العتبة الحسينيةمؤسسة وارث الأنبياء
مخطوطة العتبة الحسينيةمخطوطة وارث الأنبياء
القيم الإنسانيّة في عاشوراء  من خلال نصوص زيارات الإمام الحسين (عليه السلام)

القيم الإنسانيّة في عاشوراء من خلال نصوص زيارات الإمام الحسين (عليه السلام)

أ. م. د. باسم محمّد مجيد الأنصاري - كاتب وباحث إسلامي، أُستاذ في جامعة آل البيت(عليهم السلام) العالميّة، من العراق

خلاصة المقال

المقدّمة

تُعتبر ملحمة عاشوراء مدرسةً متكاملةً على كافّة الأصعدة، سواء كانت إيمانيّة، أم فكريّة، أم عقديّة، أم أخلاقيّة، أم جهاديّة، أم غيرها.

وتأتي أهمّية دراسة مفردات تلك المدرسة لما لها من أثر في تغيير مجرى التاريخ للدين الخاتم المحمّدي الأصيل، فقد باتت مقولة: (إنّ الإسلام محمّدي النشأة، حسيني البقاء)، تنبض كلّ آنٍ وزمان.

وتتجلّى الأبعاد المعرفيّة للنهضة الحسينيّة من خلال الأحاديث المرويّة عن الرسول الأكرم‘، والأئمّة المعصومين^ في شأن الإمام الحسين× وملحمة كربلاء ومفرداتها السامية.

وكثير منها حثّ على الزيارة، وبيّن الثواب العظيم والآثار المترتّبة عليها في الدارين، ونُظّمت الزيارات في كتب وفصول وبحوث تضمّنت كلّ ما يتعلّق بها من الآداب والكيفيّة والتوقيت والثواب؛ ليتجلّى بوضوح شرعيّة تلك الزيارات ـ سواء كانت عامّةً، أم مخصّصةً بوقت معيّن ـ من الناحية الفقهيّة، ولتتّضح أبعادها العقديّة.

وقد بلغت زيارات الإمام الحسين× ـ حسب ما أورده المحدّثون ـ أكثر من (25) زيارةً[1]، توزّعت على أيّام السنة، وكأنّ هذا التوزيع الزمني والانتشار المكاني خُطّط له؛ لتبقى ذكرى عاشوراء حيّةً مستدامةً، وسراجاً وقّاداً لا ينطفئ، وأن يكون كلّ يوم عاشوراء، وكلّ أرض كربلاء، وتبقى مصداقاً لحديث الرسول الأكرم‘: «إنَّ لِقَتْلِ الحُسَيْنِ× حَرَارَةً فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لَا تَبْرُدُ أَبَداً»[2].

كما أنّ الزائر يطلب من الله تعالى أن يرزقه ديمومة النهل من عطاء النهضة الحسينية، فالزيارة هی حبل الله المتين الذي يربطنا بالإمام الحسين×، فقد ورد في زيارته× في النصف من رجب: «وَاَشْهَدُ اَنَّكَ تَسْمَعُ الكَلامَ وَتَرُدُّ الجَوابَ»[3].

وهي تجديد العهد والميثاق كما ورد في زيارته× عن الإمام علي الهادي×: «اُكْتُبْ لي عِنْدَكَ ميثاقاً وَعَهْداً، اِنّي اَتَيْتُكَ مُجَدِّداً الميثاقَ فَاشْهَدْ لي عِنْدَ رَبِّكَ، اِنَّكَ اَنْتَ الشّاهِدُ»[4].

ولكن توجد ثمّة فراغات بحثيّة، ومواضيع لم يتمّ تسليط الضوء عليها في هذه الملحمة الكبيرة، وقد يكون أحدها عنوان بحثنا ـ هذا ـ الذي نتناول من خلاله إحدى المفردات التي اكتظّت بها المدرسة الحسينيّة، وهي القيم الإنسانيّة في عاشوراء من خلال نصوص زيارات الإمام الحسين×، لكنّنا لم نتوسّع في نصوص الأدعية والخطب والأقوال الواردة عنه×؛ إذ كلّ واحدة منها تحتاج إلى بحث مستقلّ.

وقد ذكرنا أهمّ تلك القيم التي تجلّت يوم عاشوراء، وكذلك ما اُنتهك منها في ذلك اليوم العصيب.

