث إنّه حرّض على الثورة، ولكنّه أيضاً يمتلك علاقةً خاصّة مع الله بفضل كونه سبط النبيّ؛ وبهذا فهو يشارك في الخير والشرِّ، وهو أهلٌ لأن يتوسّط بين النقيضين، بالإضافة إلى ذلك يجعل الحسين الانتقال من الفئة السلبيّة: (الانحراف، ونقض العهد مع الله، والموت الروحي، و...) إلى الفئة الإيجابيّة كـ (الرشد، الوفاء بالعهد، الحياة الروحيّة) أمراً ممكناً من خلال هدايته. وهكذا تظهر وساطته إيجابيّة بكلِّ وضوحٍ في هذا المجال.

ولكنّ الحسين - كما أرى - مثال نموذجي للوسيط حيث يكون التقسيم الثنائي بين الوساطة الإيجابيّة والسلبيّة غير قابلٍ للتطبيق، فعند الملاحظة من منظارٍ واحد يكون دور الحسين في الوساطة إيجابيّاً، أي يجعل الفئات معاً أو يسمح بالانتقال فيما بينها، ومن منظارٍ آخر يكون سلبيّاً حيث يُبقي أقطاب التضادّ منفصلة عن بعضها، ولا يأتي الاعتراض بأنّ جلب أقطاب التضادّ معاً بعيد عن شخص الحسين، بل بالعكس، فقد علمنا أنّه أجبر الناس على الاختيار بين الرضا به أو رفضه كإمامٍ ديني وسياسي، وهنا يكون الاختيار بين الحياة الأبديّة أو الموت الأبدي، وقد بقي التصنيفان منفصلين عن بعضهما تماماً، إلّا في الحسين نفسه.

ما وراء (النصّ المعتمد) المواقف تجاه الحسين

في الأبحاث القادمة أريد أن أترك (النصّ المعتمد) جانباً، وألقي نظرة دقيقة على بقيّة أحداث كربلاء في ضوء النتائج والتحليلات السابقة([393])، وسأتعقب بُنى الرموز المهمّة للنص المعتمد في بقيّة القصّة، وأستطيع القول: إنّ بعضها ـ على الأقلّ ـ ستتكرّر على نطاقٍ واسع، ومن أجل تسهيل البحث عن تلك البُنى، سأتحرّى النصَّ من خلال ثلاث رؤى مختلفة توجد فيه، وهي:

الأُولى: المواقف تجاه الحسين لدى الناس من حوله.

الثانية: صورة الحسين المنقولة في القصّة.

الثالثة: الماء والدم.

مع أنّني أدرك أنّ هناك رؤى أُخرى يمكن اختيارها، ولكنّني على ثقة أنّ هذه الثلاث ستفي بالميزات المهمّة للقصّة. وتتشابك هذه الرؤى ممّا سيؤدي إلى ظهور بعض المكرّرات، ولكنّني سأحاول أن أجعلها قليلة ومختصـرة حدّ الإمكان.

في البحث السابق رأينا أنّ المواقف تجاه الحسين لدى الناس من حوله ذات موضوع مهمّ في (النصّ المعتمد)، والشيء نفسه يجب أن يُقال حول القصّة على نطاقٍ واسع، غير أنّه بسبب اختصار (النصّ) فقد ظهرت المواقف ساكنة تماماً: الرفض، والولاء، والريبة، ولكن القصة عندما تُقرأ برمّتها يصبح من الواضح أنّ المشاعر تجاه الحسين تتغيّر مع مرور الوقت.

هنا، يمكن ترتيب خصوم الحسين في فئتين: أُولئك الذين دعوه إلى الكوفة وبعد ذلك غدروا به وتركوه بغير عون، بل اصطفوا للقتال ضدّه؛ و(أعداء الشيعة المعلَنين، وموظفي الحكم الأُموي ومؤيّديه)([394])، ومن أوضح الأمثلة على تغيّر المواقف هو المجموعة الأُولى، أُولئك الذين دعوا الحسين ليأتي إلى الكوفة، ويقودهم في ثورةٍ ضدّ واليها، ولكنّهم ـ وبسبب ضغوط السلطة ـ نكصوا على أعقابهم تماماً، بل إنّ بعض وجهاء القبائل الذين وقّعوا رسائل الدعوة بأنفسهم التحقوا بأعداء الحسين فيما بعد([395]).

إنّ غَدْر هؤلاء الأشخاص كان من أبرز التحوّلات والمواقف المشينة بكلِّ ما للكلمة من معنى، فقد رأينا في (النصّ المعتمد) كيف نبّههم الحسين، ولكن فيما قبْل (النصّ) هناك تلميحات كثيرة إلى عدم جدارة أهل الكوفة بالثقة، وعدم إمكان الاعتماد عليهم، وقد تمّ تحذير الحسين من أن يضع حياته في أيديهم([396]).

وهكذا في النصف الثاني من القصّة حيث يَتّهم الحسينُ وأصحابه أهلَ الكوفة مباشرةً بالغدر، ويحذّرونهم من العقاب الإلهي الذي سيستوجبه فعلهم([397])، وعلى الرغم من ذلك لم يتُب أحدٌ من أهل الغدر ويلتحق بالحسين للقتال معه(*).

إنّ ترك (الطبري) تلك الاتّهامات من غير جواب (ماعدا جواباً أو جوابين من أهل الكوفة قبل أن تبدأ المعركة بقليل)، ولم يقدّم أحاديث تعارضها لَدليلٌ واضح على أنّه يؤيّدها، وفي الحقيقة لم يكن هناك شيء إيجابي يُقال عن أهل الكوفة الذين غدروا بالحسين.

أمّا أهل المجموعة الثانية ـ عمّال الحكم الأُموي ـ فهناك فرق في حيث وصف اثنان من الشخصيّات الأساسيّة في هذه المجموعةـ وهما: الوالي عبيدالله بن زياد، ومستشاره شمر بن ذي الجوشن ـ بشيءٍ قليل من الإيجابيّة، إنْ لم نقل لا شيء؛ إذ يوصف ابن زياد بأنّه قائد عديم الرحمة مستعدٌّ لفعل أيِّ شيءٍ من أجل فرض إرادته على أهل الكوفة وعلى الحسين، أصله المبهَم غالباً ما يُشار إليه في مقابل ذلك النسب السامي للحسين([399])، وبجانب ذلك تُنسب إليه المسؤوليّة الأُولى في قتل الحسين.

 أمّا من الجانب الديني فيُوصف على الأقل أنّه كان يؤدّي فرائضه الدِّينيّة، وإنْ لم يكن تقيّاً، وفي الحقيقة الخطأ الوحيد الذي يمكن أن يُنسب إليه على وجه اليقين هو عجزه عن إدراك حرمة آل النبيّ، وواحدة من شناعاته هي اتّهامه بنكته ثغر الحسين بقضيبه([400])، وفي مناسبةٍ أُخرى قال عن الحسين أمام الملأ: «الكذّاب ابن الكذّاب...»؛ وبهذا قد سبّ الحسين وأباه عليّاً([401])، وإنّ موقفه تجاه أهل البيت كان خطأً كبيراً جداً، وستكون لي فرصة للعودة إليه([402]).

أمّا صورة شمر بن ذي الجوشن، فقد رُسمت من غير أيِّ تلطيفٍ لصفاته، فإلى جانب قساوته وبغضه للحسين، فقد وُصف بأنّه كان فاسداً في دينه([403])، وهو الذي أقنع ابن زياد بمواصلة القتال ضدّ الحسين، مع أنّ هناك تسوية للصلح كانت في متناول اليد([404])، وفي معركة كربلاء أُعطي القيادة على ميسـرة جيش الكوفة، ولكنّ وحشيته المفرطة ضدّ النساء والأطفال في مخيّم الحسين جعلت حتّى من كان تحت إمرته يزدري به([405]). ومع أنّ الحسين لم يُقتَل على يديه(*)، إلّا أنّه قاد الحملة الأخيرة ضدّه وحرّض الجنود على قتله([406]).

أمّا الخليفة يزيد، فقد رُسِمت شخصيّته بطريقة متضاربة كثيراً، في أخبارٍ كثيرة يناقض أحدها الآخر. فمن جهةٍ أنّه اتّخذ موقفاً صارماً من الحسين الذي رفض مبايعته، حيث إنّه عندما رأى والي الكوفة النعمان بن بشير ليّناً مع أُولئك الذين كان لهم هوىً علوي، عزله واستخلفه بابن زياد العنيد الذي أُطلِقت يداه لإسكات الكوفة([407]).

وبعد المعركة، وعندما عادت الأضواء على يزيد مرّةً أُخرى، جاءت أخبار كثيرة تقول: إنّ يزيد اعتبر الحسين نفسه المسؤول عن مقتله([408])، ففي أحد الأخبار حاجج يزيدٌ دفاعاً عن نفسه بما يلي([409]):

«أتدري بِمَ كان الحسين مخطئاً؟! كان يقول دائماً: أبي عليٌّ خيرٌ من أبيه (معاوية)، وأُمّي فاطمة خيرٌ من أُمّه، وجدّي رسول الله خيرٌ من جدّه، وأنا خيرٌ منه وأنا أحقّ بهذا الأمر منه... فأمّا قوله: إنّ جدّه خيرٌ من جدي، فلعمري، لا أحد يؤمن بالله واليوم الآخر يرى لرسول الله عِدلاً أو نِدّاً فينا، ولكنّه أخطأ لقصور فهمه، فهو لم يقرأ: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)»([410]).

المسألة في احتجاج يزيد هي: إنّ النسب ليس حجّة في صالح أيِّ مقامٍ سياسي، فإنّ الله يؤتي الملك لمَن يشاء، وينزع الملك ممَّن يشاء، فالتقوى تتضمّن إجلال النبيّ وليس من الضرورة الإقرار بحقِّ آله في الحكم السياسي، والتقوى من وجهة النظر الأُمويّة تتضمّن أيضاً الرضا بالحاكم الذي أعطاه الله الحكم.

إذن، بالنسبة ليزيد والموالين له، ليس هناك ارتباط بين رمز النسب من جهة ورمز التقوى ورمز السلطة من جهةٍ أُخرى؛ وبهذا يكون القياس المطروح أعلاه كما يلي:

ولاء المؤمنين: سلطة أهل البيت: : ولاء أهل البيت: سموّ الله.

والذي هو الأساس في احتجاج الحسين، ولكن لا يؤمن به بنو أُميّة ولا أنصارهم.

ومن الجهة الأُخرى تقول الأخبار: إنّ يزيد نعى قتل الحسين، فقد ورد في أحد الأخبار أنّ رسول ابن زياد جاء بخبر المعركة مع رأس الحسين إلى يزيد، ويمضي الخبر هكذا: «فدمعت عينُ يزيد وقال: قد كنتُ أرضى من طاعتِكم بدونِ قتلِ الحسين، لعنَ الله ابنَ سميّة، أما والله لو أنّي صاحبُه لعفوتُ عنه، فرحِمَ الله الحسين»([411]).

هذه العبارة وعبارات مشابهة أُخرى تدعم الرأي الذي يقول: إنّ الحسين كان سيُترَك حُرّاً، أو يُترك حُرّاً على الأقل لو كان قد سُمِح له بإعطاء البيعة مباشرةً للخليفة وليس للوالي، وهي التسوية التي كان الحسين قد اقترحها قبل المعركة([412])(*).

وكذلك عامَلَ يزيد مَن بقي حيّاً من أهل الحسين معاملةً حسنة، على الرغم من بعض المنازعات المؤكّدة([413])، فقد أعاد لهم ما سُلِبَ منهم، وزوّدهم بما يحتاجونه قبل إعادتهم إلى المدينة.

لقد صوّر (الطبري) يزيد في عدة مواضع بأنّه ذلك الحاكم الذي اتّخذ خطوات مناسِبة ضدّ أحد رعاياه المتمرّدين الذي كان - رغم ذلك - يحبّه ويجلّه، غير أنّه ظهر تناقض يزيد تجاه مقتل الحسين في بيت من الشعر أنشده عندما جاءه خبر مقتل الحسين، حيث ورد هذا الشعر بما لايقلّ عن أربعة أخبار مختلفة خلال القصّة:

 

نفلِّق هاماً من رجالٍ أعزةٍ
علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما([414]).

 

هناك لمحة من الدهاء في النصِّ، والتي تجعلني أعتقد أنّ نظرة (الطبري) حول (يزيد) لم تكن محايدة؛ ففي مناسبتين، ذكرت الأخبار عن يزيد أنّه أهان رأس (الحسين) بعصاه كما فعل (ابن زياد) تماماً([415]).

الترتيب (الصحفي)لهذه الأخبار يُظهِر أنّ الطبري كان يعتبرها مهمّة، وأراد أن ينقل الرسالة التي تقول: إنّ حرمة الحسين قد استخفّ بها يزيد بالرغم من الأخبار التي تحدّثت عن إظهار حزنه، وبالإضافة إلى ذلك فقد جاء في أحد الأخبار التي تتحدّث عن المعاملة الحسنة من يزيد تجاه مَن بقي حيّاً من عائلة الحسين أنّ (سكينة بنت الحسين) قالت: «ما رأيت رجلاً كافراً بالله خيراً من يزيد بن معاوية»([416]).

تأتي هذه العبارة في وسط رواية إيجابيّة ـ نوعاً ما ـ عن يزيد تجعلها مثيرة للانتباه؛ إذ كان من السهل على الطبري أن يترك هذه الرواية أو يقتطع منها كلمات سكينة، ولكنّه اختار ألّا يفعل ذلك.

ولا أُريد هنا افتراض أنّ (الطبري) يدّعي حقّاً كفر يزيد، ولكنّ الصورة غير الواقعية عن كون يزيد مسلماً ورعاً صادقاً قد كشفتها كلمات سكينة بشكل واضح.

ولهذا فإنّ نظرتي عن هذه التعابير في وصف الطبري ليزيد - وبالرغم من أنّ يزيد أبدى حزنه على مقتل الحسين - بأنّها مسحة من النفاق تبدو من خلال ترتيب الطبري لهذه الأخبار([417]).

كان من السهل على يزيد أن يكون محسناً مع عائلة الحسين بعد ما أصبح المُطالِبُ بالخلافة في حيز العدم.

على أيّة حالٍ، لم يضع الطبري الوضع السياسي ليزيد محلّ استفهامٍ أبداً، فقد كان صامتاً بالنسبة لهذا الأمر بصورةٍ لافتة.

أمّا أنا، فقد أوّلت كلام الطبري على أنه يعتبر يزيداً حاكماً شرعيّاً، ولو لم يكن حاكماً صالحاً.

أمّا بالنسبة لمجموعة عمّال بني أُميّة، فيجب الحساب لاثنين من القادة المُعَدّين للطوارئ، والذين أُرسِلا لاعتراض الحسين، وهم الحُرّ بن يزيد وعمر بن سعد، وكلٌّ منهما كان متردّداً في الخروج ضدّ الحسين، وقد ناقشنا كراهة الحُرّ لذلك من قبل. وأمّا عمر فكان قد تسلّم للتوّ منصباً ليصبح والياً على الريّ، عندما أمره عبيدالله بن زياد ـ والي الكوفة ـ بقيادة الجيش ضدّ الحسين، وعندما تردّد في ذلك هدّده عبيدالله بعدم تسليمه ذلك المنصب، وعندها قرّر عمر إطاعة الأمر والخروج ضدّ الحسين، ومهما يكن فقد فعل ابنُ سعدٍ ذلك خلافاً لما نصحه به مَن كان حوله، فقد قال له ابن أُخته: «أنشدُك الله يا خال، أن تسيرَ إلى الحسينِ فتأثم بربّك وتقطع رحمك، فواللهِ، لئنْ تخرجَ مِن دنياك ومالِكَ وسلطانِ الأرضِ كلّها - لو كان لك ـ خيرٌ لكَ مِن أنْ تلقى الله بدمِ الحسين»([418]).

قبل المعركة كان عمر بن سعد مستعدّاً لقبول التسويّة التي عرضها عليه الحسين، ولكنّ عبيدالله ـ الذي حرّضه الشمر بن ذي الجوشن ـ رفض كلَّ تلك التسويات، وفي النهاية نفّذ عمر بن سعد أوامر الوالي، وأمَرَ جنوده بقتل الحسين، وقطع رأسه والتمثيل بجثّته، وكان ابنُ سعدٍ مغتمّاً لذلك كثيراً، فعندما أوشك أن يُجهَز عل الحسين، كانت زينب أُخت الحسين تراقبه، وقد روت فيما بعد: «فكأنّي أنظرُ إلى دموعِ عمر وهي تسيلُ على خدّيهِ ولحيتهِ، وصرفَ بوجههِ عنّي»([419])، وفي أواخر رواية الطبري أراد عمر بن سعد تبرئة نفسه من قتل الحسين، حيث حاول أن يُثبت أنّه إنّما فعل ما فعل تبعاً لأوامر ابن زياد([420]).

وعلى العكس من ذلك أدرك الحُرّ عظمة الموقف من أجل دينه وأُخراه، فعندما أوشكت الحرب أن تبدأ اعتزل جيش الكوفة والتحق بالحسين. يروى أنّه أخذ يتحرّك قليلاً قليلاً؛ ليصل إلى موضع يستطيع فيه العدْوَ بجواده نحو مخيّم الحسين، سأله رجلٌ لمّا ارتاب من تقلّب أحواله، فأجاب الحُرّ: «إنّي والله، أُخيّرُ نفسي بينَ الجَنّةِ والنار، وواللهِ، لا أختارُ على الجنّةِ شيئاً ولو قُطّعتُ وحُرّقت»([421]). وعندما وصل الحُرّ إلى الحسين، قال له الحسين: «أنتَ الحُرُّ كما سمّتْك أمُّك، أنتَ الحُرُّ إن شاءَ اللهُ في الدنيا والآخرة»([422]).

وهذه هي الحادثة الثانية في القصّة قد استُخدمت فيها التورية حول اسم الحُرّ، في (النصِّ المعتمد) (القسم الأوّل)، وُضعَ اسمُ الحُرّ وكلمة الحَرّ جنباً إلى جنب، فهناك ارتبط اسم الحُرّ بالموت الذي يمثّله الحَرّ والعطش، وفي الحالة الثانية، استُعمل المعنى الحرفي لاسم الحُرّ، وبهذا تمّ تصوير الحُرّ على أنّه الانتقال من حَرّ الموت إلى حُرّية الحياة مع الله في الآخرة([423])، ويمكن بيان هذا الانتقال من خلال المخطّط التالي:

الحُرّ ΞحَرّΞموت                  الحُرّ Ξحُرّيّة Ξ حياة

وخلاصة القول: إنّ العاقبة غير سارّةٍ لخصوم الحسين الذين لم يتوبوا، ويختتم الطبري الفصل الرئيسي في روايته بخبرين حول الصوت الغريب الذي يُسمَع في المدينة منشداً أبياتاً من الشعر تقول:

أيّها القاتلونَ جهلاً حسينا
كلُّ أهلِ السماءِ يدعو عليكم
قد لُعِنتم على لسانِ (ابن) داود
أبشـروا بالعذابِ والتنكيلِ
من نبيٍّ ومرسَلٍ وقبيلِ
وموسى وصاحبِ الإنجيلِ

وبإعادة ترتيب الرواية، ووضع هذه الأخبار في نهاية أحد الفصول المهمّة، يكون الطبري قد أضفى عليها أهمّيةً كبيرة.

وتجدُر الإشارة إلى أنّه ما كانت هذه الأخبار ستكون ضروريّةً إنْ كان الغرض الوحيد للقصّة هو الإخبار عن حادثةٍ تاريخيّةٍ ما، ولكنّ غرض الطبري كان معنويّاً، وهذا الخبر جنباً إلى جنب مع الخبر الأخير في القصّة - والذي سأعود إليه لاحقاً - مدعوماً بالبنية ككلٍّ يظهر لنا كثيراً من آرائه الشخصيّة حول المسألة، وهي: أنّ أُولئك الذين اشتركوا في قتل الحسين قد ارتكبوا جريمةً ضدّ الله وسيلقون العقاب عليها، أمّا الآن فليس هناك شيء خاصّ حول هذا، فالرأي الذي يرى أنّ قتل الحسين ـ وهو سبط الرسول ـ كان فاجعةً وإثماً في حقّ الله، كان مُجمَعاً عليه بين مؤرّخي الإسلام الأوائل([424])، وحيث إنّ الآراء تختلف، فقد فعلوا ذلك أساساً لبيان من هو الذي يستحقّ اللوم على ذلك.

لقد كان الطبري شديد الحرص في حكمه، ولكن - كما افترضتُ من قبل - من المحتمل أنّه بيّن ميوله في هذه المسألة من خلال كتابه الذي تصرّف في ترتيبه.

وفي المقارنة مع خصوم الحسين، وخصوصاً أهل الكوفة مع تقلّب مواقفهم نحوه، هناك أنصاره الذين ثبتوا معه، فقد كان في هذه المجموعة أهل بيته وأنصاره الذين تبعوه من مكّة، وبعض الذين التحقوا به في الطريق (وأبرزهم زهير بن القين الذي مرّ بتحوّلٍ حَواريٍّ في لقائه مع الحسين)، وبعض الذين تركوا الكوفة ليلتحقوا به([425]).

ومن الذين تركوا الكوفة كان أُولئك الرجال الأربعة الذين التحقوا به كما في (النصّ المعتمد)(9: 2)، مع أسماء قِلّة من الرجال الذين التحقوا بمسلم بن عقيل في الكوفة، ومن ثَّ قاتلوا مع الحسين في أرض المعركة، وإنْ لم يُذكر شيء عن زمان التحاقهم به([426])، ولا تختلف صورة أنصار الحسين كثيراً عن تلك التي جاءت في (النصِّ المعتمد)؛ فقد وُصفوا عموماً بالولاء للحسين ورسالته حتّى الموت، وبالشجاعة والتقوى، وبأنّهم موعودون بالجنّة بعد الموت([427]).

ومن خلال هذا التقييم للخصائص الأساسيّة في القصّة يمكن تمييز ثلاثة مواقف ـ على الأقل ـ تجاه الحسين: موقف الأكثريّة من أتباع بني أُميّة وهو على درجاتٍ مختلفة سلبيّاً إمّا تجاه الحسين وإمّا تجاه رسالته، وموقف أنصاره وهو غاية الولاء المطلق، وأخيراً مواقف أهل الكوفة، وزهير بن القين والقائدَيْن (في جيش الكوفة) التي تغيّرت إلى هذه الجهة أو تلك أثناء القصّة، وقبل النظر في الأفكار البنيويّة لهذه المواقف، عليَّ أن أُناقش اثنين من خصائص شخصية الحسين ودوره في القصّة:

[الخصيصة الأُولى](*): ما وراء (النصّ المعتمد): صورة الحسين ودوره

في البحث السابق تعاملت مع الأشخاص الذين كانوا حول الحسين، وممّا لا شكّ فيه أنّ الشخصيّة المركزيّة في القصّة هو الحسين نفسه، لقد قمت بتحليل دور الحسين في (النصِّ المعتمد)، ولكن في بقيّة القصّة يأتي مقامه الخاصّ ودوره بتفصيلٍ أوسع بمرات.

في الجزء الذي يسبق النص المعتمد، اعتُبر الحسينُ شخصيّةً سياسيّةً بارزة، فقد كان الخليفة الجديد متلهّفاً لأخذ البيعة منه، ومن جهةٍ أُخرى كان المنافس الحقيقي الوحيد للحسين على السلطة السياسيّة. وعبدالله بن الزبير قد أدرك أنّه ما دام الحسين موجوداً فلن يستطيع هو الحصول على السيادة السياسيّة لنفسه أبداً([428]).

وكما في (النصِّ المعتمد)، فإنّ دعوى الحسين للسيادة السياسيّة مبنيّة على أساس سمو نسبه وفضائله الدينيّة، والعلاقة بين رمز السلطة ورمز التقوى ورمز النسب توجد في أماكن عديدة، ولكنّها تظهر بصورةٍ واضحةٍ أكثر من أيِّ مكانٍ آخر، من خلال الرسائل المتبادلة بين الحسين وبين أهل الكوفة والبصـرة قبل حركته نحو الكوفة. وجاء في إحدى الرسائل التي بعثها إليه أهل الكوفة يدعونه فيها للقدوم إليهم مايلي: «إنّهُ ليسَ علينا إمامٌ فأَقبِلْ لعلَّ الله أنْ يجمعَنا بكَ على الحقّ»([429]). وفي ردّه عليهم كتب الحسين: «...ومقالة جُلّكم إنّهُ ليسَ علينا إمامٌ فأقبِلْ لعلّ الله أن يجمعَنا بكَ على الهدى والحقّ...»([430]). وعندما جاءت الإشارة إلى نفس الرسالة في خطبة الحسين في ذي حُسُم ((النصّ المعتمد) القسم (3: 2))، وردت كلمة (الهدى) فقط.

واستعمال هذه الكلمات يُذَكّر بالأمثلة الكثيرة في القرآن، حيث استُخدم هذان المفهومان منفصلين عن بعضهما أو معاً كما في الآيات الثلاث التي تتحدّث عن إرسال الله للرسول (محمّد): (بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ)([431]) في القرآن، وفي تفسير الطبري تشير كلمة (الهدى) عادةً إلى الوحي الإلهي، وغالباً ما تأتي مرادفةً للقرآن([432]).

وهنا يُشار إلى الهدى، الذي يذهب إلى ما وراء القرآن، غير أنّه بالتأكيد ليس ضدّه، كما جاء في العبارات الأخيرة من رسالة أهل الكوفة، حيث يُنعَت الحسين بأنّه الإمام الذي يهدي، كما بيّنّا في التحليل الوارد في القسم الثالث، فنادراً ما يكون في هذا إشارةً إلى فكرة الشيعة حول الإمام المعصوم وهدايته المبنية على أساس العلم اللدُني، بل يجب أن تُفهم عموماً بأنّها الهداية التي يمكن أن يعطيها الإمام بعنوانه الفقيه الأعلم، تلك الهداية التي تؤدّي إلى الحقّ، وهذه الكلمة تأتي غالباً لتكون مرادفةً للإسلام([433]).

وفي عباراته الأخيرة من رسالته إلى أهل الكوفة، يذكر الحسين واجبات الإمام قائلاً: «فلعمري، ما الإمام إلاّ العاملُ بالكتابِ، والآخذُ بالقسطِ، والدائنُ بالحقِّ، والحابسُ نفسَهُ على ذاتِ الله» ([434])، وتشيرهذه العبارة ضمنيّاً إلى عجز السلطة القائمة عن تحقيق المتطلّبات الأساسيّة للحكومة الإسلاميّة، وكذا تشير إلى قدرة الحسين على أن يأخذ على عاتقه قيادة الأُمّة.

في رسالةٍ أُخرى كتبها الحسين إلى أشراف البصرة تأتي أتمّ حجّة على حقّ الحسين في الحكم خلال القصّة بأكملها؛ لذا رأيتُ أن أستشهد بالرسالة بأكملها:

«أمّا بعد، فإنّ الله اصطفى محمّداً على خلقه، وأكرمَهُ بنبوّته، واختارَهُ لرسالتِه، ثمّ قبضَهُ الله إليه، وقد نصحَ لعبادِهِ وبلّغَ ما أُرسِلَ بهِ، وكنّا أهلَه وأولياءَه وأوصياءَه وورثتَه، وأحقَّ الناسِ بمقامِه في الناسِ، فاستأثرَ علينا قومُنا بذلك، فرَضِينا وكرِهنا الفرقةَ، وأحببنا العافيةَ، ونحنُ نعلمُ أنّا أحقُّ بذلكَ الحقّ المستحقّ علينا ممَّن تولاّه، وقد أحسنوا وأصلحوا وتحرّوا الحقّ، فّرَحِمَهم الله وغفرَ لنا ولهم، وقد بعثتُ رسولي إليكم بهذا الكتابِ، وأنا أدعوكُم إلى كتابِ الله وسُنّةِ نبيّهِ، فإنّ السُنّةّ قد أُميتت وإنّ البِدعةَ قد أُحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدِكُم سبيلَ الرشادِ، والسلامُ عليكم ورحمة الله»([435]).

في هذه الرسالة يوجد نفس البنية للهداية الإلهيّة التي تمّ تعريفها في (النصِّ المعتمد)وهو التالي: (الله)، (محمّد)، (الحسين)، (الناس). وهنا تأتي رموز النسب السلطة التقوى متشابكة جدّاً في علاقاتها مرّةً أُخرى.

وتمثّل هذه الرسالة محاولةً أُخرى لجعل العلاقة المجازيّة بين الرموز علاقةً كنائيّة، وهذه العلاقة الخاصّة بين الرموز، والتي تبدو لكثيرٍ من الناس بعيدة الاحتمال تصبح ممكنة.

في الجزء الذي يلي (النصّ المعتمد) من القصّة هناك صفات مشرّفة تُنسب إلى الحسين من قِبَل أصحابه وأعدائه ومن قِبَله هو نفسه. ستكفينا بعض الأمثلة القليلة على ذلك: حسب أصحابه فإنّ الله قد طهّره وهداه؛ لأنّه من أهل بيت النبيّ([436])، وإنّهم يرون ذلك واجباً تجاهه وتجاه الله، وإنّ الموت من أجله لنعمةٌ حقّاً([437])، ويُسمّى (هادياً مهديّا)([438])، وكان الأعداء يخافون قتله، حيث «كلّما انتهى إليهِ رجلٌ مِن الناسِ انصرفَ عنهَ، وكرِهَ أنْ يتولّى قتلَهُ وعظيمَ إثمهِ عليه»([439]).

وعندما يتحدّث الحسين عن نفسه، يتقصـّى نسبه وصولاً إلى النبيّ محمّد، ويستشهد بالحديث النبوي عن أخيه وعنه بأنّهما: «سيّدا شباب أهل الجنّة»([440]).

بعد (النصّ المعتمد)، هناك بعض الدعاوى الصـريحة من الحسين حول السلطة السياسيّة، ويبدو أنّه - خصوصاً عندما انقلب أهل الكوفة عليه، وكان يعوزه الأنصار لتحقيق رسالته - استخدم الاحتجاج بالنسب؛ لإثبات حرمته أكثر من حقّه في السلطة السياسيّة([441]).

في الحقيقة، إنّ فكرة حُرمة الحسين ـ بسبب نسبه مع النبيّ ـ كانت في غاية الأهمّية في القصة، وبقدر ما أتاحت لي ملاحظاتي، فإنّ كلمة (حُرمة) - والتي تتضمّن معنى القدسيّة وعدم جواز الانتهاك - قد جاءت ثلاث مرّات خلال القصّة في الإشارة إلى (أهل البيت) عموماً، وإلى الحسين خصوصاً، ومن أمثلة ذلك هو كلام الحسين في خطبته الأخيرة أمام أهل الكوفة قبل المعركة بقليل، حيث قال: «أمّا بعد، فانسبوني فانظروا مَن أنا، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يحلُّ لكم قتلي وانتهاكُ حرمتي؟! ألستُ ابن بنت نبيِّكم، وابن وصيِّه، وابنِ عمِّه، وأوّل المؤمنين بالله، والمصدِّق لرسوله بما جاءَ به من عند ربِّه؟!»([442]).

في حالات كثيرة أُخرى لم تأتِ كلمة (حرمة)، ولكنّ المعنى موجود بوضوح([443])، ويبدو أنّ اهتمام الحُرّ بالحسين كان فقط بسبب نسبه(*) (راجع تحليل القسم الخامس والثامن والتاسع من (النصّ المعتمد))، فبعد انصرافه إلى الحسين عنّف أهل الكوفة قائلاً: «...وحلأتموه ونساءَه وصبيتَه وأصحابَه عن ماءِ الفراتِ الجاري، الذي يشربُه اليهوديُّ والمجوسيُّ والنصرانيُّ، وتمرغُ فيهِ خنازيرُ السوادِ وكلابُه، وها هم أولاءِ قد صرعَهم العطشُ، بئسما خَلفتم محمّداً في ذريّتِهِ، لا سقاكُمُ الله يومَ الظمأ إنْ لم تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليهِ، من يومِكم هذا في ساعتِكم هذهِ»([444]).

وهذا مثال واحدٌ فقط من بين أمثلةٍ كثيرة في النصّ تدلُّ ضمناً على حرمة الحسين، ومن الملفت أنّ هناك عدداً من أنصار بني أُميّة أنفسهم كانوا يعتقدون بحرمة الحسين كما أورد الطبري.

فيما سبق قد ناقشت المواقف المتناقضة للخليفة يزيد بن معاوية، والقائد الأعلى لجيش الكوفة عمر بن سعد، وتلك المشاعر التي أظهرها والي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان عندما أخفق في أخذ البيعة من الحسين للخليفة الجديد([445]).

أمّا المثال الآخر، فهو ذلك المقطع من الرواية الذي يذكر أنّ الرجال في جيش الكوفة كانوا يهابون قتل الحسين عند نهاية المعركة في كربلاء، ويذكر الطبري أنّه كان هناك تأخير كثير في المعركة، حيث ينقل الخبر أنّه «مكثَ الحسينُ طويلاً من النهارِ، كلّما انتهى إليهِ رجلٌ من الناسِ انصرفَ عنهُ وكرِهَ أن يتولّى قتلَه وعظيمَ إثمِهِ عليه»([446]).

وهكذا فإنّ انتهاك حرمة الحسين يُعَدّ إثماً عظيماً في حقّ الله، وتتشكّل فكرة حرمة الحسين من خلال التقاء رمز التقوى ورمز النسب، وذلك الالتقاء الذي يبدو أنّ معظم الناس من حوله ـ الأصحاب والأعداء ـ قد أقرّوا به.

وفي مقابل جميع تلك الصفات النبيلة التي وُصف بها الحسين، فقد اعتبر هو وأصحابه أن نصرته وتقديم العون له من الواجبات([447])، وفي جميع الأمثلة كان لهذه النصرة مسحة سياسيّة؛ فنصرة الحسين تعني إعانته على تحقيق هدفه السياسي، وكما بيّنتُ فيما سبق، فإنّ هناك مدوَّنات قليلة فقط حول دعاوى سياسيّة من الحسين بعد (النصّ المعتمد) مقارنةً مع الجزء الذي يسبقه، ومن الجهة الأُخرى فإنّ التلميح إلى حرمته - بالرغم من أنّها ليست قليلة في القسم الأوّل من القصّة - يزداد في النصف الثاني من أحداث كربلاء([448]).

وفي (النصّ المعتمد) تأتي هاتان الدعوتان معاً؛ حيث إنّ واحدة من أقوى حجج الحسين حول السلطة السياسيّة سلستها التي تنطلق من الله وتنتقل عبر النبيّ محمّد إلى سبطه الحسين؛ وبهذا يأتي (النصّ) كنقطة التقاطع بين خطّين: أحدهما يمثّل الدعاوى السياسيّة، والآخر يمثّل دعاوى الحرمة، كما في المخطّط 4: 8.

 المخطّط 4: 8، توزيع الدعاوى بالسلطة السياسيّة للحسين، مع الإشارات إلى حرمته.[449]

ودعوى أنّ للحسين منزلة خاصّة في علاقته مع الله، يؤيّدها عدد من المعجزات ذكرها الطبري، فقد رأى الحسين التنبؤ بموته في المنام مرّتين: في الأُولى يرى رجلاً على جوادٍ ينعى له نفسه، وفي الثانية يقول له النبيّ: «إنّك قادمٌ إلينا»([450]). ومع أنّ هذا ليس غريباً جدّاً، إلّا أنّ الرؤيا التي يظهر فيها النبيّ يجب أن تُعتبر نعمةً خاصّة، تُمنح فقط لأُولئك الذين هم في أعلى درجات التقوى.

وأمّا الأمثلة الثلاثة التي يلعن فيها الحسين جيش العدو، فهي أكثر أهمّيةً ممّا سواها، ففي الحالة الأُولى يهزأ أحد الرجال بالحسين؛ لعدم استطاعته جلب الماء، وفي الحالة الأخيرة يمنعه رجلٌ آخر عندما يحاول الوصول إلى النهر لجلب الماء.

في الحالتين؛ يلعن الحسين الرجلين، وبالنتيجة يصيبهما الله بظمأٍ لا يُصبَر عليه إلى آخر ما بقي من حياتهما([451]).

في الحالة الثانية يستهزأ أحدهم بالحسين بأنّه سيذهب إلى جهنّم، عندها يلعنه الحسين فسقط الرجل من على فرسه، ويبقى معلّقاً من إحدى قدميه في الركاب.

في إحدى نسخ هذه القصّة، يقول الطبري: «...ونفرَ الفرسُ، فأخذ يمرُّ بهِ فيضرب برأسِه كلَّ حجرٍ وكلَّ شجرةٍ حتى مات»([452]). ومسألة نقل الطبري هذه الأخبار - حيث ذكر الخبر الأخير في ثلاث روايات مختلفة - فيها دلالةٌ على اعتقاده أنّ الحسين كان شخصيّةً استثنائيّةً إلى حدٍّ بعيد، وسأعود إلى هذه المسألة في بحثٍ لاحق.

كما أشرت من قبل، فإنّ مسألة انقسام أُمّة المسلمين تبدو من كبرى القضايا التي تناولها المؤرِّخون المسلمون الأوائل، ولعلّها المسألة التي أطلقت العنان لكتابة التاريخ الإسلامي، وهي أيضاً من القضايا الأساسيّة التي تعامل معها الطبري في روايته لأحداث كربلاء، فإنّ المعضلة التي كان على المؤرِّخين التعامل معها عند التأمّل في أحداث كربلاء هي أنّ سبط النبيّ محمّد الذي يتصف بجميع الصفات السامية هو الذي من أجله انقسمت الأُمّة ـ بحسب إحدى وجهات النظر ـ فهو الشخص الذي (سبّب) الفرقة بثورته ضدّ الحكم القائم، «وإن كان ذلك الحكمـ ربّما ـ غير شرعي» ([453]) (*).

[الخصيصة الثانية]([454]): ماوراء النص المعتمد الماء والدم

كما رأينا فيما سبق، فإنّ مفهوم الحياة ومفهوم الموت بمعنييهما المادّي والروحي كانا بمنتهى الأهمّية والحسم في (النصّ)، فقد كان الماء واحداً من الرموز المحوريّة للحياة في ذلك الجزء من القصّة، ولا يمكن لأحدٍ قد قرأ أحداث كربلاء في نسخة الطبري ـ أو أيّة نسخةٍ أُخرى ـ أن ينكرَ أنّ الماء كان واحداً من المواضيع المحوريّة طوال القصّة، وفي كلِّ مكانٍ تقريباً كانت له علاقة بالحياة والموت، والحادثة الأُولى التي أصبح فيها الماء مهمّاً هو الخبر الذي يتحدّث عن ابن عمّ الحسين ورسوله إلى الكوفة مسلم بن عقيل، الذي تاه في الصحراء في طريقه إلى الكوفة، فقد مات دليله من العطش ونجا هو بشقّ الأنفس([455])، ومن خلال هذه الحادثة تظهر العلاقة بين الماء والحياة بوضوح.

وبعد (النصّ المعتمد) مباشرةً يقول الخبر: إنّ الحُرّ تسلّم رسالةً من عبيدالله بن زياد، يأمره فيها بإيقاف الحسين في مكانٍ مكشوف، حيث لا يمكنه الدفاع عن نفسه أو الوصول إلى الماء([456]). وكانت تلك بداية اليأس للحسين وأصحابه حيث مُنع عنهم الماء، وبدأ الظمأ يأخذ منهم مأخذه حتّى نهاية المعركة.

وأحداث كثيرة وردت في بقيّة القصّة لها علاقة بالنزاع على الماء ونتائجه، ففي حادثة مشهورة أرسل الحسين مجموعةً صغيرة بقيادة أخيه العبّاس؛ لاختراق خطوط العدوّ والوصول إلى الماء لملء القِرَب، ولكنّ العدو حاول منعهم([457]). ومنعُ أهل البيت وأنصارهم من الحصول على الماء يُعدّ عملاً منكراً وفي منتهى الفظاعة.

وذكرت قبل صفحات أنّ الحسين لعن رجالاً كانوا قد سخروا منه لعدم حصوله على الماء، أو أُولئك الذين منعوه من الوصول إلى الماء، وفيما يلي واحد من تلك الأحداث:

«ونازلَه عبدُ الله بن أبي حُصين الأزدي وعداده في بجيلة فقال: يا حسين، ألا تنظر إلى الماء كأنّه كبدُ السماء؟ واللهِ لا تذوقُ منه قطرةً حتّى تموت عطشاً. فقال حسين: اللّهمّ اقتله عطشاً ولا تغفر لهُ أبداً. قال حميد بن مسلم: والله، لَعِدتُه بعدَ ذلك في مرضِه، فوالله الذي لا إلهَ إلّا هو، لقد رأيتُه يشربُ حتّى يبغر، ثمّ يقيء، ثمّ يعودُ فيشرب حتّى يبغر فما يروى، فما زالَ ذلك دأبه حتّى لفظَ غصّتَه، يعني نفسَه»([458]).

والغرض بكلِّ وضوحٍ من هذه الحادثة هو أنّ الله يتعاطف مع الحسين، ويعاقب أُولئك الذين منعوا الماء عنه، بالإضافة إلى ذلك وكما ذكرت، أنّ الحر عندما ترك أهل الكوفة والتحق بالحسين عنّفهم بشدّة ـ وقد كان واحداً منهم قبل هذا ـ بسبب منعهم الماء عن الحسين وأصحابه([459]). وزبدة كلام الحُرّ: هي أنّ فعلهم كان قبيحاً بغيضاً، فإنّ الكفّار والخنازير والكلاب تشرب من ماء ذلك النهر ويُمنع عنه أهل البيت.

منع الماء هذا واحدٌ من أفعال الحقد ويقابله ذرف الماء (الدموع) بسبب العاطفة، عند البكاء على الحسين وأصحابه الأوفياء ونهايتهم القاسية، وكنت قد ذكرت أنّه عندما سمع الحسين بنهاية مبعوثه قيس بن مسهر «ترقرقتْ عينا حسينٍ ولم يملكْ دمعَه»([460]).

وكم بكى أناسٌ كثيرون على مصير الحسين! مسلم نفسه عندما أُلقي القبض عليه بكى على الحسين وأهل بيته([461]). وعندما ترك الحسين مكّة متّجهاً إلى الكوفة، سمع أخوه محمّد بن الحنفيّة بخبر الرحيل، وهو يتوضّأ في طست. يقول الراوي: «فبكى حتّى سمعتُ وَكْفَ دموعِهِ في الطست»([462]).

وفيما بعد وأثناء المعركة بكى اثنان من أتباع الحسين الصغار؛ لأنّهما لم يستطيعا الدفاع عنه كما ينبغي([463]). وكذلك قائد جيش بني أُميّة عمر بن سعد عندما دنا مقتل الحسين بكى، حتّى أنّ الراوي كان يرى «دموعَ عمر، وهي تسيلُ على خدّيهِ ولحيتِه...»([464]). وبعد مقتله أُذرِفت دموع كثيرة عليه، حتّى من الخليفة يزيد([465]).

ما ينطبعُ في الذهن من تعاطف الله مع الحسين تُعزِّزه قصيدة عبيدالله بن الحُرّ الجعفي، والتي تستخلص القصّة بأكملها، إذ يلتاع ابن الحُرّ في هذه القصيدة بشدّة؛ لأنّه لم ينصر الحسين بن فاطمة وسبط النبيّ، ويدافع عنه أمام جيش والي الكوفة. فيما يلي بيتان من القصيدة:

سقى الله أرواحَ الذين تأزّروا وقفتُ
على نصـرهِ سقياً من الغيثِ دائمة
على أجداثِهم ومجالهم
فكادَ الحشا ينفضُّ والعينُ ســـــــــاجمة([466]).

الموازاة بين المطر والدموع في هذين البيتين واضحة، وتظهر كنايةً عامّة تقريباً: إنّ المطر هو دموع السماء. وبهذا تشير القصيدة إلى العلاقة بين الماء والدموع، وتجعلني واثقاً أنّ هذا التضادّ (منع الماء/ ذرف الماء (الدموع)) هو جزءٌ من بنية القصّة. علاوةً على ذلك ـ وحيث إنّ منع الماء هو تعبير عن الرغبة في (وهو حقّاً يفضي إلى) الموت (للآخرين) ـ فإنّ ذرف الماء (في هيأة الدموع) هو تعبير عن لوعة الموت وابتغاء الحياة (للآخرين). وهكذا يكون:

منع الماء: الموت: : ذرف الماء (الدموع): الحياة

والآن حيث إنّ منع الماء في السياق الحالي هو من أفعال الشرِّ، فإنّه ليس فقط يؤدّي إلى الموت المادّي للصالحين، بل يؤدّي إلى الموت الروحي لذلك الشخص الذي يمنع الماء، بالضبط كما أنّ ذرف الدموع يعبّر عن الرغبة في الحياة الماديّة لأُولئك الذين قُتلوا ظلماً، ويعطي الحياة الأبديّة للباكي (اُنظر: الجدول 4: 6).

الجدول 4: 6. أهميّة منع وذرف الماء

 


عاقبة المفعول به

عاقبة الفاعل

ذرف الماء

الحياة الماديّة (كرغبة)

الحياة الروحيّة

منع الماء

الموت المادي

الموت الروحي

ملاحظة: (الفاعل) هو الشخص الذي يمنع أو يذرف الماء، و(المفعول به) هو الشخص الذي يُوجَّه إليه الفعل.

وفي اثنتين من الفقرات الملفتة للانتباه ذُكِر الماء والدم جنباً إلى جنب بصورةٍ أظهرت أنّ هذين السائلين متشابكان معاً بشدّة في القصّة:

الحادثة الأُولى: كانت عندما قبض شرطة ابن زياد على مسلم بن عقيل، ففي القتال الذي سبق الأسر، جُرح مسلم بالسيف في فمه، وجُرحت شفتاه وسقط اثنان من أسنانه([467])، وعندما أُحضِر فيما بعد إلى قصر الوالي طلب الماء في أوّل الأمر امتنع الرجل عن إحضار الماء، إلّا أنّ رجلاً آخر أرسل أحد الصبية لإحضار الماء لمسلم، وعندما أراد مسلم أن يشرب سال الدم من فمه إلى القدح وتنجّس الماء، وحدث هذا مرّتين، وفي المرّة الثالثة عندما مُليء القدح بالماء وأراد مسلم أن يشرب سقطت ثنيّاته فيه، فقال مسلم: «الحمدُ لله، لو كانَ لي من الرزقِ المقسومِ شربتُه»، يعني أنّ الله لم يشأ لمسلم أن يشرب ذلك الماء([468])، وكان الحكم بالموت قد قُضي عليه مسبقاً، وصارت مسؤوليّة تنفيذه في يد الجلادين؛ وبهذا جاء سفك دمه ـ كما في الرواية ـ مع امتناع الماء([469]).