أهمّية الموضوع وسبب اختياره

ترجع أهمّية الموضوع إلى أهمّية الزيارة الحسينيّة ذاتها؛ لأنّها تُقرأ في كلّ وقت، سواء كانت عامّةً أم مخصوصةً بزمن معيّن، وحينما يقرأ الزائر نصوص تلك الزيارات مع التمعّن بما ورد فيها، فلا شكّ في أنّ الأجر والثواب سيتضاعف له، وكذلك سيتعمّق ارتباطه بالنهضة الحسينيّة ومفرداتها.

وسبب اختيار هذا الموضوع كونه يتناول مفردةً مهمّةً لم يُسلّط الضوء عليها، ولم تنل الحيّز الكافي من البحث والتحقيق، وهي القيم الإنسانيّة في عاشوراء بجانبيها التجلّي والانتهاك، من خلال ما ورد في نصوص زيارات أبي عبد الله الحسين×. وبحثنا هذا يأتي كخطوة تصبّ في هذا المجال الواسع.

القيم الإنسانيّة للقتال في الإسلام

بعث الله محمّداً‘ الرسول الذي (...قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ...)[5]؛ ليختتم الديانات الإلهيّة، و(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[6]، و(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[7]. وقد تضمّن هذا الدين الخاتم، ومعجزته الخالدة القرآن الكريم، وكذلك التراث الضخم الذي تركه الرسول‘ وأهل بيته الأطهار^، منظومةً معرفيّةً شاملةً لما يحتاجه الإنسان في حياته، وفي مختلف الأصعدة، سواء الدينيّة، أم العقديّة، أم الأخلاقيّة، أم غيرها.

إنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ الدين الإسلامي هو الدين الذي يسعى لحفظ كرامة الإنسان وعزّته، ويسعى لترسيخ أُسس الأمن والسلام، سواء على صعيد الفرد أم المجتمع أم الدولة؛ لأجل أن تسود العدالة بين الجميع وفق حدود شرّعها ونظّمها في السلم.

وكذلك حينما يطرأ ظرف يُهدّد تلك الأُسس وتصبح حياة الفرد في خطر؛ فإنّ الأحكام والضوابط إنّما وضعت لأجل التحرّك في هذا الظرف ومعالجته، ولكيلا يحصل البغي وتجاوز حدود العدل والإنصاف اللذين يحصل بهما خرق في تلك المنظومة الإسلامجزاكم جزاكم يّة المتكاملة: (...وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[8].

ومن تلك القيم الإنسانيّة ما يتعلّق بالقتال في الإسلام:

إسداء النصح وإقامة الحجّة قبل القتال.

عدم البدء بالقتال.

عدم الاستحواذ على الماء وحرمان المقاتلين وغيرهم منه في المواجهة.

عدم ترويع النساء.

احترام المعاهدات والمواثيق.

عدم استهداف المدنيّين.

الغيرة والحميّة على الدين والعِرض.

عدم المثلة في القتلى.

قبول التوبة من العدو.

عدم قتال المدبر.

الصدق مع المقاتلين وعدم التغرير بهم وخداعهم.

المحافظة على البيئة.

أوّلاً: أهمّ القيم الإنسانيّة التي تجلّت يوم عاشوراء من خلال نصوص زيارات الإمام الحسين×

كما تقدّم؛ فإنّ الدين الإسلامي تضمّن الكثير من القيم الإنسانيّة للقتال، وسنذكر أوّلاً أهمّ ما تجلّى من تلك القيم في نصوص زيارات الإمام الحسين×.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ المعايير الإنسانيّة وقواعد الحرب التي عمل بها الإمام الحسين× خلال مواجهته لقوى الظلم والبغي، هي ذاتها التي أقرّها الإسلام، وكذلك الشرائع السماويّة السابقة، ومن خلال مطالعتنا لنصوص زيارات الإمام الحسين× تتجلّى لنا مجموعة من تلك القيم الإنسانيّة في القتال في يوم عاشوراء، من بينها:

1ـ إسداء النصح وإقامة الحُجّة قبل القتال

إنَّ من أهداف الدين الإسلامي ـ بل كلّ الأديان ـ دعوة الناس لتوحيد الله الواحد الأحد، وإنقاذهم من عبوديّة سواه، سواء كان بشراً، أم حجراً، أم غير ذلك من أعداء الله والإنسانيّة.

وتأسيساً على ذلك؛ ولـمّا كان هدف الأنبياء هداية العباد، فمَن لغير الحسين× أن ينهض ويقف في مواجهة الانحراف ويرفع راية جدّه خاتم الرسل‘، وهو الذي نصّ على إمامته[9]، والرسول‘ كما أخبر عنه تعالى في كتابه الكريم: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[10].

قد وجد الحسين× نفسه أمام منعطف تاريخي، فالإسلام الذي أرسى أركانه وعمّدها جدّه بدماء الشهداء الزاكية، ونصرة الملائكة المسوّمين[11]، وسيف أبيه ذي الفقار الذي تعدل ضربته يوم الخندق عبادة الثقلين، كاد أن يُقضى عليه بفعل يزيد الذي لا إيمان له بالله والإسلام وبكلّ الرسالات السماويّة[12]، كما أنّ دعوته الناس لمبايعته تعني إسدال الستار على رسالة الإسلام، وضياع مكتسباته ومبادئه، ومن ثمّ ضياع الأُمّة، لذلك قال× قولته الثابتة بثبات إيمانه ويقينه بالله: «مثلي لا يبايع مثله»[13]؛ ليدافع عن الإنسان، ويحفظه من معاودة السقوط في عبوديّة السلطان الجائر، ويحافظ على أركان الإسلام، وأن ينبّه الأُمّة إلى ما أوصاهم به جدّه قبل رحيله، وهو التمسّك بالقرآن والعترة؛ كي لا يضلّوا من بعده.

ولذا؛ فالحسين× يُخبرنا بهدف خروجه لمواجهة هذا الانحراف، قال×: «وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جـدّي وأبـي علي بن أبي طالب×، فمَن قبلني بقبول الحقّ فالله أَولَى بالحقّ، ومَن ردّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ، وهو خير الحاكمين»[14].

فكان خروجه× من أجل أن يحفظ للإنسان كرامته وعزّته من خلال حفظ الدين ومبادئه السامية وإن كلّفه ذلك دمه الطاهر، وقتل ذرّيته وأصحابه، وسبي عياله... فقدّم× كلّ ذلك في يوم يختصر الإمام الحسن المجتبى× عمق مأساته في تاريخ البشريّة بقوله لأخيه الحسين×: «لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدّعون أنّهم من أُمّة جدّنا محمّد‘، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحلّ ببني أُميّة اللعنة، تمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار»[15].

كان الإمام الحسين× قد عمل بوصيّة جدّه المصطفى‘ لأبيه أمير المؤمنين× في دعوة القوم قبل القتال عندما بعثه إلى اليمن، فقد روي عن الإمام الصادق× أنّه قال: «قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): بعثني رسول الله إلى اليمن وقال لي: يا علي، لا تُقاتلن أحداً حتى تدعوه؛ وأيم الله، لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك ممّا طلعت عليه الشمس وغربت، ولك ولاؤه يا علي»[16]. فهذا المعنى جسّده الإمام الحسين× وطبّقه قبل نشوب الحرب في يوم كربلاء؛ عسى أن تجد كلماته× طريقاً إلى قلوب القوم ونفوسهم، فيهتدي منهم مَن يهتدي ولا تزل قدمه عن الصراط.

إنّ نصوص الزيارات حفلت بالكثير من كلام سيّد الشهداء× وهو يدعوهم إلى الرجوع إلى الله، وعدم عصيانه، ويحذّرهم من الركون إلى الحاكم الجائر الفاسق، ومن بين تلك النصوص ما يلي:

1ـ ورد في زيارة الأربعين: «وَجَعَلتَهُ حُجَّةً عَلى خَلقِكَ مِنَ الأوصِياءِ، فَأعذَرَ فىِ الدُّعاءِ، وَمَنَحَ النُّصحَ، وَبَذَلَ مُهجَتَهُ فيكَ؛ لِيَستَنقِذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وَحَيرَةِ الضَّلالَةِ، وَقَد تَوازَرَ عَلَيهِ مَن غَرَّتهُ الدُّنيا، وَباعَ حَظَّهُ بِالأرذَلِ الأدنى، وَشَرى آخِرَتَهُ بِالَّثمَنِ الأوكَسِ، وَتَغَطرَسَ وَتَرَدّى فِي هَواهُ»[17].

2ـ وفي زيارة الإمام الحسين× المرويّة عن الإمام الصادق×: «فأعذر في الدعاء، وبذل مهجته فيك؛ ليستنقذ عبادك من الضلالة والجهالة والعمى والشكّ والارتياب إلى باب الهدى من الردى»[18].

3ـ وفي زيارة الإمام الحسين× المطلقة الأُولى المرويّة عن الإمام الصادق×: «وَاَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَنَصَحْتَ وَوَفَيْتَ وَاَوْفَيْتَ، وَجاهَدْتَ فِي سَبيلِ اللهِ، وَمَضَيْتُ لِلَّذي كُنْتَ عَلَيْهِ شهَيداً وَمُسْتَشْهِداً وَشاهِداً وَمَشْهُوداً»[19].