وهناك حدث آخر له نفس الدافع قرب نهاية المعركة في كربلاء، وجاء في روايتين مختلفتين، الرواية الثانية كما يلي:

«...أنّ حسيناً حينَ غلبَ على عسكرِه العطشُ، ركِبَ المسنّاةَ يريدُ الفرات. قالَ: فقالَ رجلٌ من بني أبان بن دارم: ويلكُم! حولوا بينَهُ وبينَ الماء، لا تتامّ إليه شيعتُه. قال: وضربَ فرسَه وأتبعه الناسُ حتّى حالوا بينَهُ وبينَ الفرات. فقال الحسينُ: اللّهمَّ اظمِه. قال: وينتزعُ الأباني بسهمٍ، فأثبتَه في حنكِ الحسين، قال: فانتزعَ الحسينُ السهمَ، ثمّ بسطَ كفّيهِ فامتلأتا دماً، ثمّ قال الحسينُ: اللّهُمَّ إنّي أشكو إليكَ ما يُفعلُ بابنِ بنتِ نبيّك»([470]).

الرواية الأُولى تختلف قليلاً، ولكن محاولة الحسين للحصول على الماء وإصابته بسهمٍ في فمه هي نفسها([471]).

وفي هاتين الروايتين تحوّل الماء الذي كان يلتمسه الحسين إلى دمٍ كما حدث في قصّة مسلم بن عقيل التي ذكرناها سابقاً، وفي الحالتين مع الحسين ومسلم يحدث هذا التحوّل مباشرةً قبل مقتلهما، والتشابه بين هذين الحدثين يبيّن علاقةً بنيويّة بين الدم والماء تستحقّ البحث عن كثب.

وفي تحليل موضوع الماء أعلاه، افترضت أنّ ذرف الماء (بصورة دموع) يرمز إلى الحياة، بينما منْع الماء يعني الموت. أمّا بالنسبة للدم فإنّه يرمز إلى شيءٍ آخر، حيث سفك الدم - بطبيعة الحال - هو صورة للقتل، بينما الامتناع عن سفك الدم يعني حفظ الحياة.

وهناك عدد من الفقرات في القصّة تشير إلى هذا المعنى، وربّما يكون المثال الأوّل على سفك الدم البريء - والذي هو واحد من أشهر الأحداث في واقعة كربلاء - هو قتل ولد الحسين الرضيع.

وتمضي القصّة بالقول: إنّه بعد سنين عديدة من المعركة، قال أبو جعفر - الإمام الخامس للشيعة([472]) - لرجلٍ من بني أسد أنّ قبيلته مشتركة بدم أهله. سأل الرجل: لِمَ؟ فقال أبو جعفر: «أُتيَ الحسينُ بصبيٍّ لهُ فهو في حجرِهِ إذ رماهُ أحدُكم يا بني أسد بسهمٍ فذبحهُ، فتلقّى الحسينُ دمَهُ فلمّا ملأَ كفّيهِ صبّهُ في الأرضِ، ثمّ قال: ربِّ إنْ تكُ حبستَ عنّا النصرَ من السماءِ؛ فاجعلْ ذلكَ لما هو خيرٌ، وانتقمْ لنا من هؤلاءِ الظالمين»([473]).

ولا شكّ أنّ جميع مقاتل أصحاب الحسين التي وردت في قصّة واقعة كربلاء هي أمثلة على سفك دماءٍ بريئة، وسأتكلّم كثيراً عن هذا قريباً.

وهناك عدّة مقاطع ثبت فيها أنّ الحسين وأصحابه أحجموا عن سفك الدم، ورأينا أنّ مسلم بن عقيل قد سنحت له الفرصة ذات مَرّة أن يقتل والي الكوفة ابن زياد خلسةً، ولكنّه امتنع عن فعل ذلك، حدث هذا عندما مرض أحد الوجهاء ـ وهو شريك بن الأعور ـ في بيت هانئ بن عروة (حيث كان يقيم مسلم)، جاء عبيدالله بن زياد لعيادة شريك، حيث كان يُجلُّه كثيراً، (مع أنّ هوى شريك كان مع أهل بيت النبيّ وسبيلهم)، وكان شريك ومسلم قد اتّفقا على أن يختبئ مسلم ويثب على الوالي ابن زياد ليقتله، بعد أن يجلس عند فراش شريك، ولكن مسلم في مخبئه عندما جاء ابن زياد: «...خشـيَ [شريك] أن يفوتَهُ [ابن زياد] فأخذَ يقول: ما تنتظرون بسلمى أن تحيّوها؟! اسقنيها وإنْ كانت فيها نفسي. فقال ذلك مرّتين أو ثلاثاً...ثمّ إنّه [ابن زياد] قامَ فانصرفَ، فخرجَ مسلمٌ فقالَ له شريك: ما منَعَك من قتلِه؟ فقال: خصلتان، أمّا إحداهُما فكراهةُ هانئ أن يُقتل في دارِهِ، وأمّا الأُخرى فحديثٌ حدّثه الناسُ عن النبيّ ’: إنّ الإيمانَ قيدُ الفتكِ، ولا يفتكُ مؤمن. فقالَ هانئ: أما واللهِ، لو قتلتَه لقتلتَ فاسقاً فاجراً كافراً غادراً، ولكنْ كرهتُ أنْ يُقتَلَ في داري»([474]).

وهكذا، بالنسبة لمسلم فإنّ عفّة النفس خيرٌ بكثير من الكسب القصير الأمد بقتل شرّ أعدائه، فلو كان قد اختار الخيار الآخر، لكان من المحتمل أن ينقذ حياة هانئ وحياته هو، وفي آخر الأمر حياة الحسين، ولكن ذلك كان سيكون عملاً آثماً بعيداً عن العدالة وطهارة النفس، التي تليق بالمؤمن القويم.

واختيار مسلم الصحيح هذا قد أكّده الحسين فيما بعد بصورة غير مباشرة، حيث فعل الفعل نفسه.

ويروي الطبري حادثةً وقعت قبل بدء المعركة بلحظات، فقد أمكنت الفرصة أحد أصحاب الحسين من قتل الآثم شمر بن ذي الجوشن فاستأذن الحسين لأجل ذلك، ولكنّ الحسين لم يأذن له، حيث كان يكره أن يكون البادئ بالقتال([475]).

وكانت مواقف مسلم والحسين محاولةً لتجنّب سفك دماء المسلمين ولحفظ حياتهم، وإنْ كانوا أشدّ الناس فسقاً. ومن الواضح أنّ الذنب في بدء القتال يقع على جيش الكوفة، فعندما استنفدت كلُّ الطرق لحلّ النزاع، وأرغمَ الشمرُ عمرَ بن سعد على بدء القتال، رمى ابن سعد - وكان القائد على الجيش - سهماً نحو مخيّم الحسين منادياً بأعلى صوته: «اشهدوا أنّي أوّلُ مَن رمى»، وبهذا بدأت المعركة رسميّاً([476]).

وعندما بدأ أهل الكوفة القتال، كان قتال الحسين وأصحابه دفاعاً عن النفس ولا يتحمّلون أيَّ ذنبٍ في ذلك، ومن الملفت أنّه في كلِّ مرّةٍ جاء ذكر الدم في القصّة - مع استثناءٍ واحد ممكن فقط ـ قصد به دم الحسين وأنصاره، مع أنّ كثيراً من الأعداء قد قُتلوا في المعركة، إلّا أنّ شيئاً لم يُذكر عن دمهم([477]). ويبيّن هذا - كما أعتقد - أنّه وإنْ كان جماعة الحسين قد قَتَلوا من الطرف الآخر، إلّا أنّهم لم يُطلقوا العنان لأنفسهم في سفك دمٍ حرام.

والمشهد الإجمالي إذن هو: إنّ الحسين وأصحابه عدول، وقد حفظوا كمالهم كمسلمين خُلَّص؛ بامتناعهم عن سفك الدم ظلماً وجوراً.

وأمّا في الجهة الأُخرى، فإنّ أتباع بني أُميّة وأهل الكوفة قد سفكوا الدم الحرام([478]). وبعبارةٍ أُخرى: فإنّ الحسين قد صان الدم، ولكنّ بني أُميّة وأهل الكوفة قد سفكوه.

وهكذا تكون العلاقة بين الدم والماء وظيفةً لكيفيّة توزيعهما، فإنّ الحياة يسبّبها إفاضة الماء وصيانة الدم، بينما الموت على العكس من ذلك، يسبّبه منع الماء وسفك الدم؛ وبهذا يمكن القول: إنّ الرمز الاقتصادي هنا يعمل على مستويين، فالكيفيّة التي يتمّ فيها توزيع الماء والدم ترتبط بـ(توزيع) الحياة والموت.

الحسين وسيطاً

لقد افترضت فيما سبق أنّ تقديم الحسين للماء في (النصِّ المعتمد) كان عملاً يتوسّط بين الحياة والموت في معناهما المادّي؛ وبهذا يكون كنايةً عن الوساطة بين الحياة الروحيّة والموت الروحي، ولتوسيع هذا النقاش أكثر نقول: إنّ (إعطاءه) الماء يتوسط بين الموت الذي يسببه منع الماء والحياة التي يسبّبها (سكب) الماء. ويشترك إعطاء الماء في العنصرين المتضادّين للحياة والموت، فقد عالج حقّاً عطش أهل الكوفة وقادهم من الموت إلى الحياة، وبإعطاء الحسين بعضاً من الماء الذي كان معه يكون قد فقدَ بعضاً من مؤونته العزيزة جدّاً، وبما أنّ الماء يندر في الصحراء، فقد أوشك الحسين بنفسه على الموت، ويظهر النموذج نفسه إنْ أُخذ فعل (إعطاء الماء) على أنّه كناية عن الهداية، وبتقديم الهداية قدّم الحسين الحياة (الروحيّة) لأهل الكوفة، ولكنّه في الوقت نفسه تحدّى السلطات السياسيّة التي سبّبت موته (المادّي).

وعندما يأتي الأمر إلى الدم يكون التضادّ متماثلاً ولكنّه معكوس؛ حيث إنّ صيانته تحفظ الحياة وإراقته تسبب الموت، ولكن هل هناك عنصر وسيط يتوافق مع ما يخصّ إعطاء الماء؟ أنا أعتقد أنّه يوجد، ومن أجل الاحتجاج سأقوم بانعطافة قصيرة. يقول (بوز شوشان) (Shoshan) في هذه القصّة: إنّ هناك شدٌّ واضح بين الفعل البشري والقضاء الإلهي، بين المسؤوليّة الشخصيّة وتقدير الله للأحداث([479])؛ لذا - على سبيل المثال - فإنّ رحلة الحسين نحو الهلاك(*) كانت على الأغلب محتومةً ولا يمكن اجتنابها، فلقد أُشير على الحسين في بعض الأحيان بالعودة، ولكنّه رفض قائلاً: إنّ الله قد قضى وقدّر ذلك الطريق له([480])، وفي أحيانٍ أخرى ذُكِرَ أنّ القرار بالخروج كان قراره هو([481])، وعندما التقى بكتيبة أهل الكوفة بقيادة الحُرّ عرض على أهل الكوفة خيار العودة إلى الحجاز إنْ لم يكونوا يريدونه إماماً عليهم([482])، (النصّ المعتمد، القسم الثالث والرابع).

وبنفس الطريقة عندما كانت المعركة على وشك الوقوع، نقلت الأخبار أنّ الحسين حاول جاهداً أنْ يجد مخرجاً، ولكن عندما بدا أنّ ما سيقع لا بدّ منه، عزّى نفسه(*) بأنّ ما سيحدث هو أمر الله، وأنّ الله سيمنحه هو والذين سيُقتَلون معه مكاناً في الجنّة([483]).

وبالإشارة إلى هذا الشدّ، يعتبر (بوز شوشان) (Shoshan) القصّة بأنّها مأساة ـ على روايتين مختلفتين ـ ولكنّهما تعملان معاً أحياناً، وكذلك تعملان ضدّ بعضهما البعض لخلق ذلك التأثير المأساوي)([484])، ويبدو أنّ ما يراه (شوشان) (Shoshan) مبنيّاً على سوء فهمه لفكرة الطبري حول التسليم لإرادة الله، فهو يقول: «ما لدينا هنا هو قصّة لاهوتيّة، وهي المأساة التي لا يمكن اجتنابها، والّتي هي نتيجة التسليم لإرادة الله، وما تؤدّي إليه الروايات في التاريخ هو قصّة مسلمٍ تقيٍّ في أقصى غاية التقوى، والذي بالرغم من (النصيحة الخالصة) من محبّيه بعدم ركوب مغامرته، وبالرغم من علمه المسبق بالنهاية المفجعة القريبة الحدوث، إلّا أنّه عازم على المضي في طريق الهلاك الذي يوجّهه (قضاء الله) وقدرته المطلقة»([485]).

بعد ذلك يقول (شوشان) (Shoshan): إنّ الطبري جعل القصّة أكثر تعقيداً بذكر «روايات...تصوّر الحسين بأنّه قليل العزم»([486])، والذي يعني به محاولات الحسين للتفاوض مع عمر بن سعد، وسعيه لتأجيل المعركة حتّى اليوم التالي، وخطابه الأخير لأهل الكوفة قبل المعركة بقليل، والذي ناشدهم فيه بعدم قتله([487])(*).

فإنّ التسليم لإرادة الله لا يعني الجلوس مكتوف الأيدي بانتظار القضاء والقدر، ليأخذ مجراه دون تحريك ساكن، بل يعني اتّباع سبيل الله حتّى النهاية مع القيام بما يعتقده المرء أنّه الشيء الصحيح، ولكنّه يعني القبول بالقضاء والقدر على أنّه أفضل ما يمكن حصوله. وحسب قراءتي لأحداث كربلاء، فليس هناك شاطئان كما يعتقد (شوشان) (Shoshan). وحسب ما جاء في النصّ فإنّ عزم الحسين على الذهاب إلى الكوفة كان تبعاً لإرادة الله، مهما كلّف الثمن ومهما كانت النتيجة، فهو لم يكن متردّداً في هذا الأمر أبداً، ضمن هذا الطموح العام كان الذهاب إلى الكوفة وعرض قيادته على أهلها مجرّد هدف جزئي فقط، فعندما أدرك أنّ هذه الخطّة قد فشلت بسبب خيانة أهل الكوفة، حاول كلَّ ما في وسعة للإبقاء على حياته والحفاظ على وحدة المسلمين(*) (وهذا أيضاً لم يكن ضدّ إرادة الله)؛ ولهذا كان مستعدّاً للعودة إلى الحجاز أو أي مكان آخر، أو حتّى إعطاء البيعة للخليفة يزيد(**)، ولكن ليس لوالي الكوفة عبيدالله بن زياد([489]).

وعندما أدرك أنّه لا طريق للخروج من هذا الأمر حيّاً، بقي يعمل ما يعتقد أنّه الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله، فقد دافع عن نفسه بما أُوتي من قوّة، وتوكّل على الله لأنّ ما سيحصل في النهاية فهو لا يخرج عن حكمة الله.

ويوجد في القصّة قبل المعركة واحدٌ من الأمثلة الواضحة على الثقة التامّة للحسين وأهل بيته بالله، وذلك عندما ارتحلت الجماعة خفق الحسين برأسه مرّتين، وكلّما انتبه تلا هذه الآية: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)([490]) سأله ابنه عليٌّ عن سبب ذلك، فأجاب الحسين أنّه رأى في المنام رجلاً ينعى إليه أنفسهم. قال عليٌّ: «يا أبتِ، لا أراكَ الله سوءاً، ألسنا على الحقّ؟ قالَ: بلى، والذي إليه مرجعُ العباد. قالَ: يا أبتِ إذاً لا نبالي نموتُ محقّين. فقالَ له: جزاكَ الله من ولدٍ خيرَ ما جزى ولداً عن والدهِ»([491]).

وهناك أمثلةٌ كثيرة من هذا النوع في الأجزاء الأُخرى من القصّة([492]).

وعلى هذا، فإنّي أرى أنّ صورة الحسين عند الطبري هو ذلك الشخص ـ وليس أيّ شخصٍ، بل هو زعيم أهل البيت ـ المستعدّ للتضحية بنفسه من أجل رسالةٍ سامية، وهي السبيل إلى الله([493]). وهكذا يصبح الحسينُ قدوةً وأُسوةً([494]) لجميع المسلمين الذين يرجون الآخرة ولا يرجون هذه الدنيا.

وبهذا فقد حقّق الحسين الحياة الحقيقيّة بموته، فبتقديمه الدم إذاً يتقاسم الحياة والموت، ويمكن أن يُعتبر كياناً وسطاً بين المتضادَّيْن: سفك الدم وحفظ الدم([495])، فالتساوق بين بنية الماء وبنية الدم واضح؛ ومع أنّ التضادّ معكوس، إلّا أنّ مفهوم الوساطة هو نفسه (اُنظر: الجدول 3: 4).

الجدول (4: 7) بنية الماء والدم في القصّة

 


حياة

موت

الماء

سكب

منع

 


      معطى

الدم

منع (حفظ)

سفك

تتناسب هذه البنية كثيراً مع البنية الإسلاميّة الأساسيّة الواردة أعلاه (اُنظر: الجدول 4: 8).

الجدول (4: 8) الماء والدم في البنية الأكبر في القصّة.           

الآخرة

الموت المادّي

 


الدنيا

الحياة المادّيّة

امتلاك الماء

ثواب الله (الجنّة)

 


 


 


الإسلام

 


 


 


صب الماء/ منع الدم

 


 


إعطاء الماء/ الدم

 


 


سفك الدم/ منع الماء

 


النفاق

 


 


الكفر

 


عقاب الله

 


 


ملاحظة: الحقل المظلّل يشير إلى الحياة بعد الموت([496]).

أتّفقُ تماماً مع (شوشان) (Shoshan) من حيث إنّ ما لدينا هنا هو قصّة لاهوتيّة، (ولكن ما بعد ذلك فيما كتبه الطبري ليس لاهوتيّاً)، ولكنّني أختلف معه من حيث إنّني لست مستعدّاً مباشرةً أن أُسمّيها مأساة، فمن منظور أدبي وإنساني محض، ربّما تكون قصّة مأساويّة، ولكن من المنظور اللاهوتي حسب ما يدّعيه (شوشان) (Shoshan) فهي ليست مأساويّةً بتمامها.

إنّ القصّة بالتأكيد تفجع القلب، من حيث إنّ انقسام الأُمّة هو تدمير للصورة الذاتيّة للإسلام في عصره الأوّل، والتنكّر لسبط النبي يقرب من التنكّر للنبيّ نفسه.

وباختصارٍ: فإنّه في رواية الطبري تصبح أحداث كربلاء قصّةً لأزمة حقيقيّة في الأُمّة الإسلاميّة في عصرها الأوّل، ولكن مع هذا ما تزال قصّة الحسين تعطي الأمل؛ لأنّها تشير إلى قضيّة في غاية الأهمّية، وهي الاستسلام التام لله والذي يؤدّي إلى الحياة الحقيقيّة، وإنْ كانت الحياة في هذه الدنيا بؤساً وشقاءً والموت المادّي قريباً.

لقد جاء بيان هذا في أماكن كثيرة، وبدلالةٍ خاصّة في (النصّ المعتمد)، القسم السابع، حيث قال الحسين لأحد أصحابه: «إنّه قد نزلَ من الأمرِ ما قد ترون، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبرَ معروفُها، واستمرَّت جدّاً فلم يبقَ منها إلّا صبابةٌ كصبابةِ الإناءِ، وخسيسُ عيشٍ كالمرعى الوبيل، ألا ترونَ أنّ الحقّ لا يُعملُ بهِ وأنّ الباطلَ لا يُتناهى عنه، لِيرغبَ المؤمنُ في لقاءِ الله محقّاً، فإنّي لا أرى الموتَ إلّا شهادةً ولا الحياةَ مع الظالمينَ إلّا برماً»([497]).

وهذا هو الموضع الوحيد في القصّة كلّها الذي جاءت فيه كلمة (الشهادة) لتخصّ الحسين، والفكرة هي أنّ اتّباع سبيل الله إلى الحدّ الذي يكلّف المرء حياته، فيه مناشدة لوجدان كلِّ أحدٍ يرغب في تنفيذ إرادة الله، ويحضّه على فعل الشيء نفسه.

إنّ أكثر الأمثلة صلةً بالموضوع من بين الأشخاص الذين فهموا رسالة الحسين هو الحُرّ، الذي أخذ التحدّي في غاية الجدّ، وأعدّ نفسه لترك حياته الدنيويّة؛ لينال الحياة الحقيقيّة الأبديّة، فقد ذهب من الحَرّ إلى الحُرّيّة، وفيما بعد سار في ركبه آخرون، كان أشهرهم التوّابون، سأتحدّث عن هذه الحركة باختصارٍ فيما بعد.

ومن وجهة النظر هذه، فإنّ موقف الحسين يحقّق ذلك النوع من الوساطة الذي كان قد صوّرته (أليّ كونغاس ماراندا) (E. Köngäs Maranda) و(بيير ماراندا) (P. Maranda) في كتابهم (النموذج البصري)([498]).

التضاد الرئيسـي ـ إذن ـ سيكون الحياة والموت في خواصّهما الروحيّة (في الجدول (4: 8)، تمثّلت في مفهوم (ثواب الله) و(عقاب الله))، حيث الأوّل يتعلّق بالحسين والثاني بأهل الكوفة والأُمويّين.

إذن؛ قام الحسين بتمرّدٍ وسبّب انقساماً في الأُمّة، والذي يمكن أن يُعتبر نقضاً لعهد الله (أي الموت الروحي)، وبهذا يموت موتاً مادّياً، ويصبح مرتبطاً بالحياة والموت كليهما، ويقود هذا إلى التحوّل ـ أو حسب الاصطلاحات البنيويّة (الانقلاب Inversion) ـ لدى واحدٍ من أهل الكوفة (الحُرّ). هذا التحوّل من الموت إلى الحياة لدى الحُرّ يبيّن أنّ الحياة تتغلّب على الموت.

وجوهر القصّة - كما تمّ تأويله هنا - يمكن رسمه في الصيغة القانونيّة لـ(ليفي شتراوس) كالتالي:

Fd(K): Fl(H): : Fd(H): Fk-1(L(

حيث الوظائف D=الموت (DeathL =الحياة (Life)، والعناصر K=أهل الكوفة (KufansH=الحسين؛ K-1=الكوفي المتحوّل وهو الحُرّ.

وبعبارةٍ أُخرى ـ تبعاً لـ(ألي كونغاس ماراندا) (E. Köngäs Maranda) و(بيير ماراندا)(P. Maranda) ([499]) ـ: فإنّ أهل الكوفة باختصاصهم بوظيفة الموت في تضادّ مع الحسين المخصّص بوظيفة الحياة، فالحسين ـ إذن ـ يتّخذ الوظيفة السلبيّة للموت، وهي العمليّة التي تؤدّي إلى النصـر بمنتهى الكمال، باعتبارها تنشأ من الانهيار الأخلاقي لأهل الكوفة وتحوُّلِ واحدٍ منهم، وهكذا وبدون شكٍّ تؤسّس الحياة كمحصّلة نهائيّة.

وهنا يجب التذكير بأنّني في هذا التحليل قمتُ بالتركيز على الحُرّ كممثّل عن جميع أُولئك الذين أدركوا جدّيّة الأمر ثمّ تحوّلوا؛ حيث إنّ قضيّته هي الأكثر وضوحاً في هذا النصّ، ويمكن اختيار آخرين كزُهير بن القين مثلاً، فالحاصل من العمليّة هو أنّ الحياة الروحيّة لأُولئك الذين تحوّلوا إلى طريق الله أعظم من مقتل الحسين، ذلك الموت المادّي ليس إلّا، فالنصر المعنوي للحسين هو دليلٌ على أنّ (تمرّده) لم يكن موجّهاً ضدّ إرادة الله، فهو لم يحارب الله أو الإسلام، وإنّما حارب تلك السلطات التي كانت تهدّد بتقويض الأخلاق وتدمير الدِّين.

وعلى هذا ففي القصّة بأكملها - وليس (النصّ المعتمد) فقط - كانت وظيفة الحسين كوسيط إيجابيّة وسلبيّة معاً، فبرفضه الخضوع للسلطات الفاسدة الجائرة أبقى على فئتي الحياة والموت منفصلتين، وبترك نفسه (ملوّثاً) بالموت ـ على الأقلّ بمعناه المادّي، وربّما معناه الروحي أيضاً؛ من حيث إنّه سبّب انقساماً في الأُمّة ـ فقد ضمّ الفئتين في نفسه معاً.

وإضافةً لذلك قام الحسين مقام الأُسوة والقدوة لكلِّ المسلمين، تاركاً لهم المجال ليعْبُروا من الموت إلى الحياة.

بعد كربلاء

لقد ذكرت واحدة من نتائج واقعة كربلاء، وهي حركة (التوّابين)، وقصّة هذه الحركة رواها الطبري أيضاً نقلاً عن هشام بن الكلبي، الذي يبدو أنّه اقتبس معظم أثر أبي مخنف (كتاب سُليمان بن صُرَد)([500]). وباختصارٍ تخبرنا القصّة بما يلي:

بعد أربع سنوات من مقتل الحسين، تلاوم أهل الكوفة من شيعته لعدم التحاقهم به في كربلاء، وندموا ندماً شديداً؛ لتخاذلهم عن نصـرته، ورأوا أنّ ذنبهم كذنب اليهود بما عصوا الله عندما صنعوا لهم عجلاً من ذهب، ففي خطبةٍ ملتهبة، قال زعيمهم سليمان بن صُرَد: «أمَّا بعدُ، فإنِّي والله، لخائِفٌ‏ ألّا يكونَ آخرنا إلى هذا الدَّهر الَّذِي نكدت فيه المعيشة، وعظُمت فيه الرّزيَّة، وشَمِل فيه الجورُ أولي الفضلِ من هذهِ الشيعة، لما هو خير؛ إنَّا كنَّا نمدّ أعناقنا إلى قدوم آل نبيِّنا، ونمنِّيهم النَّصرَ، ونحثّهم على القُدوم، فلمَّا قدِموا ونَيْنا وعَجزنا، وادَّهنَّا وتَربَّصنا، وانْتَظرنا ما يكون حَتَّى قُتل فينا وَلَدُ نبيِّنا، وسُلالَتُه، وعُصارتُه، وبَضعةٌ من لَـحْمه ودَمِه، إذ جعل يَسْتَصرِخُ فلا يُصرَخ، ويسألُ النَّصَف فلا يُعطاه، اتَّخذه الفاسقون غَرَضاً للنَّبل، ودرَّية للرّماح حَتَّى أقصدوه، وعدَوْا عليه فسَلبوه.

ألا انْهَضوا فقد سخِط ربُّكم، ولا ترجعوا إلى الحلائِل والأبناء حَتَّى يَرضَى الله. والله، ما أظنُّه راضيّاً دون أن تناجِزوا مَن قتله، أو تُبيروا.

ألا لا تهابوا الموت، فوالله، ما هابه امرؤ قطُّ إلّا ذلّ، كونوا كالأُلَى من بني إسرائيل، إذ قال لهم نبيِّهم‏: (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ)، فما فعَل القومُ؟ جَثَوا على الرُّكب والله، ومدّوا الأعناق، ورضُوا بالقَضاء حَتَّى حينَ علموا أنَّه لا ينجيهم من عظيم الذَّنب إلّا الصبر على القتل. فكيف بكم لو قد دُعيتم إلى مثْل ما دُعِي القوم إليه!!»([501]).

رفض التوّابون فكرة قتل أنفسهم جماعةً؛ حيث إنّ هذا محرّم في القرآن، ولكنّهم اتّفقوا على عملٍ يبلغ ذلك، وهو أنْ يأخذوا أسلحتهم ويخرجوا لقتال جيش بني أُميّة؛ أنْ يقتلوا قتَلَةَ الحسين أو يموتوا في هذا السبيل، وعندما أعدّوا أنفسهم للخروج من الكوفة، ظهر (4000) رجل فقط من بين (16000) رجل كانوا قد تعاهدوا على هذا الأمر، وما زال هذا العدد يتناقص مع مضـي الزحف، ونزلوا في كربلاء، وأمضوا هناك يوماً وليلةً في الصلاة والبكاء والندم والتوبة قبل أن يستأنفوا زحفهم.

وعند عين الوردة شمال العراق، لقوا جيش الشام، وقُتلوا عن آخرهم سنة (64هـ /685م) إلّا قلّة قليلة منهم سلموا من القتل، وقد مُلئوا خزياً وعاراً من أنّهم لم يُقتَلوا في المعركة.

حسب (هاينز هالْم) (Heinz Halm)، فإنّ (التضحية بالنفس التي قام بها التوّابون في سنة (684 ـ 685م/64 ـ 65هـ) قد دخلت ضمن مراسيم عاشوراء)، وهي الشعائر التي سنحت لي الفرصة أنْ أشهدها في باكستان، وقد تحدّثت عنها في الفصل التمهيدي لهذه الدراسة([502]).

يقول هالْم (Halm): إنّ هذه الشعيرة ليست من شعائر الحِداد - كما يُعتقَدُ في الغالب - وإنّما هي شعيرة للتوبة([503]).

ويمضي قائلاً: «هذا الفعل من الشعائر - إسالة الشخص لدمه بجلد نفسه أو ضرب جبينه بالسيف - هو بديلٌ عمّا يتضمّنه ذلك العمل حقيقةً - الموت المكفِّر عن الذنب - وفي الوقت نفسه يضمن للفاعل حسن العاقبة، وهي العتق من ذلك الذنب التاريخي»([504]).

والتحليل البنيوي لقصّة التوّابين وشعائر عاشوراء ـ أو كما تُسمّى في شبه القارّة الهند وباكستانيّة (شعائر محرّم) ـ في ضوء ما يوجد في التحليل أعلاه بعيدٌ جداً عن مجال هذه الدراسة التي بين أيدينا، ولكنّني سأعود باختصارٍ إلى تأويل (لوسييه سكوبلا) لصيغة (ليفي شتراوس) القانونيّة، وأرى أنّ نموذجه ربّما يكون ذا صلة بدراسة تطوّر تلك الشعيرة.

دعونا أوّلاً نذكّر بذلك النموذج([505]): يرى سكوبلا أنّ الصيغة القانونيّة يمكن تبسيطها وكتابتها في صورتين: واحدة تبيّن الوساطة بأُسلوب ستاتيكي (ساكن، غير متغيّر):

A: B: : M: X

والأُخرى تبيّنها كعمليّة:

A/B® M ®X

في الحالتين كلتيهما، (A وB) يشيران إلى التضادّ بين المتضادّين، (A) Fx)في أحداث كربلاء، هو موت أهل الكوفة)، و(B)Fy) (حياة الحسين) في الشكل الأصلي للصيغة، حيث(M) يمثّل الوساطة أو عدم التمايز (عدم التحوّل)، وحيثالطرف (B)يتبنّى آنيّاً الوظيفة(X) (التبنّي الآني للموت الروحي والمعاناة الحقيقيّة لموت الحسين المادّي). العنصـر الرابع (X) أخيراً يمثّل الحصيلة، وهي تحوّلٌ يُزال فيه الطرف (A)، وترتقي الوظيفة (Y) (الكوفي الميت)، وهو الحُرّ يُؤخذ إلى الحياة الروحيّة وتلك الحياة تكتسب النصر).

وهنا ينبغي ملاحظة أنّه ليس قتل الحسين هو الذي يشكّل (الإزالة الجذريّة) للطرف (A)1-A®A أي العمليّة التي كان (سكوبلا) قد أوّلها على أنّها (قتل مخلوق خبيث)([506]). وقد تمّ بيان هذه العمليّة في تحوّل الحُرّ، حيث كان مقتل الحسين وساطيّاً؛ وسبّب التحوّل بين الفئات، والذي كانت نتيجته الأُولى هي (الإزالة الجذريّة) للحُرّ (القديم).

وكما يفترض سكوبلا فإنّ عمليّة الوساطة بأكملها يمكن أن تُعتبَر كحلقة تحوّل، حيث لا يكون (X)النتيجة النهائيّة فقط، بل كذلك نقطة البداية لحلقة جديدة.                    في ضوء هذا، نستطيع رؤية حركة التوّابين على أنّها الحلقة التالية، وكلُّ حدثٍ من شعائر محرّم على أنّها حلقات متتابعة.

وفي قصّة التوّابين، مرّةً أُخرى نجد التفرّع الثنائي بين الحياة الروحيّة والموت الروحي، أو كما جاء في رسالةٍ من سليمان بن صُرَد إلى بعض الشيعة: التفرّع الثنائي بين الدنيا والآخرة([507]).

وتبدو هذه الثنائيّة كشعور بالندم في أعماق كلِّ واحدٍ من التوّابين، فقد كان ينبغي عليهم التركيز على الآخرة واختيار الحياة، ولكنّهم بدلاً من ذلك ونتيجةً للجبن والغايات الدنيويّة(*) اختاروا طريقاً يقودهم في النهاية إلى الموت، وظهرت هذه اللوعة بوضوح في الهجوم الانتحاري على جيش الأُمويّين، ذلك الفعل الذي كان الهدف منه هو (قتل هوى النفس)، والذي انتهى بالموت المادّي الفعلي لمعظم المشاركين فيه.

والموت المادّي كان بالضبط ما أراده التوّابون، حيث يعني أنّ تركيزهم الحقيقي كان على الآخرة، وأنّ الحياة الروحيّة كانت الثواب الذي سينالونه، وكانت الوساطة في هذه القصّة ـ الـ (M)في نموذج (سكوبلا) ـ هي الشعور بالندم والتوبة، حيث تمتزج الحياة بالموت؛ والنتيجة الـ (X) في نموذج سكوبلا هي (إلغاء) الهوى الدنيوي للتوّابين، والفوز بالحياة الحقيقيّة في الآخرة.

ويمكن اعتبار شعائر عاشوراء أو محرّم التي تُقام في كلِّ عامٍ على أنّها الشكل المصغَّر لعمل التوّابين، وهنا قد استُبدِل الصراع الانتحاري الفعلي ضدّ قوى الشرّ مكان الأعمال الشفهيّة والبدنيّة للتوبة، ولكنّها عادةً لا تؤدّي إلى الموت الجسدي. وكما أشار إليه (هالم) (Halm)، فإنّ الأخير بالتأكيد لم يكن مجهولاً بما فيه الكفاية، كما أثبتته الثورة الإيرانيّة والحرب العراقيّة الإيرانيّة التي لحقتها([508]).

الفصل الرابع

استنتاجات وتوقّعات مستقبليّة

الطبري وأحداث كربلاء

حسب رواية الطبري، فإنّ كُلاً من الفريقين المتخاصمين في أحداث كربلاء - الحسين وبني أُميّة - يدّعي ـ على وجه الحـصر ـ أنّ قواعد الإسلام الصحيح تُثبت وترسّخ من خلال سلطته وحكمه هو، وبالنسبة للحسين فإنّ عدداً من الخطب المنسوبة إليه قد تمّت مناقشتها خلال التحليل المتقدّم، وجاء ذكر احتجاجه أنّه صاحب الحقّ في السلطة السياسيّة؛ بسبب قرابته من النبيّ محمّد. كذلك ـ وبطريقة مشابهة ـ إدّعى بنو أُميّة وأتباعهم أنّهم أصحاب الحقّ في الحكم دون سواهم، والأكثر وضوحاً منها طلب يزيد البيعة من أُولئك الرجال الذين اعتبرهم أنداده السياسيّين، وقد ناقشنا حجّته أنّ هذا المنصب قد أعطاه الله له فيما سبق، بالإضافة لذلك فإنّ الفريقين كليهما اتّهم أحدهما الآخر بشقّ عصا الأُمّة.

فإنّ خطورة انقسام أُمّة المسلمين جاءت على لسانٍ أحد أصحاب الحسين الخُلّص، وهو زهير بن القين الذي خاطب أهل الكوفة - عندما كانت الحرب على وشك الوقوع - قائلاً: «يا أهلَ الكوفة، نذارِ لكم من عذابِ اللهِ نذار! إنَّ حقّاً على المسلمِ نصيحةَ أخيهِ المسلم، ونحنُ حتّى الآن إخوةٌ وعلى دينٍ واحدٍ وملّةٍ واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيفُ، وأنتم للنصيحةِ منّا أهلٌ، فإذا وقعَ السيفُ انقطعت العصمةُ، وكنّا أُمّةً وأنتم أُمّة، إنَّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذريّةِ نبيّهِ محمّدٍ؛ لينظرَ ما نحنُ وأنتم عاملون...»([509]).

سيأتي إكمال موضوع انقسام الأُمّة بعد صفحات قليلة.

لقد رأينا عندما بدأ عمر بن سعد - قائد جيش الكوفة - المعركة (رسميّاً) بإطلاقه أوّل سهم. إنّ المعركة قد بدأت وليس هناك من عودة، ويظهر انقسام الأُمّة في أخبار الصلاة أيضاً.

وفي القسم الثالث والرابع من (النصِّ المعتمد) أَمَّ الحسين أصحابه وأهل الكوفة في الصلاة جماعةً، ممّا أظهر أنّ الجميع كانوا من دِينٍ واحد وأُمّة واحدة، (مع أنّهم سياسيّاً من معسكرين مختلفين).

على أيّة حالٍ، فقد رأَيْنا خلال المعركة أنّه ليس فقط صلّى أصحاب الحسين منقسمين، بل إنّهم أُجبروا على أداء صلاة الخوف، فقد أدّوا الصلاة بالتعاقب، حيث صلّى أوّلاً فريقٌ منهم وفريقٌ آخر يحميهم ضدّ أهل الكوفة، ثمّ تبادل الفريقان الدور([510]). وهذا بيانٌ واضح على أنّ أهل الكوفة لم يعودوا يعتبرونهم مسلمين، إن لم يكن من ناحية الرأي فمن الناحية العمليّة على الأقل.

كانت وحدة المسلمين تُعتبر آيةً لتلك المنزلة الرفيعة لهذه الأُمّة المختارة التي التزمت مع الله بميثاق يتضمّن طاعتهم لأحكامه مقابل كسب رضاه، ومن هنا فإنّ تفرّق الأُمّة يُعتبر انتهاكاً لهذا الميثاق الإلهي؛ لهذا كانت أحداث كربلاء مهمّةً جدّاً للمؤرّخين الأوائل؛ وذلك لأنّها أوّلاً كانت مظهراً من مظاهر الفتنة، والحرب الأهليّة وتفتّت الأُمّة، وثانياً لأنّها تربط نقض الميثاق الإلهي إلى حدٍّ بعيد مع خيانة المعاهدة السياسيّة، أي العهد بين الحسين وأهل الكوفة. فالأخيرة تُعتبر توضيحاً للأُولى.

والحقيقة أنّ هذا التأويل يخصّ الحسين وأصحابه وليس بني أُميّة وأعوانهم، والطبري نفسه لم يفصح صراحةً عن قصده، فعند ترتيب مادّة الطبري يبرز بوضوح أنّ التأويل حول الحسين وأصحابه هو الأكثر صحّةً، ومن الواضح أنّ رواية الطبري حول أحداث كربلاء تُروى من وجهة نظرهم وليس من وجهة نظر الأُمويين.

كان الصراع الداخلي حول السلطة في الأُمّة الإسلاميّة في العقود الأُولى موضوعاً مهمّاً للمؤرّخين المسلمين الأوائل، وله تأثير على الأُمّة الإسلاميّة حتّى يومنا هذا، وفي الاصطلاح العام كانت تلك النزاعات تسمّى (فتنة)([511]).

(عبد القادر تايوب) - أُستاذ الدراسات الدينيّة من جنوب أفريقيا - يتحدّث عن كيفيّة استخدام هذا المفهوم طوال تاريخ الإسلام قائلاً: «كمصطلح أساسي في النظام الإدراكي الرمزي للأدب الإسلامي، ترسم الفتنة طريقاً دينيّاً محافظاً إلى قضايا سياسيّة أو اجتماعيّة»([512])، إنّ القوى التي تريد عرقلة التغيير السياسي أو الاجتماعى، تشير إلى هذا المفهوم من أجل أن تهوّل الصـراعات والنزاعات السياسيّة.

ويرى تايوب أنّ الطبري بشكلٍ عادي لم تكن لديه هذه النظرة السلبيّة حول الفتنة، بل كانت - حسب رأيه - تستدعي أُموراً كالاختبار والابتلاء، أو حتّى التمحيص، «وعلى هذا فإنّ الأشكال المختلفة للفتنة - كمحلّ اختبار - تعطي فرصةً للمرء؛ لتميّزه على أنّه مؤمن ثابت الإيمان، وفي هذه الحال لا يمكن اجتناب الفتنة ولا ينبغي اجتنابها»([513]).

في القول المنسوب إلى زهير بن القين الوارد أعلاه، لم يأتِ ذكر مصطلح (الفتنة)، ولكنّ زُهيراً قال: إنّ الله قد (ابتلى) الأُمّة من خلال الحسين، والتي اعتبرها الطبري - حسب تايوب - مرادفةً للفتنة بقليل أو كثير.

وحسب قراءتي لأحداث كربلاء في رواية الطبري، فإنّ الرسالة الأساسيّة للقصّة تقع في (الدلالات الدِّينيّة - السياسيّة) لرحلة الحسين نحو الكوفة، والمواقف التي اتخّذها مختلف الناس تجاهه. فعندما تحدّى الحسينُ السلطةَ الأُمويّة الفاسدة، أجبر الناس على أن يختاروا بين أن يكونوا مسلمين حقّاً، أو يكونوا (منافقين) بين أن يحيوا حياة حقيقيّة برجاء الآخرة، أو حياةً مشوّهة برجاء الدنيا ولذّاتها.

فكان فعلُ الحسين كـ (صبّ الماء)، حيث أبقى الفئات المتضادّة منفصلةً عن بعضها، ولكنّه أيضاً هدى جميع أُولئك الذين رضوا به إماماً إلى الصـراط المستقيم، وبهذا سمح للانتقال بين الفئات، وهذه الطريقة نفسها التي غالباً ما أوّل بها المسلمون من أهل السُنّة هذه القصّة([514]).

أمّا الشيعة، فقد ذهبوا إلى أبعد من ذلك، حيث يعتقدون أنّ الطاعة المطلقة للحسين كإمام وهادٍ فقط هي التي تقود إلى النجاة.

تطبيق البنيويّة على دراسة التاريخ الإسلامي

 مع أنّني أعتبر هذا العمل كدراسة رائدة تفتح الباب أمام مقارنات مع نسخ (روايات) أُخرى للقصّة نفسها، كما بيّنت ذلك في المقدّمة، فإنّ النتائج المتأتّية من التحليلات السابقة جعلتني واثقاً أنّ دراسة النصوص التاريخيّة المدوّنة في القرون الأُولى للإسلام يمكنها الاستفادة من الأدوات النظريّة والمنهجيّة (المتعلّقة بعلم المنهج) لكلود (ليفي شتراوس) (Claude Lévi-Strauss).

وبعض النتائج كانت نوعاً ما قابلة للتنبّؤ بها، كالبنية الأساسيّة للتصنيفات الإسلاميّة؛ البنية الواردة في المخطّط المرسوم في الجدول (4: 3) المتقدّم كانت مفاجئة جدّاً (على الرغم من أنّ ترتيب الفئات المختلفة بهذه الطريقة هي من ابتكار (ليفي شتراوس) بلا ريب).

النتائج الأُخرى مثل العلاقة بين الماء والدم، وكذلك دور الحسين كوسيط، كان من الصعب التوصّل إليها - كما أعتقد - من دون التحليلات البنيويّة، وربّما كان الأمر الأكثر أهمّية هو طبيعة الاحتجاجات الواردة في النصّ التي عرضتها التحليلات البنيويّة.

ورسالة (الطبري) (الدِّينيّة ـ السياسيّة) في روايته حول أحداث كربلاء، قد أُبلِغت من خلال إثبات أنّ نظاماً واحداً للتصنيف هو أفضل وأكثر صواباً من الآخر في عين الله، فقد فعل ذلك من خلال التغيير الذي ربما يعتبره الكثيرون استنتاجات مستبعدة إلى حقائق واقعيّة واضحة، وهو التغيير الذي يتحقّق في التحوّل من المجاز إلى الكناية وعمليّات أُخرى، ويمكن رسم هذه العمليّة بواسطة نسخة يمكن استخراجها على العموم من نموذج ليفي شتراوس، والذي استخدمتُه كثيراً في التحليلات السابقة للنصِّ.

 

الجدول (5: 1)، نموذج (ليفي شتراوس) حول الوساطة، المطبّق على دراسة التاريخ الإسلامي بصورة عامّة.

الآخرة

الموت المادي

الحياة المادّية

الدنيا

ثواب الله (الجنّة)

 


 


 


الإسلام

 


 


 


A

 


 


M

 


 


B

 


النفاق

 


 


الكفر

 


عقاب الله

 


 


ملاحظة: الحقل المظلّل يمثّل الحياة بعد الموت.

وفي النسخ المختلفة لهذا النموذج التي رأيناها في الفصل السابق، كانت محتويات الحقلين في أقصى اليسار ثابتة (غير متغيّرة) نسبيّاً؛ ومحتويات الحقل الثالث هي التي تتغيّر في الغالب. بنية الحقل الثالث قد بقيت بدون تغيير بطرفين متضادّين وطرف وسيط بينهما (في الجدول (5: 1)، المتضادّان يمثّلهما A وB، والطرف الوسيط يمثّله M)، وتتغيّر هذه الأطراف حسب الرسالة التي يريد المؤلّف إبلاغها، فقد رأينا كيف تغيّرت بين رمز التقوى (الجدول 4: 3)، رمز السلطة (الجدول 4: 4)، والرمز الاقتصادي (الجدول 4: 5 و4: 8).

وفي القول عموماً، سيصبح هذا ملفتاً بصورة خاصّة عندما نتأمّل الأبعاد (الدِّينيّة السياسيّة) لرسالة يتضمّنها نصٌّ ما من عصـر الإسلام الأوّل، وهنا أودّ أن استخلص الاستنتاجات المستنبطة من هذا النموذج، وافترض أنّ ظاهرة إقحام أطراف سياسيّة مختلفة في البنية الإسلاميّة الأساسيّة لا يشكّل شيئاً خاصّاً للنصِّ الحالي.

وفي الحقيقة إنّ التاريخ الإسلامي بأكمله يمكن رؤيته على أنّه مبنيٌ على نفس المحرّك الذي تكسوه محتويات سياسيّة وكلاميّة مختلفة، ومن أجل الاحتجاج لذلك، والنجاح في إيصال فكرةٍ دينيّة سياسيّة معيّنة في بيئة

الحضارة الإسلاميّة حديثة النشوء، فإنّ الدفاع عن آيديولوجيّة كهذه سيجعلها تتلاءم مع المحرّك الإسلامي (وهذا ـ بالطبع ـ هو الحال حتّى في أيّامنا هذه)، وفي هذا المعنى يمكن القول: إنّ هذه البنية الأساسيّة هي نفسها التي تجعل أحد النصوص التاريخيّة إسلاميّاً.

واحدة من الفوائد الكبيرة لمثل هذه الدراسة البنيويّة ـ حسب ما أعتقد ـ أنّها تبيّن كيف أنّ أُسطورةً ما، تبرهنُ على أنّ العوالم المختلفة الموضّحة من خلال الرموز ليست منفصلة في الواقع، تنتمي جميعاً إلى بعضها الآخر، محاولةً إيجاد كناية من المَجاز، تظهر الحقيقة لتصنع كلّلً، وإنْ كانَ هذا الكلّ متحوّلاً، ولكنّه - وهذا مهم - يتحوّل في الطريقة التي يُظهرها (مؤلّف) الأُسطورة، سواء كان شخصاً واحداً أو مجموعة أشخاص، وهذا يعني أنّ الأُسطورة ينبغي عليها أن تُظهِر عدم تعلّق عناصر معينة بالعالم المثالي للأُسطورة، أو يجب أنْ تُظْهَر تناقضها معه، أو تهدّد النظام الذي تدافع عنه.