لقد بذل الحسين× كلّ وسعه في نصح مَن قَدِم لقتاله، وألقى عليهم الحجج والبراهين، وحينما لم يجد أيّة فائدة تُرجى من كلامه معهم بكى×، وعندما سُئِل عن سبب بكائه، قال: «أبكي عليهم؛ لأنّهم سيدخلون النار بسببي»[20].

2ـ عدم البدء بالقتال

بعد أن رأى الإمام الحسين× أنّ كلماته لم تجد لها سبيلاً إلى قلوب الأعداء، علّل ذلك بقوله: «ويْلكُم، ما عليكُم أنْ تُنْصِتُوا لِي فَتَسْمَعُوا قَوْلي، وَإنَّما أَدعُوكُم إلى سبيلِ الرشَادِ، فَمَنْ أَطَاعَنِي كانَ من المرشَدينَ، ومَن عَصَانِي كانَ من المُهْلَكِين، وكُلُّكُم عَاصٍ لأَمرِي، غيرُ مُسْتَمِعٍ قَوْلي، فَقَدْ مُلِئَتْ بُطُونُكُم مِنَ الحَرَامِ، وطُبِعَ عَلى قُلُوبِكُم»[21].

وفي تلك اللحظات العصيبة، كان أشباه الرجال يستفزّون الحسين×؛ حيث قام بعض منهم ـ بقيادة شمر بن ذي الجوشن ـ يجول حول الخيام، وحينما رأوا الخندق في ظهورهم والنار تضطرم فيه، تكلّم شمر بكلمات نابية، فرام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم، فمنعه الحسين× عن ذلك قائلاً: «لا ترمه؛ فإنّي أكره أن أبدأهم بقتال»[22].

عند ذلك تقدّم عمر بن سعد فرمى نحو عسكر الحسين× بسهم، وقال: اشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّل من رمى. وأقبلت السهام من القوم كأنّها القطر.

فقال× لأصحابه: «قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بدّ منه؛ فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم»[23].

وورد في زيارة الناحية المقدّسة المنسوبة إلى صاحب العصر والزمان#[24]: «فَجَاهَدْتَهُمْ بَعْدَ الإيعاظ لَهُمْ، وَتَأْكِيدِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، فَنَكَثُوا ذِمَامَكَ وَبَيْعَتَكَ، وَأَسْخَطُوا رَبَّكَ وَجَدَّكَ، وَبَدَؤوكَ بِالحَرْبِ»[25].

3ـ قبول توبة العدو

لما سمع الحرّ بن يزيد الرياحي الإمام الحسين× يصيح بالقوم: «أما من مغيث يُغيثنا لوجه الله، أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله»[26]. فـ«أقبل الحرّ على عمر بن سعد، فقال له: أمقاتل أنت هذا الرجل؟ فقال: إي والله، قتالاً أيسره أن تطير الرؤوس وتطيح الأيدي»[27].

فأيقن الحرّ بإصراراهم على قتل ابن بنت نبيّهم الحسين× وأصحابه بالرغم من معرفتهم بالإمام، وبالرغم من نصحه× لهم؛ نكثاً منهم لبيعته، وحقداً على سيف أبيه الذي استأصل عتاتهم[28]، وركنوا إلى الدنيا يطمعون برضا يزيد شارب الخمر، ورضا ابن مرجانة ابن أبيه.

لحظات عاشها الحرّ لا تُقاس بلحظات زمنيّة دنيويّة، وإنّما لحظات وجود سرمدي أبدي، إمّا أن يكون فيها متقلقلاً بين أطباق الجحيم وغضب الربّ، وإمّا مرافقة الشهداء والصالحين في الجنان، لحظات هو وصفها بقوله: «إنّي والله أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار، فوالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قُطّعت وأُحرقت»[29].

ثمّ ضرب فرسه قاصداً إلى الحسين×ويده على رأسه، وهو يقول: «اللهمّ إليك أنبتُ فتُبْ علي؛ فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيّك، فقال للحسين×: جُعلت فداك، أنا صاحبك الذي حبسك عن الرجوع وجعجع بك، وما ظننت أنّ القوم يبلغون منك ما أرى، وأنا تائب إلى الله تعالى، فهل ترى لي من توبة؟»[30].

فعمل الإمام الحسين× بهذا المبدأ الإنساني النبيل، ولم يرفضه أو ينتهكه، فقبل توبته وقال له×: «نعم، يتوب الله عليك. فنزل وقال: أنا لك فارساً خير منّى لك راجلاً، وإلى النزول يصير آخر أمرى. ثم قال: فإذا كنت أوّل مَن خرج عليك فأذن لي أن أكون أوّل قتيل بين يديك؛ لعلّي أكون ممّن يُصافح جدّك محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم غداً في القيامة»[31].