ومن خلال عملية البناء من كلِّ ما يتوفّر من عناصر في متناول اليد (Bricolage)، أعطى كتّاب مختلفون ـ إنْ كانوا مجموعةً أو شخصاً بمفرده ـ لنفس الحدث معنىً مختلفاً.

ماذا بعد؟

كما افترضت سابقاً، فإنّ التحليل الوارد هنا حول رواية الطبري لأحداث كربلاء يحتاج إلى دراسات للروايات الأُخرى للقصّة نفسها، وأَنْ تتمّ المقارنة معها، وربّما تظهر إلى السطح تحوّلات بنيويّة مهمّة عندما لا تُدرس التطوّرات الداخليّة فقط، بل حتّى تلك التي بين النسخ المختلفة للأُسطورة نفسها.

وفرضيّة (ليفي شتراوس) ترى أنّ (التحوّل الثنائي) ـ الموضّح من خلال الصيغة القانونيّة ـ يحدث عندما تجتاز أُسطورةٌ ما نوعاً من الحدود، كخطٍّ لغويٍّ أو آيديولوجي على سبيل المثال، ويمكن اختباره من خلال مقارنة الروايات السنيّة لأحداث كربلاء مع الروايات الشيعيّة، والنسخ العربيّة مع النسخ الفارسيّة، أو في لغات أُخرى.

وهناك قصص أُخرى رواها الطبري، ينبغي أيضاً أن تكون موضوعاً للتحليل البنيوي، وأن تُقارَن مع نتائج الدراسة الحاليّة، وبهذه الطريقة يمكن لشبكة العلاقات بين الرموز التي رُسمت في المخطّطات هنا أن تُؤيَّد أو تُنقَض، وستُنسَج خيوط الشبكة على الأرجح بصورةٍ أكثر إحكاماً بواسطة العلاقات المكتشفة مؤخّراً.

ولقد ذكرت كذلك الحاجة إلى تحليل إضافي لأحداث كربلاء بخصوص حركة التوّابين ومراسم عاشوراء، وتطبيق تأويل (سكوبلا) لصيغة (ليفي شتراوس) القانونيّة على هذا المركّب من الشعائر والأُسطورة.

إنّ مسألة الأُصول الإسلاميّة الإضافيّة ومشاعر الشيعة وطقوسهم غالباً ما كانت عرضةً للنقاش، واعتقد أنّ التحليلات البنيويّة للميثولوجيا (مجموعة الأساطير أو علم الأساطير) غير الإسلاميّة - اليهوديّة، المسيحيّة، الإيرانيّة، والأساطير القديمة لبلاد ما بين النهرين - ومقارنة بُنْيات هذه المجاميع من الأساطير هي الطريق للوصول إلى جوابٍ لهذه المسألة.

إضافةً إلى ذلك، فإنّ هناك حاجة لمزيد من الدراسات لهذه النسخة التي قمنا بدراستها هنا، فإنّ إحدى الخصائص المهمّة في رواية الطبري حول أحداث كربلاء، التي تركتُها عن قصدٍ بسبب أبعادها الواسعة، هي مسألة المَلَكيّة في الإسلام فيما يتعلّق بالحسين، وكما بيّن كثير من الباحثين، فإنّ الماء هو صورة للمَلَكيّة في العصر الأوّل للإسلام، وربّما سيكون من المفيد جدّاً دراسة فكرة المَلَكيّة بخصوص رمزيّة الماء في القصّة؛ ورفض الماء من الحسين هو رفض السلطة السياسيّة(*) منه أيضاً([515]).

وتستمر الأساطير بالتغيير ـ فمحتوياتها، ووظائفها، و... ـ بسـرعةٍ أبطأ، بنيتها تتكيّف مع المواقف الجديدة، وهذه حقيقةٌ تجعل تحليلها مُحبِطاً واستفزازيّاً معاً: مُحبِطاً؛ لأنّ تحليل أُسطورةٍ ما لا ينتهي أبداً، واستفزازيّاً؛ لأنّه يُظهر قابليّة البشر على التكيّف مع الظروف الجديدة.

وفي (التمهيد) لكتابه الأوّل حول الأساطير، يقول ليفي شتراوس: «إنّ دراسة الأُسطورة يثير مشكلةً منهجيّة، من حيث لا يمكن تنفيذها حسب المبدأ الديكارتي حول تجزئة العقبة (المعضلة) إلى أجزاء كثيرة بقدر ما هو ضروري من أجل إيجاد الحلّ، وليس هناك نهاية حقيقيّة للتحليل الأُسطوري، وليس هناك وحدة مبطّنة حتّى يمكن إدراكها عندما تكون عمليّة التجزئة قد تمّت، والأفكار الرئيسيّة (في قصّةٍ أو ما شابه) يمكن أن تتجزّأ إلى ما لا نهاية، وفي اللحظة التي تعتقدُ أنّك قد فكّكتها وجزّأتها، تدركُ أنّها تبدأ بالتشابك معاً مرّةً أُخرى استجابةً لعمليّة الترابطات غير المتوقّعة»([516]).

ولم ينتهِ التحليل البنيوي لأحداث كربلاء، بل بالعكس، فقد حثّني على الاستمرار في التحليل البنيوي لـ (الأُسطورة الإسلاميّة) (في المعنى الذي يتبنّاه (ليفي شتراوس) لجميع نسخها المختلفة مأخوذةً معاً)، وهي القصص التي قد صاغت والمستمرة في صياغة النظرة العالميّة، وهويّة آلاف الملايين من المسلمين في كلِّ العصور على امتداد العالم كلّه.

وأخيراً، لو تحصّل للآخرين نفس الحافز خلال قراءتهم لهذا الكتاب، فسأكون في غاية الرضا.

المـلاحــق


الملحق (1)

خلاصة لأحداث كربلاء عند الطبري

فيما يلي خلاصة لأحداث كربلاء من رواية الطبري، والمراد هو إعطاء خلاصة عامّة واضحة للقرّاء الذين ليس لديهم اطّلاع على القصّة، ولكن لا يمكن استخدامها لغرض تحليل النصّ، وكنت قد اعتمدت رواية هشام بن الكلبي ـ والتي هي المصدر الرئيسي عند الطبري ـ وبيّنت فقط أين تتلاءم مع المصادر الأُخرى، وقدّمت ملخّصاً قصيراً عن محتوياتها. وحيث إنّ عدة أخبار مختلفة جاءت حول الموضوع نفسه في رواية ابن الكلبي، فقد أَهملتُ الاختلافات، وقمت بتلخيص الخطّ العام للقصّة فقط، والأرقام بين الأقواس تشير إلى الصفحات في طبعة لَيْدِن (Leiden) لتاريخ الطبري([517])، وهذه الصفحات جاءت أيضاً في هوامش الترجمة الإنجليزيّة([518])، وأرقام الصفحات يجب أن تُرى فقط على أنّها مجرّد بيان لمكان وجود بعض الأجزاء الخاصّة في النصِّ، حيث إنّ الأخبار غالباً ما تتداخل في بعضها، وبعض الحوادث الخاصّة ربّما تُروى مرّتين في أماكن مختلفة.

(216 ـ 223) ابن الكلبي

عند وفاة الخليفة الأُموي معاوية في دمشق في شهر رجب سنة ستين هجري/ أبريل ـ نيسان سنة 680م، أصبح ابنه يزيد الحاكم الجديد، وأرسل يزيد مباشرةً رسالةً إلى عامله على المدينة الوليد، يخبره فيها بموت أبيه، ويأمره بأخذ البيعة من أهمّ الرجال في الجانب السياسي: الحسين بن علي، عبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبير، الذين لم يبايع أيٌّ منهم يزيداً، وخرج ابن الزبير والحسين ليلاً إلى مكّة.

(223-227) تبع ذلك فصلٌ حول عبدالله بن الزبير الذي قاتله أخوه عمرو ابن الزبير، ولكنّ عبدالله انتصر على أخيه، وليس لهذا علاقة بأحداث كربلاء، ولكنّ الطبري حسب الترتيب التحليلي له وضع هذا الجزء هنا في السنة التي حدث فيها.

(227-232) عمّار الدُهني

هذا هو الجزء الأوّل من رواية الدُهني المختصـرة عمّا حدث للحسين وأصحابه، ويتحدّث هذا الجزء عن الدعوات التي أرسلها أهل الكوفة إلى الحسين، وإيفاد الحسين مسلم بن عقيل رسولاً له إلى أهل الكوفة، وغدر أهل الكوفة بمسلم، وإعدام مسلم ومضيّفه هانئ بن عُروة على يد الوالي عبيدالله بن زياد.

(232 - 272) ابن الكلبي

نفس الرواية تأتي في نسخة ابن الكلبي، ولكن بشكلٍ أكثر شموليّةً بكثير.

(232 - 236) يغادر الحسين المدينة خلسةً إلى مكّة، وفي طريقه يلتقي رجلاً ينصحه بالبقاء في مكّة وعدم الذهاب إلى الكوفة. وفي مكّة تتعاظم شعبيّته بين الناس عموماً إلّا عند ابن الزبير، الذي يُدرك أنّه لا أحد سيرغب إليه ما دام الحسين موجوداً.

في الوقت نفسه تقرّر جماعة من أهل الكوفة كتابة رسائل دعوة إلى الحسين، تطلب منه القدوم إليهم وقيادتهم في ثورة ضدّ والي الكوفة آنذاك النعمان بن بشير، فبعثوا إليه عدداً من الرُّسل يحملون معهم الرسائل والدعوات الشفهيّة، وأجابهم الحسين أنّه سيُرسل إليهم ابن عّمه مسلم بن عقيل ممثّلاً عنه؛ ليرى فيما إذا كان الحال كما كتبوا إليه، فإنْ كان الأمر كذلك، سيقدم إليهم بأسرع ما يمكن.

(236- 238) بعث الحسين مسلماً الذي تاه في الصحراء في طريقه إلى الكوفة، وقد مات دليلاه من العطش، واستطاع مسلم أن يجد الماء عند آخر لحظة، واعتبر مسلم تلك الحادثة كنذير نحسٍ أمام مهمّته، فكتب إلى الحسين طالباً منه أن يعفيه من تلك المهمّة(*)، ورفض الحسين ذلك، فسار مسلم حتّى وصل الكوفة، ومكث في بيت المختار بن أبي عبيد، وبدأ عددٌ كبيرٌ من الناس بزيارته وإعلان ولائهم للحسين أمامه.

(238-241) والي الكوفة النعمان بن بشير حذّر الناس جهاراً من القيام، ولكنّ بعض الوجهاء كانوا يعتبرونه متساهلاً كثيراً مع الشيعة، فكتبوا إلى يزيد وأخبروه بذلك الحال، فقرّر يزيد أن يتخلّص من النعمان ويعطي ولاية الكوفة إلى والي البصرة آنذاك عبيدالله بن زياد.

وفي الوقت ذاته كتب الحسين رسالةً إلى أشراف البصـرة دعاهم فيها ليلتحقوا به ضدّ بني أُميّة، وعلم ابن زياد بتلك الرسالة قبل مغادرته إلى الكوفة بيومٍ واحد، فقتل رسول الحسين، وحذّر أهل البصـرة أشدّ التحذير من أن يورّطوا أنفسهم بأيِّ تمرّدٍ.

(241 ـ 249) غادر ابن زياد إلى الكوفة ودخلها متنكّراً، فظنّ الناس أنّه الحسين فحيّوه مبتهجين بقدومه، فاغتمّ ابن زياد كثيراً، فذهب إلى القصر وطرد النعمان بن بشير، ودعا في الحال إلى الصلاة جامعة، فخطب محذّراً الناس من أيّة خيانةٍ ضدّه أو ضدّ الخليفة، وأمرَ ابنُ زياد القادةَ في الكوفة أن يقدّموا له التقارير عن كافّة الغرباء ومثيري المشاكل فيها، وأرسل خادماً، ليعمل في الخفاء ويجمع الأخبار عن أتباع الحسين في الكوفة.

ثمّ إنّه بسبب كثرة الزائرين عُلِم مكان مسلم بن عقيل، فانتقل إلى بيت هانئ ابن عُروة الذي استقبله على كُره، وكان شريك بن الأعور يمكث في بيت هانئ أيضاً، وهو رجل صاحب نفوذ وسلطة، وكان موالياً للحسين وأهل بيته، ولكنّه ما زال يحظى بالكرامة عند ابن زياد.

مرض شريك أثناء وجوده في دار هانئ، فأعلن ابن زياد أنّه سيذهب لعيادته، واتّفق شريك ومسلم للإيقاع بابن زياد، فعندما يأتي ابن زياد سيطلب شريك الماء ـ حيث كانت هذه هي العلامة لمسلم، الذي كان مختبئاً ـ ليثب على والي الكوفة ابن زياد ويقتله، وعندما حان الوقت لم يقتل مسلم ابنَ زياد على الرغم من أنّ شريكاً قد طلب الماء، وبرّر مسلمٌ فعله هذا مشيراً إلى حديثٍ للنبيّ يقول فيه: «إنّ الإيمان قيد الفتك، فلا يفتك مؤمن»، وبعد ذلك بأيّام مات شريك من مرضه.

(249- 254) عَلِمَ ابن زياد من خلال جواسيسه أنّ مسلماً في دار هانئ، فاستدعى هانئاً وبدأ باستجوابه، وعندما عرف هانئ الجواسيس أقرّ بذلك ولكنّه أبى أن يسلّم مسلم بن عقيل إلى ابن زياد، بل إنّه هدّد ابن زياد أنّ عشيرته سوف تأتي لتخلّصه، وضرب ابن زياد هانئاً على وجهه بعصاه وحبسه، كانت عشيرة هانئ خارج أبواب القصر قد احتشدت تتساءل عمّا حدث لهانئ، ولكن هدأ روعهم لمّا علموا أنّه ما زال حيّاً.

(255 ـ 259) علم مسلم بما حدث لهانئ، فحشد جميع الرجال الذين أعلنوا ولاءهم للحسين، وتحرّك الجمع نحو القصر لإنقاذ هانئ، وتزايد عدد الذين تجمّعوا خارج القصـر طوال العصـر، وكان موقف ابن زياد متزلزلاً ومحفوفاً بالمخاطر، وقد حشد أشراف الكوفة حوله، وأمرهم برشوة الناس وتهديدهم حتّى ينصرفوا، فجعلوا الناس يصدّقون أنّ جيشاً من أهل الشام من طرف الخليفة قادمٌ إليهم.

وبدأ الناس بالتفرّق، وعندما حلّ الليل لم يبقَ مع مسلم سوى ثلاثين رجلاً، فتركوا القصر وعادوا، وحتّى هؤلاء تملّصوا، وبعد برهة بقي مسلمٌ وحيداً، ولم يكن مسلم يعرف أزقّة الكوفة ولم يكن لديه مكان يلجأ إليه، فطاف في الأزقّة هنا وهناك حتّى وصل دار امرأةٍ عجوز وطلب منها الماء، وأجارته تلك المرأة وخبأته في حجرة متروكة، وبعد حين وصل ابنها إلى البيت، وعلم أنّ مسلماً كان مختبئاً في الدار.

(259-264)في ذلك الوقت أدرك ابن زياد وأشراف الكوفة الذين كانوا في القصر أنّه لم يبقَ أحدٌ من الناس في الظلام خارج القصر، وأنّ الخطر قد زال عندئذٍ، واستدعى ابن زياد وجهاء الكوفة لصلاة المغرب، وطلب من الجميع البحث عن مسلم، وأمر قائد الشرطة - الحصين بن تميم - أن يحرّض الناس على البحث عنه، وعند الصباح كشف ابن تلك المرأة التي آوت مسلماً عن مكان اختباء مسلم لابن زياد، الذي أرسل فريقاً للقبض عليه.

عندما وصل أُولئك الرجال إلى البيت الذي كان يختبئ فيه مسلم، رفض مسلم تسليم نفسه إليهم ودافع عن نفسه بسيفه بكلِّ ما أُوتي من قوّة، فجُرح في وجهه، واستسلم أخيراً عندما أعطاه الأمان ـ قائد تلك المجموعة من الجنود ـ محمّد بن الأشعث.

وكان مسلم قد أرسل رسالةً إلى الحسين يخبره أنّ الأمور مواتيةً له؛ لكي يأتي إلى الكوفة، ولكنّه الآن طلب من ابن الأشعث أن يرسل رسالةً أُخرى إلى الحسين يخبره فيها بما حصل، ويناشده العودة إلى مكّة، وأرسل ابن الأشعث رسولاً وجد الحسين في طريقه بين مكّة والكوفة.

(264-272) جيء بمسلمٍ إلى القصر وكان عطشاناً، فطلب شربةً من ماء، وفي المرّة الأُولى رفضوا أن يأتوا له بالماء، ولكن بعد ذلك جاؤوا له بقدح من ماء، وعندما أراد أن يشرب سال الدم من فمه إلى القدح وتنجّس الماء، وتحاجّ هو وابن زياد، ثمّ أمر به ابن زياد أن يُؤخذ إلى أعلى القصر ويُقطع رأسه هناك، ثمّ رُمي الرأس والجسد من أعلى القصر ليقعا وسط السوق.

وبعد مسلم قُتل هانئ، وهو الرجل الثاني الذي شارك في ذلك التمرّد، وكتب ابن زياد إلى الخليفة يخبره بما حدث، فأجاب يزيد أنّه راضٍ كثيراً بما فعل ابن زياد وحذّره أنّ الحسين قادمٌ نحو الكوفة وأمره أن يمنعه.

(272-281)في الوقت ذاته كان الحسين يعدّ العدّة للحركة نحو الكوفة، فحذّره عدد من الناس ـ من بينهم بعض أقاربه ـ من الذهاب إلى الكوفة؛ إذ إنّ أهلها متقلّبون في ولائهم، فالرجل الوحيد الذي أيّد الحسين في ذلك كان ابن الزبير، الذي أدرك أنّه بذلك سيتخلّص من منافسه، وفي طريقه إلى الكوفة هاجم الحسين قافلةً كانت تحمل البضائع إلى الخليفة يزيد، وقد قابل كذلك أُناساً قادمين من الكوفة (من بينهم الشاعر المعروف الفرزدق)، الذين حذّروه أيضاً من دخول الكوفة، وجاءته كذلك رسائل من أهل مكّة تنصحه بعدم الذهاب إلى الكوفة، وأجاب الحسين على ذلك كلّه بأنّه ما دام يثق بالله، ويتبع إرادته فلن يخشَ شيئاً أبداً وإن كلّفه حياته.

(281-283) عمّار الدُهني

يأتي بعد ذلك القسم الثاني من رواية الدُهني، والذي يروي بقيّة القصّة بعباراتٍ مختصرة: اعترضت كتائب أهل الكوفة الحسين الذي حاول التفاوض معهم، ولكنّه لم يُوفّق في ذلك، وحصلت الحرب وقُتل فيها الحسين وجميع الرجال والأولاد من أهل بيته وأصحابه، وأُرسِل مَن بقي حيّاً من أهل بيته إلى ابن زياد في الكوفة، ومن ثَمّ إلى يزيد في الشام، حيث تعامل معهم يزيد بالحسنى(*) وسمح لهم بالعودة إلى المدينة.

(283-287) الحسين بن عبد الرحمان

تأتي القصّة مرّةً أُخرى بصورةٍ مختصرة بدءاً من دعوة أهل الكوفة، مروراً بمهمّة مسلم بن عقيل وقتله، وحركة الحسين إلى الكوفة، والمعركة في كربلاء وما جرى بعدها لمن بقي حيّاً على يد ابن زياد في الكوفة ويزيد في الشام.

(287-288) الحارث بن محمّد

تأتي بعد ذلك خمسة أخبار مروية عن الحارث (المتوفّى سنة282هـ/895-896م)([519]). أربعة من تلك الأخبار تتحدّث عن تاريخ مقتل الحسين، والخامس يقول: إنّ رأس الحسين كان أوّل رأس يُرفع على الرمح.

(288-390) ابن الكلبي

(288-289) يستمرّ الحسين في مسيره نحو الكوفة، بينما يضع الحصين بن تميم ـ قائد شرطة الكوفة ـ الحرّاس حول الكوفة، ويبعث الحسينُ قيسَ بن مُسهر الصيداوي برسالةٍ إلى قومه في الكوفة يخبرهم أنّه قادمٌ في طريقه إليهم، ويحثّهم على أن يكونوا مهيَّئين لوصوله، وتقبض شرطة الكوفة على قيس، وتأتي به إلى ابن زياد الذي يأمره بلعن الحسين أمام الملأ من أعلى القصـر، ولكنّ قيساً يُجلّ الحسين ويلعن ابن زياد، فيأمر ابن زياد أزلامه برمي قيس من أعلى القصـر فيموت.

(289-291) في طريقه إلى الكوفة التقى الحسين رجلاً حذّره من الذهاب إلى الكوفة، ولكنّ الحسين أصرّ على المضي في طريقه، وكان يسير في الطريق نفسه رجلٌ مع جماعةٍ من أصحابه، يُقال له: زهير بن القين، وهو من أتباع بني أُميّة(*)، وكان يكره أن يشارك الحسين في موارد الماء، وعندما يتوقّف الحسين يسير ابن القين، وعندما يسير الحسين يتوقّف ابن القين، وفي إحدى الليالي اضطرّ ابن القين للتوقّف قرب مخيّم الحسين، فأرسل الحسين رسولاً يدعو زهيراً لزيارته، وطلبت منه امرأته أن يذهب فلبّى لها ذلك، وعندما رجع كانت أحواله قد تغيّرت، فقد عزم على الالتحاق بالحسين، وحيث إنّه أدرك أنّ الالتحاق بالحسين فيه حتفه، فقد طلّق زوجته لتملك زمام أمرها إنْ هو قُتِل، وقد أجاز لأصحابه كذلك أن ينصرفوا، وبعدها أصبح واحداً من أخلص أصحاب الحسين.

(291-294)خرج رجلان من بني أسد من مكّة بعد خروج الحسين ببضعة أيّام، وحاولا اللحاق به والانضمام إليه، وفي طريقهما التقيا برجلٍ قادمٍ من الكوفة وسألاه عن الأوضاع هناك، فأخبرهم بمقتل مسلم وهانئ، وبعد ذلك وصل الأسديان إلى معسكر الحسين، وأخبراه بما سمعا، وحاولا إقناعه بعدم مواصلة السير، ولكنّ إخوة مسلم أرادوا الثأر لأخيهم، وقالوا إنّهم سيواصلون المسير مهما كان، وعندها قرّر الحسين مواصلة المسير، وقد وصلت الحسينَ أخبارٌ أُخرى عن مبعوثه الآخر - عبدالله بن يقطر - حيث أُلقي القبض عليه وقُتل هو الآخر، وعند سماعه أخبار الكوفة أدرك الحسين مدى الخطورة التي سترافق مسيرته، فأعطى الإذن لكلّ مَن كان معه بالانصـراف، وانصـرف عنه بعض الأعراب الذين كانوا قد التحقوا به في الطريق، ولقي الحسين بعد ذلك رجلاً آخر قادماً من الكوفة حذّره من مواصلة السير، إلّا أنّ الحسين أصرَّ على موقفه، حيث كان على يقينٍ أنّها إرادة الله.

(295-304) النصّ المعتمد.

 لمراجعة النصّ كاملاً، اُنظر الملحق (2).

استطاع الحسين وأصحابه رؤية طلائع كتائب الكوفة عن بُعد، فحاولوا أن يجدوا مكاناً لا يمكن محاصرتهم فيه، ولذلك سارعوا إلى وادٍ يُسمَّى (ذا حُسُم)، ووصلت قوّة العدو بعد حين، وكان قائدها الحُرّ بن يزيد التميمي اليربوعي، وعندما تقابل الفريقان أمر الحسين فتيانه بسقاية رجال العدو العطاشى ورواحلهم، وفي ذي حُسُم صلّى رجال العدوّ مرّتين مع أصحاب الحسين جماعةً بإمامة الحسين، وخطب الحسين بجيش الكوفة مرّتين محاولاً إقناعهم بنصـرته، وعندما حاول الحسين وأصحابه الانصراف منعهم الحُرّ وجنوده، فقد قال الحُرّ: إنّه مأمور بأخذ الحسين إلى الكوفة، وتنازع الحسين والحُرّ، وتوصّلا أخيراً إلى توافقٍ بينهما: أنْ يسلك الحسين طريقاً ثالثاً لا إلى الكوفة ولا إلى المدينة، بينما يكتب الحُرّ إلى ابن زياد وينتظر منه أوامر أُخرى.

وقد ذُكِرت خطبة ثالثة كان الحسين قد خطبها في أهل الكوفة، وكذلك بيّن لأصحابه: بإنّ الموت خيرٌ من الحياة مع الظالمين، واستعدّ الفريقان للرحيل مرّةً أُخرى.

قال الحُرّ: إنّه لا يرغب في قتال سبط النبيّ، وحثّ الحسين على الاستسلام، وإلّا فأنّه سيُقتل، فقال الحسين: إنّه لا يخشى الموت ما دام يعمل بإرادة الله. وبعد حين جاء أربعة رجال مع دليلهم الطرمّاح بن عدي قادمين من الكوفة أرادوا الالتحاق بالحسين، فمنعهم الحُرّ ورجاله، ولكن بعد حديثٍ دارَ بينهم سمحوا لهم بالالتحاق بالحسين وأصحابه، وأخبر هؤلاء الرجال الأربعة الحسين بما حصل لآخر مبعوث له وهو قيس بن مسهر، وأخبروه أنّ جميع أهل الكوفة قد انصرفوا عنه، أو أنّهم سينصرفون عاجلاً.

(304-308) طلب الطرمّاح من الحسين أن يذهب معه إلى حصن قبيلته، حيث سيكون في مأمن من بني أُميّة، ولكنّ الحسين رفض ذلك، وواصلوا المسير حتّى وصلوا إلى مخيّم عبيدالله بن الحُرّ الجعفي، وهو من أشراف الكوفة وكان شاعراً، وسأل الحسينُ ابنَ الحُرّ أن يلتحق به ولكنّه أبى، حيث كان قد ترك الكوفة ليبقَ على الحياد في النزاع بين والي الكوفة والحسين، وأثناء المسير أخذت الحسين غفوة، فرأى أنّ رجلاً على جواد ينعى له نفسه، وعندما أخبر ابنه عليّاً بهذا، قال له ابنه: إنّهم ما داموا على الحقّ فلن يخشوا الموت، وتسلّم الحُرّ - قائد كتيبة الكوفة - أوامر من ابن زياد بأنّ عليه أن يوقف الحسين في مكان حيث لا يستطيع فيه الوصول إلى الماء، وقد توقّفوا غير بعيد من الفرات.

(308-313) في الغد، وصلت قوّة من الكوفة في أربعة آلاف رجل يقودهم عمر بن سعد، والتحقوا بجماعة الحُرّ، وقبل ذلك كان ابن سعد قد أُعطي ولاية الري، وعندما اقترب الحسين من الكوفة أمر ابنُ زياد عمرَ بن سعد بالخروج على الحسين قبل الذهاب إلى الري، وكان ابن سعد متردّداً في ذلك، حيث لم يكن يرغب بقتال سبط النبيّ، ولكنّ ابن زياد هدّده بعزله من ولاية الري، فقرّر ابن سعد أن يسمع لابن زياد رغم نصيحة بعض أهله له.

وعندما وصل ابن سعد ورجاله إلى الحسين أخبره الحسين بأنّه مستعدّ للعودة(*)، فنقل ابن سعد ذلك إلى ابن زياد، ولكنّ ابن زياد أبى أن يقبل ذلك، وطلب أن يُعطي الحسينُ البيعةَ للخليفة يزيد.

وفي الوقت ذاته، أمر ابن زياد ألّا يُسمح للحسين وأصحابه بالحصول على الماء أبداً، وسخر رجلٌ من الحسين لعدم حصوله على الماء، فدعا عليه الحسين، فبقي الرجل إلى آخر حياته يشكو العطش.

وأرسل الحسين بعض أصحابه تحت إمرة أخيه العبّاس؛ لجلب الماء من النهر، وقد نجحوا بعض الشيء.

(313-317) أراد الحسين التفاوض مع عمر بن سعد، فالتقيا ليلاً في مكانٍ لا يسمعهما فيه أحد، وعرض الحسين خيارات ثلاثة: إمّا أن يُسمح له بالعودة، وإمّا يذهب بنفسه إلى الخليفة يزيد بن معاوية، وإمّا يُسمح له بالذهاب إلى مكانٍ منعزل بعيد(**).

وحسب رواية أُخرى، اقترح الحسين فقط أن ينصـرف ولا يذهب إلى الكوفة(*)، فكتب ابن سعد إلى ابن زياد بما عرض عليه الحسين، ولكنّ ابن زياد لم يكن ليقبل إلّا أن يذهب الحسين إلى يزيد لمبايعته، فأصرّ عليه مستشاره شمر بن ذي الجوشن بأنّ ذلك سيكون دليل ضعفٍ في الوالي، وعليه أن يأمر أن يأتي الحسين، ليعرض البيعة ليزيد أمام ابن زياد نفسه.

وأذعن ابن زياد وكتب إلى عمر بن سعد أنّ على الحسين أن يأتي إلى الكوفة، ويُعطي البيعة للخليفة أمام ابن زياد، وإنْ رفضَ الحسين هذا كان واجباً على عمر ابن سعد أن يقاتله ويقتله ويحتزّ رأسه، ويجعل الخيل تطأ جسده، فإنْ رفض ابن سعد قتال الحسين، عندئذٍ يجب عليه تسليم إمرة الجيش إلى شمر بن ذي الجوشن، وأوصل الشمر بنفسه هذه الرسالة إلى ابن سعد، وأعطى الشمر الأمان لثلاثة من أُخوة الحسين الذين يمتّون إليه بنسب، ولكنّهم رفضوا ذلك الأمان قائلين: إنّ أمان الله أعظم.

(317-327) كان الحسين جالساً أمام خيمته، فغفا غفوةً، فرأى في المنام أنّ النبيّ قال له: «إنّك قادمٌ إلينا»، وفي الوقت ذاته كان جيش الكوفة يقترب وكان متأهّباً للقتال، وسألهم الحسين أن يؤخّروا القتال إلى اليوم التالي لعلّه يدرس الموقف أكثر مع أصحابه أثناء الليل، فرضوا بتأخير القتال.

تحدّث الحسين مع أصحابه وخيّرهم أن ينصرفوا تحت الظلام، فلم ينصرف عنه إلّا رجلان، وأمّا بقيّة أصحابه فقد جدّدوا له العهد، وسمع عليُّ بن الحسين - الذي كان مريضاً تطبّبه عمّته زينب - أباه ينشد قصيدةً حول مقتلهم، وبدأت زينب تبكي وتقطّع ثيابها(*)، فهدّأ الحسين روعها قائلاً لها: إنّهم سيذهبون إلى الجنّة.

وطوال الليل وحتّى الصباح كان الحسين وأصحابه يُصَلّون ويُعِدّون أنفسهم للقتال، وقد جعلوا الخيام قريبةً من بعضها، واتّخذوا لأنفسهم مواضع لتكون الخيام خلف ظهورهم، وملأوا خندقاً خلف الخيام بالقصب والحطب؛ ليضرموا به النار، فيحموها إنْ هم هُوجموا من الخلف، وأذابوا مسكاً في إناءٍ من ماء ومسحوا به أنفسهم استعداداً للموت، وعند الصباح رفع الحسين نسخةً من القرآن أمامه، وركب هو وأصحابه جميعاً للقاء العدوّ.

(327-332) عندما رأى جيش الكوفة الحطب يشتعل خلف الخيام، سخر الشمر من الحسين سائلاً إيّاه إن كان تعجّل الذهاب إلى نار جهنّم، فأراد أحد أصحاب الحسين أن يرميه بسهمٍ، فمنعه الحسين؛ لأنّه كان يكره أن يكون هو البادئ بقتال.

فجلس الحسين على جواده وتحدّث إلى أهل الكوفة قائلاً: إنّ عليهم ألّا يقتلوه من أجل حرمته وحرمة أهل بيته، ولحبّ رسول الله له ولأخيه، وكذلك سأل بعض مَن كان في جيش الكوفة عن الرسائل التي كانوا قد بعثوها إليه، ودَعَوه فيها للقدوم إليهم، وطلب منهم أن يتركوه يعود من حيث أتى.

وأخيراً سلّم نفسه إلى الله واستعاذ به، وتحدّث بعد ذلك زهير بن القين، وحثّ أهل الكوفة على تجنّب القتال، حيث لا ينبغي للمسلم قتال أخيه المسلم، وقال: إنْ ضربَ السيف ستتفرّق الأُمّة، وإنّ الله جعل الحسين ليبتلي به الأُمّة ويمتحن إيمانها، ونصحهم بترك الطاغية ابن زياد والخليفة يزيد، حيث إنّهما لن يجلبا سوى الشرّ، وسألهم أن يتركوا الحسين ليذهب إلى يزيد على الأقل، ثمّ بدأ النزاع بين الشمر وزهير بن القين.

(332-335) عندما تحرّك الجيش نحو الحسين، عزل الحُرّ نفسه عن الحشود، وقال لرجل بجانبه، كان قد سأله عن فعله هذا، أنّه يخيّر نفسه بين الجنّة والنار، ثمّ انطلق نحو الحسين الذي استقبله مرحّباً به، وخاطب الحُرّ أهل الكوفة قائلاً: إنّهم شرّ ما فعلوا مع الحسين، حيث دعوه ثمّ غدروا به، والآن قد منعوه الماء الذي يشرب منه الكفّار والخنازير، ثمّ دعا عمر بن سعد باللواء ورمى سهماً، وبهذا بدأت المعركة (رسميّاً).

(335-338)كان عبدالله بن عمير الكلبي وزوجته أُمّ وهب بنت عبد قد التحقا من الكوفة بالحسين في أوّل الأمر، وعندما بدأ القتال تقدّم رجلان من جيش الكوفة، ودعوا أصحاب الحسين للمبارزة، فبرز عبدالله بن عمير وقتلهما، ثمّ هرعت أُمّ وهب لنصرة زوجها وبيدها عمود الخيمة، ولكنّها مُنعت من ذلك وأُعيدت مع النساء. وكان كلّما حمل العدوّ جثا أصحاب الحسين على ركبهم مسدّدين رماحهم نحو صدور الجياد، وبهذا كانوا يصدّون الحملات، وسخر رجل من أهل الكوفة من الحسين، فدعا عليه الحسين أن يبعثه الله إلى جهنّم، فسقط الرجل من على جواده، وعلقت رجله بالركاب فأسرع به الجواد، وضرب رأسه كلَّ حجرٍ ومدرٍ وهلك.

(338-356) في أوّل المعركة كان القتال رجلاً لرجل، ولكن أدرك قادة جيش الكوفة أنّ أصحاب الحسين كانوا يَقتلون من جيش الكوفة أكثر بكثير ممّا يُقتَل منهم، ولذلك منعوا كلَّ مبارزةٍ فرديّة، وبعد ذلك وسّع أهل الكوفة من حملاتهم.

ومن الواضح أنّ قصّة المعركة لم تُرو بترتيب زمني دقيق، ولكنّ أجزاءها جُمِعت فوق بعضها بنفس المضمون([522])، وجاءت رواية مَقاتِل بعض أصحاب الحسين البارزين بالتفصيل، وكذلك كلماتهم مع الحسين ومع العدو بالإضافة إلى أدعيتهم، وبعد مقتل أصحاب الحسين جاءت الرواية عن مقتل أهل بيته.

(356-361) كان أوّل من قُتل من أهل الحسين ولده عليّ الأكبر([523])، وكان يحمل على أهل الكوفة الذين كانوا يخشون قتله، ولكنّهم حملوا عليه أخيراً وقتلوه، فبكاه الحسين وأُخته زينب كثيراً، ثمّ قُتل عبدالله بن مسلم بن عقيل بسهمين، وصُرع ابن أخٍ للحسين فاستنجد بعمّه الذي انطلق لنجدته، ولكنّ الخيل وطأته فمات، وكان معظم مقاتلي العدو يخشون أن يكون دم الحسين في عنقهم، ولذلك كانوا يتجنّبون مهاجمته، ولكنّ رجلاً قد ضربه بالسيف على رأسه فجرحه فأثّر به ذلك، ثمّ جاء الحسين بطفل رضيع يحمله في حجره فجاءه سهم فذبحه، ثمّ قُتل إخوة الحسين وابن أخيه.

(361-366) كان الحسين عطشاناً فحاول الوصول إلى الماء، ولكنّ رجلاً من أهل الكوفة رماه بسهم وقع في حلقه فتدفّق منه الدم، فدعا الحسين على الرجل فبقي عطشاناً لا يروى مهما شرب من الماء، ثمّ حمل الشمر وبعض رجاله على الحسين، فبرز صبيٌّ من أهل الحسين للدفاع عنه فقُطعت ذراعه، ودافع الحسين دفاع الأبطال وكان العدو خائفاً من قتله، ثمّ هاجمته جماعة فخضبّوه بالجراح، ثمّ ضربه سنان بن أنس بن عمرو ضربةً قتلته.

وكان ذلك القسم من الرواية حول مَن بقي حيّاً من أهل الحسين أمام ابن زياد في الكوفة ويزيد في الشام قسماً معقّداً، وقد رُوي في صورةٍ معيّنة؛ ليعطي رسالةً خاصّة، وقد جاء هنا بصورة مختصرة، وسيأتي تحليله في الملحق (3).

(366-374) استُلب ما كان على جسد الحسين، ثمّ تحوّل الناس إلى خيم النساء وسلبوهنّ كلَّ شيءٍ، وأراد الشمر قتل عليّ الأصغر، ولكنّ عمر بن سعد منعه من ذلك، وكذلك منع استلاب خيم النساء، إلّا أنّ ما سُلِب لم يُعَد، ووطأت الخيل جسد الحسين، وأُخِذ رأسه إلى ابن زياد، وكذلك جاؤوا بأهل الحسين إلى الكوفة أمام ابن زياد، ونكت ابن زياد ثغر الحسين بقضيبه، فقام إليه رجل وقال: إنّه قد رأى رسول الله يرشف ثناياه، وتحاجّت زينب مع ابن زياد حول إرادة الله في قتل الحسين ومَن معه، ثمّ هدّد ابن زياد بقتل عليّ الأصغر، إلّا أنّ زينب حالت دون ذلك فبقي حيّاً، ودعا ابن زياد جميع أهل الكوفة للصلاة جامعة، ثمّ قال: إنّ الحسين (الكذّاب وابن الكذّاب) قد قُتل، فقام شيخ ضرير من الشيعة قائلاً: إنّ ابن زياد هو الكذّاب، فأراد ابن زياد قتله، فهبّت عشيرته فحمته وأخذته بعيداً، لكنّ ابن زياد تمكّن فيما بعد منه، فأخذه وقتله.

(374-383) أُخذ رأس الحسين إلى الخليفة يزيد في الشام، ثمّ جاؤوا بمَن بقي من أهل الحسين، وأظهر يزيد حزنه وندمه على قتل الحسين، ولكنّه قال أيضاً: إنّ الذنب كان ذنب الحسين نفسه. وتقول إحدى الروايات: إنّ يزيد نكت ثغر الحسين بقضيبه. وتعامل يزيد مع أهل الحسين بالحسنى(*)، مع أنّه تجادل مع زينب وعليّ، وبعد ذلك أرسلهم إلى المدينة يتبعهم موكب شايعهم باحترام.

(383-385) يحتوي هذا الفصل أربعة أخبارٍ مختلفة حول الأحداث التي تلَت مقتل الحسين، وحسب الخبر الأوّل أرسل ابن زياد رسولاً إلى المدينة يُعلن مقتل الحسين.

أمّا الخبر الثاني، فيقول: إنّ عبدالله بن جعفر - ابن عمّ الحسين - قد أُخبر بمقتل أبنائه فأظهر حزنه، لكنّه كان فخوراً؛ لأنّهم قُتلوا دفاعاً عن الحسين.

والخبر الثالث جاء فيه أنّ ابن زياد سأل عمر بن سعد عن الكتاب الذي أمره فيه بقيادة الجيش ضدّ الحسين، فرفض ابن سعد أن يعطيه إيّاه، وقال: إنّه قد بعثه إلى مكانٍ آخر كدليلٍ على أنّه لم يخرج لقتال الحسين من تلقاء نفسه.

وأمّا الخبر الرابع، فيحكي عن صوت غريب سُمع في المدينة ينشد قصيدةَ شؤم تُدين أُولئك الذين قتلوا الحسين.

 (386-388) أسماء الهاشميين الذين قُتلوا في المعركة.

(388-390)أراد ابن زياد من أحد أشراف الكوفة وهو عبيدالله بن الحُرّ الجعفي أن يُعلن ولاءه التامّ له، ولكنّ ابن الحُرّ رفض وفرّ، وبعد ذلك وصل إلى الكوفة ودعا الله أن يغفر له عدم نصرته للحسين، ثُمّ أنشد قصيدةً يمدح فيها أنصار الحسين ويذمّ خصومه.

الملحق (2) النصّ المعتمد

فيما يلي يأتي (النصّ المعتمد) بأكمله، ولقد ترجمته شخصيّاً، وقد اعتمدت فيها إلى حدٍّ بعيد على ترجمة هاوارد (Howard) في (تاريخ الطبري) (The History Of Al-Tabari)([524]).

القسم الأوّل

1- (295) عن هشام عن أبي مخنف قال: حدّثني أبو جناب، عن عدي بن حرملة، عن عبدالله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين، قالا: أقبلَ الحسينُ×(*) حتّى نزلَ شِراف، فلمّا كانَ في السحرِ أمرَ فتيانَه فاستقوا من الماءِ فأكثروا، ثمّ ساروا منها فرسموا صدرَ يومِهم حتّى انتصفَ النهار.

2- (296) ثمّ إنَّ رجلاً قالَ: الله أكبر، فقالَ الحسينُ: «الله أكبر ما كبّرت؟». قال: رأيتُ النخلَ، فقالَ لهُ الأسديان: إنَّ هذا المكان ما رأينا بهِ نخلةً قط. قالا: فقالَ لنا الحسينُ: «فما تريانه رأى؟». قلنا: نراه رأيَ هوادي الخيل، فقال: «وأنا والله، أرى ذلك». فقال الحسينُ: «أما لنا ملجأٌ نلجأُ إليه نجعله في ظهورِنا، ونستقبل القومَ من وجهٍ واحد؟». فقُلنا له: بلى، هذا ذو حُسُم إلى جنبِك تميلُ إليهِ عن يسارِك، فإنْ سبقتَ القومَ إليهِ فهو كما تريد.

3- قالا فأخذَ إليهِ ذاتَ اليسار، قالا: ومِلنا معهُ فما كانَ بأسرع من أنْ طلعَتْ علينا هواديُ الخيلِ، فتبيّنّاها وعدنا، فلمّا رأونا وقد عَدَلْنا عن الطريقِ، عَدَلوا إلينا كأنّ أسنّتهم اليعاسيب، وكأنّ راياتهم أجنحة الطير، قالَ: فاستبقنا إلى ذي حُسُم فسبقناهم إليه، فنزلَ الحسينُ وأمرَ بأبنتيهِ فضُرِبت.

4- وجاءَ القومُ وهم ألفُ فارسٍ معَ الحُرّ بنِ يزيد التميمي اليربوعي، حتّى وقفَ هو وخيلُه مقابلَ الحسينِ في حَرّ الظهيرةِ، والحسينُ وأصحابُه مُعْتَمّون متقلّدو أسيافهم، فقالَ الحسينُ لفتيانِهِ: «اسقوا القومَ وأَرووهم من الماء، ورشِّفوا الخيلَ ترشيفاً»، فقامَ فتيانُه فرشَّفوا الخيلَ ترشيفاً، فقامَ فتيةٌ وسقوا القومَ من الماءِ حتّى أَرووهم، وأَقبَلوا يملؤونَ القصاعَ والأتوارَ والطساسَ من الماءِ ثُمّ يدنونها من الفرسِ، فإذا عبّ فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عُزلت عنه وسقوا آخرَ، حتّى سقوا الخيلَ كلَّها.

5- قال هشام: حدَّثَني لقيط عن عليّ بنِ الطعّان المُحاربي([525]): كنتُ معَ الحُرّ بنِ يزيد، فجئتُ في آخر مَن جاءَ من أصحابِه، فلمّا رأى الحسينُ ما بي وبفَرَسي من العطشِ، قالَ: «أَنِخ الراوية»، والراوية عندي السقاء. ثُمّ قال: «يا بن أخ، أنخ الجمل». فأَنختُه فقال: «اشرب». فجعلتُ كلّما شربتُ سالَ الماءُ من السِقاءِ، فقالَ الحسينُ: «اخنث السقاء ». أي اعطفه. قال: فجعلتُ لا أدري كيفَ أفعلُ. قال: فقامَ الحسينُ، فخنثه فشربتُ وسقيتُ فرسي.

القسم الثاني

1- وكانَ مجيءُ الحُرِّ بنِ يزيد ومسيرُه إلى الحسينِ مِن القادسيّةِ، وذلك أنَّ عبيدَ الله بنَ زياد لمّا بَلغَهُ إقبالُ الحسينِ بعثَ الحصينَ بنَ تميمٍ([526]) التميمي وكانَ على شُرَطِهِ، فأمرَهُ أنْ ينزلَ القادسيّةَ وأنْ يضعَ المَسالحَ فينظم ما بين القَطْقَطانة إلى خفّان، وقدم الحُرّ بن يزيد بين يديهِ في هذهِ الألفِ من القادسيّة فيستقبل حسيناً.

القسم الثالث

1- فلم يزلْ موافقاً حسيناً حتّى حضرت الصلاةُ صلاةُ الظهرِ، فأمرَ الحسينُ الحجّاجَ بنَ مسروق الجعفي أنْ يُؤَذِّنَ فأذّنَ، فلمّا حضرت الإقامةُ خرجَ الحسينُ في إزارٍ ورداءٍ ونعلين، فحمدَ الله وأثنى عليه، ثمّ قال:

2- أيُّها الناس، إنّها معذرةٌ إلى الله } وإليكم. إنّي لم آتِكُم حتّى أتتني كتبُكم، وقدِمت عليّ رسلُكم أنْ أقدِم علينا فإنّهُ ليسَ لنا إمامٌ، لعلّ الله يجمعُنا بكَ على الهُدى، فإنْ كنتُم على ذلكَ فقد جئتُكُم، فإنْ تُعطوني ما أَطمئنُّ إليهِ من عهودِكم ومواثيقِكم أَقدِمُ مصرَكم، وإنْ لم تفعلوا وكنتُم لمقدمي كارهين انصرفتُ عنكم إلى المكانِ الذي أقبلتُ منهُ إليكُم.

3- فسكتوا عنهُ وقالوا للمؤذّن: أقم، فأقامَ الصلاة. فقالَ الحسينُ× للحُرّ: أتريدُ أنْ تصلّيَ بأصحابِك؟ قال: لا، بل تصلّي أنتَ ونُصلّي بصلاتِك. قال فصلّى بهم الحسين.

4- ثُمّ إنّه دخلَ واجتمعَ إليهِ أصحابُه، وانصرفَ الحُرّ إلى مكانِه الذي كانَ بهِ، فدخلَ خيمةً قد ضُربت لهُ فاجتمعَ إليهِ جماعةٌ من أصحابِه، وعادَ أصحابُه إلى صفّهم الذي كانوا فيهِ، فأعادوه ثمّ أخذَ كلُّ رجلٍ منهم بعنانِ دابّتهِ وجلسَ في ظلِّها.

القسم الرابع

1- فلمّا كانَ وقتَ العصرِ أمرَ الحسينُ أن يتهيّؤوا للرحيلِ، ثمّ إنّه خرجَ فأمرَ مناديَهُ فنادى بالعصرِ وأقامَ، فاستقدمَ الحسينُ فصلّى بالقومِ، ثمّ سلَّم وانصـرفَ إلى القومِ بوجههِ، فحَمِدَ الله وأثنى عليهِ، ثمّ قال:

2- أمّا بعدُ أيّها الناس، فإنّكم إنْ تتّقوا وتعرِفوا الحقَّ لأهلِهِ يكُنْ أرضى لله، ونحنُ أهلَ البيتِ أولى بولايةِ هذا الأمرِ عليكم مِن هؤلاءِ المُدَّعينَ ما ليسَ لهم، والسائرينَ فيكُم بالجورِ والعدوانِ، وإنْ أنتم كرِهتمونا وجَهِلتُم حقَّنا، وكانَ رأيُكُم غيرَ ما أتتني كتبُكم وقدِمتْ بهِ عليَّ رسلُكم انصرفتُ عنكم.

3- فقالَ لهُ الحُرُّ بنُ يزيد: إنّا والله، ما ندري ما هذهِ الكتبُ التي تذكر. فقالَ الحسينُ: يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجينِ اللذينِ فيهما كتبُهم إليّ. فأخرجَ خرجينِ مملوءينِ صُحُفاً، فنشرَها بين أيديهم. فقالَ الحُرُّ: فإنّا لسنا مِن هؤلاءِ الذينَ كتبوا إليكَ، وقد أُمِرنا إذا نحنُ لقيناكَ ألّا نفارقَك حتّى نُقدِمك على عبيدِ الله بن زياد. فقالَ لهُ الحسينُ: الموتُ أدنى إليكَ مِن ذلك. ثمّ قالَ لأصحابِه: قوموا فاركبوا، فرَكِبوا وانتظروا حتّى رَكِبت نساؤهُم.

القسم الخامس

1- فقالَ لأصحابِه انصرفوا بنا، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حالَ القومُ بينَهُم وبينَ الانصراف.

2- قالَ الحسينُ للحُرّ: ثكَلَتكَ أُمُّك، ما تريد؟ قالَ: أما والله، لو غيرُك مِن العربِ يقولُها لي وهو على مثلِ الحالِ التي أنتَ عليها ما تركتُ ذكرَ أُمِّه بالثكلِ، أنْ أقولَه كائناً مَن كانَ، ولكنْ والله، ما لي إلى ذكرِ أُمِّك مِن سبيلٍ إلّا بأحسن ما يُقدَرُ عليه.

3- فقالَ لهُ الحسين: فما تريد؟ قالَ الحُرّ: أُريدُ ـ والله ـ أنْ أنطلقَ بكَ إلى عبيدِالله ابنِ زياد. قالَ لهُ الحسينُ: إذَنْ ـ والله ـ لا أتبعُك. فقالَ لهُ الحُر: إذَنْ ـ والله ـ لا أدعُك. فترادّا القولَ ثلاثَ مراتٍ، ولمّا كثُرَ الكلامُ بينَهُما، قالَ لهُ الحُرّ: إنّي لم أومرْ بقتالِكَ، وإنَّما أُمِرتُ ألّا أُفارقَكَ حتّى أُقدِمَكَ الكوفةَ، فإذا أَبيتَ فخُذْ طريقاً لا تُدخلُكَ الكوفةَ ولا تردُّكَ إلى المدينةِ تكونُ بيني وبينَك نَصَفاً حتّى أَكتُبَ إلى ابنِ زيادٍ وتَكتُبَ أنتَ إلى يزيد بنِ معاوية إنْ أردتَ أنْ تكتبَ إليهِ، أو إلى عبيدِالله بنِ زياد إنْ شئت، فلعلّ الله إلى ذاكَ أنْ يأتيَ بأمرٍ يرزقُني فيهِ العافيةَ مِن أنْ أُبتَلى بشيءٍ مِن أمرِك.

4- قالَ: فخذ هاهنا. فتياسرَ عن طريقِ العُذَيبِ والقادسيّة وبينَهُ وبينَ العُذيبِ ثمانيةٌ وثلاثونَ ميلاً، ثمّ إنَّ الحسينَ سارَ في أصحابِه والحُرُّ يُسايرُه.

القسم السادس

1- قالَ أبو مخنفٍ: عن عُقبة بنِ أبي العيزار([527])، أنَّ الحسينَ خطبَ أصحابَهُ وأصحابَ الحُرّ بالبيضةِ، فحَمِدَ الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيُّها الناسُ، إنَّ رسولَ الله’ قال: مَن رأى سلطاناً جائراً، مُستَحِلّاً لحُرَمِ الله، ناكثاً لعهدِ الله، مُخالِفاً لسُنَّةِ رسولِ الله، يعملُ في عبادِ الله بالإثمِ والعدوانِ، فلم يُغيِّرْ([528]) عليهِ بفعلٍ ولا قولٍ، كانَ حقّاً على اللهِ أنْ يُدخِلَهُ مدخلَه.

2- ألا وإنَّ هؤلاءِ قد لزِموا طاعةَ الشيطانِ، وتركوا طاعةَ الرحمانِ، وأظهروا الفسادَ، وعطَّلوا الحدودَ، واستأثروا بالفيءِ، وأَحلّوا حرامَ اللهِ وحرَّموا حلالَه.

3- وأنا أحقُّ مَن غَيَّر. قد أتتني كتبُكم وقدِمَتْ عليَّ رسلُكم ببيعتِكم أنَّكم لا تُسلِّموني ولا تَخذُلوني، فإنْ تممتُم على بيعتِكم تُصيبوا رشدَكُم، فأنا الحسينُ بنُ عليّ، وابنُ فاطمةَ بنتِ رسولِ الله’، نفسي معَ أنفسِكم، وأهلي مع أهليكُم، فلكُم فيَّ أُسوة.

4- وإنْ لم تفعلوا ونقَضتُم عهدَكُم وخَلَعتُم بيعَتي مِن أعناقِكم، فلَعَمْري ما هي لكُم بنُكرٍ، لقد فعلتُموها بأبي وأخي وابنِ عمّي مسلم، والمغرورُ مَن اغترَّ بكُم، فحظَّكم أخطأتُم ونصيبَكُم ضيَّعتُم، ومَن نكثَ فإنّما ينكثُ على نفسِهِ وسيُغني الله عنكُم، والسلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

القسم السابع

1- وقالَ عقبةُ بنُ أبي العيزار: قامَ حسينٌ×)(*) بذي حُسُمٍ، فحَمِدَ الله وأثنى عليهِ، ثمّ قال: إنّهُ قد نزلَ مِن الأمرِ ما قد ترَوْنَ، وإنَّ الدُنيا قد تغيَّرت وتنكَّرت وأدبرَ معروفُها واستمرَّت جدّاً، فلم يبقَ مِنها إلّا صُبابةٌ كصُبابةِ الإناءِ، وخسيسُ عيشٍ كالمرعى الوبيل. ألا ترَوْنَ أنَّ الحقَّ لا يُعمَلُ بهِ وأنَّ الباطلَ لا يُتَناهى عنهُ، لِيرغَبَ المؤمنُ في لقاءِ اللهِ مُحِقّاً، فإنّي لا أرى الموتَ إلّا شهادةً، ولا الحياةَ معَ الظالمينَ إلّا بَرَما.

2- فقامَ زُهيرُ بنُ القينِ البَجَلي، فقالَ لأصحابِه: تتكلّمون أم أتكلّم؟ قالوا: لا، بل تكلَّم. فحَمِدَ الله فأثنى عليه، ثُمّ قال: قد سمعنا ـ هَداكَ الله يا بنَ رسولِ الله ـ مَقالتَك، واللهِ، لو كانتِ الدُنيا لنا باقيةً، وكُنّا فيها مُخَلَّدينَ إلّا أنَّ فراقَها في نَصرِكَ ومُواساتِكَ لآثَرنا الخروجَ معكَ على الإقامةِ فيها. قالَ فدعا لهُ الحسينُ، ثُمَّ قالَ لهُ خيراً.

القسم الثامن

1- وأقبلَ الحُرُّ يُسايرُهُ وهو يقولُ له: يا حسينُ، إنّي أُذَكِّرُك الله في نفسِك، فإنّي أَشهدُ لئِنْ قاتلتَ لتُقْتَلَنَّ، ولئِنْ قوتِلتَ لتَهلِكَنَّ فيما أرى. فقالَ له الحسينُ: أفبالموتِ تُخوِّفُني؟! وهل يَعدو بِكُم الخطبُ أنْ تَقتُلوني؟ ما أدري ما اُقولُ لكَ، ولكنْ أقولُ كَما قالَ أخو الأَوْسِ لابنِ عمِّهِ ولقيهُ وهوَ يُريدُ نصرةَ رسول الله’ فقالَ لهُ: أينَ تذهبُ فإنَّكَ مَقتولٌ.

2ـ فقال:

سأمضي وما بالموتِ عارٌ على الفتى
إذا ما نوى حقّاً وجاهدَ مُسلما
وآسى الرجالَ الصالحينَ بنفسِهِ
وفارَقَ مثبوراً يغشّ ويُرغما

قال: فلمّا سمِعَ ذلكَ مِنهُ الحُرّ تَنحَّى عنهُ.

القسم التاسع

1- وكانَ يسيرُ بأصحابِهِ في ناحيةٍ وحسينٌ في ناحية أُخرى حتّى انتهوا إلى عُذَيبِ الهِجانات، وكانَ بها هَجائنُ النُعمانِ ترعى هُنالك.

2- فإذا هُم بأربعةِ نفرٍ قد أقبلوا مِن الكوفةِ على رواحِلِهم يجنبون فرساً لنافع ابنِ هِلال، يُقالُ لهُ: الكامل، ومعَهُم دليلُهم الطّرِمّاحُ بنُ عدي على فرسِهِ وهو يقول:

 

يا ناقتي لا تذعَري من زجري
وشَمِّري قبلَ طلوعِ الفجرِ
بخيرِ رُكبانٍ وخيرِ سفرِ
حتّى تحلّي بكريمِ النجرِ
الماجدِ الحُرّ رحيبِ الصدرِ
أتى بهِ الله لخيرِ أمرِ
ثمّتَ أبقاهُ بقاءَ الدهرِ

قال فلمّا انتهوا إلى الحسينِ أنشَدوهُ هذهِ الأبيات فقال: أما والله، إنّي لأرجو أنْ يكونَ خيراً ما أرادَ الله بِنا قُتِلنا أم ظَفَرنا.

3- قال وأقبلَ إليهم الحُرّ بنُ يزيد فقال: إنَّ هؤلاءِ النفر الذينَ مِن أهلِ الكوفةِ ليسوا ممَّن أقبلَ معَكَ وأنا حابِسُهم أو رادُّهم. فقالَ لهُ الحسينُ: لأَمنَعنَّهُم ممّا أمنعُ مِنهُ نفسي. إنّما هؤلاءِ أَنصاري وأَعواني، وقد كنتَ أعطيتَني ألّا تعرضَ لي بشيءٍ حتّى يأتيكَ كتابٌ مِن ابنِ زيادٍ. فقال: أجَل، لكنْ لم يأتوا معَك. قال: هُم أصحابي وهُم بمنزلةِ مَن جاءَ معي، فإنْ تممتَ على ما كانَ بيني وبينَك وإلّا ناجزتُك. قالَ: فكَفَّ عنهُم الحُرّ.

القسم العاشر

1- ثُمَّ قالَ لهُم الحسينُ: أخبروني خبرَ الناسِ وراءَكُم. فقالَ لهُ مجمعُ بنُ عبدِالله العائذي ـ وهو أحدُ النفرِ الأربعة الذينَ جاؤوه ـ: أمّا أشرافُ الناسِ فقد أُعظِمَت رشوتُهم ومُلِئَت غرائرُهم، يُستَمالُ ودُّهم ويُستخلَصُ بهِ نصيحتُهم، فهُم ألبٌ واحدٌ عليكَ، وأمّا سائرُ الناس فإنَّ أفئدتَهم تهوي إليكَ، وسيوفَهم غداً مشهورةٌ عليك.

2- قالَ: أخبروني، فهل لكُم برسولي إليكُم؟ قالوا: مَن هو؟ قال: قيسُ بنُ مُسهِر الصيداوي. فقالوا: نعم أخذَهُ الحصينُ بنُ تميم فبعثَ به إلى ابنِ زيادٍ، فأمرَهُ ابنُ زيادٍ أنْ يلعنَكَ ويلعنَ أباك، فصلَّى عليكَ وعلى أبيكَ، ولعنَ ابنَ زيادٍ وأباه، ودعا إلى نُصرَتِك وأخبرَهُم بقدومِكَ، فأمرَ بهِ ابنُ زيادٍ فأُلقِيَ من طمارِ القصـر. فترَقرَقَت عينا حسينٍ ولم يملِكْ دمعَهُ، ثُمَّ قال: مِنهُم مَن قضى نحبَهُ ومِنهُم مَن يَنتَظرُ وما بدَّلوا تبديلاً. الّلهُمَّ اجعلْ لنا ولهُم الجَنَّةَ نُزُلاً، واجمَعْ بينَنا وبينَهُم في مُستَقَرٍّ مِن رحمتِكَ، ورغائب مذخورِ ثوابِك.

الملحق (3) موقف يزيد من مقتل الحسين

في مقدّمة ترجمته للجزء الذي يحتوي على أحداث كربلاء من تاريخ الطبري، يقول آيان كَيْ أَيْ هاوارد (Ian K. A. Howard): «إنّ النص غالباً ما يصوّر الخليفة يزيد بن معاوية في صورةٍ إيجابيّة، ويحاول نقل اللوم في قتل الحسين من يزيد إلى والي الكوفة عبيدالله بن زياد»([529]).

ويورِد هاوارد (Howard) أيضاً أخباراً على العكس من ذلك، يتبع هاوارد (Howard) في هذا بواز شوشان (Boaz Shoshan) ويقول: «إنّ هناك نمطاً واضحاً في النصِّ لصالح يزيد، ولكنّه يختلف قليلاً عن هاوارد (Howard)؛ من حيث إنّه يختار التغاضي عن بعض الأخبار المتناقضة التي يوردها هاوارد (Howard)، وعندما لا يستطيع تجاهل تلك الأخبار، فإنّه يتعامل معها على أنّها شاذّة قليلاً أو كثيراً عن النصِّ»([530]).

يعتبر شوشان (Shoshan) أنّ هذه هي واحدة من الأمثلة العرضيّة، حيث يكشف فيها الطبري عن أفكاره السياسيّة.

أمّا أُلريكا مارتنسون، فإنّها تتبنّى نفس الرأي عندما تقول: «إنّ يزيد يوصف بأنّه رجل دولة نبيل وعادل فيما يخصّ أوامر القرآن وحقوقه (حقوق يزيد) الدستوريّة، وقد حزن لفقدان الحسين كحُزنِ مَن بقي حيّاً من عائلة الحسين»([531]).

وأنا لا أجد صعوبة في اتّباع هؤلاء المحقّقين الثلاثة فيما افترضوا، من أنّ بعض الأخبار كانت موافقةً للخطّ الأُموي، ولكنّني غير مستعدّ لأن أذهب بعيداً، كما فعل شوشان (Shoshan)، وأطرح ذلك على أنّه من سياسة الطبري نفسه، ولا أعتقد أنّ الطبري يرغب بتصوير يزيد بهذه التعابير الإيجابيّة كما ترى مارتنسون، بل بالعكس، فأنا أرى أنّ المؤرّخ هنا يعطي صورةً ملطّخة عن يزيد على الأقل، إنْ لم تكن سلبيّةً برمّتها؛ وذلك لعدم احترامه حرمة الحسين.

لقد جاء بيان بعض الدلائل على رأيي هذا فيما سبق. هنا سأناقش فقط ترتيب الروايات التي تخصّ الجزء الذي وردت فيه إهانة رأس الحسين؛ لكي أؤيّد أدلّتي في هذا المقطع.

هناك أربع روايات حول هذه الحادثة، فقد نقلت لنا الأخبار باختصار أنّه عندما جاؤوا برأس الحسين أمام والي الكوفة عبيدالله بن زياد ـ في روايتين ـ، أو أمام الخليفة يزيد ـ في الروايتين الأخريين ـ، بدأ الوالي أو الخليفة بنكت ثغر الحسين بقضيبه، في ثلاثٍ من الروايات قام شيخٌ ممَّن شهدوا ذلك، فعنّف الوالي أو الخليفة قائلاً إنّه قد شهد رسول الله وهو يقبّل تلك الشفاه. هنا يجب تفسير هذا العمل بأنّه بلا شكٍّ إهانة للحسين واستخفاف بحرمته، ومن خلال كلمات ذلك الشيخ - وهو من صحابة رسول الله - يُفهم أنّ ذلك العمل كان إهانة لرسول الله نفسه.

الموقف الأوّل في هذه الحادثة يأتي في خبر عمّار الدهني ـ المروي عن الإمام الخامس عند الشيعة، وهو حفيد الحسين، محمّد الباقر ـ قبل منتصف القصّة([532]). في هذه الحال كان يزيد هو مَن أهان رأس الحسين، وهو ينشد هذا البيت:

يفلقنَ هاماً مِن رجالٍ أحبّةٍ إلينا
وهُم كانوا أعقَّ وأظلما

فقام إليه أبو برزة الأسلمي - وهو من صحابة رسول الله - وعنّفه على ذلك.

الموقف الثاني يُروى عن الحصين بن عبد الرحمان بعد بضع صفحات من ذلك، وقبل منتصف القصّة أيضاً([533]). وهنا كان ابن زياد هو مَن أهان رأس الحسين بقضيبه، معلّقاً أنّ شعر الحسين قد شاب.

الموقف الثالث والرابع للحادثة يأتيان في الرواية الطويلة لهشام بن الكلبي في أواخر القصّة تقريباً([534]). وكلا الروايتين عن أبي مخنف، في الأُولى كان والي الكوفة هو مَن أهان رأس الحسين، وفي الثانية كان الخليفة هو مَن أهان الرأس، وهو ينشد الشعر المذكور أعلاه، ففي الحالتين يقع اللوم على الحاكم، والرجل الذي أنّب ابن زياد على فعلته تلك يُقال أنّه زيد ابن أرقم، بينما الرجل الذي اعترض على يزيد هو أبو برزة، كما في رواية عمّار الدهني (اُنظر الجدول التالي).

ترتيب الروايات الأربعة حول ما فعلوا برأس الحسين كما في تاريخ الطبري.

المكان

 الراوي

 المعتدي

المعنِّف (المعترض)

282-283

عمّارالدهني ـ الإمام الباقر

يزيد بن معاوية

أبو برزة الأسلمي

286

الحسين بن عبدالرحمان

عبيدالله بن زياد

ــــــــــــــ

370-371

هشام بن الكلبي ـ أبو مخنف

عبيدالله بن زياد

زيد بن أرقم

382-383

هشام بن الكلبي ـ أبو مخنف

يزيد بن معاوية

أبو برزة الأسلمي

ملاحظة: أرقام الصفحات في العمود الأيمن تشير إلى تاريخ الطبري: ج2.

كما بيّن عددٌ من المحقّقين، فإنّ ترتيب الروايات ذات المضامين المتناقضة هو وسيلة مهمّة عند الطبري في عرض آرائه الشخصيّة بنجاح، وإنّ الروايات المختلفة التي تقدّم وتختم خبراً ما، لها أهمّية خاصّة في هذا الخصوص([535])، ففي هذه الحال جاء ترتيب هذه الروايات الأربعة، بحيث يكون يزيد هو المعتدي في الرواية الأُولى والرواية الأخيرة، بينما يكون ابن زياد هو المعتدي في الروايتين اللتين في الوسط، بالإضافة إلى ذلك ففي إحدى الروايات لم يُعنَّف ابن زياد من قِبَل أحد صحابة رسول الله. أنا لست متأكّداً من أنّ بالإمكان القول: إنّ الطبري ألقى اللوم على أحدهما أكثر من الآخر.

وعلى أيّة حالٍ، فإنّ أخْذ ذلك في الحسبان مع الصورة التي ظهرت في الأجزاء الأُخرى من الرواية حول ما حدث بعد مقتل الحسين، يُعطي الانطباع أنّ بكاء يزيد على مقتل الحسين لم يكن سوى دموع التماسيح.

الملحق (4) نبذة عن تورستن هايلين (Torsten Hylén)

 ولد عام 1956م، وحصل على الدكتوراه من جامعة أوبسالا (Uppsala University) في سنة 2007م. عمل في جامعة دالارنا (Dalarna University) في مجال تاريخ الأديان كمحاضر مساعد منذ 1996م ، وكمحاضر أول منذ 2007م.

تتعلّق بحوثه بصورة رئيسة بتاريخ الإسلام المبكّر، مع التركيز على فترة نشوء التشيّع، ولكنّه كتب أيضاً حول القضايا النظرية في تاريخ الأديان والتعليم الديني، وفي الوقت الحاضر، يعكف على مشروعين يموّلهما مجلس البحوث السويدي؛ أحدهما بعنوان: (الثأر أو الشهادة! قصة التوّابين كقرينة على التطوّر المبكّر للتشيّع)، والآخر - بالمشاركة مع خمسة باحثين آخرين من مختلف الجامعات الإسكندنافية ـ حول تطوّر علم الإلهيّات عند الشيعة خلال العقود الماضية، وعنوانه: (سلطة التفاوض في الفكر الشيعي المعاصر وممارساته).

 من نتاجه العلمي

 * معاني جديدة للطقوس القديمة: نشوء طقوس العزاء في الإسلام الشيعي، 2014. مقالة:

)قال:New Meanings To Old Rituals The Emergence Of Mourning Rituals In Shiʿite Islam).

* واقعة كربلاء في المفاوضات الشيعية المعاصرة حول السلطة:

 (The Karbala Drama In Contemporary Shi'ite Negotiations About Authority).

* مفاهيم مغلقة ومفتوحة في الدين: مشكلة الماهوية في التعليم حول الأديان، جزء من كتاب دراسي بعنوان: الآلهة، 2014م:

 (Closed And Open Concepts Of Religion : The Problem Of Essentialism In Teaching About Religion(

*(التحوّل) و(الدين): مفهومان معضلان في دراسة الإسلام في أفريقيا، 2013م:

(Conversion' And 'Religion' : Two Troublesome Concepts In The Study Of Islam In Africa).

* الثأر أو الشهادة! قصة التوّابين كقرينة على التطوّر المبكر للتشيّع،2012م:

 (Revenge Or Martyrdom! : The Story Of The Penitents As A Link To The Early Development Of Shi'ism).

* الماهيويّة في التعليم الديني؛ بعض التأملات حول المشاكل التعليمية، 2012م:

 (Essentialism In Religious Education : Some Reflections On A Didactical Problem).

* الصلاة جهراً أم في إخفاتاً؟ التداخل المفاهيمي والعواطف في تحليل الطقوس، الدين، والظاهرة البشرية: المؤتمر العالمي العشرون الذي عقدته الجمعية الدولية لتاريخ الأديان في عام 2011م، مقالة:

(Praying Aloud Or In Silence? : On Conceptual Blending And Emotions In The Analysis Of Rituals).

* قراءة بنيوية لواقعة كربلاء، 2007م:

(A Structuralist Reading Of TheKarbala Drama).








 



 

المصادر


أولاً: مصادر الكتاب

1.      Abou El Fadl, Khaled. "Ahkarn Al-Bughat: Irregular Warfare And The Law Of Rebellion In Islam." In Cross, Crescent And Sword: The Justifi­cation And Limitation Of War In Western And Islamic Tradition, Edited By James Turner Johnson And John Kelsay, 149-176. New York: Greenwood Press, 1990.

خالد أبو الفضل، "أحكام البغاة، الحرب غير المنظّمة وقانون التمرّد في الإسلام في: الصليب، الهلال، والسيف، تبرير الحرب وتقييدها في العُرف الغربي والإسلامي، إعداد جيمس ترْنَر جونسون وجون كلْسـي، 149- 176. نيويورك: مطبعة غرينوود، 1990م.

2.      Alexander, Scott C. "Fear." In Eq

سكوت سي، ألكساندر، "الخوف".

3.      Amir-Moezzi, Mohammad Ali. The DivineGuide In Early Shiism: The Sources Of Esotericism In Islam. Translated By David Streight. Al­bany: State University Of New York Press, 1994.

محمّد علي أمير معزّي، "الهداية الإلهيّة في التشيّع الأول: مصادر "الروحيّات في الإسلام"، ترجمة: ديفيد سترَيْت. ألباني، مطبعة جامعة ولاية نيويورك، 1994م.

4.              Arnaldez, Roger. "Hayat." In E/2.

روجر أرنالديز، "الحياة".

5.      Ayoub, Mahmoud. Redemptive Suffering In Islam: A Study Of Devotional Aspects Of Ashura' In Twelver Shiism. The Hague: Mouton, 1978.

محمود أيّوب، "معاناة التكفير (عن الذنب) في الإسلام، دراسة للخواص التعبّديّة لعاشوراء عند الشيعة الاثني عشريّة"، لاهاي: موتون، 1978م.

6.      Baladhuri, Ahmad B. Yahya Al- (D. 279/8920. Ansab Al-Ashraf. Edited By Muhammad Baqir Al-Mahmudi. Vol. 3. Beirut: Dar Al-Ta’aruf Li-L­matbu’at, 1977.

أحمد بن يحيى البلاذري (المتوفّى سنة 279 هـ/892 م)، أنساب الأشراف، تحقيق: محمد باقر المحمودي، بيروت: دار التعارف للمطبوعات، 1977م.

7.      Bascom, William. "The Forms Of Folklore: Prose Narratives." In Sacred Narratives: Readings In The Theory Of Myth, Edited By Alan Dundes, 6-29. Berkeley: University Of California Press, 1984.

ويليم باسكوم، "أشكال الفولكلور، روايات النثر" في "الروايات المقدّسة، قراءات في نظرية الأُسطورة"، إعداد: آلان دوندس، 6- 29. بيركلي، مطبعة جامعة كاليفورنيا، 1984م.

8.      Bergman, Jan. "Myt Och Historia: Historien Om Myten Och Myten Om Hi­storien." Svensk Teologisk Kvartalsskrift, No. 52 (1976): 29-39.

جان بيرغمان، "الأُسطورة والتاريخ، تاريخ الأُسطورة وأُسطورة التاريخ"، مجلة اللاهوت الفصلية السويدية، العدد (52) (1976م): 29-39.

9.      Bonnefoy, Yves, Ed. Mythologies: A Restructured Translation Of Dictionnaire Des Mythologies Et Des Religions Des Societes Traditionelles Et Du Monde Antique. 2 Vols. Prepared Under The Di­rection Of Wendy Doniger. Chicago: University Of Chicago Press, 1991.

إيفيز بونفوي، "علم الأساطير، ترجمة مجدّدة لـ "قاموس الأساطير والأديان للمجتمعات التقليديّة والعالم القديم"، مجلدان، أُعِدّ تحت إشراف وندي دونيغر، شيكاغو، مطبعة جامعة شيكاغو، 1991م.

10.  Bowker, John. Problems Of Suffering In The Religions Of The World. Cam­bridge: Cambridge University Press, 1970.

جون بوكر، "مشاكل المعاناة في أديان العالم"، كامبردج، مطبعة جامعة كامبريدج، 1970م.

11.Calder, Norman. "The Significance Of The Term Imam In Early Islamic Jurisprudence." Zeitschrift Für Die Geschichte Der Arabisch­islamischen Wisseschaften 1 (1984): 253-264.

نورمان كالدر، "أهمية مصطلح الإمام في الفقه الإسلامي المبكر"، مجلة تاريخ العلوم العربية والإسلاميّة، (1984م). ص 253-264.

12.  ---.Review Of God's Caliph: Religious Authority In The First Centuries Of Islam By P. Crone And M. Hinds. Journal Of Semitic Studies 32 (1987) : 375-378.

--- إستعراض لـ "خليفة الله، السلطة الدينية في القرون الأُولى للإسلام"، بقلم: بي. كرون وأم. هيندز، مجلة الدراسات السامية العدد (32) (1987م). 375-378.

13.  Cassirer, Ernst. "Structuralism In Modern Linguistics." Word 1, No. 2 (1945): 99-120.

إرنست كاسِرر، "البنيوية في علم اللغة الحديث"، الكلمة الأُولى، العدد (2) (1945م). 99-120.

14.  Caws, Peter. Structuralism: A Philosophy For The Human Sciences. 2: Nd Ed. Amherst: Humanity Books, 2000.

بيتر كاوز، "البنيوية: فلسفة للعلوم الإنسانيّة"، الطبعة الثانية، أمهرست، هيومانِتي بُكْس (كتب الإنسانية)، 2000م.

15.  Cobb, Paul M. Review Of Reinterpreting Islamic Historiography By Tayeb El-Hibri. Journal Of The American Oriental Society 121, No. 1(2001) : 109 -110.

باول أم. كوب، إستعراض لـ "إعادة تفسير التأريخ الإسلامي"، الطيب الهبري، مجلة المجتمع الشرقي الأمريكي، العدد (1) (2001م). 109 -110.

16.  Cole, Juan. Sacred Space And Holy War: The Politics, Culture And History Of Shiite Islam. London: I.B. Tauris, 2002.

خْوان كول، "الفضاء المقدّس والحرب المقدّسة: سياسة وثقافة وتاريخ الإسلام الشيعي". لندن: آي. بي. توريس، 2002م.

17.  Cook, Michael. Commanding Right And Forbidding Wrong In Islamic Thought. Cambridge: Cambridge University Press, 2000.

مايكل كوك، "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفكر الإسلامي"، كامبردج: مطبعة جامعة كامبريدج، 2000م.

18.  Crone, Patricia. Medieval Islamic Political Thought. Edinburgh: Edinburgh University Press, 2004.

باتريشيا كرون، "الفكر السياسي الإسلامي في العصور الوسطى"، ادنبرة: مطبعة جامعة أدنبرة، 2004م.

19.  Crone, Patricia, And Martin Hinds. God's Caliph: Religious Authority In The First Centuries Of Islam. Cambridge: Cambridge University Press, 1986.

باتريشيا كرون ومارتن هيندز، "خليفة الله، السلطة الدينية في القرون الأولى للإسلام"، كامبردج، مطبعة جامعة كامبريدج، 1986م.

20.  Dakake, Maria Massi. "Loyalty, Love And Faith: Defending The Boundaries Of The Early Shiite Community." Phd Thesis, Princeton University,2000.

ماريا ماسي داكاكي، "الولاء والحب والإيمان، الدفاع عن حدود الطائفة الشيعيّة في العصر الأوّل". أطروحة دكتوراه، جامعة برينستون، 2000م.

21.  Deliege, Robert. Levi-Strauss Today: An Introduction To Structural Anthropology. Translated By Nora Scott. Oxford: Berg, 2004.

روبرت دالييج، "ليفي شتراوس اليوم، مدخل إلى الأنثروبولوجيا البنيويّة"، ترجمة نورا سكوت. أكسفورد: بيرغ، 2004م.

22.  Denny, Frederick Mathewson. "Tawwabun." In E/2.

فريدريك ماثيوسون دَني، "التوابون".

23.  Donner, Fred M. Narratives Of Islamic Origins: The Beginnings Of Islamic Historical Writing. Princeton: Darwin, 1998.

فْرَد أم. دونر، "روايات من أصول إسلامية: بدايات الكتابة التاريخية الإسلامية"، برينستون: داروين، 1998م.

24.  Durkheim, Émile. Les Formes Élémentaires De La Vie Religieuse. Paris: Li­brairie Felix Alcan, 1925.

إميل دوركهايم، "الأشكال الأوليّة للحياة الدينيّة"، باريس، مكتبة فيليكس الكان، 1925م.

25.  E.J. Brill's First Encyclopedia Of Islam. Edited By W.Th. Houtsma, Et Al. Leiden: E.J. Brill, 1913-1936. Reprint, 1993.

"موسوعة الإسلام الأولى لـ إي. جَي. بريل". إعداد: دبليو. تي أج. هوتسما وآخرين. لَيْدِن: إي. جَي. بريل، 1913- 1936م. طبعة ثانية سنة 1993م .

26.  El-Hibri, Tayeb. Reinterpreting Islamic Historiography: Harun Al-Rashid And The Narrative Of The Abbasid Cailpahte. Cambridge: Cam­bridge University Press, 1999.

الطيّب الهبري، "إعادة تفسير التأريخ الإسلامي، هارون الرشيد وقصّة الخلافة العباسيّة"، كامبريدج، مطبعة جامعة كامبريدج، 1999م.

27.  ---. "The Unity Of Tabari's Chronicle." Al-Usur Al-Wusta: The Bulle­tin Of Middle East Medievalists 11, No. 1 (1999): 1-3.

--- "وحدة تاريخ الطبري". العصور الوسطى، نشـرة المتخصّصين في تاريخ القرون الوسطى للشرق الأوسط 11، العدد (1) (1999م). 1-3.

28.  Elad, Amikam. "Community Of Believers Of 'Holy Men' And 'Saints' Or Community Of Muslims? The Rise And Development Of Early Muslim Historiography." Review Of Narratives Of Islamic Origins By Fred M. Donner. Journal Of Semitic Studies 47, No. 1 (2002): 241-308.

إلعاد أميكام، "أُمّة المؤمنين من"القدّيسين" و"الأولياء" أو أمّة المسلمين؟ نشأة وتطوّر التأريخ الأسلامي الأوّل". استعراض لـ "روايات من أُصول إسلامية"، من قِبَل فْرَد أم. دونر، مجلة الدراسات السامية 47، العدد (1) (2002م). 241-308.

29.  Enayat, Hamid. Modern Islamic Political Thought: The Response Of The Shii And Sunni Muslims To The Twentieth Century. London: Macmillan, 1982.

حامد عنايات، "الفكر السياسي الإسلامي المعاصر: تجاوب المسلمين الشيعة والسنة مع القرن العشرين"، لندن: ماكميلان، 1982م.

30.  Encyclopedia Of Islam. Edited By C.E. Bosworth, Et Al. 2nd Ed. 10 Vols. Leiden: Brill, 1960-2002.

"موسوعة الإسلام"، إعداد: سي. إي. بوسوورث وآخرين، الطبعة الثانية، 10 مجلدات. لَيْدِن، بريل، 1960 ـ 2002م.

31.  Encyclopedia Of The Qur'an. Edited By Jane Dammen Mcauliffe. 6 Vols. Leiden: Brill, 2001-2006.

"موسوعة القرآن الكريم"، إعداد: جين دامن مكوليف، 6 مجلدات. ليدن: بريل، 2001 2006م.

32.  Esposito, John L., And John 0. Voll. Islam And Democracy. Oxford: Ox­ford University Press, 1996.

جون أل. اسبوزيتو وجون أُو. فول، "الإسلام والديمقراطية"، أكسفورد: مطبعة جامعة أكسفورد، 1996م.

33.  Van Ess, Josef. Theologie Und Gesellschaft Im 2. Und 3. Jahrhundert Hidschra: Eine Geschichte Des Religiösen Denkens Im Frühen Islam. 6 Vols. Berlin: De Gruyter, 1991-1997.

جوزيف فان أس، "اللاهوت والمجتمع في القرن الثاني والثالث الهجري: تاريخ الفكر الديني في الإسلام المبكّر"، 6 مجلدات. برلين، دي غرويتر، 1991 1997م.

34.  ---. "Political Ideas In Early Islamic Religious Thought." British Journal Of Middle Eastern Studies 28, No. 2 (2001).

--- "الأفكار السياسية في الفكر الديني الإسلامي المبكر"، المجلة البريطانية للدراسات الشرق أوسطيّة 28، العدد (2) (2001م).

35.  Fadel, Muhammad Hossam. "Chastisement And Punishment." In EQ

محمد حسام فاضل، "العقاب والحساب".

36.  Geertz, Clifford. The Interpretation Of Cultures: Selected Essays. London: Fontana, 1993.

كليفورد غيرتز، "تفسير الثقافات: مقالات مختارة"، لندن، فونتانا، 1993م.

37.  Gilliot, Claude. Exégèse, Langue Et Theologie En Islam: L'exégèse Coranique De Tabari. Paris: Vrin, 1990.

كلود جيليوت، "التفسير واللغة وعلم الكلام في الإسلام، تفسير القرآن للطبري"، باريس: فْرين،1990م.

38.  ---."Mythe, Récit, Histoire Du Salut Dans Le Commentaire Coranique De Tabari."Joumal Asiatique 282, No. 2 (1994): 237-270.

--- "الأُسطورة والقصّة وتاريخ التحيّة (أو تاريخ الخلاص) في تفسير الطبري"، المجلة الآسيويّة 282، العدد (2) (1994م): 237-270.

39.  Gottschalk, Peter. Beyond Hindu And Muslim: Multiple Identity In Narratives From Village India. Oxford: Oxford University Press, 2000.

بيتر غوتشوك، "ماوراء الهندوسي والمسلم، هوية متعدّدة في روايات من قرية الهند"، أكسفورد: مطبعة جامعة أكسفورد، 2000م.

40.  Grater, Irene. "Arabische Bestattungsbräuche In Frühislamischer Zeit."Der Islam 31-32 (1953-57).

آيرين غروتر،"تشييع الجنائز في عصر الإسلام الأول"، الإسلام، 31-32 (1953- 1957م).

41.  Günther, Sebastian. "Maqatil Literature In Medieval Islam." Journal Of Arabic Literature 25, No. 3 (1994): 192-212.

سباستيان غونتر، " أدب المقاتل في إسلام العصور الوسطى"، مجلة الأدب العربي 5، رقم 3 (1994م). 192-212.

42.  Haddad, Yvonne Yazbeck, And Jane I. Smith. The Islamic Understanding Of Death And Resurrection. 2nd Ed. Oxford: Oxford University Press, 2002.

إيفون يزبك حداد وجين آي. سميث، "الفهم الإسلامي للموت والقيامة"، الطبعة الثانية، أوكسفورد: مطبعة جامعة أكسفورد، 2002م.

 

43.  Halm, Heinz. Shi’a Islam: From Religion To Revolution. Translated By Allison Brown. Princeton: Marcus Wiener Publishers, 1997.

هاينز هالم، "الإسلام الشيعي، من الدين إلى الثورة"، ترجمة: أليسون براون. برينستون، ماركوس فينر للنشر، 1997م.

44.  Halpern, Manfred. "Choosing Between Ways Of Life And Death And Be­tween Forms Of Democracy: An Archetypal Analysis." Alternatives 12, No. 1 (1987): 5-35.

مانفريد هالبيرن، "الإختيار بين طرق الحياة والموت وبين أشكال الديمقراطية: تحليل نموذجي"، (مجلة) البدائل 12، العدد (1) (1987م). 5-35.

45.  Hasson, I. "Ziyad B. Abihi." In E/2.

آي. حسون، "زياد ابن أبيه".

46.  Hawting, Gerald R. "Translator's Foreword." In The History Of Al-Tabari. Vol. 20: The Collapse Of Sufyanid Authority And The Coming Of The Marwanids. Translated And Annotated By G. R. Hawting, Xi­xviii. New York: State University Of New York Press, 1989.

جيرالد آر. هاوتنغ، "مقدمة المترجم"، في "تاريخ الطبري"، المجلد 20، سقوط السلطة السفيانية ومجيء المروانيين. ترجمة وتعليق: جيرالد آر. هاوتنغ، نيويورك، مطبعة جامعة ولاية نيويورك، 1989م.

47.  ---. "The Tawwabun, Atonement And ‘Asura’." Jerusalem Studies In Arabic And Islam 17 (1994): 166-181.

---"التوّابون، التكفير (عن الذنب) وعاشوراء"، القدس للدراسات في اللغة العربية والإسلام 17، (1994م). 166-181.

48.  ---. The First Dynasty Of Islam: The Umayyad Caliphate AD 661­750. 2nd Ed. London: Routledge, 2000.

--- الأُسرة الحاكمة الأُولى في الإسلام: الخلافة الأُموية (661-750م)، الطبعة الثانية، لندن، روتليدج، 2000م.

49.  Henaff, Marcel. Claude Levi-Strauss. Paris: Pierre Belfond, 1991.

مارسيل هناف، "كلود ليفي ستراوس"، باريس: بيير بلفوند،1991م.

50.  ---. Claude Levi-Strauss And The Making Of Structural Anthropology. Translated By Mary Baker. Minneapolis: University Of Minnesota Press, 1998.

--- "كلود ليفي ستراوس وابتداع الأنثروبولوجيا البنيوية"، ترجمة: ماري بيكر، مينيابوليس: مطبعة جامعة ولاية مينيسوتا، 1998م.

51.  Hinds, Martin. Studies In Early Islamic History. Princeton: Darwin Press, 1996.

مارتن هيندز، "دراسات في التاريخ الإسلامي المبكر"، برينستون، مطبعة داروين، 1996م.

52.  Hodgson, Marshall G. "How Did The Early Shia Become Sectarian?"Jour­nal Of The American Oriental Society75 (1955): 1-13.

مارشال جي. هوجسون، "كيف اصبح الشيعة الأوائل طائفيين؟" مجلة المجتمع الأمريكي الشرقي، (1955م).1-13.

53.  ---. "Two Pre-Modern Muslim Historians: Pitfalls And Opportunities In Presenting Them To Moderns." In Towards World Community, Edited By John Nef, 53-68. The Hague: Junk, 1968.

--- "اثنان من المؤرّخين المسلمين ما قبل العصـر الحديث، العقبات والفرص في تقديمهم إلى أهل العصر الحديث"، في "نحو مجتمع عالمي"، إعداد: جون نَف، 53-68. لاهاي: جانك، 1968م.

54.  ---. The Venture Of Islam: Conscience And Civilization In A World Civilization. 3 Vols. Vol. 1. The Classical Age Of Islam. Chicago: University Of Chicago Press, 1974.

---"جرأة الإسلام، الضمير والحضارة في حضارة عالميّة"، 3 مجلدات، المجلد رقم1، العصر الكلاسيكي للإسلام. شيكاغو: مطبعة جامعة شيكاغو، 1974م.

55.  Honko, Lauri. "The Problem Of Defining Myth." In Sacred Narrative: Readings In The Theory Of Myth, Edited By Alan Dundes, 41-52. Berkeley: University Of California Press, 1984.

لوري هونكو، "مشكلة تعريف الأُسطورة" في "الرواية المقدّسة"، "قراءات في نظرية الأُسطورة"،إعداد: آلان دونديز، 41-52. بيركلي، مطبعة جامعة كاليفورنيا، 1984م.

56.  Howard, I.K.A. "Husayn The Martyr: A Commentary On The Accounts Of The Martyrdom In Arabic Sources." Al-Serat 12, Spring And Au­tumn, 1986. Special Issue: Papers From The Imam Husayn Confer­ence, London July 1984. (1986): 124-142.

آي. كَي. أي. هوارد، "الحسين الشهيد، تعليق على روايات الاستشهاد في المصادر العربية". الطراط 12، ربيع وخريف 1986م. عدد خاصّ: مقالات من مؤتمر الإمام الحسين، لندن، يوليو 1984م، (1986م)، 124-142.

57.  ---. "Translator's Foreword." In The History Of Al-Tabari Vol. 19: The Caliphate Of Yazid B. Mu’awiyah. Translated And Annotated By I.K.A. Howard, Ix—Xvi. New York: State University Of New York Press, 1990.

--- "مقدمة المترجم في تاريخ الطبري، المجلد 19، خلافة يزيد بن معاوية"، ترجمة وتعليق: آي. كَي. أي. هوارد، نيويورك، مطبعة جامعة ولاية نيويورك، 1990م.

58.  Humphreys, R. Stephen. "Qur'anic Myth And Narrative Structure In Early Islamic Historiography." In Tradition And Innovation In Late An­tiquity, Edited By F.M. Clover And R.S. Humphreys, 271-290. Madison: University Of Wisconsin Press, 1989.

آر. ستيفن همفريز، "الأُسطورة القرآنية والبنية الروائيّة في كتابة التاريخ الإسلامي المبكر"، في "التقليد والتجديد في العصور القديمة المتأخرة"،إعداد: أف. أم. كلوفر وآر. أس. همفريز، 271-290. ماديسون : مطبعة جامعة ويسكونسن، 1989م.

59.  ---. Islamic History: A Framework For Inquiry Revised Ed. Princeton NJ.: Princeton University Press, 1991.

--- "التاريخ الإسلامي إطار للتحقيق"، طبعة منقّحة، برينستون، نيوجيرسي، مطبعة جامعة برينستون، 1991م.

60.  Hylen, Torsten. "Några Begrepp Och Teorier I Religionshistoria." Unpub­lished Textbook Material Used At Courses In Religious Studies At Högskolan Dalarna 1997-2004.

تورستن هايلين، "بعض المفاهيم والنظريات الدينية التاريخي"، مواد كتاب مدرسي غير منشورة، تستخدم خلال الدروس في الدراسات الدينية في جامعة دالارنا (السويد)، 1997 2004م.

61.  ---."Är Kerbala-Dramat En Myt?" In Myter Och Mytteorier: Religions­historiska Diskussioner Och Teoretiska Ansatser, Edited By O. Sund­qvist And A. Svalastog, 55-71. Uppsala: Religionshistoriska Avdel­ningen, Teologiska Institutionen, Uppsala Universitet, 1997.

--- "هل أحداث كربلاء أُسطورة؟ الأساطير ونظرية الأُسطورة: مناقشات دينيةتاريخية، ومناهج نظريّة"، إعداد: أو. سنكفيست وأي. سفالاستوغ، 55-71، أُوبسالا، قسم تاريخ الأديان، معهد اللاهوت، جامعة أوبسالا، 1997م.

62.  Ibn Ishag, Muhammad. The Life Of Muhammad: A Translation Of Ishaq's “Siat Rasul Allah”: Edited And Translated By Alfred Guillaume. Oxford: Oxford University Press, 1955.

محمد بن إسحاق، "حياة محمد، ترجمة كتاب "سيرة رسول الله" لابن اسحق"، ترجمة وإعداد: ألفريد جيلوم، أُوكسفورد: مطبعة جامعة أكسفورد، 1955م.

63.  Izutsu, Toshihiko. Ethico-Religious Concepts In The Qur'an. 2nd Ed. Montreal & Kingston: Mcgill-Queen's University Press, 2002.

توشيهيكو إيزوتسو، "المفاهيم الدينية ـ الأخلاقيّة في القرآن"، الطبعة الثانية، مونتريال وكينغستون، مطبعة جامعة ماكغيل كوينز، 2002م.

64.  Jafri, Syed Husain Mohammad. The Origins And Early Development Of Shia Islam. Oxford: Oxford University Press, 2000 (1979).