فقاتل واستشهد وحظي بالسلام من الناحية المقدّسة: «السلام على الحرّ الرياحي»[32]. وكذلك السلام عليه وعلى أخيهجرير في الزيارتين الرجبيّة والشعبانيّة: «السلام على الحرّ بن يزيد الرياحي»[33]. «السلام على جرير بن يزيد الرياحي»[34].

4ـ الغيرة والحَمِيّة

في يوم عاشوراء تجلّت الغيرة والحميّة الحسينيّة بأروع صورها، فعظمتها تأتي في لحظات جفّت فيها الغيرة في قلوب أشباه الرجال، فظهرت في قلوب الرجال المؤمنين الذين قال فيهم سيّد الشهداء×: «لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي»[35].

وتجلّت هذه الغيرة والحميّة عند الإمام الحسين× وأصحابه في عدّة مواقف، من بينها ما ذكره أرباب المقاتل في ليلة العاشر حينما دخل الإمام الحسين× على أُخته العقيلة زينب’، فقالت له: «يابن أُمّي، هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم؛ فإنّي أخاف أن يُسلّموك عند الوثبة واصطكاك الأسنة؟ فبكى الحسين× وقال: أما والله، لقد بلوتهم فما رأيت فيهم إلّا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنيّة دوني استئناس الطفل بلبن أُمّه»[36].

وما أن طرقت تلك الكلمات مسامع نافع الذي كان ينتظر حبيب بن مظاهر الأسدي خارج الخيمة حتى جرت مدامع عينيه، فهرع إلى حبيب وأعلمه ما سمع، فتأجّجت الغيرة في قلبيهما ونفسيهما، وقرّرا أن يعملا شيئاً تقرّ به عيون نساء آل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومَن معهن، فصاح حبيب منادياً بأعلى صوته:(يا أصحاب الحميّة وليوث الكريهة). فخرج الأصحاب من خيامهم، وقال لهم ما أخبره به نافع، فقالوا بأجمعهم: طب نفساً يا حبيب، وقرّ عيناً. فجزّاهم خيراً، وقال: هلمّوا معي لنواجه النسوة ونطيّب خاطرهن... فجاء حبيب ومعه أصحابه وصاح: يا معشر حرائر رسول الله‘، هذه صوارم فتيانكم آلوا ألّا يغمدوها إلّا في رقاب مَن يُريد السوء فيكم، وهذه أسنّة غلمانكم أقسموا ألّا يركزوها إلّا في صدور مَن يُفرّق ناديكم[37].

فنادى الحسين× بأهل بيته: «اخرجن عليهم يا آل الله». فخرجن وهن ينتدبن ويقلن: حاموا أيّها الطيّبون عن الفاطميّات، ما عذركم إذا لقينا جدّنا رسول الله وشكونا إليه ما نزل بنا، وقال: أليس حبيب وأصحاب حبيب كانوا حاضرين يسمعون وينظرون؟ فوالله الذي لا إله إلّا هو، لقد ضجّوا ضجّةً ماجت منها الأرض، واجتمعت لها خيولهم، وكان لها جولة واختلاف وصهيل حتى كأنّ كلّاً يُنادي صاحبه وفارسه[38].

ولمواقفهم الرائعة في الغيرة والحميّة على الدين، وإمام زمانهم الحسين×، ودفاعهم عن بنات الرسالة، ورد السلام على معظم الأصحاب الذين استشهدوا بين يدي الحسين× على لسان صاحب العصر والزمان# في زيارة الناحية ـ المنسوبة له ـ وغيرها.

ونرى الغيرة والشهامة تتجسّدان في موقف آخر في ظهيرة عاشوراء، في ذلك اليوم اللاهب بأشعته، وذلك حينما أقحم الإمام الحسين× فرسه على الفرات، «فلمّا أولغ الفرس برأسه ليشرب، قال×: أنت عطشان وأنا عطشان، والله لا ذقتُ الماء حتى تشرب. فلمّا سمع الفرس كلام الحسين× شال رأسه ولم يشرب كأنّه فهم الكلام، فقال الحسين×: فأنا أشرب. فمدّ الحسين× يده فغرف من الماء، فقال فارس: يا أبا عبد الله؛ تتلذّذ بشرب الماء وقد هُتكت حرمك؟ فنفض الماء من يده، وحمل على القوم فكشفهم، فإذا الخيمة سالمة»[39].