سيّد حسين محمد جعفري، "الأُصول والتطوّر المبكر للإسلام الشيعي"، أكسفورد: مطبعة جامعة أكسفورد ، 2000 (1979م).

65.  Jakobson, Roman, And Morris Halle. Fundamentals Of Language. 2nd Ed. Berlin: Mouton De Gruyter, 1971.

رومان جاكوبسون وموريس هالي، "أُصول اللغة"، الطبعة الثانية، برلين، موتون دي غرويتر، 1971م.

66.  Jensen, Jeppe Sinding. "Structure." In Guide To The Study Of Religion, Ed­ited By W. Braun And R. Mccutcheon, 314-333. London: Cassell,2000.

سِندنغ جَبي ينزِن، "البنية" في "الدليل لدراسة الدين"، إعداد: دبليو. براون وآر. ماك كوتشون، 314-333، لندن، كاسِل، 2000م.

67.  Khalidi, Tarif. Arabic Historical Thought In The Classical Period. Cam­bridge: Cambridge University Press, 1994.

طريف الخالدي، "الفكر التاريخي العربي في العصر الكلاسيكي"، كامبردج، مطبعة جامعة كامبريدج، 1994م.

68.  Kister, M.J. "Social And Religious Concepts Of Authority In Islam."Jerusa­lem Studies In Arabic And Islam 18 (1994): 84-127.

أَم. جَي. كِستر، "المفاهيم الاجتماعية والدينية للسلطة في الإسلام"، القدس للدراسات في اللغة العربية والإسلام 18، (1994م): 84-127.

69.  Kohlberg, Etan. "Shahid." In E/2.

ايتان كولبَرْغ، "الشهيد".

70.  Kunin, Seth Daniel. The Logic Of Incest: A Structuralist Analysis Of He‑ Brew Mythology. Sheffield: Sheffield Academic Press, 1995.

سَيت دانيال كونين، "منطق سِفاح القربى، تحليل بنيوي للأساطير العبريّة"، شيفيلد: مطبعة شيفيلد الأكاديميّة، 1995م.

71.  ---. We Think What We Eat: Neo-Structuralist Analysis Of Israelite Food Rules And Other Cultural And Textual Practices. London: T & T Clark International, 2004.

---"نفكّر بما نأكل، تحليل على أساس البنيويّة الجديدة لقواعد الأطعمة الإسرائيليّة وغيرها من الممارسات الثقافية والمتعلّقة بالنصوص"، لندن، تي أند تي كلارك الدوليّة، 2004م.

72.  Lammens, Henri. "Al-Husain." In Ei .

هنري لامنس، "الحسين".

73.  Landau-Tasseron, Ella. "From Tribal Society To Centralized Polity: An Interpretation Of Events And Anecdotes In The Formative Period Of Islam." Jerusalem Studies In Arabic And Islam 24 (2000): 180-216. Lane, Edward W. Arabic-English Lexicon. Revised Ed. 2 Vols. Cambridge: Islamic Texts Society, 1984 (1863-93).

إيلا لانداو تاسيرون، "من المجتمع القبلي إلى الدولة المركزية، تفسير الأحداث والحكايات في فترة نشوء الإسلام"، القدس للدراسات في اللغة العربية والإسلام 24 (2000م)، 180-.216. دبليو. إدوارد لَيْن، قاموس عربي ـ إنجليزي، طبعة منقّحة، مجلدان. كامبريدجـ جمعيّة المتون الإسلامية، 1984م، (1863-1893).

74.  Lang, Kate. Review Of Reinterpreting Islamic Historiography By Tayeb El­-Hibri. Journal Of Near Eastern Studies 62, No. 2 (2003): 111-112.

كَيْت لانغ، استعراض لـ "إعادة تأويل التاريخ الإسلامي" للطيّب الهبري، مجلة دراسات الشرق الأدنى 62، العدد (2) (2003م)، 111-112.

75.  Leach, Edmund. Culture And Communication: The Logic By Which Sym­bols Are Connected. An Introduction To The Use Of Structuralist Analysis In Social Anthropology. Cambridge: Cambridge Univer­sity Press, 1976.

إدموند ليتش، "الثقافة والارتباطات: المنطق الذي تترابط به الرموز. مقدمة إلى استخدام التحليل البنيوي في الأنثروبولوجيا الاجتماعية"، كامبردج، مطبعة جامعة كامبريدج، 1976م.

76.  ---. "Structuralism." In Er, 1987.

---"البنيوية"، 1987.

77.  Levi-Strauss, Claude. Anthropologie Structurale. Paris: Plon, 1958.

كلود ليفي ستروس، "الأنثروبولوجيا البنيويّة"، باريس، بلون، 1958م.

78.  ---. Structural Anthropology. Translated By Claire Jacobson And Brooke Grundfest Schoepf. New York: Basicbooks, 1963.

---"الأنثروبولوجيا البنيوية"، ترجمة: كلير جاكوبسون وبروك غراندفست شيف، نيويورك، بَيْسِك بُكْس (الكتب الأساسيّة)، 1936م.

79.  ---. Le Cru Et Le Cuit. Vol 1 Of Mythologiques. Paris: Plon, 1964.

---"النيء والمطبوخ"، المجلد الأوّل من الميثولوجيا (علم الأساطير)، باريس: بلون، 1964م.

80.  ---. The Savage Mind. Chicago: University Of Chicago Press, 1966.

---"العقل المتوحّش"، شيكاغو، مطبعة جامعة شيكاغو، 1966م.

81.  ---. The Raw And The Cooked. Vol. 1 Of Introduction To A Science Of Mythology. Translated By John Weightman And Doreen Weightman. New York: Harper & Row, 1969.

--- "النيئ والمطبوخ"، المجلد الأوّل من "مقدمة إلى علم الأساطير"، ترجمة: جون ويتمان ودورين ويتمان، نيويورك، هاربر ورو، 1969م.

82.  ---. "The Deduction Of The Crane." In Structural Analysis Of Oral Tradition, Edited By Elli Kongas Maranda And Pierre Maranda, 3­21. Philadelphia: University Of Pennsylvania Press, 1971.

--- "اقتطاع الرافعة" في "التحليل البنيوي للعُرف الشفوي"، إعداد: إيلي كونغاس ماراندا وبيير ماراندا، 213، فيلادلفيا، مطبعة جامعة بنسلفانيا، 1971م.

83.  ---. From Honey To Ashes. Vol. 2 Of Introduction To A Science Of My­thology. Translated By John Weightman And Doreen Weightman. New York: Harper & Row, 1973.

--- "من العسل إلى الرماد"، المجلد (2) من مقدمة إلى علم الأساطير"، ترجمة: جون ويتمان ودورين ويتمان، نيويورك، هاربر ورو، 1973م.

84.  ---. Structural Anthropology, Volume 2. Translated By Monique
Layton. Chicago: University Of Chicago Press, 1976.

--- "الأنثروبولوجيا البنيوية"، المجلد (2)، ترجمة: مونيك لايتون، شيكاغو: مطبعة جامعة شيكاغو، 1976م.

85.  ---. The Origin Of Table Manners. Vol. 3 Of Introduction To A Science Of Mythology Translated By John Weightman And Doreen Weightman. New York: Harper And Row, 1978.

--- "أصل آداب المائدة"، المجلد (3) من "مقدمة إلى علم الأساطير"، ترجمة: جون ويتمان ودورين ويتمان، نيويورك، هاربر ورو، 1978م.

86.  ---. The Naked Man. Vol. 4 Of Introduction To A Science Of Mythol­ogy. Translated By John Weightman And Doreen Weightman. New York: Harper And Row, 1981.

--- "الرجل العاري"، المجلد (4) من "مقدمة إلى علم الأساطير"، ترجمة: جون ويتمان ودورين ويتمان، نيويورك، هاربر ورو، 1981م.

87.  ---. Anthropology And Myth. Translated By Roy Willis. Oxford: Blackwell, 1987.

---"الأنثروبولوجيا والأُسطورة"، ترجمة: روي ويليس، أُوكسفورد، بْلاكْوَل، 1987م.

88.  ---. The Jealous Potter. Translated by Benedicte Chorier. Chicago: University of Chicago Press, 1988.

--- "الخزّاف الغيور"، ترجمة: كورييه بَنِديكت، شيكاغو، مطبعة جامعة شيكاغو، 1988م.

89.  ---. The Story Of Lynx. Translated By Catherine Tihanyi. Chicago: University Of Chicago Press, 1995.

--- "قصة الوشق"، ترجمة: كاثرين تيهانيي، شيكاغو، مطبعة جامعة شيكاغو، 1995م.

90.  ---. "Hourglass Configurations." In The Double Twist, Edited By Pi­erre Maranda, 15-32. Toronto: University Of Toronto Press, 2001.

--- "تنظيمات الساعة الرملية" في "الانعطاف المزدوج"، إعداد: بيير ماراندا، 15-32، تورونتو، مطبعة جامعة تورونتو، 2001م.

91.  Levi-Strauss, Claude, And Didier Eribon. Conversations With Claude Levi-Strauss. Translated By Paula Wissing. Chicago: University Of Chi­cago Press, 1991.

كلود ليفي ستراوس وديدييه إريبون، "محادثات مع كلود ليفي ستراوس"، ترجمة: باولا ويسنغ، شيكاغو، مطبعة جامعة شيكاغو، 1991م.

92.  Lincoln, Bruce. Theorizing Myth: Narrative, Ideology And Scholarship. Chicago: University Of Chicago Press, 1999.

بروس (لينكولن)، "تنظير الخرافة، الرواية، الإيديولوجيا، والمعرفة"، شيكاغو، مطبعة جامعة شيكاغو، 1999م.

93.  Lindsay, James E. "Caliphal And Moral Exemplar? 'Ali Ibn Asakir's Portrait Of Yazid B. Mu’awiya." Der Islam 74, No. 2 (1997): 250-278.

جيمس إي. ليندساي، "النموذج الخلافتي (نسبة إلى الخلافة) والأخلاقي"، صورة يزيد عند علي بن عساكر، الإسلام 74، رقم 2 (1997م): 250-278.

94.  Maniglier, Patrice. Le Vocabulaire De Lévi-Strauss. Paris: Ellipses, 2002.

باتريس مانغلييه، "معجم ليفي ستروس"، باريس، إليبسيس، 2002 م.

95.  Maranda, Elli Kongas, And Pierre Maranda. Structural Models In Folklore And Transformational Essays. The Hague: Mouton, 1971.

إيلي كونغاس ماراندا وبيير ماراندا، "النماذج البنيويّة في الفلكلور ومقالات التحوّل"، لاهاي، موتون، 1971م.

96.  Maranda, Pierre. "Conclusion." In The Double Twist, Edited By Pierre Maranda, 313-316. Toronto: University Of Toronto Pess, 2001.

بيير ماراندا، "الخاتمة" في "الانعطاف المزدوج"، إعداد: بيير ماراندا، 313-316، تورونتو، مطبعة جامعة تورونتو، 2001م.

97.  ---, Ed. The Double Twist: From Ethnography To Morphodynamics. Toronto: University Of Toronto, 2001.

--- "الانعطاف المزدوج: من الاثنوغرافيا (وصف السلالات البشريّة) إلى ديناميكيّة التشكّل(0مورفوديناميك)"، تورونتو، جامعة تورونتو، 2001م.

98.  Marcus, Solomon. "The Logical And Semiotic Status Of The Canonic Formula Of Myth." Semiotica 116, No. 2-4 (1997): 115-188.

سولومون ماركوس، "الوضع المنطقي والرمزي (المتعلّق بالرموز والعلامات) للصيغة القانونيّة للأُسطورة"، السيميائيّة (Semiotica)، 116، رقم 2-4 (1997م): 115-188.

99.  Mårtensson, Ulrika. "The True New Testament: Sealing The Heart's Cove­nant In Al-Tabari's Ta'rikh Al-Rusul Wal-Muluk." Phd Thesis, Upp­sala University, 2001.

أولريكا مارتنسون، "العهد الجديد الصحيح، ختم عهد القلب في" تاريخ الرسل والملوك" للطبري"، أُطروحة دكتوراه، جامعة أوبسالا، 2001م.

100.   ---. "Discourse And Historical Analysis: The Case Of Al-Tabari's His­tory Of The Messengers And The Kings." Journal Of Islamic Studies 16, No. 3 (2005): 287-331.

--- "خطاب وتحليل تاريخي: واقع تاريخ الرسل والملوك للطبري"، مجلة الدراسات الإسلامية 16، العدد (3)، (2005م)، 287-331.

101.   Mccutcheon, Russel T. "Myth." In Guide To The Study Of Religion, Edited By W. Braun And R.T. Mccutcheon, 190-208. London: Cassell, 2000.

تي. روسَل ماك كوتشون، "الخرافة"، في "دليل إلى دراسة الدين"، إعداد: دبليو. براون وتي. آر. ماك كوتشون، 190- 208، لندن، كاسِل، 2000م.

102.   Monnot, G. "Salat Al-Khawf." In E/2.

جي. مونو، "صلاة الخوف".

103.   Morava, Jack, On The Canonical Formula Of C. Levi-Strauss [Electronic Article] (Arxiv.Org, 11 June 2003); Available From:

Http: //Arxiv.Org/PS_Cache/Math/Pdf/0306/0306174.Pdf (Accessed 17 April 2006).

جاك مورافا، "حول الصيغة القانونيّة لـ كلود ليفي ستراوس"، [مقالة إلكترونيّة]، Arxiv.Org)، [11يونيو، 2003م](؛ موجودة على هذا الموقع:

(Http: //Arxiv.Org/PS_Cache/Math/Pdf/0306/0306174.Pdf(.

(أُخذت في 17 أبريل 2006م).

104.   Mosko, Mark S. "The Canonic Formula Of Myth And Nonmyth." Ameri­can Ethnologist 18, No. 1 (1991): 126-151.

مارك أس. موسكو، "الصيغة القانونيّة للأُسطورة وغير الأُسطورة"، (مجلة) الأثنولوجي الأميركي 18، العدد (1) (1991م)، 126-151.

105.   Mufid, Muhammad B. Muhammad B. Al-Nu’man Al- (D. 413/1022). Al-­Irshad. Edited By Kazim Al-Musawi Al-Miyamiwi. Tehran: Dar Al­-Kutub Al-Islamiyya, 1962.

محمد بن محمد بن النعمان المفيد (المتوفى 413 / 1022)، "الإرشاد"، إعداد: كاظم الموسوي المياموي، طهران: دار الكتب الإسلامية، 1962م.

106.   Netton, Ian Richard. "Life." In Eq

آيان ريتشارد نَتون، "الحياة".

107.   Neuwirth, Angelika. "Qur'anic Literary Structure Revisited: Surat Al-­Rahman Between Mythic Account And Decodation Of Myth." In Story-Telling In The Framework Of Non-Fictional Arabic Literature, Edited By Stefan Leder, 388-420. Wiesbaden: Harrasowitz, 1998.

أنجليكا نيويرث، "إعادة النظر في البنية الأدبية القرآنية، سورة الرحمن بين الرواية الأُسطوريّة وتأويل الأُسطورة"، في "حكاية القصص في إطار الأدب العربي غير الخيالي"، إعداد: ستيفان لَدَر، 388-420، فيسبادن، هاراسوفيتس، 1998م.

108.   ---. "Myths And Legends In The Qur'an." In EQ

--- "الخرافات والأساطير في القرآن الكريم".

109.   Noth, Albrecht, And Lawrence Conrad, I. The Early Arabic Historical Tra­dition: A Source-Critical Study. Translated By Michael Bonner. Princeton, NJ.: Darwin, 1994.

ألبريشت نوث وآي. لورنس كونراد، "التقاليد التاريخية العربية المبكرة، دراسة نقدية مرجعيّة"، ترجمة: مايكل بونَر. برنستون، نيوجيرسي، داروين، 1994م.

110.   Ohlander, Erik S. "Fear Of God (Taqwa) In The Qur'an: Some Notes On Semantic Shift And Thematic Context." Journal Of Semitic Studies 50, No. 1 (2005): 137-152.

أريك أس. أولاندَر، "التقوى في القرآن، بعض الملاحظات على التحوّل الدلالي والسياق الموضوعي"، مجلة الدراسات السامية 50، العدد (1) (2005م)، 137-152.

111.   Petitot, Jean. "Approche Morphodynamique De La Formule Canonique Du Mythe." L'Homme 106-107 (1988): 24-50.

جان بيتيتو، "مقدّمة في التشكّل الديناميكي إلى الصيغة القانونيّة للأُسطورة"، الرجل، 106- 107 (1988م)، 24-50.

112.   ---. Morphogenesis Of Meaning. Translated By Franson Manjali. Bern: Peter Lang, 2004.

--- "تَشكُّل المعنى"، ترجمة: فرانسون مانجالي، بَيرْن، بيتر لانغ، 2004م.

113.   Ringgren, Helmer. "Some Religious Aspects Of The Caliphate." In Contri­butions To The Central Theme Of The Viiith International Congress For The History Of Religions (Rome, April .1955), 737-748. Rome: Brill, 1955.

هيلمَر رِنغْرَن، "بعض الجوانب الدينية للخلافة" في "مقالات في الموضوع الرئيسي للمؤتمر الدولي الثامن لتاريخ الأديان"، (روما، أبريل/نيسان/1955م)، 737-748، روما: بريل، 1955م.

114.   Roberts, Joseph B. "Early Islamic Historiography: Ideology And Methodol­ogy." Phd Thesis, Ohio State University, 1986.

بي. جوزيف روبرتس، "كتابة التاريخ الإسلامي المبكر، الآيديولوجيّة والمنهجيّة" أُطروحة دكتوراه، جامعة ولاية أوهايو، 1986م.

115.   Robinson, C.F. Islamic Historiography. Cambridge: Cambridge University Press, 2003.

سي. أف. روبنسون، "التأريخ الإسلامي"، كامبردج، مطبعة جامعة كامبريدج، 2003م.

116.   Rosenthal, Franz "The Influence Of The Biblical Tradition On Muslim His­toriography." In Historians Of The Middle East, Edited By B. Lewis And P.M. Holt, 35-45. London: Oxford University Press, 1962.

فرانز روزنتال، "تأثير التقاليد الإنجيليّة في كتابة تأريخ المسلمين" في "مؤرّخي الشـرق الأوسط"، إعداد: بي. لويس وبي. أم. هولت، 35 -45 . لندن، مطبعة جامعة أكسفورد، 1962م.

117.   ---. A History Of Muslim Historiography. 2nd Ed. Leiden: Brill, 1968.

--- "تاريخ كتابة تأريخ المسلمين"، الطبعة الثانية، لَيْدِن، بريل، 1968م.

118.   ---. "General Introduction." In The History Of Al-Tabari. Vol. 1: Gen­eral Introduction And From The Creation To The Flood. Translated And Annotated By F. Rosenthal, Vol. I, 1-154. New York: State University Of New York, 1989.

--- "مقدمة عامّة" في "تاريخ الطبري ج1، مقدمة عامّة ومن الخلق إلى الطوفان"، ترجمة وتعليق أف. روزنتال، المجلد الأوّل، 1-154، نيويورك، جامعة ولاية نيويورك، 1989م.

119.   De Saussure, Ferdinand. Course In General Linguistics. Translated By Roy Harris. London: Duckworth, 1916 (1983).

فرديناند دي سوسير، "دورة في علم اللغة العام"، ترجمة: روي هاريس، لندن، داكْويرث، 1916، (1983م).

120.   Schubel, Vernon James. Religious Performance In Contemporary Islam: Shi’i Devotional Rituals In South Asia. Columbia: University Of South Carolina Press, 1993.

فيرنون جيمس شوبيل، "السلوك الديني في الإسلام المعاصر، شعائر الشيعة التعبّديّة في جنوب آسيا"، كولومبيا، مطبعة جامعة ولاية كارولينا الجنوبية، 1993م.

121.   Scubla, Lucien. Lire Lévi-Strauss: Le Déploiement D'une Intuition. Paris: Odile Jacob, 1998.

لوسييه سكوبلا، "إقرأ ليفي ستراوس، انتشار الحدس (البديهة)"، باريس، أوديل جاكوب، 1998م.

122.   ---. "Hesiod, The Three Functions, And The Canonical Formula Of Myth." In The Double Twist, Edited By Pierre Maranda, 123-155. Toronto: University Of Toronto Press, 2001.

--- "هيسيود، الوظائف الثلاث، والصيغة القانونيّة للأُسطورة" في "الانعطاف المزدوج"، إعداد: بيير ماراندا، 123-155. تورنتو، مطبعة جامعة تورنتو، 2001م.

123.   ---. "Sur Deux Applications De La Formule Canonique À Des Mythes De l'Antiquité Grecque." Unpublished Paper Delivered At Colloque Homo, Budapest, November 24-26, 2003.

---"حول اثنين من تطبيقات الصيغة القانونيّة على الأساطير اليونانيّة القديمة"، مقالة غير منشورة قُدِّمت في مؤتمر هومو، بودابست، 24- 26 نوفمبر 2003م.

124.   Sezgin, Ursula. Abu Mikhnaf: Ein Beitrag Zur Historiography Der Umaiyadischen Zeit. Leiden: Brill, 1971.

أورسولا سزكين، "أبو مخنف: محاولة لكتابة التاريخ في العصـر الأُموي"، ليدن: بريل، 1971م.

125.   Shaban, M.A. Islamic History: A New Interpretation. Vol. 1: A.D. 600-750 (A.H. 132). Cambridge: Cambridge University Press, 1971.

أم. أي. شعبان، "التاريخ الإسلامي: تفسير جديد"، المجلد الأوّل: 600-750 ميلادي (132هجري)، كامبردج، مطبعة جامعة كامبريدج، 1971م.

126.   Sharon, Moshe. "The Development Of The Debate Around The Legitimacy Of Authority In Early Islam." Jerusalem Studies In Arabic And Is­lam 5 (1984): 121-141.

موشيه شارون، "تطوّر النقاش حول شرعيّة السلطة في عصـر الإسلام المبكر"، القدس للدراسات في اللغة العربية والإسلام (5)، (1984م)، 121-141.

127.   ---"Ahl Al-Bayt — People Of The House." Jerusalem Studies In Arabic And Islam 8 (1986): 169-184.

---"أهل البيت"، القدس للدراسات في اللغة العربية والإسلام (8)، (1986)، 169-184.

128.   ---. "The Umayyads As Ahl Al-Bayt."Jerusalem Studies In Arabic And Islam 14 (1991): 115-152.

--- "الأُمويّون على أنّهم أهل البيت"، القدس للدراسات في اللغة العربية والإسلام (14)، (1991م)، 115-152.

129.   Shoshan, Boaz. Poetics Of Islamic Historiography: Deconstructing Tabari’s History. Leiden: Brill, 2004.

بواز شوشان، "أدب الشعر في التأريخ الإسلامي، تفكيك تاريخ الطبري"، ليدن، بريل، 2004م.

130.   Sienkewicz, Thomas J. Theories Of Myth: An Annotated Bibliography. London: Scarecrow, 1997.

جَيْ. توماس سينكفيتش، "نظريات الأساطير: بيبليوغرافيا (قائمة بالمراجع) مع التعليق"، لندن، سْكَيركْرو (الفزاعة)، 1997م.

131.   Sourdel, Dominique. "Une Profession De Foi De L'historien Al-Tabari." Revue Des Études Islamiques 26 (1968): 177-199.

دومينيك سوردَل، "مهنة الأمانة للمؤرّخ الطبري"، استعراض لدراسات إسلاميّة (26)، (1978م)، 177- 199.

132.   Sperber, Dan. Le Structuralisme En Anthropologie. 2nd Ed. Paris: Éditions Du Seuil, 1972.

دان سبيربر، "البنيويّة في الأنثروبولوجيا (علم الإنسان)"، الطبعة الثانية، باريس، إصدارات دو سُوِي، 1972م.

133.   Stetkevych, Jaroslay. Muhammad And The Golden Bough: Reconstructing Arabian Myth. Bloomington: Indiana University Press, 1996.

ياروسلاف سْتَتكيفيتش، "محمد والفرع الذهبي، إعادة بناء الأُسطورة العربيّة" بلومينغتون، مطبعة جامعة إنديانا، 1996م.

134.   Sundqvist, Olof, And Anna Lydia Svalastog, Eds. Myter Och Mytteorier: Religionshistoriska Diskussioner Och Teoretiska Ansatser. Uppsala: Religionshistoriska Avdelningen. Teologiska Institutionen. Uppsala Universitet, 1997.

أولوف سنكفست وآنا ليديا سفالاستوغ، "الأساطير ونظرية الأُسطورة، مناقشات في التاريخ الديني والنهج النظري"، أوبسالا، قسم تاريخ الأديان، معهد اللاهوت، جامعة أوبسالا، 1997م.

135.   Tabari, Muhammad B. Jarir Al- (D. 310/923). Ta"Rikh Al-Rusul Wa-‘L-Muluk. Edited By M. J. De Goeje, Et Al. Leiden: Brill, 1881-1883.

محمد بن جرير الطبري، (ت 310هـ /923م)، "تاريخ الرُسُل والملوك"، إعداد: أَم. جَي. دو غوجه وآخرين، ليدن، بريل، 1881-1883م.

136.   ---. The History Of Al-Tabari. An Annotated Translation. Edited By Ehsan Yar-Shater. 38 Vols. Albany: State University Of New York Press, 1985-1999.

--- "تاريخ الطبري"، ترجمة تحتوي تعليقات وهوامش، إعداد: إحسان يارشاطر، (38) مجلّداً. ألباني، مطبعة جامعة ولاية نيويورك، 1985 ـ 1999م.

137.   ---. The History Of Al-Tabari. Vol. 1: General Introduction And From The Creation To The Flood. Translated And Annotated By F. Rosen­thal. Albany: State University Of New York Press, 1989.

--- "تاريخ الطبري"، المجلد (1)، مقدمة عامّة ومن الخلق إلى الطوفان، ترجمة وتعليق: أف. روزنتال. ألباني، مطبعة جامعة ولاية نيويورك، 1989م.

138.   ---. The History Of Al-Tabari. Vol. 5: The Sasanids, The Byzantines, The Lakhmids, And Yemen. Translated And Annotated By C.E. Bos­worth. Albany: State University Of New York Press, 1999.

--- "تاريخ الطبري"، المجلد (5)، الساسانيّون، البيزنطيّون، اللخميّون، واليمن. ترجمة وتعليق: سي. إي. بوسوورث، ألباني، مطبعة جامعة ولاية نيويورك، 1999م.

139.   ---. The History Of Al-Tabari. Vol. 19: The Caliphate Of Yazid B. Mu’awiyah. Translated And Annotated By I.K.A. Howard. Albany: State University Of New York Press, 1990.

--- "تاريخ الطبري"، المجلد (19)، خلافة يزيد بن معاوية. ترجمة وتعليق: آي. كَي. أَي. هاوارد، ألباني: مطبعة جامعة ولاية نيويورك، 1990م.

140.   ---. The History Of Al-Tabari: Vol. 20: The Collapse Of Sufyanid Au­thority And The Coming Of The Marwanids. Translated And Anno­tated By G.R. Hawting. Albany: State University Of New York Press, 1989.

--- "تاريخ الطبري"، المجلد (20)، إنهيار السلطة السفيانيّة ومجيء المروانيّين. ترجمة وتعليق: جِي. آر. هاوتِنغ، ألباني: مطبعة جامعة ولاية نيويورك، 1989م.

141.   ---. Jami’ Al-Bayan An Ta'wil Ãy Al-Qur'an. 15 Vols. Beirut: Dar Al-Fikr, 1995.

--- "جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، (15) مجلداً، بيروت: دار الفكر، 1995.

142.   Tayob, Abdulkader. "An Analytical Survey Of Al-Tabari's Exegesis Of The Cultural Symbolic Construct Of Fitna." In Approaches To The Qur'an, Edited By G.R. Hawting And A.A. Shareef, 157-172. New York: Routledge, 1993.

عبد القادر تايوب، "دراسة استقصائية تحليلية لتفسير الطبري للبنية الثقافية الرمزية للـ "الفتنة" في "مداخل إلى القرآن"، إعداد: جِي. آر. هاوتِنغ وأَي. أَي. شريف، 157 ـ 172، نيويورك، روتليدج ، 1993م.

143.   Thurfjell, David. "Living Shiism: Instances Of Ritualisation Among Islamist Men In Contemporary Iran." Phd Thesis, Uppsala University, 2003.

ديفيد ثَرْفْجل، "التشيّع الحي، أمثلة على ممارسة الشعائر بين الرجال الاسلاميين في إيران المعاصرة"، أُطروحة دكتوراه، جامعة أوبسالا، 2003م.

144.   Toronto, James A. "Astray." In Eq

أَي. جيمس تورونتو، "ضال".

145.   Tyan, E. "Bay’a." In E/2.

إي. تايان، "البيعة".

146.   Waldman, Marilyn Robinson. Toward A Theory Of Historical Narrative: A Case Study In Perso-Islamicate Historiography. Columbus: Ohio State University Press, 1980.

مارلين روبنسون والدمان، "نحو نظرية الرواية التاريخية: دراسة الحالة في التاريخ الفارسي الإسلاميكاني (العلماني). كولومبوس، مطبعة جامعة ولاية أوهايو، 1980م.

147.   Wansbrough, John. Quranic Studies: Sources And Methods Of Scriptural Interpretation. Oxford: Oxford University Press, 1977.

جون وانسبرو، "دراسات قرآنية، مصادر وطرق تأويل النصوص المقدّسة"، أكسفورد: مطبعة جامعة أكسفورد، 1977م.

148.   ---. The Sectarian Milieu: Content And Composition Of Islamic Salvation History. Oxford: Oxford University Press, 1978.

--- "البيئة الطائفيّة: محتوى وتركيب تاريخ الخلاص الإسلامي"، أكسفورد، مطبعة جامعة أكسفورد، 1978م.

149.   Veccia Vaglieri, Laura. "Husayn B. 'Ali B. Abi Talib." In EI2.

لورا فيشيا فاغلييري، "الحسين بن علي بن أبي طالب".

150.   Wellhausen, Julius. The Religio-Political Factions In Early Islam. Translated By R.C. Ostle And S.M. Walzer. Amsterdam: North-Holland Publishing Company, 1975 (1901).

يوليوس ولهاوزِن، "الطوائف الدينية السياسية في الإسلام المبكر"، ترجمة: آر. سي. أوسل وأس. أم. والزَر. أمستردام: شركة شمال هولندا للنشر، 1975 (1901م).

151.   Wensinck, A.J. " Iram." In Hi.

أَي. جَي. فنسِنك، "الإحرام".

152.Wensinck, A.J., And J. Jomier. "Iram." In EI2.

أَي. جَي. فنسِنك وجَي. جومييه، "الإحرام".

153.   Wüstenfeld, Friedrich. Der Tod Des Husein Ben Ali Und Die Rache. Göt­tingen: Der Dietrichen Buchhandlung, 1883.

ووستِنفَلد، فريدريش "مقتل الحسين بن علي والإنتقام"، غوتنجن، مكتبة دايتريشن (فتّاحة الأقفال)،1883م.


 

ثانياً: مصادر التحقيق

1.   أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة، أسعد وحيد القاسم (معاصر)، الناشر الغدير للطباعة والنشـر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، 1418هـ/1997م.

2.   أصل الشيعة وأُصولها، الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (ت1373هـ)، تحقيق علاء جعفر، ، الناشر مؤسسة الإمام علي×، 1415هـ.

3.   الإمامة الإلهية، تقرير بحث الشيخ محمد السند (معاصر)، الناشر دار الأميرة، الطبعة الأُولى، 1427هـ/2006م.

4.   الأُمة والإمامة، د. علي شريعتي (ت1395هـ)، مراجعة: حسين علي شعيب، الطبعة الثانية، ضمن سلسلة الآثار الكاملة/21، الناشر: دار الأمير.

5.   أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى البلاذري (ت279هـ)، تحقيق الدكتور محمد حميدالله، الناشر مطابع دار المعارف بمصر، 1959م.

6.   تاريخ الطبري، محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) ، قُوبلت هذه النسخة على النسخة المطبوعة بمطبعة (بريل) بمدينة لندن في سنة (1879م)، الناشر: مؤسسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان.

7.   الشيعة في الإسلام، السيّد محمد حسين الطباطبائي (ت1402هـ)، ترجمة جعفر بهاء الدين، الناشر بيت الكاتب، 1999م.

 

8.   الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، الطبعة الرابعة، دار العلم للملايين، بيروت، 1987م.

9.   الصحيح من مقتل سيّد الشهداء× وأصحابه، محمد الريّ شهري (معاصر)، الطبعة: الأُولى ، الناشر دار الحديث للطباعة والنشر، 1432هـ.

10.                       العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، مؤسسة دار الهجرة الطبعة الثانية، إيران،1409 ه‍ .

11.                       لسان العرب، ابن منظور الأفريقي المصـري (ت711هـ)، الطبعة الرابعة، الناشر دار صادر للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، 2005م.

12.                       المعجم الفلسفي، مراد وهبة (معاصر)، الناشر دار قباء الحديثة، القاهرة، 2007م.

13.                       معجم مقاييس اللغة، احمد بن فارس، مكتب الاعلام الاسلامي، قم ، 1404هـ .

14.                       نشأة التشيّع والشيعة، السيّد محمد باقر الصدر (ت1400هـ)، تحقيق وتعليق: عبد الجبار شرارة، الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة، 1417/1997م.

15.                       نشأة التشيّع، السيّد طالب الخرسان (معاصر)، الناشر انتشارات الشـريف الرضي، 1412/







 



 

1991م.




[1] البقرة: آية31.

[2] الريشهري، محمّد، العلم والحكمة في الكتاب والسنّة: ص36، نقلاً عن قرّة العيون للفيض الكاشاني: ص 438.

[3] المجادلة: آية11.ِ

[4] البقرة: آية129.

[5] آل عمران: آية164.

[6] الكفعمي، إبراهيم، المصباح: ص280.

[7] البقرة: آية253.

[8] سيبيّن المؤلّف هذا المعنى في الفصل الثاني من هذا الباب، تحت عنوان: البنية والتحليل البنيوي.

[9] اُنظر تفصيل الكلام حول هذا الموضوع: الفصل الثاني من هذا الكتاب: ص143.

[10] الفصل الثاني من هذا الكتاب: ص162.

[[11]][11] الفصل الثالث من هذا الكتاب: ص305.

[12] اُنظر: الموسوعة العربية، المجلد2، الحضارة العربية، مصطلح الاستشراق،ص 166.

[13]رودي بارت (Rudi Paret)، الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، (المستشـرقون الألمان منذ تيودور نولدكه Theodornoldeke)،ترجمة مصطفى ماهر: ص11.

[14]أ.ج آريري، المستشرقون البريطانيون، ترجمة محمد الرسوقي النويهي: ص8 .

[15] جوزيف شاختي (Joseph Franz Schacht) وكليفورد بوزورث (Clifford Edmund Bosworth(مكسيم رودنسون، الصورة الغربية والدراسات الغربية الإسلامية في تراث الإسلام ـ القسم الأوّل) ترجمة محمد زهير السمهوري، سلسلة عالم المعرفة، الكويت أغسطس 1978م. (عن موقع مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق).

[16] الزيات، أحمد حسن، تاريخ الأدب العربي: ص512، ط25.

[17]اُنظر: الخربوطلي، علي حسن، الاستشراق في التاريخ الإسلامي: ص20.

[18] مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق www.Madinacenter.com.

[[19]][19]اُنظر: عبد الله، سهام ربيع، الموسوعة السياسية للشباب: ج22، ص11.

[[20]][20]اُنظر: المصدر السابق.

[21]اُنظر: النمر، عبد المنعم، الثقافة الإسلامية بين الغزو والاستغراب: ص147.

[22] اُنظر: عبد الله، سهام ربيع، الموسوعة السياسية للشباب: ج22، ص14ـ 15.

[23] اُنظر: الاستشراق النشأة والدوافع، مجلة الاجتهاد، العدد 98، عام 1400هـ.

[24] زقزوف، محمود حمدي، الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري: ص28.

[25] المصدر السابق: ص28.

[26] اُنظر: رودي بارت (Rudi Paret)، الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، (المستشـرقون الألمان منذ تيودور نولدكه Theodornoldeke)، ترجمة مصطفى ماهر.

[27] اُنظر: ستيفان ليدرما، مقالة مدير معهد الدراسات الاستشراقية في لبنان، مجلة التسامح نحو خطاب إسلامي متوازن، العدد 27، عام 2009.

[28] اُنظر: العقيقي،نجيب، المستشرقون: ج1، ص124.

[29] اُنظر: بدوي،أحمد، موسوعة المستشرقين: ص205.

[30] قروم، حنان، مصطلحات الحداثة وما قبلها، ص49.

[31] المصاروة، ثامر إبراهيم محمد، البنيوية في النقد العربي الحديث،ص16ـ13.

[32] المصدر السابق: ص12ـ10.

[[33]][33] سيأتي بحث هذه النظرية بشكل مفصل.

[34]كلود ليفي شتراوس عالم انثروبولوجي فرنسي وأحد أعمدة الفكر البنيوي وتنسب له النظرية البنيوية.

[35] وتبتني على الرجوع إلى العرف.

[[36]](*) إنّ ظاهرة بذل الماء في المراسم الحسينيّة عند الشيعة لا تنطلق من فكرة التكفير عن الذنب؛ لأنّ الأجيال التي تحيي الذكرى لم تكن حاضرة في واقعة كربلاء، حتى يُقال: إنّها ارتكبت ذنباً وتريد أن تكفّر عنه ببذل الماء.إضافة إلى أنهم يبذلون الطعام وكل غال ونفيس من أجل إحياء ذكرى الحسين×، فهذه الظواهر تجسد أهداف وأخلاق الإمام الحسين× التي قام بنهضته لأجلها، وتكشف عن مدى اللؤم الذي تكتنفه شخصية أعدائه، وبعدهم عن المبادئ الإنسانية. (المحقق).

(*) هذا المظهر وغيره من المظاهر الأُخرى التي لم تبرز عند عموم الشيعة، واقتصـرت عند بعض البلدان، إنّما تعدّ من تقاليد تلك الشعوب لا من الشعائر التي لها مستند شرعي متّفق عليه عند الشيعة؛ لذلك يقوم بها بعض الشيعة دون بعض. (المحقق).

[38] كانت ثورة الإمام الحسين× على مرّ التاريخ ملحمةً ونبراساً لكثير من الثورات التي تنهض ضدّ الحكومات الظالمة، والثورة الإسلامية في إيران في هذا العصر واحدة منها، والجدير بالذكر أنّ أحداثها كانت متزامنة مع ذكرى شهادة الإمام الحسين×.

[39] المقصود به النذر لله والهدايا التي يقدّمها الناس في هذه المناسبة لقضاء حوائجهم.

(*)  إنّ مثل هذه المراسم هي بالحقيقة تصوير فنّي ينقل المشاهد بمشاعره إلى تلك الأحداث، فيجعله أكثر حماساً وأكثر انفعالاً وتفاعلاً مع قضية الحسين×، أمّا استجابة الدعاء إلى جانب (ذي الجناح) فهو اعتقاد عامّي (أي ليس له مستند شرعي)، نعم وردت أخبار بأنّ الدعاء مستجاب يوم عاشوراء. (المحقق).

(2) أمّا الاستنتاج الذي توصّلت إليه حين مراقبتي للأجسام التي كانت متأثرة بضـربات السياط، فهو أنّ تلك الطقوس لا بدّ أن تكون موجعة جدّاً. ولكن الواقع كما يقول فيرنون شوبل الذي قام بدراسةٍ لطقوس الشيعة في الباكستان معتمداً على ملاحظاته الشخصيّة، وعلى عددٍ من المقابلات التي أجراها، حيث اتّفق معظم المشاركين بتلك الطقوس على أنّ تلك الممارسات لا تسبب أيَّ ألمٍ جسديٍّ لهم. اُنظر: كتاب الأداء الديني (Religious Performance) لكاتبه فيرنون شوبل: ص146.

[41] حين يرد اسم (مأساة كربلاء) في كتابي هذا، فإنّي أعني بها قصّة مقتل الحسين كما نعرّفها نحن بشكلها العام، وكما نروي أيّة قصّةٍ مأساويّة أُخرى، أي أنّنا نفهم منها بأنّها قصّة لها بدايتها، وحبكتها المركزيّة، ونهايتها المأساويّة، وقد رويت هذه المأساة مراراً وتكراراً بأشكال تتفاوت في السرد والتفاصيل، فمثلاً: رواها أبو مخنف، والطبري، وآخرون كُثر.

وقد يفهم بعض الناس من مأساة كربلاء بأنّها تأسيس لنظرتهم لمثل هذه الحكايات، ما يوافق النظرة العامّة لمثيلاتها عالميّاً، وبذلك ينظرون إليها على أنّها تمثّل حالة أطلقتُ عليها في هذا الكتاب اسم (أُسطورةكما ستأتي على تفاصيلها قريباً في أحد فصول هذا الكتاب.

أمّا بالنسبة للآخرين منّا، فإنّ هذه القصّة ليست أكثر من مجرّد قصّة، مع كونها قصّة مثيرة ومأساويّة بحقٍّ، وتستحقّ أن تنال بجدارة وصف مأساة مشوّقة (دراما). للاطّلاع أكثر على ما تعنيه كلمة (دراما) وعلى استخدام هذا المصطلح، نحيل القارئ إلى كتاب: الفكر الإسلامي السياسي الحديث (Modern Islamic Political Thought) للكاتب عنايت (Enayat): ص181ـ190.

(*) عرفوا بالشيعة في عهد رسول الله’، وليس فيما بعد. اُنظر: كاشف الغطاء، محمد حسين، أصل الشيعة وأُصولها: ص184. الخراساني، طالب بن علي، نشأة التشيّع: ص24. الصدر، محمد باقر، نشأة التشيّع والشيعة: ص21. الطباطبائي، محمد حسين، الشيعة في الإسلام: ص15. (المحقق).

(**) الوراثة التي تقول بها الشيعة هي وراثة بالتنصيب والمقام لا بالنسب، ولا بدّ للمتّصف بها أن يمتلك مؤهّلات تؤهّله لهذا المقام الإلهي. اُنظر: شريعتي، علي، الأمّة والإمامة: ص150ـ152. السند، محمد، الإمامة الإلهيّة: ج1، ص206. (المحقق).

[[44]] لمشاهدة الصورة اضغط على الرابط التالي : https://admin.warithanbia.com/files/images/59058276_1697003733.jpg

(*) توجد ثلاثة آراء في منشأ التسمية لهذا المصطلح:

الأول: إنّ لقب (أهل السنّة) كان ابتداءً وصفاً لمجموعة من العلماء المشتغلين بتدوين الحديث، وعندما برز الإمام أحمد بن حنبل، أخذ يوسّع استخدام لقب (أهل السنّة)؛ ليشمل الأتباع والمقلّدين لمذهبه والعوام المؤيّدين لمنهج أهل الحديث.

الثاني: لمّا أمر معاوية بلعن الإمام عليّ× على المنابر زعم أنّ ذلك سنّة يُثاب فاعلها، وسُمّي ذلك العام (عام السنّة). ولمّا قتل عليٌّ× وتصالح الحسن× مع معاوية، قام معاوية بتسمية ذلك العام (عام الجماعة)، فأصبح كلّ مَن يعتقد بإمامة معاوية يقول نحن (أهل السنّة والجماعة) .

الثالث: قال ابن تيمية: فلفظ أهل السنّة يُراد به إثبات خلافة الخلفاء الثلاثة ـ يقصد أبا بكر وعمر وعثمان ـ فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلاّ الرافضة ـ يقصد الشيعة ـ اُنظر: القاسم، أسعد، أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة: ص251ـ252. (المحقق).

(*) الكلام حول عدد أفراد العسكرين فيه اختلافٌ كثير، وتحديد عدد معيّن لا يخلو من صعوبة، وإليك أقوال المؤرِّخين:

أـ عدد أفراد معسكر الإمام الحسين×: 82، 114، 145، 170، 600، 1000، وغير ذلك.

ب ـ عدد أفراد معسكر عمر بن سعد: 4000، 4500، 20000، 22000، 28000، 30000، 31000، 35000. اُنظر: الري شهري، محمد، الصحيح من مقتل سيّد الشهداء وأصحابه: ص652ـ654. (المحقق).

[46] يمكن للقارئ أن يطّلع على خلاصة شاملة للقصّة الكاملة كما رواها الطبري في الملحق الأوّل لهذا الكتاب.

(*) لم تكن حاضرة الكوفة تتكون من طائفة ولاقومية ولا عشيرة ولاطبقة اجتماعية واحدة، ولا من تيار ولا خط سياسي واحد، وهذا يعكسه تنوع مواقف أهلها بين من ينصر الحق ومن ينصر الباطل، ومن يقف متفرجاً، والذي ينمّ عن اختلاف في الولاء ونمط التفكير وطريقته، فكان منهم ذوي آراء ووجهات نظر ومنهم من يتحرك وراء المنافع والمصالح المادية، وألقى هذا التعقيد في تركيبة المجتمع الكوفي بظلاله في دعوة الإمام الحسين× ونصرته ورفض يزيد وبني أمية، فلم تقتصر الكتب المرسلة للإمام على الشيعة منهم، فقد كتب له حتى بعض الخوارج وبعض المتلونين وأصحاب المصالح أمثال الحجاج بن أبجر وشبث بن ربعي وغيرهما، ولو نلقي نظرة فاحصة للمجتمع الكوفي، تاريخياً سنجده يتشكل في تلك الفترة من عدة فئات كبيرة: فئة الخوارج، وفئة الحمراء وهم العبيد الذين كانوا يشكلون قسماً كبيراً من شرطة الوالي وجنده، وفئة الأُمويين وفئة الشيعة وهي أقل الفئات، وعامة الناس الذي يميلون مع القوي اينما حلّ. ورغم هذا التنوع إلا أن الطابع العام للمجتمع الكوفي محبة أهل البيت^؛ لأنهم شهدوا حكم أمير المؤمنين× لهم، وبعده الحسن المجتبى×، وفي سنة (50) هجرية أي في إمارة زياد بن أبيه جعل الأقسام العسكرية في الكوفة على غرار ما كان في البصرة، حيث أصبحت الأسباع أربعة: الربع الأول : أهل العالية. والربع الثاني: تميم وهمدان. والربع الثالث: ربيعة وبكر وكندة. والربع الرابع : مذحج وأسد.

وفي هذا النظام العسكري الجديد حاول ابن زياد تحقيق أهداف سياسية كدمج همدان، وهي القبيلة الشيعية مع تميم التي تبغض همدان، وعلى هذا استقر التقسيم العسكري في الكوفة، وكان له رؤساء مشهورون يعرفون برؤساء الأرباع، وهم على استعداد دائم للإستجابة عند دعوتها ، وسوقها لميادين القتال، خوضاً لمعركة جديدة أو إمداد لجيش يطلب الإغاثة، وكان للمقاتلين عطاؤهم الخاص، ورواتبهم من بيت المال . . .

والشيعة كانوا نسبة قليلة وسط الغالبية المتعاطفة مع الإمام علي وبنيه^، فلم تكن الكوفة شيعية بأسرها أو نصفها يوم جاءها الإمام الحسن×، أو يوم غادرها.

فكان غالبية أهل الكوفة يرفضون حكم بني أمية جملة وتفصيلاً، ولكن يقتضي الثبات على المبادئ ومقارعة حكومة ظالمة عاملها مستهتر بالدماء والحقوق مثل ابن زياد درجة عالية من الوعي والإيمان، وهذا يفسر السبب الذي جعل ابن زياد يعمد إلى القوة والقهر في سبيل حشد العسكر لمقاتلة الإمام الحسين×، وتطويقه المدينة بالحرس حتى يمنعهم من الفرار أو اللحاق بالإمام×، علاوة على ما ذكرته بعض الكتب من كثرة من سجنهم من معارضي بني أمية وخصوصاً الشيعة ورجالاتها من أمثال ميثم التمار والمختار الثقفي وغيرهم. اُنظر: كتاب تأمل في نهضة عاشوراء، لرسول جعفريان، حيث بحث هذا الموضوع بشكل علمي مفصل. (المحقق).

[[48]] للاطلاع على الخارطة اضغط على الرابط التالي : https://admin.warithanbia.com/files/images/1829636139_1697003924.jpg

[49] للاطّلاع على صورة شاملة للشيعة في العالم المعاصر، اُنظر كتاب: الفضاء المقدّس (Sacred Space) لكاتبه كول (Cole).

(*) تحمّل المعاناة لا يعني القبول بمعناه السلبي، بل التعايش معها؛ لأنّها أمرٌ واقع، الشـر يعادي الخير دائماً وما دام الإنسان يرى نفسه في جهة الخير فلا يتوقّع أن يتركه الشـر يعيش كيفما أراد، مضافاً إلى أنّ لمبادئ التي ثار لأجلها الإمام الحسين× لا تنسجم بأيّ شكل من الأشكال مع الخنوع والخضوع والذلّة، وإنمّا تنسجم مع العزّة والكرامة والدفاع عن المبادئ. (المحقق).

[50] سكوبلا، الأداء الديني (Religiouse Perfoymance): ص31.

(*) الشفاعة مقام ودرجة أعطاها الله تعالى للنبيّ وآله^؛ لعلوّ درجتهم، ولكونهم أُناساً مصطفين، لا لأنّهم استُشهدوا في سبيل الله، نعم إنّ للشهادة مقاماً عالياً، لكنّهم بدون الشهادة أيضاً لهم مقام الشفاعة. (المحقق).

[51] اُنظر: أيوب، المعاناة الافتدائية: ص197ـ 205؛ بوكر (Bowker)، مشاكل المعاناة: ص131ـ133.

(*) لم يكن هذا الاعتقاد السائد في تلك العصور محض دعوى، بل لمَسه المسلمون في حياتهم، ومن خلال قربهم منهم، وقد دلّت عليه الآيات والروايات الصريحة. (المحقق).

[52] اُنظر: Divine Guide، (الهداية الإلهيّة)أميرمعزّي.

[53] اُنظر: أيوب، المعاناة الافتدائية: ص27ـ 28. للتعرّف على المظاهر العباديّة والشعائريّة لاعتقادات الشيعة في مختلف الثقافات والبيئات التي عاشوا فيها. والإسلام الشيعي (Shi’a Islam) للكاتب هالم، والأداء الديني، للكاتب شوبل، والتشيّع الحي(Living Shi’ism) للكاتب ثورفييل (Thurfjell).

[54] وقد طُبعت تلك المقالات في مطبعة سندكفيست وسفالاستوج تحت عنوان: الأُسطورة وصناعتها (Myter Och Mytteorier).

[55] على سبيل المثال، في دليل المراجع (ببليوغرافيا) في كتاب نظريّات الأُسطورة (Theories Of Myth) لكاتبه سينكويج(Sienkewicz) حول نظريّات الأُسطورة، وقد احتوت على أكثر من خمسمائة مادّة، تجد فيها خمسة مواضع لها علاقة بالإسلام، بينما لا تجد مادّة واحدة تخصّ الأُسطورة في الإسلام في موسوعة الأساطير (Mythologies) التي كتبها بونيفوي (Bonnefoy).

[56] أينما ذُكرت لفظة (غرب) أو (غربيين) في هذا الكتاب، فإنّي لا أقصد منطقة جغرافيّة أو اتجاهاً سياسيّاً ما، وإنّما أقصد من هذه اللفظة العرف الأكاديمي العلماني الذي تطوّر في أُوروبا وأميركا في القرنين الأخيرين، على أنّه موجود أيضاً في أجزاء أُخرى من العالم.

[57] هناك أسماء أُخرى تستخدم كثيراً للتعبير عن الحكاية الشعبيّة؛ لذا حصل تداخل كبير في تأكيد هذا النوع من القصص بينها وبين الأنواع الأُخرى التي تقع ضمنها. اُنظر: ويليم باسكوم، أشكال الفولكلور (Forms Of Folklore): ص 7.

[58] استخدم هذا المصطلح الكاتب: ويليم باسكوم.

[59] اُنظر: لينكولن، تنظير الأُسطورة (Theorizing Myth): ص 37-42. مكوتشيون، الأُسطورة (Myth): ص191. وكلا الكاتبين يؤكّدان أنّ الفرق بين الأُسطورة والقصّة الذي وضعه أفلاطون (Plato) لم يكن متداولاً ومعروفاً في المجتمع الإغريقي قبل أفلاطون (Plato).

[60] على أنّ هناك بعض الاستثناءات لهذه النظرة، خصوصاً في بداية القرن العشـرين، كما سترى في الفصل الثاني من هذا الكتاب، حينما نتناول بتفصيلٍ أكثر التاريخَ الإسلامي، وكيف تعامل معه العلماء الغربيون.

[61] اُنظر: نيوفيرث (Neuwirth الأساطير (Myths): ص477. ستتكويتش (Stetkevych)، محمد والغصن الذهبي (Muhammad And The Golden Bough): ص3.

[62] اُنظر المقالة الموسومة: (قصّة كربلاء، مأساة أم أُسطورة؟) (Är Kerbala – Dramat En Myt?)، للكاتب هايلين، معتمداً في كتابتها على كتاب كتبه لاوري هونكو (Lauri Honko) بعنوان: معضلة تعريف الأُسطورة(The Problem Of Defining Myth).

[63] اُنظر: لاوري هونكو (Lauri Honko)، معضلة تعريف الأُسطورة: ص49ـ51.

[64] اُنظر: لاوري هونكو (Lauri Honko)، معضلة تعريف الأُسطورة: ص50ـ51.

[65]كليفورد جيتز (Clifford Geertz)، تفسير الثقافات(Interpretation Of Cultures): ص 93ـ94.

[66] والجدير بالذكر أنّ المعيار الرابع الذي عرضه هونكو كإحدى النقاط المشتركة بين الأساطير لا تكون ضروريّة؛ لأنّ سياق الأسطورة بشكلها العام يمثّل شعيرةً أو طقساً دينيّاً. اُنظر: لاوري هونكو (Lauri Honko)، معضلة تعريف الأُسطورة: ص51.

وفي هذا العصر لا تجد كثيراً من المختصّين بتاريخ الأديان يناقشون حقيقة أنّ الأُسطورة والشعيرة الدِّينيّة لا يمكن الفصل بينهما، وإن كانت حلقة الوصل بين الاثنين عادةً ما تكون قوية جدّاً، مع ذلك نجد كثيراً من الأساطير خالية من أيّة إشارة تتعلّق بالشعائر الدينيّة، كما نجد كثيراً من الشعائر الدينيّة لا ترتبط إطلاقاً بأيّة أُسطورة.

[67] لا أعرف ما هو وجه الاستحالة في أن يقف الكاتب أو أيُّ باحثٍ على حقائق ثابتة تاريخيّاً لحادثة كربلاء، وهذا الكلام يتردّد عند كثير من المستشرقين.

[68] اُنظر: شعبان، التاريخ الإسلامي: ص91.

[69]هاوتينج (Hawtingالسلالة الأُولى: ص50ـ 51.

[70] كيف لم يحسبوا لها حساباً كبيراً، ألم يكن الجيش الأُموي الذي أعدّته الدولة يعبّر عن الحسبان الكبير؟! فهو على الصحيح من النقل التاريخي كان (30000) في قبال 72 نفراً من أنصار الحسين×.

[71] هذا الكلام بعيد عن الواقع؛ وذلك لأنّ حادثة كربلاء أخذ يتردّد صداها بعد فترة وجيز من وقوعها، فلقد خرجت عن كونها واقعة وحسب، إذا ألقت بظلالها على المجتمع الإسلامي، وأخذت النهضة النكرية ضدّ الأُمويين تتعالى وتنجح الثورات على الأرض؛ ومن ذلك اليوم وضع الإمام الحسين× معالم ثورته ومبادئها، فلم تكن بحاجة إلى تغييرات وأبعاد لتضفي عليها الهالة الكبيرة. وإطلالة سريعة على حال أهل الكوفة عندما أُدخلت السبايا إلى المدينة تكفى لإثبات ذلك، مضافاً إلى ما جرى في الشام وفي الطريق إليها.

[72]مكوتشيون، الأُسطورة: ص200.

[73] صفة (تأسيسي)مقتبسة من كتاب: الأُسطورة في التاريخ، لكاتبه السويدي بيرجمان، حيث استخدم في كتابه هذا لفظة (Grundläggande) السويديّة، والتي تقابل لفظة (تأسيسي) التي ستقابلك في هذا الكتاب. وقد تحاورت مع الكاتب شخصيّاً في العاشر من آذار من عام (1999م)، وتناقشت معه حول هذه النقطة واستخدامي لها كمقابل للفظة التي استخدمها هو في كتابه المذكور.

[74] أحاول في هذا الكتاب جاهداً أن أفرِّق بين: التاريخ (بمعناه العام الذي يرمز إلى أحداث حدثت فعلاً في الماضي)، والتاريخ الأكاديمي (وأعني به الأحداث التي أيّدت الدراسات الأكاديميّة وقوعها فعلاً في الماضي)، والتاريخ الرسمي (وأعني به نظرتنا لأحداث حدثت في الماضي وكيفية روايتنا لها). ونفس هذه المصطلحات تراها في كتب أُخرى ككتاب: ما وراء الهندوس والمسلمين (Beyond Hindu And Muslims)، للكاتب جوتشاك: ص83.

[75] اُنظر: سيث كونين (Seth Kuninنفكر بما نأكل (We Think What We Eat): ص20.

[76]سيث كونين (Seth Kuninنفكر بما نأكل (We Think What We Eat): ص21. لاحظ أنّ الكاتب لا يفرّق بين التاريخ والتاريخ الرسمي. وشبيه من كلام الكاتب ما قاله بيتر جوتشاك (Pete Gottschalk)، وإنْ كان هذا الكاتب قد استخدم مصطلح: "الذاكرة الجماعيّة" للتعبير عن الأُسطورة. اُنظر كتابه: ما وراء الهندوس والمسلمين: ص83ـ90. اُنظر أيضاً: ليفي شتراوس، العقل الوحشـي (The Savage Mind): ص256ـ264.

في سياقٍ آخر، حاولت أن أطبّق هذا النوع من التفكير على الأفراد. فقلت: إنّ الذاكرة الشخصيّة ما هي إلّا عملية انتقائيّة حالُها حال التاريخ الرسمي، أي أنّ قبول حدثٍ ما كحقيقة أو كخيال يعتمد على ذوق الشخص، كما ذكرتُ أنّ التاريخ الرسمي الذي نصنعه نحن بالاعتماد على ماضينا الشخصي يؤدّي نفس الوظيفة التي يؤدّيها التاريخ الرسمي بشكله العام، وتؤديها الأُسطورة. اُنظر: هايلين، كلمات في نظريّات تاريخ الأديان: ص14.

وبالنسبة لي على الأقل، أرى أنّ الطرح الذي قدّمه كونين مثير جدّاً للاهتمام؛ إذ إنّه يفكر بنفس الطريقة التي فكرت أنا بها في هذا المجال. اُنظر كتابه: نفكر بما نأكل: ص22.

وبهذا، فإنّي لا أرى التعريف الذي قاله لينكولن للأُسطورة على أنّها «طريقة تفكير بنحوٍ روائي) كافياً؛ لأنّ تعريفه هذا يُفهم منه على أنّ الأُسطورة دائماً ما تكون مبتنية على فكر جماعي. اُنظر كتابه: تنظير الأُسطورة: ص147، فإنّ هذا التعريف يعتبر إحدى التقييدات التي تعرقل مفهوم جوتشاك عن (الذاكرة الجماعيّة).

[77] اُنظر: كونين، نفكر بما نأكل: ص21. يشير الكاتب إلى حاجة كثير من المتديّنين في مجتمعنا إلى برهنة عقائدهم كوقائع حدثت فعلاً في التاريخ؛ وذلك بسبب القول العلمي الرائج في مجتمعنا من أنّ (لابدّ للدِّين من أن يكون شرعيّاً من خلال التجارب التي يُنظر على كونها موضوعيّةً ولا يكون مبتنياً على الإيمان فقط).اُنظر: كونين، نفكر بما نأكل: ص22.

[78]مكوتشيون، الأُسطورة: ص200.

[79] اُنظر: ليفي شتراوس، العقل الوحشي: ص17.

[80] ناقش الكاتب ليفي شتراوس مفهوم التركيب الآني بشكلٍ مسهب في كتابه: العقل الوحشي: ص 16ـ33. كما ناقش في نفس الكتاب مسألة (فكرة أُسطورية خاصّة): وهي أمر معقّد لا أستطيع أن أخوض فيه في هذا الكتاب، فأكتفي بالقول: إنّ التفكير الأُسطوري ـ كما يقول شتراوس ـ لا يكون عادةً ميزة وخاصّية يتمتّع بها الناس البدائيون، ولكنّها مسألة نمارسها كلّنا. للاطلاع على مثال استثنائي للتركيب الآني ـ وهو مفهوم (الوحش الأشقر) الذي اخترعه نيتشه ـ اُنظر: لينكولن، تنظير الأُسطورة: ص101ـ120، وسترى فيما يأتي شرحاً لمفهوم (الوحش الأشقر) الذي طرحه نيتشه كمثال لما أسميناه التركيب الآني.

[81] للاطلاع أكثر على نظريّة البنيويّة كما يراها ليفي شتراوس، راجع الفصل الثالث من هذا الكتاب.

[82]لينكولن، تنظير الأُسطورة: ص147.

[83] ثمّ يعطي الكاتب أمثلة على عملية التغيير هذه، فيبيّن الفرق بين التسلسل الطبقي للشعوب الذي يطرحه بيندار (Pindar) وإمبيدوكليز (Empedocles) وأفلاطون (Plato)، كلٌّ حسب نظرته. اُنظر: المصدر السابق: ص151ـ159.

[84] للتعرّف أكثر على مفهوم البنيويّة ورأي ليفي شتراوس بالأُسطورة، راجع الفصل الثالث من هذا الكتاب.

(*)  اللاهوت: اللفظ افرنجي مكوّن من مقطعين يونانيين: Theos بمعنى الله، Logos بمعنى علم، أي علم الله وصفاته وعلاقته بالعالم، وأفلاطون (Plato) أوّل من استخدم هذا المصطلح، ويقصد به أحاديث الشعراء.

واللاهوت في أوسع معانيه هو فرعٌ من الفلسفة، ولكن معناه الشائع أنّه تنظير لدينٍ معيّن، فيقال: لاهوت مسيحي أو يهودي أو إسلامي. وهو من هذه الزاوية الضيّقة يصبح تاريخيّاً وجداليّاً ودفاعيّاً. وعلم اللاهوت عند المسيحيين هو علم الكلام عند المسلمين، وموضوعه البحث عن وجود الله وذاته وصفاته. اُنظر: المعجم الفلسفي: ص536.(المحقق).

[85] اُنظر: نماذج بنيويّة (Structural Models)، للكاتبين ماراندا (Maranda) وماراندا (Maranda)، والصيغة القانونيّة (Canonic Formula)، للكاتب ماركوس، و«Hesiod»و«Lire Levi-Strauss»، للكاتب سكوبلا.

[86]Encyclopedia Of The Qur'an.

[87] اُنظر: نيوويرث، الأساطير (Myths).

[88] المصدر السابق: ص447.

[89] المصدر السابق: 477.

[90] اُنظر: المصدر السابق: ص487ـ488.

[91] اُنظر: المصدر السابق: ص488ـ490.

[92] المصدر السابق: ص 489.

[93] اُنظر: نيوويرث، زيارة أُخرى إلى التركيب الأدبي للقرآن (Qur'anic Literary Structure Revisited): ص392ـ393. وص407ـ408.

[94] اُنظر على سبيل المثال: نيوويرث، الأساطير (Myths): ص477.

[95] اُنظر: ستيكيفيتش، محمّد والغصن الذهبي (Muhammad And The Golden Bough).

[96] اُنظر: همفريز، الأُسطورة القرآنيّة (Quranic Myth).

[97] سيأتي تفصيل شافٍ لهذه النقطة في الفصل الثاني من هذا الكتاب.

[98] اُنظر: همفريز، الأُسطورة القرآنيّة (Qur’anic Myth): ص276ـ278.

[99] المصدر السابق: ص278.

[100] اُنظر: المصدر السابق.

[101] اُنظر: شوشان، الشعر (Poetics): ص86ـ90.

[102] اُنظر أيضاً: وانسبرو، المحيط الطائفي (Sectarian Milieu): ص87ـ89. ولو أنّ همفريز يختلف مع وانسبرو حول فكرة (الحنين إلى الوطن) المذكورة في كتاب الأساطير القرآنيّة. وفي هذا السياق، لا يستخدم الكاتب (فان أس) في كتابه (Erwählungsberuβtsein): ج1، ص8، مفهوم الميثاق، ولكنني أرى أنّه يوافق على الرأي القائل بأنّ هذا المصطلح هو أفضل ما نعبّر به عن حسِّ الانتخابات الذي كان موجوداً في العصر الأوّل للإسلام!

أمّا فيما يخصّ مفهوم الميثاق عند الطبري، فإنّ ما كتبه همفريز عن هذا الموضوع قد تبعَته به إلى حدٍّ ما الكاتبة اولريكا مورتنسون في كتابها: (المقالة(Discourse)): ص310ـ318.

[103] اُنظر كتاب: الأُسطورة (Mythe)، للكاتب جيليو، ففي مقالته في ذلك الكتاب يبدو الكاتب متأثراً بشكلٍ جليٍّ بليفي شتراوس، كما بيَّن ذلك بشكلٍ تفصيلي العالم البريطاني المتخصّص بعلم الإنسان (الانثروبولوجيا) إدموند ليتش (ص264ـ265 من الكتاب المذكور أعلاه)، إذ إنّ مصطلح (التناقضات والوسطيّة المزدوجة) هو من نتاج ليفي شتراوس، كما سنبّين هذا فيما يلي من الكتاب.

[104] اُنظر: جيليو، الأُسطورة (Mythe): ص244ـ245.

[105] اُنظر: المصدر السابق: ص256.

[106] اُنظر: ص105ـ120. من الكتاب المذكور.

[107] اُنظر: ص116، من الكتاب المذكور.

[108] اُنظر: ص115 من الكتاب.

[109] اُنظر: ص116 من الكتاب.

[110] اُنظر كتاب: الحسين، للكاتب ليمينز، الذي طبعه بعد كتاب ولهاوزن بفترة يسيرة.

[111] اُنظر مقالة: (الحسين بن عليّ بن أبي طالب)، لـ (لورا فاشيا فاغليري).

[112]المصدر السابق: ص612ـ614.

[113] المصدر السابق: ص614.

(*) الكاتب اسمه محمّد أيوب وليس محمود. (المحقق).

[114] اُنظر: ص93، من الكتاب المذكور.

[115] اُنظر: المصدر السابق.

[116] اُنظر: ص103، من الكتاب المذكور.

[117] وهذا التصوّر نفسه ينطبق على ما كتبه السيد حسين محمّد جعفري عن الحسين ومأساة كربلاء في كتابه (Origins) (الأُصول): ص174ـ221.

[118] اُنظر: أُطروحة (الولاء والحبّ والإيمان) للكاتبة ماريا داكاكه. وأغتنم هذه الفرصة لأعبّر عن امتناني للأُستاذة ليندا كلارك من مونتريال التي جذبت انتباهي إلى هذه الأُطروحة.

[119] اُنظر: المصدر السابق: ص14ـ16.

[120] اُنظر: المصدر السابق: ص118ـ119.

[121] اُنظر: المصدر السابق: ص109، وص118.

[122] المصدر السابق: ص109.

[123] اُنظر على سبيل المثال: تعليقة الكاتبة على خطبة أحد أصحاب الحسين في كربلاء (ص114 من الأُطروحة المذكورة)، ومقارنتها بين رسالتين أرسلهما الحسين إلى شيعة الكوفة وأشراف البصـرة: (ص115ـ116 من الأُطروحة).

[124] مثلاً، تذكر الكاتبة في (ص115) من أُطروحتها بأنّه لم يحمل الحسين ولا أحد من أصحابه فكرة استبداديّة: أنّ للحسين وحده الحقّ في تولّي السلطة الدينيّة السياسيّة.

[125] اُنظر: شوشان، أشعار التاريخ الإسلامي: ص233ـ252.

[126] اُنظر: المصدر السابق ص235ـ236، وص245.

[127] المصدر السابق: ص252.

[128] سأقوم في فصول قادمة من الكتاب بمناقشة المستويات المختلفة للتركيب بشكلٍ عام.

[[129]][129] لقد كُتب الشيء الكثير عن هذا الموضوع، فمثلاً يمكن للقارئ أن يرجع إلى مقدّمة حول هذا الموضوع كتبهاهمفريزفي كتابه: التاريخ الإسلامي (Islamic History). كما كتب روزنتهال دراسة مستوفية عن هذا الموضوع في كتابه: تاريخ كتابة التاريخ الإسلامي (Ahistory Of Muslim Historiography). إضافةً إلى ذلك، هناك كتب كثيرة كُتبت حول هذا الموضوع ولكن من زوايا مختلفة، مثل كتاب: المرويات (Narratives) للكاتب دونور، وكتاب: الرواية التاريخيّة العربيّة في عهدها الأوّل (Early Arabic Historical Tradition)للكاتبَين نوث وكونراد، وكتاب: التأريخ الإسلامي (Islamic Historiography) للكاتب روبنسون، وكتاب: نحو نظريّة (Toward Atheory) للكاتب وولدمان، وكلُّ هذه الكتب قد حوت مصادر يمكن الرجوع إليها.

[130] كمثال على عملية النقل هذه اُنظر مناقشاتي لمصادر الطبري فيما يلي من فصول هذا الكتاب.

[131] وأهمّ ما كُتب حول هذا الموضوع، وإن كان عملاً تقليديّاً، فهو كتاب: دراسات قرآنيّة(Qur'anic Studies)، للكاتب وانسبرو، يمكن للقارئ أن يقارن ذلك بما كتبه دونر في كتابه (المرويات): ص35ـ63.

[132] اُنظر: دونر، المرويات (Narratives): ص5ـ31، من أجل التعرّف على دراسةٍ لرموز المناهج، ومن ضمنها مقالة نقديّة لأكثر المواطن المشكوك بها في هذا السياق.

[133] يبدو من غير الممكن لنا في هذه الأسطر أن نذكر كلَّ ما كُتب حول تطوّر الفكر الإسلامي السياسي والدِّيني في مرحلته المبكرة؛ لذا سأحاول أن أستجلب نزراً يسيراً من الكتابات في هذا المضمار، والتي كان لها أهمّية مباشرة بصلب الموضوع على حسب نظري حينما كتبت هذا الفصل، لمعرفة تلك المصادر بتفاصيلها يرجى مراجعة فهرس المصادر في نهاية الكتاب.

أمّا إحدى أحدث الدراسات العلميّة الشاملة حول نشوء الفكر السياسي في المرحلة الأُولى للإسلام، فهو كتاب: الفكر السياسي الإسلامي في القرون الوسطى (Medieval Islamic Political Thought) لكاتبته باتريشا كرون.

ولا يقلّ أهمّية عن الكتاب السابق كتابُ: علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة (Theologie Und Gesellschaft Im 2. Und 3. Jahrhundert Hidschra)، الذي كتبه جوزف فان أس (Josef Van Ess)، حيث نجد في المجلد الرابع من هذا الكتاب الضخم نظرة عامّة موضوعيّة لنشوء وتطوّر علم الكلام والنظريّة السياسيّة، وقد قام الكاتب بكتابة مقالة موجزة باللغة الإنجليزيّة للقسم الذي يتحدّث عن علم السياسة من كتابه: (الأفكار السياسيّة في الفكر الديني للحقبة الأُولى للإسلام)، كما استفدتُ كثيراً في كتابة هذا الفصل من كتاب: من المجتمع القبلي إلى الدولة المركزيّة: تحليل للأحداث والنوادر في فترة تكوين الإسلام للكاتبة إيلا لانداو تاسيرون، كما تحتوي جميع تلك المصادر على مصادر أكثر تمّت مراجعتها حين كتابتها.

[134] لمعرفة وافية عن مصطلح (الدولة) المستخدم في هذا السياق، يرجى مراجعة كتاب: كرون، الفكر السياسي: ص3ـ4.

[135] اُنظر: كرون، الفكر السياسي: ص13. واُنظر على سبيل المثال: لانداو تاسيرون، من المجتمع القبلي: ص182.

[136] اُنظر: المصدر السابق: ص185ـ187.

[137] القرآن: 33 [الأحزاب]: آية21.

[138] القرآن: 3 [آل عمران]: آية132. و4[النساء]: آية59. ومواضع أُخرى. ومن أجل الإطّلاع على تفسير جدير بالقبول للدور السياسي لمحمّدٍ كما جاء في تلك المصادر، يُرجى الرجوع إلى: كيستر (Kisterمفاهيم السلطة: ص84ـ85.

(*) المنافق ليس بمؤمن، وبصريح القرآن أنّهم من أهل النار، بل هم في أسفل دركٍ من الجحيم، حيث قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) النساء: آية145. (المحقق).

[139] على سبيل المثال، اُنظر: القرآن: 3 [آل عمران]: آية166ـ167. للاطّلاع على دراسة ممتازة حول مفهوم النفاق في القرآن، إرجع إلى: ايزوتسو (Izutsuالمفاهيم: ص178ـ183. فان أس، علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة، المجلد الرابع: ص679ـ680.

(**) الصحابة: مصطلحٌ أطلقه المسلمون المتأخّرون عن عصر النبي’ على المعاصرين له، ولكنّه عاش السعة والضيق، وتدخّلت الأيادي العابثة لتسحبه حتى يغطي مَن أُريد إعطاؤه هذه السمة؛ من أجل تصحيح أفعاله المشينة وشرعنتها، فجعلوا الصحابي هو كلّ مَن لقي النبي’ وأظهر الإسلام ولو ساعة من النهار ومات بعد ذلك، وأُلحق بهم مَن أُمّروا في الفتوح بعد وفاة النبي’، وهذا ما لا يرتضيه الشيعة؛ فهم يرون الصحابي مَن آمن بالرسول وحفظ عنه ما بلّغ به عن الله، وعلم أمر الله ونهيه، وتفقّه في الدين وأقامه.(المحقق).

[141] اُنظر: فان أس، علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة، المجلد الرابع: ص696ـ700.

[142] اُنظر كتاب: باتريشا كرون، الفكر السياسي: ص22.

(*) عند مراجعة تلك المصادر التاريخية ستجدها دُوّنت في فترة من خلافة الأُمويين وسيطرتهم على مفاصل الحياة في الأُمّة الإسلامية. (المحقق).

(*) كان يُمثّل الإمام علي× في تلك الفترة الخليفة الشرعي بحسب النصّ الإلهي كما هو عند الشيعة، وبحسب الإجماع والانتخاب عند العامّة على اختلاف نظرياتهم، فكان موقف الإمام هو موقف جميع المسلمين والأُمّة الإسلامية ضد معاوية وأتباعة فقط. (المحقق).

(**) الأصحّ في التعبير أن يقول في مسجد الكوفة؛ إذ تواترت الأخبار بأنّ ضربة أمير المؤمنين× وقعت في مسجد الكوفة المعروف والمشهور، والذي ذُكرت له فضائل جمّة. (المحقق).

(***) لم يكن المجتمع الإسلامي مقسماً على شكل أحزاب سياسية يومئذٍ، وعندما قُتل أمير المؤمنين× لم يكن في العالم الإسلامي إلا الخط الهاشمي والخلافة الحقيقية المتمثّلة بالإمام الحسن×، والخط الأُموي المخالف للخلافة الإسلامية والمتمثّل بمعاوية وأتباعة من الأُمويين وغيرهم. (المحقق).

[145] سنأتي على تحليل أكثر تفصيلاً لمفهوم الفتنة في الفصل الخامس من هذا الكتاب.

(*) ليس الشيعة مجموعة (دينية سياسية) طارئة على المجتمع الإسلامي، بل هي مذهب إسلامي ممتدّ بامتداد الدين الإسلامي، وله أُسسه العقائدية والفقهية المنشقّة من الدين الحنيف، وذو منهج علمي عريق يرسم معالمه أئمة أهل البيت^، الذين أخذوا علومهم واحد عن واحد عن رسول الله.(المحقق).

[146]إيلا لانداو تاسيرون (Ella Landau-Tasseronمن المجتمع القبلي: ص213.

[147] اُنظر: فان أس، علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة: ج1، ص7ـ16، وج4، ص696، وكتابه: الأفكار السياسيّة: ص154.

(*) لم تكن في تلك الفترة أيّ حروب أهلية، أمّا في زمن عثمان فإنما كانت هناك ثورة من قبل المسلمين، وبلغت ذروتها حتى انتهت بقتل المسبب الذي أدّى إلى قيام المسلمين ـ ومنهم الصحابة ـ بالثورة عليه.

وأمّا في زمن الإمام علي×، فلم تكن هناك حروب أهلية، بل حروب للدولة مع الخارجين عنها والمخالفين لها، كلٌّ بحسب غاياته ونواياه، ولو صحّت هذه الشخصية فكانت الأولى أن يُوصف بها عهد الخليفة الأوّل. (المحقق).

[148]فان أس، الأفكار السياسيّة: ص154. (يوم السقيفة) يشير إلى حادثة انتخاب أبي بكر للخلافة بعد موت محمّد تحت سقيفة تابعة لإحدى قبائل المدينة. للاطّلاع على وجهات نظر مقاربة لما ذُكر حول أصل التاريخ الإسلامي، اُنظر: دونر، المرويات: ص112ـ122، وص276ـ280. واُنظر: خالدي (طريف خالدي)، الفكر التاريخي العربي: ص14.

[149] اُنظر: فان إس، علم الكلام والمجتمع: ج4، ص696ـ700، وكتابه: الأفكار السياسيّة: ص154ـ155.

[150] وقد جاء هذا الأمر أكثر من مرّة في القرآن، كما في: 3 [آل عمران]: آية104، و9 [التوبة]: آية71، و31 [لقمان]: آية17. للاطّلاع على مصادر أكثر، راجع كتاب: الأمر بالمعروف(Commanding Right)، للكاتب كوك، إذ إنّ كتابه هذا يعتبر رسالة علميّة تنطق عن دراسة موسّعة لمفهوم الأمر بالمعروف.

(*) نعم تغلبت هذه الفكرة على الفكر الشرعي والسياسي لأغلب المسلمين لا جميعهم، حيث أُريد لها ذلك؛ إذ سعى حكام الجور للحفاظ على حكمهم بواسطة وعّاظ السلاطين والنفعيين ليقوموا بشرعنة هذه الفكرة ومن ثم هيمنتها. (المحقق).

[151] اُنظر: المصدر السابق: ص477ـ479. للاطّلاع على مقالة شاملة حول المفاهيم الفقهيّة للثورة وقمعها، اُنظر: أحكام البغاة، لأبي الفضل (خالد أبو الفضل).

[152] اُنظر: كرون، الفكر السياسي: ص131ـ132.

[153] المصدر السابق: ص394ـ395. واُنظر أيضاً: الصفحات: 132ـ133. يمكن ملاحظة هذه الفكرة ولكن بشكلٍ أكثر نضوجاً في كتاب: خليفة الله (God’s Caliph)، للكاتبين كرون وهيندز، خصوصاً في الفصلين الرابع والخامس.

أمّا النقد الذي وُجِّه إلى الوصف الذي ذكره الكاتبان في كتابهما المزبور، فهو أنّهما لم يأخذا في نظر الاعتبار أنّ التوتر بين علماء الدِّين والسلطة السياسيّة في هذا الجزء من العالم قديم، وأنّ سبب هذا التوتر هو تفضيل الجانب الملكي للحكّام على علماء الدِّين. اُنظر كتاب: مراجعة لـ (خليفة الله (Review Of God’s Caliph)،للكاتب كالدر. واُنظر أيضاً: أولريكا مورتنسون، الحديث: ص302، مع مصادر أُخرى.

والنقطة التي أودّ أن أطرحها هنا هي: إنّ أشكال السلطتين الدِّينيّة والسياسيّة التي كانت واحدة في أقدم أشكال الحكم في الإسلام انفصلت شيئاً فشيئاً فيما بعد، ولا يمكن لأحد أن يعترض على هذه النقطة على حدِّ درايتي بالموضوع.

[154] اُنظر: كرون، الفكر السياسي: ص396. أمّا المجتمع المدني المسلم، فقد بقي متّحداً دينيّاً، ولكن هذا الموضوع ليس ما نطمح أن نناقشه في هذه المقالة.

[[155]] لمشاهدة  الشكل اضغط على الرابط التالي :
https://admin.warithanbia.com/files/images/231644457_1697004568.jpg

(*) الوجه الشرعي لخلافة الإمام علي× ليس لأنّه ابن عم النبي وزوج ابنته، بل للنصوص الشرعية الكثيرة الواردة عن النبي’ وسيرته. (المحقق).

(1) حينما أقصد بكلمة (إمام) المفهوم الشيعي لها، فإنّي أضع الكلمة بين تنصيصين. أمّا إذا وجدتها بدون تنصيصين، فاعلم أنّ مرادي منها معناها العام، وهو القائد.

[157] اعتمدت بشكلٍ أساسي في ترجمتي للطبري على كتاب: مقدمة عامّة (General Introduction)، للكاتب روزنتهال، كما اقتطفت بعض التفاصيل من مصادر أُخرى.

[158] اُنظر: روزنتهال، مقدمة عامّة: ص52ـ53.

[159] اُنظر: مورتنسون، العهد الجديد الحقيقي (True New Testament): ص64.

[160] اُنظر: روزنتهال، مقدمة عامّة: ص70.

[161] اُنظر: سورديل (Sourdelإعلان العقيدة (Proffesion De Foi): ص181، وص190. واُنظر أيضاً: جيليو، التفسير (Exégèse): الفصل الثامن.

[162] يقصد بالمسلمين هنا العلماء المتشرّعين، ارجع إلى الصفحات السابقة من هذا الكتاب لمعرفة المزيد حول هذا المصطلح، ومن أجل الاطّلاع على وجهات نظر العلماء المتشـرّعين حول السياسة، اُنظر: هودجسون، المغامرة (Venture)، المجلد الأوّل: ص348ـ350.

[163] مقتبس من: مؤرِّخان مسلمان لفترة ما قبل الحداثة (Two Pre-Modern Muslim Historians)، للكاتب هودجسون: ص55. ويوضّح هودجسون نظرته هذه بأمثلة توضيحيّة يدرس من خلالها قضية مقتل الخليفة الثالث عثمان. ومن أجل الاطّلاع على نتائج مشابهة مستلة من دراسة لحرب الجمل، اُنظر: روبرتس (Roberts)، التاريخ الإسلامي في مراحله الأُولى (Early Islamic Historiography): ص279ـ281.

[164] يوضِّح الكاتبان جيليو وروزنتهال بأنّ هناك التباساً كبيراً حول كميّة ما كتبه الطبري، فقد استغرقت كتابته لكتبه الرئيسيّة المعروفة سنين طويلة، وأنّ بعضاً من أجزاءٍ من كتبه قد تمّ تداولها قبل أن ينتهي من كتابة الكتاب بأكمله، علاوةً على ذلك، فإنّ قسماً كبيراً من كتبه تُعرف الآن بعناوين غير ما وضعه هو لها، للاطّلاع على دراسة هذه المسألة وجدول بما كتبه الطبري، اُنظر: جيليو، التفسير: ص39ـ68. روزنتهال، مقدمة عامّة: ص80 ـ134.

[165] اُنظر: المصدر السابق: ص105.

[166] ويحمل هذا الكتاب عناوين أُخرى كثيرة، وكلُّ تلك العناوين التي استخدمها الطبري نفسه، بدت وكأنّها تشير إلى صنفين من الرسل والحكّام. وسوف نأتي على تأويل لما تعنيه هذه الحقيقة في الصفحات القادمة من هذا الكتاب.

[167] اُنظر: روزنتهال، مقدمة عامّة: ص101.

[168] اُنظر: المصدر السابق: ص135ـ140.

[169] للاطّلاع على أمثلة من تلك الأخبار. اُنظر إلى موضوع: (نصّ المصادر) المذكور في الملحق الثاني من هذا الكتاب.

[170] اُنظر: أولريكا مورتنسون، الحديث: ص292ـ293.

[171] المصدر السابق: ص297.

[172] وقد ناقشت الكاتبة أولريكا مورتنسون هذه المسألة في كتابها الحوار: ص297ـ300.

[173] اُنظر: همفريز، الأُسطورة القرآنيّة: ص281. والكاتب نفسه يُرجع القارئ إلى: روزنتهال، التأثير (Influence): ص39ـ40، وكتاب: الوسط الطائفي، الفصل العاشر.

[174]أولريكا مورتنسون، الحوار: ص298. واُنظر أيضاً: جيليو، الأُسطورة: ص244ـ245. همفريز، الأُسطورة القرآنيّة: ص281.

[175] اُنظر: روزنتهال، (مقدمة عامّة).

[176] اُنظر: طيّب الهبري، التفسير الجديد (Reinterpreting).

[177] طيّب الهبري، التفسير الجديد: ص31.

[178] المصدر السابق: ص14.

[179] المصدر السابق: ص15. اُنظر أيضاً كتاب الوحدة، للكاتب نفسه.

[180] المصدر السابق: ص 166ـ167.

[181] يتطرّق الهبري إلى الحديث عن (عملية تأكيد وقلب وتغيير في وضع اللغة المجازيّة)، ثمّ يضرب مثالاً مثيراً للاهتمام عن هذه العملية. ص90 من الكتاب المزبور.

[182] يقول الهبري في: ص56 من الكتاب: لم يتمّ نقل الرسالة الرئيسيّة المقصودة من نقل تلك الأخبار بصراحة ولا مرّة واحدة، ولكن تعابير مجازيّة تعبّر عنها قد ذُكرت في تلك النصوص مراراً وتكراراً وبطرقٍ مختلفة. اُنظر أيضاً: ص90 من نفس الكتاب.

[183] اُنظر على سبيل المثال: لانغ، مراجعة لكتاب الهبري. شوشان، الشعر: ص3ـ6.

[184]شوشان، الشعر: ص107.

[185] اُنظر: المصدر السابق: ص7ـ9.

[186] اُنظر: المصدر السابق: الفصل الأوّل.

[187] اُنظر: المصدر السابق: الفصلان الثالث والرابع.

[188] المصدر السابق يذكر هنا كتاب الشعر، للكاتب شوشان: ص107.

[189] اُنظر: أولريكا مورتنسون، الحديث (Discourse): ص306، وص331. وتتبع الكاتبة ـ حسب نظرتها هذه ـ التأويلات التي قدّمها هودجسون وهمفريز من بين كتّاب آخرين يحملون نفس الرأي، ولكنّها تتخطاهم متقدّمة عليهم بشكلٍ ملحوظ. وقد مرَّ بك آراء هودجسون وهمفريز في صفحات سابقة من هذا الكتاب.

(*) لا يخفى ما في هذا الكلام من التهافت فالنبوة لم تكن في الخلفاء الأربعة، نعم بالنسبة للإمام علي أمير المؤمنين×، فهو وصي النبي الأكرم’ ولم يكن نبياً، وإن كانت الوصاية امتداداً للنبوة ولأهدافها. وأمّا بالنسبة للخلفاء الثلاثة الأوائل، فهم أبعد ما يكون عن النبوة، حيث إن الأول يقول للأمة الإسلامية: ألا وإن لي شيطاناً يعتريني. والثاني لطالما قال للإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين× حينما يخرجه من المآزق: لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن، والثالث وصل الأمر في عهده أن يضرب مَن يقول الحق، وسلم أُمور الدولة لعشيرته بني أُميّة حتى ثار عليه المسلمون وقتل. (المحقق).

[190] اُنظر: أولريكا مورتنسون، الحديث (Discourse): ص308ـ309.

[191] المصدر السابق: ص309.

(**) وقع الكاتب هنا في خطأ؛ لأن عنوان الكتاب هو تاريخ الأمم والملوك، لا الأنبياء والملوك. (المحقق).

[193] للاطّلاع بشكل أوسع راجع: البنيويّة بين النشأة والتأسيس (دراسة نظريّة)، إعداد: ثامر إبراهيم محمّد المصادرة.

[194] اُنظر على سبيل المثال: كوز، البنيويّة (Structuralism): ص1. ينزن، البنية (Structure): ص314ـ316. كونين، منطق السفاح(Logic Of Incest): ص20.

[195] ينزن، البنيّة (Structure): ص315.

[[196]][196] اُنظر: بيتر كوز، البنيويّة: ص1. وللاطّلاع على فروق مماثلة لما ذكره الكاتب ارجع إلى: بتيتو، التكوّن التشكلي (Morphogenesis)،: ص20ـ21.

[197]بيتر كوز، البنيويّة: ص184. واُنظر أيضاً الصفحات: 1 و145، وخاصّةً: 183ـ 184.

[198] اُنظر: سيث كونين، نفكر بما نأكل: ص7ـ14.

[199] وقد تُرجم هذا الكتاب إلى اللغة الإنجليزيّة عدّة مرّات وبتراجم مختلفة، ولقد اعتمدت على ترجمة روي هاريس في اقتباسي من الكتاب المذكور، اُنظر: دو سوسير، الطريق (أو الطريقة).

[200] اُنظر: ليتش، البنيويّة (Structuralism): ص 55. بتيتو، التكوّن التشكلي: ص28ـ29.

[201] اُنظر: ايرنست كاسيرر، البنيويّة في علم اللغة الحديث (Structuralism In Modern Linguistics): ص120، كما هو موجود في كتاب: البنيويّة، للكاتب كوز: ص11.

[202] اُنظر: بيتر كوز، البنيويّة: ص11ـ 55. بتيتو، التكوّن التشكلي: ص21ـ51.

[203] للاطّلاع على ملخّص عن وجهات النظر المختلفة حول تطبيق البنيويّة على علم الإنسان (الأنثروبولوجيا)، وعلى دراسة الأديان ـ بما فيها الدراسة التي كتبها ليفي شتراوس ـ ارجع على سبيل المثال إلى كتاب: البنية، للكاتب ينزن. وكتاب: البنيويّة، للكاتب ليتش. وكلّما يأتي الذكر في الأسطر القادمة من الكتاب على البنيويّة، فإنّي أقصد بها بنيويّة ليفي شتراوس، إلّا إذا كان هناك ما يدلّ على غير ذلك.

[204] اعتمدت في كتابة هذه الأسطر بشكلٍ رئيسـي على الفصل الأوّل من كتاب: ليفي شتراوس اليوم (Lévi-Strauss Today)، للكاتب دلييجه (Deliège).

[205] أفضل مقالة كُتبت كمقدّمة لطريقة تفكير ليفي شتراوس بشكلٍ عام، وكمقدمة لرأيه حول الأساطير، تلك التي كتبها سبيربر (Sperber) تحت عنوان: البنيويّة (Le Structuralisme). وممّا يُؤسف له أنّني لم اطّلع على تلك المقدّمة إلّا بعد فوات الأوان، وإلّا كنت اقتبست كثيراً من سطورها في هذا الكتاب.

أمّا المقدّمة الأُخرى حول هذا الموضوع، والتي هي أشمل من سابقتها إلّا أنّها أقلّ أصالة، فهي تلك التي كتبها هيناف (Hénaff) في كتابه المعنون: (كلود ليفي شتراوس) باللغة الإنجليزيّة، كما يحتوي هذا الكتاب على قائمة موسّعة نوعاً ما بالكتب والمقالات التي كتبها ليفي شتراوس.

أمّا النسخة الأصليّة من الكتاب التي كُتبت باللغة الفرنسيّة، فتمتاز باحتوائها على خلاصات بأهمّ كتبه ومقالاته التي كتبها حتى تاريخ طبع كتاب: (هيناف (Hénaff)) في عام (1991م).

أمّا كتاب (ليفي شتراوس اليوم) الذي كتبه دلييجه (Deliège فهو يستحقّ القراءة كمقدّمة أوليّة لطريقة تفكير ليفي شتراوس، إلّا أنّ مؤلّف الكتاب فاته أن يتطرّق إلى نقاط مهمّة في طريقة تفكير ليفي شتراوس، كما أنّه مرّ على بعض الجوانب الأُخرى من شخصيته الفكريّة مرور الكرام، ولم يبدِ تعاطفاً بالمستوى الذي يبدو لي عادلاً.

وعند الحديث عن المقدّمات التي كُتبت حول ليفي شتراوس ـ على الرغم من أنّ بعضها قد تبدو أحياناً تقنية صرفة ـ لا يمكننا تغافل تلك التي ذكرها الكاتب سكوبلا في القسم الأوّل من كتابه: إقرأ ليفي شتراوس(Lire Lévi-Strauss)، ولو أنّ الكتاب يعالج مسألة طريقة تفكير ليفي شتراوس من زاوية واحدة معيّنة، وهي مسألة (الصيغة القانونيّة).

ولا يفوتنا أن نذكر أن كتاب: المفردات (Vocabulaire)، للكاتب مانيغليير (Maniglier) مفيد جدّاً في أيّة دراسة تخصّ ليفي شتراوس، بالرغم من أنّ هذا الكتاب وحده ليس كافياً في هذا المجال.

[206]ليفي شتراوس وأريبون، المحادثات(Conversations): ص141.

[207] اُنظر على سبيل المثال كتابه: الرجل العاري (The Naked Man): ص684ـ693. وفي نهاية هذا المقطع من الكتاب يصف المؤلِّف بحثه السابق حول العلاقة بين علم الأحياء والبنيويّة بأنّها (غير مقيّدة بمساحةٍ ما من التفكير، وأنّها استغراقيّة في العقلانيّة، ومشبعة بالارتباك والخطل...).

[208] اُنظر: سيث كونين، نفكر بما نأكل: ص7ـ14. واُنظر أيضاً كتابه الآخر: منطق السفاح: ص12ـ13، ولو أنّ الكاتب في هذا الكتاب يبحث في المستويات الثلاثة الأُولى للتراكيب الأساسيّة، ثمّ يؤكد بأنّ هذا التصنيف هو تحليلي بحت، وأنّ مستويات التراكيب لا يمكن في الواقع تمييزها عن بعضها البعض.

[209]سيث كونين، نفكّر بما نأكل: ص11.

[210] المصدر السابق.

[211] المصدر السابق: ص18.