وفي ذلك اليوم الذي تلاشت فيه الغيرة من نفوس أشباه الرجال، إلّا أنّ الغيرة والحميّة وجدت طريقها في نفوس النساء تتقدّمهنّ عقيلة بني هاشم زينب الكبرى، وأُمّ وهب، وزوجته، وأُمّ عمرو بن جنادة، وجارية مسلم بن عوسجة.

5ـ الأُخوّة والإيثار

من المفردات الإنسانيّة التي أبرزتها نصوص الزيارات الحسينيّة هي الإخوّة والإيثار والمواساة، بدءاً من شخصيّة الإمام الحسين×، واستمراراً في أهل بيته وأصحابه، فقد جسّد أخوه العبّاس× أروع المواقف في الإخوّة والمواساة لأخيه وإمامه وقائده، حتى ذكر أرباب المقاتل والمحدّثون صوراً رائعةً عن تلك الأُخوّة والمواساة.

وبلغ الإخاء أوجه لدى العبّاس× حينما كشف الأعداء عن المشرعة واغترف من الماء ليشرب، فتذكّر عطش أخيه الحسين× والأطفال والنساء، فرمى الماء من يديه في وقت جفّ فيه جسده من شدّة حرّ ظهيرة ذلك اليوم الدامي القائض.

وكذلك حينما غدر به الأعداء وقطعوا يمينه فقال راجزاً:

والله إن قطعتم يميني

 إنّي أُحامي أبداً عن ديني

وعـن إمـام صـادق اليقيـن

وورد السلام عليه من قبل صاحب العصر والزمان# في زيارة الإمام الحسين× المنسوبة له: «السَّلامُ عَلى أَبِي الفَضْلِ العَبَّاسِ بْنِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، المُواسِي أَخاهُ بِنَفْسِهِ، الآخِذُ لِغَدِهِ مِنْ أَمْسِهِ، الفادِي لَهُ، الواقِي السّاعِي إِلَيْهِ بِمائِهِ، المَقْطُوعَةِ يَداهُ، لَعَنَ الله قاتِلِيهِ يَزِيدَ بْنَ الرُّقادِ الحَيْتِي[40] وَحَكِيمَ بْنَ الطُّفَيْلِ الطَّائِي»[41].

وجاء ذكره في زيارة الإمام الحسين× يوم عرفة: «اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ اَوَّلِ القَوْمِ اِسْلاماً، وَاَقْدَمِهِمْ ايماناً، وَاَقْوَمِهِمْ بِدينِ اللهِ، وَاَحْوَطِهِمْ عَلَى الاِسْلامِ. اَشْهَدُ لَقَدْ نَصَحْتَ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلاَِخيكَ، فَنِعْمَ الاَخُ المُواسي، فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكَ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّة ظَلَمَتْكَ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً اسْتَحَلَّتْ مِنْكَ الَمحارِمَ وَانْتَهَكَتْ فِي قَتْلِكَ حُرْمَةَ الاِسْلامِ، فَنِعْمَ الاَخُ الصّابِرُ المجاهِدُ المحامِي النّاصِرُ، وَالاَخُ الدّافِعُ عَنْ اَخيهِ»[42].

القيم الإنسانيّة التي اُنتهكت يوم عاشوراء في نصوص زيارات الإمام الحسين×

1ـ التمثيل بجثث القتلى

نهى الإسلام عن التمثيل بجثث القتلى، فقد قال الإمام علي×: «سمعت رسول اللهيقول: إيّاكم والمُثلة ولو بالكلب العقور»[43]. فالتمثيل بجسد الكافر حرام في الشريعة الإسلاميّة، فضلاً عن المسلم، والتحريم ثابت بين المسلمين إلّا مَن شذّ منهم وانحرف عن مبادئ الإسلام الصحيح. لكن رأينا تطبيقه سائغاً لدى أصحاب الفكر المنحرف، الذين لديهم مبانٍ ومبادئ فكريّة وعقديّة منحرفة تكفّر المذاهب الإسلاميّة وتستحلّ دماء المسلمين وأعراضهم، كداعش وأمثالهم من زمر الإرهاب والإجرام.

إنّ عدم الاعتداء والتمثيل والتشويه وغير ذلك من القيم الإنسانيّة،من الأُمور التي أقرّها ـ وبعد قرون عديدة ـ القانون الدولي الإنساني المعاصر، فقد نصّت اتّفاقيّات جنيف على وجوب احترام آدميّة الإنسان في حياته وبعد موته[44].

وقد حرص الإمام الحسين× وأصحابه على مراعاة قواعد وأحكام القتال، ومن بينها عدم التمثيل بجثّة أيّ قتيل من جيش عمر بن سعد، بالرغم من فضاعة ما عملوه. بينما شوّه وسوّد أفراد ذلك الجيش وجه التاريخ بأعمال قبيحة يندى لها جبين الإنسانيّة، حتى حدّثتنا نصوص بعض الزيارات ـ كما سوف يأتي ـ والنصوص التاريخيّة عن ذلك، فقد كتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد كتاباً جاء فيه: «فازحف إليهم [أي: إلى الحسين× وأصحابه] حتى تقتلهم، وتمثّل بهم؛ فإنّهم لذلك مستحقّون، فإن قُتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره»[45].

وإمعاناً في الانتقام والتعذيب والتمثيل، يُقسم الشمر بالله ـ والله تعالى بريء من أفعاله وأقواله ـ فيقول للإمام الحسين× بعد أن أثخنوه بجراحات السيوف وطعنات الرماح ورمي السهام: «والله، لأَذْبحَنَّك من قفاك؛ ليكون ذلك أشدّ بك»[46].

إنّ هذه الكلمات تحمل من الحقد والغلّ والكراهيّة الشيء الكثير، وهي تحمل في داخلها أيضاً إصراراً على الإقدام على فعل شنيع نهى الإسلام أن يُرتكب حتى مع العجماوات، فكيف به وهو يقوم بفعل هذه الجريمة العظيمة النكراء مع سيّد شباب أهل الجنّة، وابن مَن يرضا الله لرضاها ويغضب لغضبها؟!

وقال الراوي: وكلّما قطع منه عضواً نادى الحسين×: «وا محمّداه، وا علياه، وا حسناه، وا جعفراه، وا حمزتاه، وا عقيلاه، وا عبّاساه، وا قتيلاه، وا قلّة ناصراه، وا غربتاه»[47].

وفي خُطبة الإمام السجّاد× يقول: «أَنا ابْنُ المَقتولِ ظُلماً، أَنا ابْنُ المَحزُوزِ الرَّأسِ مِنَ القفا، أَنا ابْنُ العَطشان حتَّى قضى، أَنا ابْنُ طَريحِ كربلاءَ»[48].

وورد في زيارة الإمام الحسين× المرويّة عن الإمام الصادق× قوله: «لعن الله مَن رماك، لعن الله مَن طعنك، لعن الله مَن اجتز رأسك، لعن الله مَن حمل رأسك، لعن الله مَن نكت بقضيبه بين ثناياك»[49].

وورد في زيارة الناحية: «فَهَوَيْتَ إِلَى الأَرْضِ جَرِيحاً، تَطَؤُكَ الخيولُ بِحَوَافِرِهَا»[50].

وورد فيها أيضاً: «السَّلامُ عَلى الأعْضَاءِ المُقطَّعَاتِ، السَّلامُ عَلى الرُّؤوسِ المُشَالاَتِ»، و«السَّلَامُ عَلَى الرؤوس المُفَرَّقَةِ عَنِ الأَبْدَانِ»[51].

وبعد شهادة الإمام الحسين× وُجد في جسده الطاهر الكثير من طعن الرماح، وضرب السيوف، غير عشرات من السهام[52].

ولم يكتفوا بذلك، بل شارك عشرة فرسان برضّ جسده الشريف بحوافر الخيل، وقد صوّر السيّد حيدر الحلّي هذا الحدث المروّع في قصيدته الحوليّة[53] العينيّة[54] التي خاطب فيها الإمام المنتظر#: [55]

مـاذا يـُهـيــــجـك إن صـبـرت

لـوقـعـة الـطــفّ الفظيعة

أتـرى تــــــــــجـيء فـجـيـعـة

بـأمضّ من تلك الفجيعة

حـيـث الـحـسـيـن عـلـى الـثـرى

خـيـل العدى طحنت ضلوعه(7)

 

وهكذا تُرك جسده الطاهر، وأجساد مَن استُشهد معه بالعراء دون دفن ثلاثة أيّام، مرميّةً على الأرض، وقُطعت رؤوسهم ورفعت على الرماح يُطاف بها في البلدان. وهكذا ممارسات تُعتبر جريمةً إنسانيّةً وفق مبادئ القانون الدولي الإنساني[56].

2ـ عدم الاستحواذ على الماء وحرمان المقاتلين وغيرهم منه في المواجهة

أتى الحرّ بن يزيد الرياحي ومعه ألف فارس ليجعجع[57] بالحسين× وأصحابه وأهل بيته، ويحبسهم في مكان ليس فيه ماء ولا حصن يقيهم، أو يدخل في حكم يزيد وعبيد الله بن زياد. وأبى الحرّ أن يُمكِّنَ الحسينَ من الرجوع إلى الحجاز، أو يسلك الطريق المؤدّية إلى الكوفة، لكنّ الحسين× أبى أن يستسلم ليزيد وابن زياد[58].