[212] اُنظر كتاب: ليفي شتراوس، النيء والمطبوخ: ص19. وسوف نُعطي تفاصيل أكثر لمفهوم (الشفرة) في الأسطر القادمة من الكتاب.

[213] أمّا المجالات الأُخرى التي استخدم الإنسان للتعبير عنها تراكيب متقنة، فهي تلك التي وصف فيها الإنسان صلة القرابة وتلك التي استخدمها في تسجيل الأحداث التاريخيّة، وهذا يجري على كثير من الحضارات، على حدّ قول كونين.

[214] اُنظر: ليفي شتراوس وأريبون، المحادثات: ص140.

[215] هذه هي إحدى الأفكار الرئيسة عن ليفي شتراوس، وقد عبّر عنها في كثير من كتاباته. اُنظر مثلاً كتابه: الأنثروبولوجيا البنيويّة (Structural Anthropology): ص216، وص229. وكتابه: النيء والمطبوخ: ص5 (وفي هذا الكتاب يقتبس الكاتب من كتاب: الأشكال الأوليّة (Les Formes Elémentaires)، للكاتب دوكهايم (Durkheim): ص 190). واُنظر أيضاً كتابه: الرجل العاري: ص694ـ695. وكتابه: الخزّاف الغيور (The Jealous Potter): ص171.

[216]ليفي شتراوس، الرجل العاري: ص694.

[217] اُنظر: ليفي شتراوس وأريبون، المحادثات: ص140.

[218] اُنظر: ليفي شتراوس، الخزّاف الغيور: ص193.

[219] اُنظر: المصدر السابق: ص171.

[220] اُنظر: ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا البنيويّة: ج2، ص146.

[221]ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا البنيويّة: ج2، ص170.

[222] اُنظر على سبيل المثال كتاب: العقل المتوحش: ص212. وكتاب: الخزّاف الغيور: ص 20. وهذه إحدى الطرق التي يستخدم فيها مصطلح الاستعارة، ولكنّه يستخدم نفس المصطلح في معنىً آخر، ويقصد به الرموز نفسها لا مصطلحات معيّنة داخل تلك الرموز، تستخدم للتعبير مجازاً عن العلاقات بين الأشياء. اُنظر: ليفي شتراوس، الخزّاف الغيور: ص193ـ194. واُنظر أيضاً: مانيغليير، المفردات (Maniglier): ص30. وسيأتي المزيد عن هذا الموضوع.

[223] اُنظر: ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا البنيويّة: ج2، ص162ـ163، وص173.

[224]اُنظر: إدموند ليتش، الثقافة والتواصل: ص11ـ12.

[225] يستخدم ليفي شتراوس مفهومي الاستعارة والكناية متأثراً باللغوي البنيوي رومانجاكوبسون (Roman Jakobson). للاطّلاع على منهج جاكوبسون في استخدام هذين المفهومين، اُنظر: جاكوبسونوهيل، أُصول اللغة (Fundamentals Of Language): ص67ـ96.

[226] اُنظر: إدموند ليتش، الثقافة والتواصل: ص20.

[227]ليفي شتراوس، الخزّاف الغيور: ص205.

[228] اُنظر: ليفي شترواس، الخزّاف الغيور: ص193.

[229] اُنظر: ليفي شتراوس، النيء والمطبوخ: ص307.

[230] اُنظر: ليفي شتراوس، الرجل العاري: ص675.

[231] لقد استخدمتُ في هذه الجملة كلمة (أُسطورة) لأعبّر بها عن معنى أوسع ممّا ذكرته في تعريفي لها في بداية هذا الكتاب.

[232] موسكو، الصيغة القانونيّة للأُسطورة واللاأُسطورة: ص132ـ133، والذي منه تمّ تعديل الشكل (المذكور).

[[233]] لمشاهدة الشكل اضغط على الرابط التالي : https://admin.warithanbia.com/files/images/1430447401_1697005172.jpg

[234]ليفي شتراوس وأريبون، المحادثات: ص139.

[235]إدموند ليتش، الثقافة والتواصل: ص22.

[236]اُنظر: ليفي شتراوس، استدلال الكُركي (Deduction Of The Crane). وكتاب: الخزّاف الغيور: ص58.

[237] اُنظر: المصدر السابق: ص19ـ20.

[238] ليفي شتراوس، حكاية الوشق (The Story Of Lynx): ص185. واُنظر: كوز، البنيوية:
ص86ـ89.

[239] اُنظر: ماراندا، نماذج بنيويّة: ص32.

[240]اُنظر: ماركوس، الصيغة القانونيّة.

[241] المصدر السابق: ص143، وقد اقتبس الكاتب في هذه الفقرة جملة مأخوذة من كتاب: نماذج بنيويّة، للكاتبة ماراندا: ص34. وإذا رجعنا إلى الجملة التي ضربناها مثالاً في الصفحات السابقة: (كان لدى ماري حمل صغير)، فإنّ الفقرة أعلاه توضّح لنا السبب في عدم إمكانية استبدال اسم العلم (ماري) بالاسم (الفتاة)بسهولة؛ وذلك لأنّ الاسم هذا ـ أي الفتاة ـ يحمل سمات دلاليّة أكثر ممّا يحملها اسم العلم (ماري).

[242] ماركوس، الصيغة القانونيّة: ص143.

[243] اُنظر: كوز،البنيويّة: ص87.

(*) القيوط: حيوان يُعرف بالذئب البري، وكذلك ذئب السهول، أو ذئب المروج، أو الذئب الواوي، وكذلك يُعرف بعوائه الغريب المخيف، الذي يُسمع عادةً في فترة المساء والليل، أو في الصباح الباكر؛ لأنّه يعيش في السهول المفتوحة في شمال أميركا من كوستريكا إلى آلاسكا، وكذلك يعيش في بعض أجزاء أميركا الوسطى، ويعيش في كندا والمكسيك. موقع ويكيبيديا ـ الموسوعة الحرة. (المحقق).

(*)البويبلو: وهم شعوب أميركية أصلية، تركّزت فيما يُعرف الآن بمنطقة الأركان الأربعة في الولايات المتحدة، التي تضم جنوب يوتا، وشمال أريزونا، وشمال غرب نيومكسيكو، وجنوب كولورادو، حيث كانوا يعيشون في مجموعة من الهيا كل، بما في ذلك منازل الحفر، ومساكن محضورة في الأجراف. موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة. (المحقق).

[246]ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا البنيويّة: ص224ـ225.

[247] اُنظر: ليفي شتراوس، الرجل العاري: ص694.

[248]ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا البنيويّة: ص266.

[249] اُنظر: ليفي شتراوس، أصل آداب المائدة (The Origin Of Table Manners): ص181ـ182.

[250] ليفي شتراوس، حكاية الوشق: ص8. وقد اقتبس جزءاً من الفقرة من كتابه الرجل العاري: ص398 (وفي النسخة الإنجليزيّة من الكتاب هناك إشارة إلى الرجوع إلى كتاب النيء والمطبوخ، لليفي شتراوس: ص293، وهي فقرة تتناول نفس الموضوع، ولكنّها لا تحتوي على الجزء المقتبس في هذه الفقرة).

[251] اُنظر: ليفي شتراوس، أصل آداب المائدة: ص398. من أجل الاطّلاع أكثر على الوظائف والأساليب التي تؤدّيها الوسائط في الأساطير، ارجع إلى: هيناف (Hénaffكلود ليفي شتراوس: ص166ـ167. كونين، نفكر بما نأكل: ص15ـ16. واقرأ ليفي شتراوس: ص33ـ39، ومواطن أُخرى من الكتاب.

[252]اُنظر: ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا البنيويّةLévi-Strauss, Structural) Anthropology): ص228. عبارة "علاقة قانونيّة" جاءت في الأصل الفرنسي للمقالة، وقد حُذِفت كلمة قانونيّة (Canonical) من الترجمة الإنجليزيّة. وبما أنّها تأتي متكرّرة في أعماله اللاحقة، فقد تمّ ترجمتها إلى الإنجليزيّة على كلِّ حالٍ (راجع على سبيل المثال: ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا والأُسطورة: ص4). أفضل دراسة ـ إلى حدٍّ بعيد ـ حول الصيغة ومتغيّراتها في أعمال ليفي شتراوس، ومن بين المعلّقين عليها هو كتاب سكوبلا، اقرأ ليفي شتراوس (Scubla, Lire Lévi-Strauss). هناك مقالة جيّدة تتعامل مع هذه الصيغة من المنظار الشكلي بصورة أساسيّة، لماركوس بعنوان: الصيغة القانونيّة (Marcus, Canonic Formula).

وهناك مقالة مهمّة جدّاً، على الرغم من أنّها فنيّة (تقَنيّة) إلى حدٍّ بعيد، هي مقالة بتيتو: مقدّمة إلى التشكّل الديناميكي (Petitot, Approche Morphodynamique). وهناك مجموعة منتخبة من المقالات حول الصيغة القانونيّة من وجهات نظر مختلفة في كتاب ماراندا: الانعطاف المزدوج (Maranda, Ed., Double Twist) الذي يتضمّن خلاصة بالإنجليزيّة حول الميزات المهمّة لكتاب سكوبلا المذكور أعلاه.

[253] اُنظر: ليفي شتراوس، من العسل إلى الرماد (Lévi-Strauss, From Honey To Ashes): ص249. ليفي شتراوس: الأنثروبولوجيا والأسطورة: ص4ـ5.

[254]ليفي شتراوس، الأنثروبولجيا البنيويّة: ص228.

[255]ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا والأُسطورة،ص4. راجع كذلك: ليفي شتراوس، الرجل العاري (The Naked Man): ص634. وألي كونغاس ماراندا وبيير ماراندا، النماذج البنيويّة (Maranda And Maranda, Structural Models): ص28.

[256] لمطالعة مناقشة شاملة حول استقبال الصيغة، راجع: سكوبلا، اقرأ ليفي شتراوس. يعلّق سكوبلا على ملاحظة ليفي شتراوس المقتبسة في الجملة السابقة بالقول: (سنكون أكثر مَيلاً للنظر ـ بعين الاعتبار ـ لتلك الصيغة كبيان مختصـر بحاجة إلى فكّ رموزها، وربّما تحتوي بالفعل بداخلها أكثر ممّا كان المؤلّف عالماً بما وضع فيها). سكوبلا، هسيود (Scubla, “Hesiod): ص152، ملاحظة14.

[257] تأتي الشمس في النصّ الأصلي بصيغة المذكّر (المترجم).

(*) السُّبَد: طائر إذا قُطر على ظهره قطرةٌ من ماء جرى ... وقيل: السُّبَد طائر مثل العُقاب. اُنظر: ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب: ج7، ص107. (المحقق).

[258]ليفي شتراوس، الخزّاف الغيور (The Jealous Potter): ص14ـ15.

[259]المصدر السابق: ص57.

[260] اُنظر: ليفي شتراوس، الخزّاف الغيور: ص180ـ181.

[261] اُنظر: المصدر السابق: ص34ـ47، وص59ـ69.

[262]المصدر السابق: ص57.

[263] اُنظر: المصدر السابق: ص58. لقراءة دراسة شاملة في تحليل هذه الأُسطورة يرجى مراجعة: سكوبلا، إقرأ ليفي شتراوس(Scubla, Lire Lévi-Strauss): ص99ـ104.

[264]اُنظر: ليفي شتراوس، تنظيمات الساعة الرمليّة (Hourglass Configurations)، لمشاهدة مثال في مجال الأُسطورة، راجع على سبيل المثال: ليفي شتراوس، حكاية الوشق (The Story Of Lynx): ص99ـ101.

[265]اُنظر: ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا البنيويّة (Structural Anthropology): ص228. راجع أيضاً: ليفي شتراوس، من العسل إلى الرماد (From Honey To Ashes): ص248ـ249. وليفي شتراوس، حكاية الوشق: ص104. حول تطبيقات العلاقة بين الأُسطورة والطقوس، راجع: ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا والأُسطورة (Anthropology And Myth): ص113ـ117، وحول تطبيقها على مجموعة من الطقوس ذات الصلة، راجع: ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا والأُسطورة: ص190.

[266]اُنظر: سكوبلا، هسيود(Hesiod): ص124ـ125. توجد دراسة شاملة لهذه العقبات وعقبات أُخرى لها علاقة بالموضوع في كتاب: سكوبلا، اقرأ ليفي شتراوس: ص115ـ121.

[267]سكوبلا، هسيود: ص125.

[268]اُنظر: ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا والأُسطورة.

[269]ألي كونغاس ماراندا وبيير وماراندا، نماذج بنيويّة (Maranda And Maranda, Structural Models).

[270]المصدر السابق: ص26.

[271]المصدر السابق.

[272]المصدر السابق.

[273]اُنظر: ألي كونغاس ماراندا وبيير وماراندا، نماذج بنيويّة: ص26ـ27.

[[274]] لمشاهدة المخطط اضغط على الرابط التالي : https://admin.warithanbia.com/files/images/1430447401_1697005172.jpg

[275] سكوبلا، هسيود: ص138. راجع أيضاً كتاب سكوبلا، اقرأ ليفي شتراوس: ص141ـ142. "النصّ الأساس" المشار إليه في الفقرة المقتبَسة هو هذه المقالة: الدراسة البنيويّة للأُسطورة (The Structural Study Of Myth) من كتاب ليفي شتراوس: الأنثروبولوجيا البنيويّة: ص206ـ231. استخدام ليفي شتراوس لـ"النموذج البصـري" المشار إليه يوجد في كتابه: الأنثروبولوجيا البنيويّة: 2، ص 188.

[276]اُنظر: سكوبلا، اقرأ ليفي شتراوس: ص142.

[277]اُنظر: ماركوس، الصيغة القانونيّة (Marcus, “Canonic Formula): ص151.

[278]ا ُنظر: ماركوس، الصيغة القانونيّة: ص136ـ137.

[279]المصدر السابق: ص153ـ154. الأقواس المربّعة وردت في الأصل.

[280]ليفي شتراوس في رسالةٍ إلى ماركوس مقتبسة في (كتاب) ماراندا، الخاتمة(Conclusion): ص314. راجع أيضاً تعليقة ليفي شتراوس على مقالات ماراندا، الانعطاف المزدوج (Double Twist): ص313.

[281]سولومون ماركوس، وهو نفسه عالم رياضيّات معروف، يدّعي أنّ ليفي شتراوس هو واحد من علماء الاجتماع القلائل الذين فهموا أنّ "علماء الرياضيّات المعاصرين لم تعد تسيطر عليهم فكرة المقادير كما في الماضي، ولكن فكرة البنية...." (ماركوس، "الصيغة القانونيّةCanonic Formula": ص118). الرياضي الفرنسـي جان بيتيتو (Jean Petitot)، الذي هو أحد تلاميذ رينيه توم (René Thom) مؤسّس نظريّة الفاجعة (Catastrophe) في الرياضيّات، قد ناقش الصيغة من خلال هذه النظريّة (بيتيتو، "مقدّمة إلى التشكّل الديناميكي (Approche Morphodynamique)"). عند العمل من منظار نظريّة المجموعة، أثبت الرياضي الأميركي جاك مورافا (Jack Morava) أنّ الصيغة القانونيّة تمثّل مجموعة رباعيّة من نظام الثمانية التي هي مجموعة رياضيّة غير تبادليّة (Non-Commutative)، بالمقارنة مع مجموعة كْلَيْن (Klein) (والذي يستخدمها ليفي شتراوس أحياناً).

يقول مورافا: إنّ السبب في الدرجة الأُولى وراء عدم إعطائها قيمة من قِبَل الرياضيّين سابقاً هو أنّ علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الرياضيّات كانت لديهم صعوبات في فهم بعضهما الآخر. (مورافا، حول الصيغة القانونيّة لليفي شتراوس (On The Canonical Formula Of C. Lévi-Strauss). (مقالة إلكترونيّة)، (Arxiv.Org, 11 June 2003) (اقتُبِست في 17 نيسان 2006)؛ توجد على الموقع: (http: //Arxiv.Org/PS_Cach/Math/Pdf/O3O6/0306174.Pdf.) وأنا ممتنّ للوسيه سكوبلا على هذا المصدر.

[282] لمطالعة خلاصة عن نظريّة "الفاجعة" (Catastrophe Theory) لرينيه توم (René Thom) وتطبيقاتها على البنيويّة، يُرجى مراجعة كتاب: بيتيتو، التشكّل(التخلّق) (Morphogenesis). لمشاهدة تطبيق مباشر لهذه النظريّة على الصيغة القانونيّة، يرجى مراجعة كتاب: بيتيتو، مقدّمة إلى التشكّل الديناميكي (Approche Morphodynamique). لمطالعة خلاصة وتقييم لعمل بيتيتو، يرجى مراجعة: سكوبلا، اقرأ ليفي شتراوس: ص201ـ293.

[283]  اعتمد هذا البحث حول تأويل سكوبلا للصيغة القانونيّة على كتاب سكوبلا: اقرأ ليفي شتراوس: ص139ـ161، وص185ـ197. وكتابه: هسيود.

(*) البورورو: هم قوم من الهنود الحمر في أميركا الجنوبيّة، يعيشون في منطقة محدودة من البرازيل. (المحقق).

[284]ليفي شتراوس، النيّء والمطبوخ (The Raw And The Cooked): ص52.

[285]اُنظر: سكوبلا، اقرأ ليفي شتراوس: ص143.

[286]اُنظر: سكوبلا، هسيود،ص139. راجع أيضاً: سكوبلا، اقرأ ليفي شتراوس: ص143.

(*) المعادلة الاستاتيكيّة تعني المعادلة التفاضلية في علم الرياضيات. (المحقق).

[287]اُنظر: سكوبلا، اقرأ ليفي شتراوس: ص143؛ سكوبلا، هسيود: ص139. من المهمّ ملاحظة أنّ حرف الـ (X) الكبير في المعادلة لا يشير إلى الوظيفة (X) في نسخة ليفي شتراوس من الصيغة القانونيّة، ويستخدم سكوبلا العلامة (X) في نسخته المبسّطة "من أجل أن يعطي تأثيراً تصويريّاً للنموذج البصـري للانعطاف المزدوج؛ لأنّ هذا العنصـر يخصّ بصورة أساسيّة المجهول. اُنظر: سكوبلا، هسيود: ص141.

[288]سكوبلا، هسيود: ص141.

[289]المصدر السابق: ص140ـ141، بالاقتباس من: ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا البنيويّة: ص223. راجع كذلك: سكوبلا، اقرأ ليفي شتراوس: ص191ـ192.

[290]سكوبلا، اقرأ ليفي شتراوس: ص190.

(*) نسبة إلى هسيود، وهو من أوائل الشعراء الإغريق المعروفين، عاش في القرن الثامن قبل الميلاد. (المحقق).

[291]اُنظر: سكوبلا، اقرأ ليفي شتراوس: ص154ـ161. سكوبلا، هسيود. لسوء الحظ أنّ هذه المناقشة طويلة جدّاً ومعقّدة، حيث لا يمكن تلخيصها بصورة وافية، وهنا أعطينا خلاصة قصيرة فقط لا يمكنها أن تفي بحقّها.

[292]سكوبلا، اقرأ ليفي شتراوس: ص158ـ161. سكوبلا، هسيود: ص146ـ150.

[[293]] لمشاهدة المخطط اضغط على الرابط التالي : https://admin.warithanbia.com/files/images/1026872876_1697005847.jpg

[294]ماركوس، الصيغة القانونيّة: ص151.

[295]سكوبلا، حول اثنين من التطبيقات (Sur Deux Applications). أُقدّم شكري للوسيه سكوبلا على إعطائي هذه المقالة غير المنشورة، والسماح لي بالاقتباس منها.

[296] راجع الصفحات التالية.

[297]ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا البنيويّة: ص213 (الحذف في الأصل).

[298]اُنظر: المصدر السابق: ص215.

[299] المصدر السابق: ص217.

[300] اُنظر على سبيل المثال: تحليل أُسطورة أسْديوال. ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا البنيويّة2: ص146ـ197).

[301] اُنظر: ليفي شتراوس، الأنثروبولوجيا البنيويّة: ص218. ليفي شتراوس، النيّء والمطبوخ: ص1ـ6. اُنظر أيضاً: ليفي شتراوس وأريبون، محادثات (Lévi-Strauss And Eribon, Conversations): ص134ـ135.

(*) فرع من الأنثروبولوجيا (علم الأعراق أو الأجناس البشريّة). (المحقق).

(*) بين المعقوفتين من المحقّق.

[302] كتابات ليفي شتراوس مليئة جدّاً بهذه التوصيفات، حيث من السهولة أن تفتح أيّاً من كتبه كيفما اتّفق، لتأتي على وصفٍ من تلك الأوصاف، ولكن على سبيل المثال راجع كتابه: النيّء والمطبوخ: ص3، والأنثروبولوجيا البنيويّة: ص2، ص147ـ149.

[303]اُنظر: ليفي شتراوس، النيء والمطبوخ: ص307، والأنثروبولوجيا البنيويّة: ص206ـ231، ونفس المصدر، ج2، ص146ـ197. وما بين الأقواس الكبيرة في النصِّ تبيّن أنني قد قمت بتعديلات طفيفة في الترجمة؛ لتناسب بصورة أفضل ما أعتقد أنّه المقصود في النصّ الأصلي في الفرنسيّة. راجع: ليفي شتراوس (Lévi-Strauss, Le Cru Et Le Cuit) ، النيء والمطبوخ: ص313. وبالإجمال، تعطي هذه الفقرة دلالتها في النصّ الفرنسي أفضل ممّا هي في الترجمة الإنجليزيّة.

[304]ليفي شتراوس، من العسل إلى الرماد: ص356.

[305]اُنظر: ليفي شتراوس، أصل آداب المائدة (The Origin Of Table Manners): ص187.

[306]اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري (Tabari, Ta’rikh): ج2، ص216ـ390. Tabari, History: ج19، ص1ـ183.

[307]اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري (Tabari, Ta’rikh): ج2، ص295ـ304. Tabari, History: ج19، ص91ـ99.

[308] حول هذا المفهوم، راجع: ص58 أعلاه.

[309] هناك بحث حول النتائج الأوليّة للتحليل البنيوي يوجد في كتاب ليفي شتراوس، النيء والمطبوخ: ص5. يناقش المؤلّف في مقدّمة الكتاب المعادلات شبه الرياضيّة، ويؤكّد أنّه لم يكن الغرض منها إثبات أيِّ شيءٍ، وإنّما هي مجرّد توضيحات مبسّطة للبُنْيات المعقّدة. اُنظر: ليفي شتراوس، النيء والمطبوخ: ص30ـ31.

[310]اُنظر: ليفي شتراوس، الخزّاف الغيور: ص193.

[311] اُنظر: سكوبلا، اقرأ ليفي شتراوس: ص259.

[312] ليفي شتراوس، حكاية الوشق: ص185ـ186.

[313] اُنظر: ليفي شتراوس، الخزّاف الغيور: ص171ـ172.

[314]اُنظر: دونَر، الروايات (Donner, Narratives): ص104ـ111. نوث وكونراد، العُرف التاريخي العربي القديم (Noth And Conrad, Early Arabic Historical Tradition): ص37ـ38.

[315]اُنظر: إلاد، أُمّة المؤمنين(Elad, “Community Of Believers): ص245ـ254.

[316] على سبيل المثال، يعرّف مانفْرَد هالبرن السياسة بأنّها: «كلُّ ما يمكننا فعله ونحتاج أن نفعله معاً». هالْبَرن، الاختيار من بين الطرق (Choosing Between Ways): ص8.

[317] الترجمة الثانية المقترحة مأخوذة من دونَر، الروايات: ص99. لمطالعة موسّعة حول استعمال القرآن لهذه المفردة المهمّة والمتعدّدة الوجوه، راجع: ألكساندر، الخوف(Alexander, “Fear)، والأحدث منه: أولانْدَر، الخوف من الله (Ohlander, “Fear Of God).

[318] راجع: تايان، البيعة(Tyan, “Bay’a).

[319] هناك خلاصة وافية جدّاً تجدها في: المَقاتل، لغونثر(Günther, “Maqatil). والفقرة التالية اعتمدت على هذه المقالة.

[320]اُنظر: غونتر، المَقاتل: ص192، ملاحظة (1).

[321] حول مفهوم "الأخبار"، راجع: ص58 أعلاه.

[[322]][322] اُنظر: غونثر، المقاتل: ص197. من أجل التيسير، استخدمت مصطلحات مثل "كتاب" و"نشر" مع أنّ هذه المصطلحات تنطوي على مفارقة تاريخيّة. إنّ تدوين وتوزيع الأعمال الأدبيّة المستنسَخة يدويّاً كان يختلف كثيراً ـ بطبيعة الحال ـ عن مهنة النشـر في هذه الأيّام. للمطالعة حول هذا الموضوع مع إشارات أُخرى، راجع: غونثر، المقاتل: ص197ـ199.

[323] اُنظر: غونثر، المقاتل: ص199.

[324] اُنظر: المصدر السابق: ص201ـ203. لمشاهدة قائمة مؤلَّفاته راجع: سزغين، أبو مخنف
(
Sezgin, Abu Mikhnaf): ص99ـ116.

[325] اُنظر: سزغين، أبو مخنف: ص66ـ97.

[326] في الحديث الذي يلي عن مصادر الطبري قد اعتمدت كثيراً على هاوارد، مقدمة المترجم، X-Xi(10ـ 11)، وهاوارد، الحسين الشهيد (Howard, Husayn The Martyr).

(*) لم يكن تشيعه من المسلمات فقد وقع خلاف في ذلك، وقام السيد الخوئي في معجمه بمناقشة الوجوه المطروحة لاثبات تشيعه. راجع: معجم رجال الحديث، ج13، ص269. (المحقق).

[327] اُنظر: هاوارد، الحسين الشهيد: ص125، ملاحظة (3).

[328] اُنظر: هاوارد، الحسين الشهيد: ص127ـ131.

[329] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص305ـ306. تاريخ الطبري
(
Tabari, History): ج19، ص100ـ101.

[330] ووستنفِلد، مقتل الحسين(Wüstenfeld, Tod Des Husein): ص57ـ58. هذا الموضع مُشار إليه أيضاً في أنساب الأشراف للبلاذري: ص174.

[331] اُنظر: هودسون، اثنان من المؤرّخين المسلمين القدماء(Hodgson, Two Pre-Modern Muslim Historians): ص57. اُنظر: هَمفْريز، الأسطورة القرآنيّة(Humphreys, “Qur’anic Myth): ص275. اُنظر: شوشان، رسالة في الشعر(Shoshan, Poetics): الفصل4.

[[332]] لمشاهدة المخطط اضغط على الرابط التالي : https://admin.warithanbia.com/files/images/742630359_1697006247.jpg

(*) باعتبار أنَّ المؤلِّف اعتمد على نسخة الطبري المترجمة؛ ارتأينا أن نضع ما يقابلها من النصِّ العربي لنسخة الطبري، مع الإشارة إلى مكان الاختلاف إن وجد. (المحقق).

«أقبل الحسين حتى نزل شراف، فلمّا كان في السَّحَر أمر فتيانه فاستقوا من الماء، فأكثروا ثمّ ساروا منها، فرسموا صدر يومهم حتّى انتصف النهار، ثمّ إنّ رجلاً قال: الله أكبر. فقال الحسين: الله أكبر، ما كبرت؟ قال: رأيت النخل. فقال له الأسديان: إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلة قط. قالا: فقال لنا الحسين: فما تريانه رأى؟ قلنا: نراه رأى هوادى الخيل. فقال: وأنا والله أرى ذلك. فقال الحسين: أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجهٍ واحد؟ فقلنا له: بلى، هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك، فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد. قال: فأخذ إليه ذات اليسار، قال: وملنا معه فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادى الخيل، فتبينّاها وعدلنا، فلما رأونا وقد عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأنّ أسنّتهم اليعاسيب، وكأنّ راياتهم أجنحة الطير.

قال: فاستبقنا إلى ذي حسم فسبقناهم إليه، فنزل الحسين فأمر بأبنيته فضُـربت، وجاء القوم ـ وهم ألف فارس ـ مع الحُرّ بن يزيد التميمي اليربوعي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حَرِّ الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمّون متقلِّدو أسيافهم، فقال الحسين لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشّفوا الخيل ترشيفاً. فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفاً، فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتى أرووهم، وأقبلوا يملؤون القصاع والأتوار والطساس من الماء، ثمّ يدنونها من الفرس، فإذا عبّ فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه، وسقوا آخر حتى سقوا الخيل كلّها.

قال هشام: حدّثني لقيط، عن عليّ بن الطعان المحاربي: كنت مع الحُرّ بن يزيد، فجئت في آخر مَن جاء من أصحابه، فلما رأى الحسين ما بي وبفرسي من العطش قال: أنِخ الراوية، والراوية عندي السقاء، ثمّ قال: ابن أخي أنِخ الجمل فأنَخته. فقال: اشرب. فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسين: اخنث السقاء ـ أي اعطفه ـ قال: فجعلت لا أدري كيف أفعل، قال: فقام الحسين فخنثه، فشربت وسقيت فرسي».

[334] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص296، و(Tabari, History): ج19، ص92.

[335] ينبغي اعتبار ابن الطعّان رمزاً لكتيبة العدوّ بأجمعها؛ حيث يمكن استنتاج ذلك من معنى اسمه: "الطعّان المحاربي".

[336] وهذا نصّ ماجاء في تاريخ الطبري: «...وكانَ مجئُ الحُرّ بن يزيد ومسيرُه إلى الحسينِ من القادسيّة، وذلك أنّ عبيدَالله بن زياد لمّا بلغَهُ إقبالُ الحسينِ، بعثَ الحصينَ بن نمير التميمي وكانَ على شرطه، فأمرَهُ أنْ ينزلَ القادسيّةَ، وأنْ يضعَ المسالحَ فينظّم ما بينّ القطقطانة إلى خفّان، وقَدِم الحُرّ بن يزيد بين يديه في هذه الألف من القادسيّة فيستقبل حسيناً. قالَ: فلمْ يزلْ موافقاً حسيناً حتّى حضرت الصلاةُ (صلاةُ الظهر)، فأَمرَ الحسينُ الحجّاج بن مسـروق الجعفي أنْ يؤذِّن فأذَّنَ، فلمّا حضرت الإقامةُ خرجَ الحسينُ في إزارٍ ورداءٍ ونعلين، فحمدَ الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس، إنّها معذرةٌ إلى الله (}) وإليكم، إنّى لم آتكم حتّى أتتنى كتبُكم، وقدِمت عليَّ رسلُكم أنْ أقدِم علينا، فإنّه ليسَ لنا إمام، لعلّ الله يجمعُنا بكَ على الهدى. فإنْ كنتُم على ذلك فقد جئتُكم، فإنْ تعطوني ما أطمئنُّ إليهِ من عهودِكم ومواثيقِكم أقدم مصرَكُم، وإنْ لم تفعلوا وكنتُم لمقدمي كارهين، انصرفتُ عنكم إلى المكانِ الذى أقبلتُ منه إليكم. قالَ: فسكتوا عنهُ، وقال للمؤذِّن: أقمْ فأقامَ الصلاةَ. فقالَ الحسينُ× للحُرّ: أتريدُ أنْ تصلّيَ بأصحابِك؟ قال: لا، بل تصلّي أنتَ ونصلّي بصلاتِك. قال فصلّى بهم الحسينُ. ثمّ إنّه دخلَ واجتمعَ إليهِ أصحابُه وانصرفَ الحُرّ إلى مكانِه الذى كان بهِ، فدخلَ خيمةً قد ضُربت لهُ فاجتمعَ إليهِ جماعةٌ من أصحابِه وعادَ أصحابُه إلى صفّهم...».

[337] ذكرنا أمثلة على ذلك مرّات عديدة فيما سبق من القصّة. اُنظر على سبيل المثال: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص234، وص260، ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص24ـ25، وص53. ولمطالعة عامّة حول كون الصلاة رمزاً للوحدة والهويّة، راجع: فان أس، تي جي (Van Ess, TG): ج1، ص17ـ19، وكذلك: كِستَر، مفاهيم السلطة (Kister, “Concepts Of Authority): ص122.

[338] اُنظر: دكاكي، الولاء (Dakake, “Loyalty): ص113ـ114. وحول الإمام بأنّه الأَوْلى من الناحية الشـرعيّة (غير القائد السياسي) راجع: كالدَر، الأهمّية (Calder, “Significance).

[339] حول أهمّية الوحدة في المجتمع الإسلامي الأوّل، راجع: فان أس، تي جي: ج1، ص7ـ19. حول دور الإمام كمصدر للوحدة والهداية، راجع: كرون وهِنْدز، خليفة الله (Crone And Hinds, God’s Caliph): ص31ـ42، وكالْدَر، الأهمّية: خصوصاً ص263.

[340] حول لباس الحج، يمكن مراجعة أيّة دراسة تمهيديّة عن الإسلام، أو مراجعة: وَنسِنك وجوميير، الإحرام (Wensinck And Jomier, “Ihram). وحول الإزار والرداء ككفن للموتى، راجع: غروتَر، مراسم تشييع الجنائز (Grütter, “Bestattungsbräuche): ج2، ص83 ـ84. شكراً لـ (جون ناواس) من جامعة لوفن (John Nawas, Leuven University) الذي أرشدني لهذه المقالة. وفي هذه العبارة وما بعدها استخدمت زمن الفعل الماضي عند الحديث عن أهمّية لباس الحج والتكفين. نفس المعنى يتعلّق بلباس هذه الأيّام على أيّة حالٍ.

[341] تأويل اللباس هذا بيّنه هاوارد في ترجمته لتاريخ الطبري: ص93، الهامش330، مشيراً إلى كتاب وَنسِنك وجوميير (الإحرام).

[342]اُنظر: غروتَر، مراسم تشييع الجنائز (Bestattungsbräuche): خصوصاً ج1، ص 161ـ162، وص168ـ170، وج2، ص79ـ87.

[343]اُنظر: وَنسِنك، الإحرام.

[[344]] لمشاهدة المخطط اضغط على الرابط التالي : https://admin.warithanbia.com/files/images/876138921_1697006471.jpg

[345] سأعود مرّةً أُخرى إلى مسألة حُرمة الحسين.

[346]اُنظر: غروتر، مراسم تشييع الجنائز (Bestattungsbräuche): ج2، ص79. هذا التأويل كان قد اقترحه لي أيضاً بروفسور جوليه ميسمي خلال رسالة عبر البريد الإلكتروني في جواب على سؤال في قائمة الحوارات H-MIDEAST-MEDIEVAL@H-NET.MSU.EDU، في 5/5/2005م.

[347] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص327، تاريخ الطبري (Tabari, History): ص19، ج121. حول هذا الإجراء عموماً، راجع: غروتر، مراسم تشييع الجنائز (Bestattungsbräuche): ج1، ص161ـ170.

[[348]] لمشاهدة المخطط اضغط على الرابط التالي : https://admin.warithanbia.com/files/images/1459064736_1697006599.jpg

[349] «فلمّا كان وقت العصر أمرَ الحسينُ أصحابَه أن يتهيّئوا للرحيلِ ففعلوا، ثمّ خرجَ فأمرَ مناديه فنادى بالعصر وأقامَه، وصلّى الحسينُ بالقومِ جميعاً، ثمّ سلّم وانصرفَ إليهم بوجهه، فحمدَ اللهَ وأثنى عليهِ ثمّ قال: أمّا بعد، أيّها الناس، فإنّكم إن تتّقوا اللهّ وتعرِفوا الحقَّ لأهله يكنْ أرضى لله، ونحنُ أهلُ البيتِ أولى بولايةِ هذا الأمرِ عليكم من هؤلاء المدّعينَ ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجورِ والعدوان، فإن أنتم كرِهتمونا وجهلتم حقّنا وكان رأيُكم غيرَ ما أتتني به كتبُكم، وقدِمَت عليّ بهِ رسلُكم، انصرفت عنكم.

فقالَ لهُ الحرّ: إنّا واللهِ لا ندري ما هذه الكتبُ والرسلُ التي تَذكُر.

فأمرَ الحسينُ (رضي الله عنه) بإخراج كتُبِهم، فأُخرِجَت في خرجين مملوءين، فنثرَهما بينَ أيديهم، فقال الحرّ: إنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أُمِرنا إذا نحنُ لقِيناك ألا نفارقَك حتّى نقدمك الكوفةَ على عبيدِ الله بن زياد. فقالَ له الحسين: الموتُ أدنى إليك من ذلك».

[350] راجع: الملحق 2، حاشية9.

[351] في المعادلات المستخدمة في هذا النصّ يجب أن يُقرأ الخط المائل (/) كما يلي: "في تضادٍّ مع".

[352] في المعادلات المستخدمة في هذا النصّ ينبغي أن يقرأ الرمز Ξ كما يلي: "ينسجم مع".

[353] في المعادلات الواردة في هذا النصّ ينبغي أن يُقرأ السهم (¬) كما يلي: "متحوّل إلى". علامتا الزائد (+)، والناقص (-)، تدلاّن على أنّ الحالة لها قيمة موجبة أو سلبيّة.

[354] المطالعة حول فكرة "التقوى" في القرآن، يرجى مراجعة كتاب: أولاندَر، تقوى الله.

(*) ما قاله الإمام× للحر هو عبارة «ثكلتك أُمّك!»، ولم يعدّها أحد من اللغويين من ألفاظ السبّ والشتم؛ لأن معنى الثكل يدّل على فقدان الحبيب، ويختص بفقدان الولد عند بعض أهل اللغة ، ويستعمل كذلك في فقدان المرأة زوجها، وفي فقدان الرجل والمرأة ولدهما. اُنظر: في العين (ج5،ص349) والصحاح(ج4، ص1674)

وبذلك تندرج هذه العبارة تحت عنوان الدعاء لا الشتم والسُّباب. وعليه فتعبير الكاتب غير دقيق؛ إذ نسب للإمام قيامه بشتم مَن سيصبح من أنصاره بعد حين. (المحقق).

[355] «فلمّا ذهبوا لينصرفوا، حالَ القومُ بينهم وبين الانصراف، فقال الحسينُ للحُرِّ: ثكلَتْكَ أُمُّك! ما تُريد؟ قالَ: أما والله، لو غيرُك من العربِ يقولُها لي وهو على مثلِ الحالِ التّي أنتَ عليها ما تركتُ ذِكرَ أُمِّه بالثكل أنْ أقوله كائناً من كان، ولكنْ ـ والله ـ ما لي إلى ذِكرِ أُمِّكَ من سبيلٍ إلّا بأحسن ما يُقدر عليه. فقالَ له الحسينُ: فما تُريد؟ قال الحرّ: أُريدُ واللهِ أن أنطلقَ بك إلى عبيدِالله بن زياد. قال له الحسين: إذن والله لا أتبعُك. فقالَ لهُ الحُرّ: إذن والله لا أدعك. فترادّا القولَ ثلاثَ مرّاتٍ، ولما كثُرَ الكلامُ بينَهما قالَ لهُ الحرّ: إنّي لم أُومر بقتالِكَ، وإنّما أُمرتُ ألّا أفارقَك حتّى أقدمك الكوفةَ، فإذا أَبَيتَ فخُذْ طريقاً لا تُدخلُكَ الكوفةَ ولا تردُّكَ إلى المدينة، تكون بيني وبينَك نصَفاً حتّى أكتُبَ إلى ابنِ زياد، وتكتُبَ أنتَ إلى يزيد بن معاوية إن أَردتَ أن تكتبَ إليهِ أو إلى عبيدِالله بنِ زياد إن شِئتَ، فلعلّ الله إلى ذاك أن يأتيَ بأمرٍ يرزقني فيه العافيةَ من أن أُبتَلى بشيءٍ من أمرِك».

(*) تقدم أن قول الإمام الحسين × ليس من الشتم، بل دعاء بالهلاك وفقدان الأُمّ لولدها؛ لفعلٍ سيئ يقوم به أو قول كذلك.(المحقق).

(1) اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص299. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص94.

[358] «...إنَّ الحسينَ خطبَ أصحابَه وأصحابَ الحُرّ بالبيضةِ، فحمدَ الله وأثنى عليهِ، ثمّ قال: أيُّها الناس، إنّ رسولَ الله ’ قال: مَن رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحُرَم الله، ناكثاً لعهدِ الله، مخالفاً لسُنّةِ رسولِ الله، يعملُ في عبادِ الله بالإثمِ والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قولٍ، كان حقّاً على اللهِ أن يُدخله مدخله. ألا وإنَّ هؤلاءِ قد لزموا طاعةَ الشيطانِ، وتركوا طاعةَ الرحمانِ، وأظهروا الفسادَ، وعطّلوا الحدودَ، واستأثروا بالفيءِ، وأحلّوا حرامَ الله، وحرَّموا حلالَه، وأنا أحقُّ من غيري. قد أتتني كتبُكم وقدمت عليّ رسلُكم ببيعتكم أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإنْ تممتم على بيعتِكم تصيبوا رشدَكم، فأنا الحسينُ بنُ عليّ وابنُ فاطمةَ بنتِ رسولِ الله ’، نفسي مع أنفسِكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم فيّ أسوةٌ، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدَكم وخلعتم بيعتي من أعناقِكم، فلعمري ما هي لكم بنُكرٍ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابنِ عمّي مسلم، والمغرور مَن اغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم ونصيبَكم ضيّعتم، ومَن نكثَ فإنّما ينكثُ على نفسِه، وسيغني الله عنكم، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه».

[359] ليس من الواضح جدّاً أنّ هذه الكلمات: «فحظّكم أخطأتم ونصيبَكم ضيّعتم». (الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص300. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History)، ج19، ص 96) تشير إلى الآخرة. وفي هذا الخصوص قد حذوت حذو أيّوب. اُنظر: معاناة الخلاص (Ayoub, Redemptive Suffering: ): ص107.

[360] سورة الأحزاب، الآية: 21(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ)، فيما سيأتي لاحقاً في القصّة، يذكّر الحسين بوظيفة النبي ودوره في حياة المؤمنين. اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص300. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص 118.

[361] سورة الفتح: آية10.

[362] حول مفهوم البيعة راجع: تايان، البيعة (Tyan, “Bay’a).

[363] اُنظر: ابن إسحاق، حياة محمّد: ص505ـ506. الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: مجلّد13، ج26، ص99ـ100.

[364] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: مجلّد13، ج26، ص100.

[365] حول هذا الموضوع راجع على سبيل المثال: فان أس، تي جي(Van Ess, TG)، مجلد4، ص592ـ594. وانسبْرو، دراسات قرآنيّة (Wansbrough, Quranic Studies): ص8ـ12.

[[366]] لمشاهدة المخطط اضغط على الرابط التالي : https://admin.warithanbia.com/files/images/1847103504_1697006892.jpg

[367] «...قام حسينٌ بذي حُسُم، فحمدَ الله وأثنى عليهِ، ثمّ قالَ: إنّهُ قد نزلَ من الأمرِ ما قد ترون، وإنَّ الدنيا قد تغيّرتْ وتنكّرتْ وأدبرَ معروفُها، واستمرّت جذاء، فلم يبقَ منها إلّا صبابة كصبابةِ الإناء، وخسيس عيشٍ كالمرعى الوبيل، ألا ترونَ أنَّ الحقَّ لا يُعملُ بهِ، وأنَّ الباطلَ لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمنُ في لقاءِ الله محقّاً، فإنّي لا أرى الموتَ إلّا شهادةً، ولا الحياةَ مع الظالمينَ إلّا برماً.

قالَ: فقامَ زهيرُ بنُ القينِ البجلي، فقالَ لأصحابِه: أتتكلّمونَ أم أتكلّم؟ قالوا: لا، بل تكلّم. فحمدَ الله فأثنى عليه، ثمَّ قال: قد سمعنا ـ هداكَ الله يا بنَ رسولِ الله ـ مقالتَك، والله، لو كانت الدنيا لنا باقيةً وكنّا فيها مُخلّدين إلّا أنَّ فراقَها في نصرِك ومواساتِك لآثرنا الخروجَ معكَ على الإقامةِ فيها».

[368] كثير من أهل القلم المعاصرين تناولوا فكرة الشهادة في الإسلام في كتاباتهم. راجع ـ على سبيل المثال ـ: كولبرغ، الشهيد (Kohlberg, “Shahid) مع فهرسة. بالرغم من أنّ الحسين قد أصبح النموذخ الأعلى للشهادة في الإسلام، فهذه أوّل مرّة تأتي كلمة (الشهادة) لتشير إلى الحسين في هذه القصّة، حسب ما كان باستطاعتي أن أجدها.

[369] «...وأقبلَ الحُرّ يُسايره وهو يقولُ له: يا حسين، إنّي أُذَكّرُك الله في نفسِك، فإنّي أشهدُ لئن قاتلتَ لتُقتلنّ، ولئن قوتلتَ لتَهلِكنّ فيما أرى. فقالَ له الحسينُ: أَفبالموتِ تخوِّفُني، وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ ما أدري ما أقولُ لكَ، ولكنْ أقولُ كما قالَ أخو الأوسِ لابنِ عمّه ولقيَهُ وهو يريدُ نُصرةَ رسولِ الله ’، فقالَ لهُ: أين تذهبُ فإنّك مقتول، فقالَ:

سأمضـي وما بالموتِ عارٌ على الفتى
وآسى الرجالَ الصالحينَ بنفسِهِ

 

 


إذا ما نوى حقّاً وجاهدَ مسلما
وفارقَ مثبوراً يغشّ ويرغما».

 

(*) العُذيب بالتصغير وادي بني تميم، وهو حد السواد ـ أي العراق ـ وكانت فيه مسلحة للفرس، وبينه وبين القادسية ستّ أميال، وكانت خيل النعمان ملك الحيرة ترعى فيه، فقيل عذيب الهجانات جمع الهجين بمعنى "ذي الدم الخليط". (المحقق).

[371] «...فلمّا سمعَ ذلكَ منهُ الحُرّ تنحّى عنهُ، وكانَ يسيرُ بأصحابِهِ في ناحيةٍ، وحسينٌ في ناحيةٍ أُخرى، حتّى انتهوا إلى عذيبِ الهجانات، وكانَ بها هجائنُ النعمانِ ترعى هنالك، فإذا هم بأربعةِ نفر قد أقبلوا من الكوفةِ على رواحلِهم، يجنبون فرساً لنافعِ بنِ هلال يقالُ له الكامل، ومعهم دليلُهم الطرمّاح بن عدي على فرسِهِ وهو يقول:

يا ناقتي لا تذعري من زجري
بخير ركبان وخير سفر
الماجد الحرّ رحيب الصدر
وشمّري قبل طلوعِ الفجر
حتى تحلي بكريم النجر
أتى به الله لخير أمر

ثمـت أبقـاه بقـاء الدهــر

فلمّا انتهوا إلى الحسينِ أنشدوهُ هذهِ الأبياتَ، فقال: أما والله، إنّي لأرجو أن يكونَ خيراً ما أرادَ الله بنا قُتلنا أم ظفرنا. قالَ: وأقبلَ إليهم الحُرّ بنُ يزيد، فقال: إنَّ هؤلاءِ النفر الذينَ من أهلِ الكوفةِ ليسوا ممَّن أقبلَ معكَ، وأنا حابسُهم أو رادّهم. فقالَ لهُ الحسين: لأمنعنّهم ممّا أمنعُ منهُ نفسي، إنّما هؤلاءِ أنصاري وأعواني، وقد كنتَ أعطيتني ألّا تعرضَ لي بشـيءٍ حتّى يأتيكَ كتابٌ من ابنِ زياد. فقالَ: أجل لكن لم يأتوا معك. قالَ: هُم أصحابي وهُم بمنزلةِ مَنْ جاءَ معي، فإن تممت على ما كانَ بيني وبينك وإلّا ناجزتُك. قالَ: فكفَّ عنهم الحُرّ».

[372] «ثمَّ قالَ لهمُ الحسينُ: أخبروني خبرَ الناسِ وراءكم. فقالَ لهُ مجمعُ بنُ عبدِالله العائذي ـ وهو أحدُ النفرِ الأربعة الذين جاؤوه ـ: أمّا أشرافُ الناسِ، فقد أُعظمت رشوتُهم ومُلئت غرائرُهم، يُستمالُ ودُّهم ويُستخلصُ بهِ نصيحتُهم، فهم ألبٌ واحدٌ عليكَ، وأمّا سائرُ الناسِ بعد، فإنَّ أفئدتَهم تهوي إليكَ وسيوفَهم غداً مشهورةٌ عليك. قالَ: أخبروني فهل لكم برسولي إليكم؟ قالوا: مَن هو؟ قال: قيس بن مسهر الصيداوي. فقالوا: نعم، أخذهُ الحصينُ بنُ تميم، فبعثَ بهِ إلى ابنِ زيادٍ، فأمرَهُ ابنُ زيادٍ أنْ يلعنَك ويلعنَ أباك، فصلّى عليكَ وعلى أبيكَ، ولعنَ ابنَ زيادٍ وأباهُ، ودعا إلى نُصرتِك وأخبرَهم بقدومك، فأمرَ بهِ ابنُ زيادٍ فأُلقيَ من طمارِ القصرِ. فترقرقتْ عينا حسينٍ×، ولم يملك دمعَهُ، ثمَّ قال: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا). اللهمّ اجعلْ لنا ولهم الجنّةَ نزلاً، واجمع بيننا وبينهم في مُستقرٍّ من رحمتِك ورغائب مذخورِ ثوابِك».

[373] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: مجلد11، جزء21، ص152ـ153، (القرآن: 33 [الأحزاب]: آية9).

[374] القرآن الكريم، سورة الأحزاب: آية23ـ24.

(*) ويقصد به بحث تحليل النص المعتمد، ويأتي بحسب تقسيم الكتاب البحث الثاني من الفصل الرابع. (المحقق).

[[376]] للاطلاع على المخطط اضغط على الرابط التالي : https://admin.warithanbia.com/files/images/36859806_1697528321.jpg

[377] مسألة الخلود في جهنّم أو النار كعقاب قد تناولها علماء الكلام المسلمون بالبحث كثيراً. اُنظر: فان أس، تي جي (Van Ess, TG): ج4، ص545ـ549. حدّاد وسميث، فهم الموت (Haddad And Smith, Understanding Of Death): ص93ـ95. وهذا البحث كلامي، وفكرة العقاب غير الدائم في الآخرة غير موجودة في هذا النصّ.

[378] لا أدّعي أنّ هذه صورة كاملة عن البنية الإسلاميّة الأساسيّة، فمن الممكن دراستها بالتفصيل أكثر وأكثر. وتصنيفات أُخرى ـ كالضلالة القرآنيّة مثلاً ـ ربّما يمكن إدخالها ضمن البنية العامّة، فهذا الاصطلاح يختلف عن "الانحراف" المستعمل في المخطّط، من حيث إنّ الضلالة تُستعمل كنقيض للهداية، وبهذا تكون قريبة أو حتّى مرادفة للكفر في القرآن وعلم التفسير. (تورونتو، ضال Toronto, Astray).

بينما مصطلح "الانحراف" هو من استنتاجي الشخصي، من خلال أوصاف أعداء الحسين من المسلمين حسب ما ورد في "النصِّ المعتمد". زيادة على ذلك أنّ المصطلحات في هذا النموذج يمكن أن تحل محلّ مصطلحاتٍ أُخرى.

[379]اُنظر: ليفي شتراوس، النيء والمطبوخ: ص 199.

[380] لم يدخل الحُرّ أبداً في عهدٍ مع الحسين، ولذلك لم يكن لديه شيء لينقضه، فلو كان ينبغي إدخاله في هذه القافلة من المتضادّات والوساطة ـ والذي أعتقد أنّه كذلك ـ عندها ربّما سيكون التعارض واضحاً بصورة أفضل في هذه المصطلحات: في عنقه بيعة / ليس في عنقه بيعة

 وهذا ـ على أيّة حالٍ ـ لم يكن يبيّن بوضوح رسالة الغدر، والتي كانت مهمّة جدّاً في "النصِّ المعتمد"، ومناقشة موقف الحُرّ ستتطوّر شيئاً فشيئاً في القسم التالي.

[381] لمراجعة أوصاف الجنّة والنار في الفكر التقليدي للمسلمين يرجى مطالعة: حدّاد وسميث، فهم الموت (Haddad And Smith, Understanding Of Death): ص84ـ90. الماء والخصب المرتبط به هو أيضاً رمز فارسي للمَلَكيّة. في الأجزاء الأُولى من تاريخ الطبري والذي يتعامل فيها مع تاريخ الساسانيّين، يروي الطبري كيف أنّ حكم الملِك الصالح يجلب الماء للأنهار والسواقي، وكيف يصير الماء غزيراً، وربّما يكون في هذا أيضاً نتائج لصورة الحسين كقائد سياسي كما أشارت إلى ذلك أُلريكا مارتنسون (Ulrika Mårtensson). راجع: مارتنسون، العهد الجديد الحقيقي (True New Testament): ص100ـ102. مارتنسون، النصّ (Discourse)": ص326ـ327. وكذلك: الهبري، إعادة التأويل (El-Hibri, Reinterpreting): ص91ـ93. لمطالعةٍ لنفس الموضوع في أجزاء أُخرى من تاريخ الطبري.

[382] سأناقش عمّا قريب رمز الماء خلال القصّة كلّها.

[383] كلمة "الرشد" لها دلالات قويّة على الهداية، وهكذا ترجمها هاوارد (على سبيل المثال في: تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص96).

[384] الإحرام: هو حالة من القدسيّة أوسع من الطهارة، ولكنّه يتضمّن الطهارة. للمطالعة حول مفهوم الإحرام راجع: وِنْسِنْك، الإحرام. ونسنك وجوميير، الإحرام. وحول فكرة طهارة الشهيد راجع: غروتَر، مراسيم تشييع الجنائز: ج1، ص161ـ162. كولبيرغ، الشهيد: ص204.

[[385]] للاطلاع  على المخطط اضغط على الرابط التالي : https://admin.warithanbia.com/files/images/810533663_1697528510.jpg

[386]حدّاد وسميث، فهم الموت: ص6. قد اعتمدتُ في البحث الآتي عن الحياة والموت على هذا الكتاب بصورة أساسيّة، وكذلك على كتاب: أرنالديز، الحياة (Arnaldez, Hayat)، وكتاب: نتون، الحياة (Netton, Life).

[387] راجع على سبيل المثال: القرآن، سورة الإسراء: آية33.

[388]حدّاد وسميث، فهم الموت: ص7.

[389] جاءت مناقشة هذا الموضوع في كتاب: أرنالديز، الحياة (Hayatونِتون، الحياة (Life).

[390] في العادة أنّ كون الشخص الذي يموت مؤمناً لا يكون شرطاً كافياً لتصنيف هذا الموت بأنّه الشهادة، فهناك خصائص أُخرى لازمة، كالموت أثناء القتال النظامي من أجل الإسلام. راجع: كولبيرغ، (الشهيد). هذه الشروط لم تُذكَر هنا صراحةً إلّا أنّها قد تكون ذُكِرت ضمناً.

[391] من الملفت ملاحظة أنّ الآيات التي تأتي مباشرةً بعد هذا المثل القرآني الذي ناقشناه، تذكر مقطعاً يتحدّث عن الهداية الإلهيّة، والحساب الأخير، والعاقبة النهائيّة (القرآن، سورة يونس، آية25ـ30). ولا يمكننا أن نعلم إن كان الطبري أو غيره ممَّن كتبوا عن أحداث كربلاء هل مرّ ببالهم هذا المقطع عند كتابتهم ذلك؟! ولكنّ العلاقات البنيويّة لافتة للنظر.

[392] راجع الصفحات السابقة.

[393] للاطّلاع على خلاصة للقصّة، يرجى مراجعة الملحق (1).

[394]اُنظر: ولهاوزن، النزاعات الدينيّة السياسيّة (Wellhausen, Religio-Political Factions): ص114ـ115.

[395] حول بعض هؤلاء الرجال، راجع ملاحظات هاوارد في ترجمة لتاريخ الطبري: ص23ـ 26. وحول إعادة بناء التاريخ عن دور أشراف الكوفة في زمن الخليفتين الراشدين عمر وعليّ، راجع: هِندز، دراسات (Hinds, Studies): ص1ـ 28.

[396] اُنظر: على سبيل المثال: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص221، وص232ـ233، وص272ـ 276، وص277ـ 278. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص8، وص22ـ23، وص65ـ69، وص71.

[397] اُنظر: على سبيل المثال: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص328ـ331، وص334ـ335، وص352. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص122ـ 126، وص128ـ129، وص146ـ147.

(*) قيل: إنّ هناك مَن ترك جيش عمر بن سعد والتحق بالحسين×، وهو عمرو بن خبية بن قيس التميمي، وقِيل هناك غيره.(المحقق).

[399] عبيدالله هو ابن زياد ابن أبيه، وسمّي زياد بذلك؛ لأنّه لم يُعرف أبوه، فأُمّه سميّة كانت مشهورةً بالبغاء، ومن هنا غالباً ما يُشار إلى زياد بابن سميّة. راجع: هاسون، (زياد ابن أبيه) (Hasson, Ziyad B. Abihi).

[400] اُنظر: على سبيل المثال: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص370ـ371. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص165. وسأُناقش هذا عمّا قريب.

[401] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص373. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص167.

[402] حول تقييم ولهاوزن الإيجابي لابن زياد راجع: ص38.

[403] راجع: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص362. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص157، حيث اتّهمه الحسين بأنّه لا دين ولا إيمان له، ولم يردّ الشمر هذه التهمة عن نفسه.

[404] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص315. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص109ـ110.

[405] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص346ـ347. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص141.

(*) ذُكرت ستّة آراء فيمَن قتل الإمام الحسين×:

أـ شمر بن ذي الجوشن.

ب ـ سنان بن أنس.

ج ـ مشاركة سنان وخوليّ.

د ـ مشاركة شمر وسنان.

هـ ـ مشاركة خوليّ وسنان وشمر.

ورجلٌ من مَذْحِج.

 اُنظر: الري شهري، محمد، الصحيح من مقتل سيّد الشهداء× وأصحابه: ص913ـ917. والذي تشهد عليه بعض القرائن هو أنّ الذي أجهز على الإمام الحسين× هو شمر بن ذي الجوشن، ومن هذه القرائن: ما رُوي من أنّ النبي’ رأى كأنّ كلباً أبقع ولغ في دمه، فأوّله بأنّ رجلاً يقتل الحسين ابن بنته، وكان الشمر يوم قتل الحسين أبرصاً. راجع: الدميري، محمد بن موسى، حياة الحيوان: ج1، ص93. (المحقق).

[406] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص362ـ363، وص365ـ366. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص157ـ158، وص160.

[407] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص239ـ240، ص270ـ271. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص30ـ31، 63ـ64.

[408] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص374ـ383. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص169ـ176.

[409] وهذا هو النص: «...أتدرونَ مِن أينَ أُتي هذا؟ قالَ: أبي عليٌّ خيرٌ مِن أبيهِ، وأُمّي فاطمةٌ خيرٌ مِن أُمّه، وجدّي رسولُ الله خيرٌ مِن جدِّه، وأنا خيرٌ منه وأحقُّ بهذا الأمرِ منه. فأمّا قولُه: أبوهُ خيرٌ من أبي. فقد حاجّ أبي أباه وعلِم الناسُ أيّهما حُكم له، وأمّا قولُه أُمّي خيرٌ مِن أُمّه، فلعمري فاطمةُ ابنةُ رسولِ الله’ خيرٌ من أُمّي، وأمّا قولُه جدّي خيرٌ مِن جدِّه، فلعمري ما أحد يؤمنُ بالله واليومِ الآخرِ يرى لرسولِ الله فينا عِدْلاً ولا نِدّاً، ولكنّه إنّما أُتي من قِبَلِ فقهه ولم يقرأ: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)».

[410] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص380ـ381. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص174. مستشهداً بالقرآن: آل عمران: آية26. اُنظر كذلك: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص376، وص380. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص170. حول تقييم الوضع العام للأُمويّين في هذه المسألة، راجع: شارون، التطوّر (Sharon, “Development): خصوصاً ص135ـ136.

[411] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص375. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص169. ترجمة هاوارد.

عبارات أُخرى كهذه يمكن مشاهدتها في تاريخ الطبري: ج2، ص375ـ376، وص378ـ379، وص382. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص169ـ170، وص172، وص175ـ176.

[412] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص313ـ316. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص108ـ110.

(*) سبق وأن علّقنا على ذلك. (المحقق).

[413] النزاع بين يزيد وزينب ـ أُخت الحسين ـ مذكور في تاريخ الطبري، اُنظر: ج2، ص377ـ378. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص171.

[414] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص282، وص376، وص380، وص382. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص76، وص170، وص174، وص176.

[415] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص282ـ283، وص382ـ383. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص76، وص176.

[416] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص381. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص175. ترجمة هاوارد.

[417] لمطالعة أكثر شمولية حول الترتيب (الصحفي) للأخبار التي تروي أحداث ما بعد المعركة، وما تضمّنتها من معانٍ، يُرجى مراجعة الملحق: 3.

[418] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص308ـ309. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص104. ترجمة هاوارد.

[419] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص365. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص160. ترجمة هاوارد.

[420] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص385. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص178. لمطالعة شاهد آخر على ذلك يظهر عمر بن سعد فيه لوعته، راجع: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص319. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص114.

[421] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص333. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص127. ترجمة هاوارد.

[422] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص334. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص128. ترجمة هاوارد.

[423] لم يكن الحُرّ هو الرجل الوحيد الذي ترك الجيش الأُموي والتحق بالحسين، فقد ذكر الطبري أنّ يزيد ابن زياد بن المهاصر الذي كان واحداً من الذين جاؤوا مع عمر بن سعد للقتال ضدّ الحسين، ولكنّه التحق بعد ذلك بالحسين. (اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص356. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص150). المجال الذي أُعطي للحُرّ في مسألة تغيير الولاء كبير جدّاً وغير قابل للمقارنة، ربّما بسبب مكانته في أهل الكوفة وبلائه في المعركة.

[424]اُنظر: فتشيا فاغلييري، الحسين بن عليّ بن أبي طالب (Veccia Vaglieri, Husayn B. Ali B. Abi Talib): ص 614. راجع كذلك: دكاكي، الولاء (Dakake, Loyalty): ص110.

[425] حول زهير بن القين وتحوّله، راجع: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص290ـ291. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص85ـ86.

[426] كان من أبرزهم مسلم بن عوسجة. (اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص 249، وص343. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص42، وص137)، عابس ابن أبي شبيب الشاكري (اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص237ـ238، ص353ـ354. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص29، ص147ـ148)، وأبو ثمامة الصائدي (اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص149، وص350. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص42، وص144).

[427] من المؤسف حقّاً أنّ النساء في القصّة ـ بالرغم من دورهنّ الثانوي باستثناء واحدة أو اثنتين ـ كانت مواقفهنّ جميعاً إيجابيّة تجاه الحسين. فلم تُذكر ولا واحدة في جميع أحداث كربلاء بأنّها كانت تعارض الحسين، أو حركته، بل بالعكس، فقد رأينا نساءً قد أنّبن رجالهنّ على التحاقهم بالمعسكر المقابل للحسين. اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص339ـ340، وص59، وص369. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص134، وص153ـ154، وص163ـ164. دراسة القصّة من منظور الجنس (ذكراً أو أنثى) ربّما ستعطي نتائج ممتعة جدّاً، ولكن هذا بعيد عن غرض هذا البحث.

(*) بين المعقوفتين من المحقّق.

[428] حول محاولة يزيد أخذ البيعة من الحسين، راجع: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص216ـ223. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص2ـ10. وحول موقف ابن الزبير تجاه الحسين، راجع مثلاً : الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص233، وص274. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص23، وص67.

[429] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص234. تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص24. ترجمة هاوارد.

[430] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص235. تاريخ الطبري (Tabari, History): ج 19، ص26. ترجمة هاوارد.

[431] القرآن: سورة التوبة: آية33. سورة الفتح: آية28. سورة الصفّ: آية9.

[432] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ج6، قسم10، ص150، وج13، قسم26، ص141، وج14، قسم28، ص112. حول الآيات المشار إليها في الملاحظة السابقة. راجع كذلك: إيزوتسو (Izutsu)، المفاهيم (Izutsu, Concepts): ص193ـ195.

[433]اُنظر: كرون، الفكر السياسي Crone, Political Thought)): ص21ـ23. للمطالعة حول مصطلح الإمام بعنوان الفقيه الأفضل يُرجى مراجعة: كالْدَر، الأهمّيّة (Calder, Significance). وحول مفهوم "الحق" كمرادفٍ للإسلام في القرآن، يرجى مراجعة: إيزوتسو (Izutsu)، المفاهيم: ص89، ص97ـ101. حول رأي الطبري في مفهوم "الحق"، راجع: الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ج6، قسم10، ص150، وج13، قسم26، ص141، وج14، قسم28، ص112 .

[434] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص235. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص26. ترجمة هاوارد.

[435] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص240. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص32. ترجمة هاوارد. جاء الانطباع في ترجمة هاوارد أنّ "كتاب الله" و"سُنّةَ نبيّه" مترادفان في النصّ العربي يوجد حرف "الواو" بين مصدري الوحي هذين، وبهذا على الترجمة أن تدرج العبارة هكذا: "كتاب الله وسُنّة نبيّه".

[436] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص318ـ319. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص113. اُنظر: كلمات زينب حول الحسين وبقيّة أفراد العائلة بعد المعركة في تاريخ الطبري: ج2، ص371. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص165.

[437] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص322ـ323، وص352. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص116ـ117، وص146.

[438] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص350. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص145.

لقب "الهادي المهدي" كان يُستخدم أيضاً لخلفاء بني أُميّة وبني العبّاس. اُنظر: كرون وهِنْدْز، خليفة الله (Crone And Hinds, God’s Caliph): ص36ـ37، ص80ـ81. شارون، التطوّر (Sharon, “Development): ص139، ملاحظة47.

[439] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص359. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص153، ترجمة هاوارد.

[440] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص239. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص124، ملاحظة414، ترجمة هاوارد.

[441] قال ذلك هوجسون في كتابه: كيف أصبح الشيعة الأوائل متعصّبين؟ (Hodgson, “How Did The Early Shia Become Sectarian?): ص11. راجع كذلك: دكاكي، الولاء: ص107ـ118، دراسة حول أحداث كربلاء، حيث يركّز المؤلِّف فيها على حرمة الحسين، ولم يعتمد دكاكي على الطبري فقط، وإنّما اعتمد على مصادر أُخرى أيضاً.

[442] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص329. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص123. ترجمة هاوارد. الموضعان الآخران اللذان وردت فيهما كلمة "حرمة" في: تاريخ الطبري: ج2، ص 290، وص357. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص85، وص151.

[443] راجع: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص219، وص308ـ309، وص385. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص5ـ6، وص104، وص178ـ179، ومواضع أُخرى متفرّقة.

(*) ما يبدو من كلام الحر مع أهل الكوفة خلاف هذا، فدافعه إنساني وديني، وتصاعد هذا الدافع عندما كان مَن وقع عليهم الظلم هم أهل بيت النبي’، ويؤيّد هذا مواقفه مع الإمام الحسين× أثناء الطريق. (المحقق).

[444] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص334ـ335. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص129، ترجمة هاوارد.

[445] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص218ـ219. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص4ـ6.

[446] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص359. تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص153، ترجمة هاوارد. راجع كذلك: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص344، وص364، وص365ـ366. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص139، وص159، وص160. نفس الموقف اتّخذوه تجاه ولد الحسين عليّ الأكبر حيث قيل: إنّ «أهل الكوفة كانوا يخشون قتله». الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص357. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص151.

[447] ترى دكاكي أنّ دعوة الحسين لنصرته هي موضوع في غاية الأهمّية في القصّة. اُنظر: دكاكي، الولاء: ص118ـ120.

[448]اُنظر: دكاكي، الولاء: ص117ـ 118.

[[449]] للاطلاع على المخطط اضغط على الرابط التالي : https://admin.warithanbia.com/files/images/1045375832_1697528853.jpg

[450] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص306، وص318. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص101، وص112.

[451] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص312، وص361ـ362. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص107، وص156ـ157.

[452] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص337. تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص131، ترجمة هاوارد.

[453] كيف أصبح يزيد هو الحاكم "الرسمي" في ذلك الوقت مسألة مفتوحة للنقاش، ولكن من الواضح تماماً أنّه في زمن الطبري ـ حوالي 200 سنة بعد يزيد ـ كان يزيد يُعتبر الحاكم الحقيقي، وكلُّ مَن كان يعترض على حكمه تعامل معه كتّاب التاريخ على أنّه متمرّد. حول هذه المسألة، راجع: هاوتِنغ، السلالة الحاكمة الأُولى (Hawting, First Dynasty): ص46ـ57. هوجسون، المغامرة (Hodgson, Venture): ج1، ص217ـ223، خصوصاً ص221، الملاحظة7. وشرعيّة خلافة يزيد هي مسألة أُخرى اختلف عليها المؤرّخون المسلمون تبعاً لخلفيّاتهم الفكريّة (الآيديولوجيّة). ولمطالعة الآراء المختلفة حول يزيد، راجع: لِنْدْسَي، النموذج الخلافي (نسبةً للخلافة) والأخلاقي (Lindsay, “Caliphal And Moral Exemplar).

(*) لا يخفى أن التاريخ كتب في تلك الفترة بيد المقربين من الخلافة الأُموية، وإذا كان الحال هذا فما بالك ماذا يكتبون وماذا يكتمون؟! (المحقق).

[454] بين المعقوفتين من المحقّق.

[455] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص236ـ237. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص28. نسخة مختصرة عن هذه الحادثة توجد في تاريخ الطبري: ج2، ص228. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص17.

[456] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص307. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج 19، ص102ـ103.

[457] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص312ـ313. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص107ـ108.

[458] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص312. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص107، ترجمة هاوارد. هناك لعنٌ آخر مثل هذا مع عواقبه ورد في تاريخ الطبري: ج2، ص361ـ362. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص156ـ157.

[459] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص334ـ335. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص129.

[460] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص303. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص99، ترجمة هاوارد. راجع تحليل "النصّ المعتمد"، القسم العاشر.

[461] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص263. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص55ـ56.

[462] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص288. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص83، ترجمة هاوارد.

[463] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص352. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج 19، ص146.

[464] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص365. تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص160، ترجمة هاوارد.

[465] اُنظر مثلاً: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص283، وص287، وص370ـ371، وص375، وص378. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص77، وص81، وص165، وص169، وص172. في الملحق3، أظنّ أنّ الطبري قد نظر إلى دموع يزيد بارتياب.

[466] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص389. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص182.

[467] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص261. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص54ـ55.

[468] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص265. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص58.

[469] سنرى لاحقاً أنّ ابن زياد أمر له بماء فسقي بخزفة، ثمّ قال له: «إنّه لم يمنعنا أن نسقيك فيها إلّا كراهة أن تحرم بالشرب فيها ثمّ نقتلك، ولذلك سقيناك في هذا». الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص267. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص60، ترجمة هاوارد. وهذه حالة خاصّة حيث لم يُفضِ فيها الماء إلى الحياة.

[470] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص361ـ362. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص156ـ157، ترجمة هاوارد.

[471] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير،تاريخ الطبري: ج2، ص361. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص156.

[472] اسمه محمّد الباقر (وفاته حوالي سنة (735 م/116 هـ)). راجع المخطّط 1: 1.

[473] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص360. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص254، ترجمة هاوارد. توجد نسخة أُخرى في تاريخ الطبري: ج2، ص 283. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص75.

[474] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص248ـ249. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History)، ج 19، ص41، ترجمة هاوارد. توجد رواية أُخرى في تاريخ الطبري: ج2، ص244. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص37. في هذه الرواية هناك تأكيد على موضوع الماء، ولكنّ الحديث النبوي غير موجود.

[475] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص328. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص122. اتّخذ الحسين الموقف نفسه عندما ألحّ عليه أحد أصحابه لقتال كتيبة الحُرّ التي كانت قليلةً نوعاً ما قبل أن يصل جيش عمر بن سعد، ولكنّ الحسين أبى ذلك؛ لأنّه لا يريد أن يكون البادئ بقتال. اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص307ـ308. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص103.

[476] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص335. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص129، ترجمة هاوارد.

[477] اُنظر مثلاً: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص253، (هانئ بن عروة)، وص351، (نافع بن هلال)، وص359، (الحسين)، وص370، (جثمان الحسين). ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص45، وص145، وص153ـ154، وص164. الاستثناء الممكن هو عندما خاطب الحسين أهلَ الكوفة قبل مقتله بقليل، قائلاً: «أما والله، أن لو قد قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم». الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص365. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص160، ترجمة هاوارد.

[478] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص266. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص59. اُنظر كذلك: البحث حول مفهوم (الحرمة) في الأبحاث السابقة.

[479]شوشان، دراسة في الشعر (Shoshan, Poetics): ص233ـ252. يوجد هذا البحث كذلك في: أيوب، معاناة الخلاص (Ayoub, Redemptive Suffeing): ص120ـ121.

(*) ما يقصده هنا المعنى اللغوي الشائع للهلاك وهو الموت. اُنظر: ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة: ج6،ص62.

[480] اُنظر مثلاً: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص273ـ274، وص277ـ278، وص294. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص66ـ67، وص71، وص90.

[481] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص275، وص293، وص304. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص68، وص88، وص100.

[482] ما ورد في النصوص هو الانصراف عن أهل الكوفة، وذلك في المفاوضات مع عمر بن سعد. حيث كتب الإمام الحسين لعمر بن سعد بعدما وصلته رسالته: «كتب إليّ أهل مصركم هذا أن أقدم فأمّا إذا كرهتموني فإنّي أنصرف عنكم».

(*) هذا الكلام يصحّ إذا كان الشخص الثائر إنساناً عادياً، ووضع خطة لبلوغ أهدافه ولكن الرياح كانت تجري عكس حركته، وبدّدت كلّ خططه، أمّا الإمام الحسين فالأمر مختلف بالنسبة له؛ إذ إنّه
ـ ومنذ بداية ثورته ـ كان على يقين من النتائج، ويعلم من البداية أن ما سيقع كيفما كان هو من أمر الله وتقديره، فهو× ومن خلال خطبته عندما أراد الخروج من مكة كشف عن النهاية التي أسماها الفتح.(المحقق).

[483] حول تجنّب الحسين المعركة بعِزٍّ، راجع: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص310، ص313ـ314، وص328ـ331. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص106، وص108ـ109، وص123ـ125. وحول الرأي الذي يقول: إنّ ما حدث كان مقدّراً من الله، وسيؤدّي إلى أفضل ما سيكون، راجع مثلاً: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص306، وص318، وص352ـ353، وص360. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص101، وص112، وص147، وص154.

[484] اُنظر: شوشان، دراسة في الشعر: ص235ـ236.

[485]اُنظر: شوشان، دراسة في الشعر: ص245.

[486]شوشان، دراسة في الشعر: ص245.

[487]اُنظر: شوشان، دراسة في الشعر: ص245ـ249، مشيراً إلى تاريخ الطبري: ج2، ص309ـ314، وص320، وص328ـ331. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص104ـ109، وص114، وص122ـ125.

(*) لا بدّ أن نعرف المغزي من وراء مناشدات الإمام الحسين× هذه على فرض صحّة صدورها، وإنّما هي ليجنب أعداءه نار جهنم، وحتى لا تصبّ عليهم ويلات الدنيا والآخرة؛ وحتى يُلقي عليهم الحجّة ليحيا مَن حيِيَ عن بينة، ويموت مَن مات عن بينه؛ لأنّهم يقدمون على أكبر جريمة في الإسلام، الأمر الذي يقتضـي أن تتناسب الحجّة مع عظمتها، والمتأمّل في سيرة الإمام الحسين× مع أعدائه هؤلاء سيعرف أنّ الإمام الحسين كان يمثّل الرحمة الإلهية لهم، ولكنّهم قست قلوبهم وعُميت أبصارهم، فسوّدوا صفحات التاريخ بجريمتهم النكراء.(المحقق).

(*) هذا تفسير خاطئ لما سيحدث بعد مقتل الإمام الحسين×؛ لأنّه كان يرى دمه هو الذي سيعيد الإسلام إلى حقيقته، وحتى يتميّز الإسلام الصحيح القائم على الكتاب وسنة الرسول من ذلك الإسلام المنحرف، الذي أصابته عدوى اليهودية والمسيحية، وصار يقلب المفاهيم ويغيّرها، إلى درجة أن يكون خليفة المسـلمين أفسـقهم، وهم لا يغيّرون عليه بفعلٍ ولا قول.(المحقق).

(**)استعداد الإمام الحسين× لإعطاء البيعة ليزيد ليس له أيُّ مستند تاريخي، بل بالعكس، كلُّ الخطابات التي صدرت من الإمام × قبيل وأثناء المعركة تدلّ على عكس هذا الادّعاء، وأذكر شاهدين على ذلك:

الأوّل: في المدينة المنوّرة حيث قال الإمام×: «ويزيد رجلٌ فاسقٌ، شاربٌ للخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلنٌ للفسق، ومثلي لا يبايع مثله...». ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص17.

الثاني: في طريق الإمام× من مكّة إلى كربلاء، عند ملاقاته الحرّ في منطقة البيضة، حيث قال الإمام×: «وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيّر...». الطبري، محمد ابن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص304.

السبب الذي أعطاه النصّ واضحٌ جدّاً، ومتوافق مع خطابات الإمام الحسين× الأُخرى. (المحقق).

[489] السبب الذي يقدّمه النصّ حول رفض الحسين إعطاء البيعة لابن زياد ليس واضحاً كلّ الوضوح، مع أنّ هناك تلميح فيه إلى خشية الحسين فيما لو أنّه سلّم نفسه إلى ابن زياد، فإنّه سيُقتَل بمهانة لا تليق بسبط النبيّ، كما فُعِل مع ابن عمّه مسلم من قبل. اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص330. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص125.

[490] القرآن، سورة البقرة: آية156.

[491] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص306. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص101، ترجمة هاوارد.

[492] اُنظر مثلاً: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص324، وص342، وص360، وص363. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص118، وص137، وص154، وص158، وأماكن أُخرى متفرّقة.

[493] هذه هي الفكرة التي ضربت جذورها إلى حدٍّ كبير في التشيّع فيما بعد. راجع مثلاً: أيّوب، معاناة الخلاص: ص120ـ122. هالْم، الإسلام الشيعي (Halm, Shia Islam): ص16، وص30ـ32. جافري، الأُصول (Jafri, Origins): ص200ـ204.

[494] كما لاحظنا فيما سبق (في تحليل "النصّ المعتمد" القسم السادس)، أنّ الحسين استخدم هذه الكلمة حول نفسه.

[495] من وجهة نظر إسلاميّة صارمة، فإنّ الحسين لا يمكنه تقديم دمه باختياره؛ حيث إنّ حياته الماديّة ليست ملكه هو، بل هي لله وحده، وعلى هذا تكون تلك رغبة الحسين في الاستسلام لإرادة الله الذي يعطي ويأخذ الحياة حسب ما يراه الأصلح، وهكذا أعتبر أنا "تقديم الحسين لدمه" مثل ذلك.

[496] في التعليق على الجدول (4: 8)، ينبغي القول بالرغم من الإشارة أحياناً إلى كفر بني أُميّة وأهل الكوفة، إلّا إنّه من الصعب التوقّع من الطبري أن يعتبرهم خارجين عن الإسلام، فإنّ انقسام الأُمّة كان أمراً واقعاً، ولم يكن هناك شكّ حول مَن اعتبرهم الطبري على الحقّ، ومع هذا لم يذهب بعيداً، بأن ينكر إيمان خصوم الحسين؛ ولهذا ما زلتُ أرى أنّ من المناسب وضع ثالوث التضادّ والوساطة للماء والدم بين "الإسلام" و"النفاق" وليس بين "الإسلام" و"الكفر".

[497] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص300ـ301. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص96.

[498] اُنظر: المخطّط 3: 2.

[499] اُنظر: الصفحة أعلاه.

[500]هاوتنغ، مقدّمة المترجم (Hawting,”Translator’s ForewordXvi-Xvii. القصّة مرويّة في تاريخ الطبري: ج2، ص497ـ513، وص538ـ578. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج20، ص80ـ97، وص124ـ160. لمطالعة دراسات وتعليقات عن حركة التوابين، راجع: دَني، "التوّابون" (Denny, “Tawawabun). هالم، الإسلام الشيعي: ص16ـ20. في مقالة رائعة، يرى جي. آر. هاوتنغ (G. R. Hawting)أنّ حركة التوّابين هي الرابط الذي يربط مقتل الحسين مع "يوم الغفران" عند اليهود. (هاوتنغ، "التوّابون").

[501] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص500. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج20، ص83ـ84، مستشهداً بالقرآن، سورة البقرة، آية54. ترجمة هاوتنغ. هذه الآية حسب تفاسير المسلمين التقليديّة (بضمنها تفسير الطبري، راجع: الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ج1، القسم الأوّل، ص407ـ412) تشير إلى العجل الذي صنعه اليهود من الذهب. أمر موسى ـ وهو في غضبه ـ بني إسرائيل أن يقتل أحدهم الآخر؛ لأجل الاستغفار من ذنبهم، وقد فعلوا ذلك بإرادتهم حتّى منعهم الله من ذلك. لمطالعة ذلك في الكتاب المقدّس، والذي فيه أنّ اللاويين (من أبناء لاوي ابن النبيّ يعقوب) هم الذين أُمروا بقتل المذنبين منهم، راجع مثال: 32، ص25ـ29. لمطالعة نظائر أُخرى عند اليهود، راجع: هاوتنغ، التوّابون.

[502]اُنظر: هالم، الإسلام الشيعي: ص20.

[503]اُنظر: هالم، الإسلام الشيعي: ص19.

[504]هالم، الإسلام الشيعي: ص20. اُنظر كذلك: هاوتنغ، التوّابون.

[505] راجع الصفحات المتقدمة.

[506] اُنظر: سكوبلا، اقرأ ليفي شتراوس: ص143. ترجمتي (مؤلّف البحث).

[507] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص502ـ504. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج20، ص85ـ87.

(*) لا يمكن تفسير هذه العملية بالجبن وطلب غايات دنيوية؛ لأنّ الجبن أو طلب الدنيا ليس من شأنهما الدفع إلى الموت وترك ما يطلبونه؛ إذ في هذا مخالفةٌ لأمر بديهي.(المحقق).

[508] راجع: هالم، الإسلام الشيعي: ص20، وص134ـ137، وص150.

مرّةً أُخرى أودّ أن أؤكّد أنّ تطبيق نموذج سكوبلا على رواية التوّابين وشعائر عاشوراء هو مؤقّت فقط، ومن أجل إثبات ذلك تصبح الحاجة ماسّة إلى تحليلات شاملة للنصّ والشعائر.

[509] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص331. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص125ـ126. ترجمة هاوارد. للمطالعة حول تحذير عبيد الله. وإنْ طُرح في اصطلاحات سياسيّة أكثر وبتكلّفٍ، راجع: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص254. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص47.

[[510]][510] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص350. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص144.

[511] حول موضوع كتابة التاريخ الإسلامي المبكّر، راجع: دونَر، الروايات (Donner, Narratives): ص184ـ190. نوث وكونراد، العُرف التاريخي العربي المبكّر (Noth And Conrad, Early Arabic Historicaltradition): ص33ـ35. للمطالعة حول هذا المفهوم في المناظرات السياسيّة المعاصرة، راجع مثلاً: اسبوسيتو وفول، الإسلام والديمقراطيّة (Esposito And Voll, Islam And Democracy): ص41ـ43.

[512]تايوب، عبد القادر، تفسير الطبري للفتنة (Tayob, “Tabari’s Exegesis Of Fitna): ص158.

[513]تايوب، عبد القادر، تفسير الطبري للفتنة: ص169.

[514] اُنظر: فيتشيا فاغلييري، الحسين بن عليّ بن أبي طالب: ص614. فيرنون شوبيل (Vernon Schubel) بيّن أنّ المسلمين السُنّة ـ في دول جنوب آسيا في الزمن المعاصر ـ يحتفلون كذلك بمقتل الحسين، ولكنْ بطريقة بهيجة تختلف تماماً عن الشيعة؛ لأنّهم يؤكّدون على عنصـر الانتصار على الشـرّ في مقتل الحسين. اُنظر: سكوبلا، الأداء الدِّيني (Scubla, Religious Performance): ص135ـ136.

(*) هذا بحسب تحليل المؤلف ودراسته البنيوية، إذ هناك عدة آراء حول فلسفة وأسباب النهضة الحسينية ومنها إقامة الحكومة الإسلامية حتى يتسنى إيصال كل حق لصاحبه والعمل بالشريعة الإسلامية. (المحقق).

[515] حول موضوع الماء كصورة للمَلَكيّة في عصـر الإسلام الأوّل، راجع: الهبري، إعادة التأويل (El-Hibri, Reinterpreting): ص91ـ92. مارتنسون، العهد الجديد الصحيح (Mårtensson, True New Testament): ص100ـ102. مارتنسون، النصّ (Discourse): ص326ـ327. رِنْغْرَن، الخصائص الدِّينيّة للخلافة (Ringgren, “Religious Aspects Of The Caliphate): ص740.

[516]ليفي شتراوس، النيء والمطبوخ: ص5.

[517] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2.

[518][[518]][518] اُنظر: ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19.

(*) بالرغم من أنّ هذه القصة قد ذُكرت في مصادر تاريخية مختلفة، ونقلها الكاتب هنا معتمداً على تاريخ الطبري؛ إلّا أنّ القصة يمكن أن تكون من الدسّ المراد به الخدش في رموز ثورة الحسين×، وشخصيات أهل البيت^؛ وذلك لما سنذكره من ملاحظات:

1ـ إنّ مسلم بن عقيل عاش في ظلّ ثقافة أهل البيت^ التي لا تؤمن بالخرافة، بل هي ثقافة الإيمان بإرادة الله والتوكّل عليه.

2ـ إنّ الحسين× قد اختار مَن يمثّله في مسؤوليةٍ عُظمى؛ فيجب أن يكون مَن اختاره عميق الإيمان وعلى بصيرة من أمره، لا أن يتردّد في مواجهة خطّ الموت بسبب العطش.

3ـ إنّ الحسين× قد وصف مسلماً بأنه ثقته في ذلك، في رسالته إلى أهل الكوفة قائلاً: «وقد بعثت إليكم أخي، وابن عمّي، وثقتي من أهل بيتي». (الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص263)، فالذي يختاره من بين أهل بيته لا بدّ أن يكون صلباً في هدفه.

4ـ شجاعة مسلم حين ملاقاته جيش ابن زياد في الكوفة تتناقض تماماً مع ما نُسب إليه من تردّد في أداء الرسالة، حيث أعلن عدم خوفه من الموت مرتجزاً:

 أقسمت لا أُقتل إلّا حراً

وإن رأيتُ الموت شيئاً نكراً

الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص280.

فالذي لديه هكذا روح جهادية وتمسّك بمبادئة، لا يراوده التردّد أو يترك مسؤوليته بسبب العطش. (المحقق).

(*) لم يتعامل معهم بالحسنى ويشهد على ذلك كيفية تعامله معهم حين وصولهم للشام بل أخذهم أسرى مقيدين يحيط بهم الجند خير دليل على نوايا يزيد، وما أظهره من تغيير إنما كان عن اضطرار وخوف من انقلاب الأمور . (المحقق).

[519] اُنظر: ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص82، الملاحظة279.

(*) وهذا الأمر موضع بحثٍ ونقاش، بين مَن قال: إنّه عثماني الهوى. وبين مَن يرى خلاف كذلك. وبين هذا وذلك لم يكن هناك مَن يرى أنّه من أتباع بني أُميّة؛ فمجرّد الميل لبني أُميّة لا يجعله من أتباعهم. (المحقق).

(*) ما يذكر هنا هو بحسب ما ورد في هذه الروايات وحسب.(المحقق).

(**)هذا الأمر هو فرية من قِبل بني أُميّة لتشويه الثورة الحسينية؛ وذلك لعدّة أُمور:

1ـ أنّ الطبري نفسه يصرّح بأنّ الحادثة شاعت بين الناس وجاءت من ظنونهم ولم تكن عن علم، حيث قال: «وتحدّث الناس فيما بينهم ظناً يظنونه أنّ حسيناً قال لعمر بن سعد... فتحدّث الناس بذلك وشاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئاً ولا علموه». الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص312ـ313.

2ـ إنّ الطبري يذكر شاهد عيان ينفي هذه الحادثة، وهو عقبة بن سمعان ـ وهو مولى للرباب بنت امرئ القيس، وهي أُمّ سكينة بنت الحسين× ـ حيث نقل عنه الطبري قوله: «صحبت حسيناً فخرجت معه من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى العراق، ولم أُفارقه حتى قُتل... ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون ... ولكنّه قال: دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس». الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص313. وما يؤيّد أنّ هذه القضية إنّما هي فرّية هو اختلاف المؤرِّخين فيها من عدّة أُمور:

أـ نقلها كان عن الإمام الحسين×، أم عن الناس.

ب ـ الخيارات التي ذُكرت بين ثلاثة وخيار واحد.

ج ـ في أثناء اللقاء كانا وحدهما (الإمام الحسين× وعمر بن سعد)، أم كان معهما غيرهما.(المحقق).

(*) اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج3، ص182. (المحقق).

(*)ورد في بعض المصادر عبارة: (شقّت جيبها)، ولكن في بعض المصادر كما في: (مناقب آل أبي طالب: ج3، ص249) ذكر أنّ الحسين× قد أوصى أن لا يشقّوا عليه جيباً، ولا يخمشوا وجهاً، ولم يذكر أنّ زينب‘ شقّت جيبها.(المحقق).

[522] اُنظر: الرواية حول مقتل يزيد بن زياد بن المحاصر أبو الشعثاء الكندي، التي تظهر بارزة في الأحداث، والتي فيها ملاحظة تقول: إنّه كان من الأوائل الذين قُتلوا في المعركة، (الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص355ـ356. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص149ـ150.

[523] يُقال إنّه كان للحسين ولدان باسم عليّ: عليّ الأكبر، وعليّ الأصغر. كان عليّ الأصغر مريضاً أثناء المعركة ولم يستطع المشاركة في القتال، وكان واحداً من الذكور القلائل من أهل الحسين الذين بقوا أحياءً بعد المعركة، وقد أصبح الإمام الرابع من أئمّة الشيعة باسم عليّ زين العابدين. (راجع المخطّط 1: 1).

(*) لا يخفي التناقض في هذه الروايات، الذي يكشف عن حالة من تمييع الوقائع وتغييب الحقائق.(المحقق).

[524] ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص91ـ99.

(*) كلمة (عليه السلام) هنا من المؤلِّف.(المحقق).

[525] من المحتمل أن يكون هذا الجزء مقحماً في نصِّ أبي مخنف؛ إذ لا يوجد في إسناده أبو مخنف، ولا يوجد في بعض النسخ الأُخرى كالبلاذري. اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى،(أنساب الأشراف): ص169ـ170.

[526] في نصِّ الطبري يوجد هنا (نمير)، ولكن صُحّح هذا في (Addenda And Emendanda DCLIV) من طبعة لَيْدِن. قارن مع نسخة المفيد. اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ص207.

[527] الجزء الذي يشتمل على القسمين السادس والسابع قد حُشِر بكلِّ تأكيدٍ في النصِّ الأصلي، بالرغم من أنّ له إسناداً يتّصل بأبي مخنف؛ وذلك لأسباب:

أوّلاً: إنّه يبدأ بإسنادٍ جديد فيه الراوي عقبة بن أبي العيزار، والذي لا يوجد في أيِّ مكانٍ آخر من القصّة.

ثانياً: إنّه يقطع تسلسل الرواية بين نهاية القسم الخامس وبداية الثامن.

 ثالثاً: يقدّم بصورة مفاجئة مكاناً جديداً وهو البيضة.

 رابعاً: عدم وجوده في النسخ المهمّة كرواية المفيد على سبيل المثال. اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ص208.

[528] جاءت كلمة "يعيّر" في النصّ هنا وبعد بضعة أسطر أيضاً، وبعد سطرين من ذلك كلمة "عيّر". (اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص300، السطر الثامن والسطر الحادي عشر). وهذه الكلمة أضعف كثيراً من كلمة "غيّرَ" والتي تُستعمل عادةً في السياقات المشابهة (اُنظر: كوك، الأمر بالمعروف (Cook, Commanding Right): ص34ـ35)، ويستعملها البلاذري في المكان نفسه. يرى كوك أنّ الكلمة هنا ينبغي أن تكون "غيَّرَ". (اُنظر: كوك، الأمر بالمعروف: ص231، ملاحظة26)، وأنا أختار هذه الكلمة.

(*) عليه السلام من المؤلِّف وليس من المحقّق.

[529]هاوارد، مقدّمة المترجم (Xi-Xiv): ص11ـ14.

[530]شوشان، رسالة في الشعر: ص100ـ102، خصوصاً الملاحظة84.

[531]مارتنسون، أُلريكا (العهد الجديد الصحيح): ص77.

[532] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص282ـ283. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص76. لمطالعة كاملة عن أحداث كربلاء في رواية الطبري، راجع الملحق 1.

[533] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير،تاريخ الطبري: ج2، ص286. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص81.

[534] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج2، ص370ـ371، ص382ـ383. ترجمة تاريخ الطبري (Tabari, History): ج19، ص165، وص176.

[535] راجع: هوجسون، اثنان من المؤرّخين المسلمين ما قبل الحداثة (Two Pre-Modern Muslim Historians): ص56ـ57. همفريز، الأُسطورة القرآنيّة: ص275. توجد دراسة مطوّلة حول أُسلوب الطبري هذا في (رسالة في الشعر لشوشان): ص120ـ131.