كان اللقاء في حرّ الظهيرة، حيث العطش أخذ مأخذه من جيش الحرّ وخيله، فأمر الإمام الحسين× فتيانه قائلاً لهم: «اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشّفوا الخيل ترشيفاً»[59]. فسقوا الخيل، وشرب الجيش حتى ارتووا من الماء.

وهكذا كان قد فعل أبوه أمير المؤمنين× في صفّين مع جيش معاوية حينما تمكّن جيشه× من الماء، فقد نهاهم أن يتعاملوا بالمثل ويقطعوا الماء عن جيش معاوية ردّاً على منعهم الماء عن جيش أمير المؤمنين× عندما كان في حوزتهم[60].

لكن في المقابل منع جيش عمر بن سعد الماءَ عن الحسين× وأهل بيته وأصحابه، مستخدمين منع الماء سلاحاً قاسياً ضدّهم في ساحة القتال، ولم يرحموا حتى عطش الرضيع الذي ذبحوه بسهم في حضن أبيه حينما طلب منهم أن يسقوه شربةً من الماء، فقد ورد في زيارة الناحية: «السَّلَامُ عَلَى الشِّفَاهِ الذَّابِلَاتِ»[61]. وأيضاً: «وَأَمَرَ اللَّعِينُ جُنُودَهُ، فَمَنَعُوكَ المَاءَ وَوُرُودَهُ»[62].

3ـ ترويع النساء والأطفال

إنّ واحدةً من القيم الإنسانيّة التي لم تختلف فيها الشرائع السماويّة، وكذلك القوانين الدوليّة فيما يخصّ حقوق الإنسان، هي عدم ترويع النساء والأطفال، وكان الرسول الاكرم‘ ومن بعده وصيّه أمير المؤمنين× يؤكّدان في وصاياهم للمقاتلين على مراعاة ذلك، فعن الإمام الصادق× قال: «كان رسول الله‘ إذا بعث سريّةً دعا أميرها فأجلسه إلى جنبه وأجلس أصحابه بين يديه، ثم قال: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تُمثّلوا[63]، ولا تقطعوا شجرةً إلّا أن تضطرّوا إليها، ولا تقتلوا شيخاً ولا صبيّاً ولا امرأةً»[64].

وفي يوم عاشوراء، ومع جيش ضمّ عتاة الكفر والضلال والأحقاد الجاهليّة، لم يكن غريباً ولا مستهجناً منهم أن يقوموا بترويع النساء والأطفال وإرعابهم، وحرق الخيام، وقتل الأطفال، والحسين× ينادي فيهم: «ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم أعراباً. فناداه شمر فقال: ما تقول يا ابن فاطمة؟ قال: أقول: أنا الذي أُقاتلكم وتقاتلوني، والنساء ليس عليهنّ جناح، فامنعوا عتاتكم عن التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً»[65].

وفي يوم عاشوراء كانت هناك تسع أُمّهات رأين مصارع فلذات أكبادهن من رضيع وفتىً وشابّ، وهنّ: الرباب أُمّ عبد الله الرضيع، بطلة كربلاء زينب أُمّ عون ومحمّد ابني عبد الله بن جعفر[66]، رملة أُمّ القاسم بن الإمام الحسن×، بنت السَّليل أُمّ عبد الله بن الإمام الحسن×، رقيّة بنت الإمام علي× أُمّ عبد الله بن مسلم، أُمّ محمّد بن أبي سعيد بن عقيل[67]، بحرية بنت مسعود الخزرجي أُمّ عمرو بن جنادة، أُمّ وهب بن حباب الكلبي، ليلى أُمّ علي الأكبر.

وقد ورد في زيارة الناحية: «وَحَالُوا بَيْنَكَ وَبَينَ الرَّوَاحِ، وَلَمْ يَبْقَ لَكَ نَاصِرٌ، وَأنْتَ مُحْتَسِبٌ صَابِرٌ، تَذُبُّ عَنْ نِسْوَتِكَ وَأوْلادِكَ، حَتَّى نَكَّسُوكَ عَنْ جَوَادِكَ، فَهَوَيْتَ إِلَى الأرْضِ جَرِيْحاً، تَطَؤكَ الخُيولُ بِحَوَافِرِهَا، وَتَعْلُوكَ الطُّغَاةُ بِبَوَاتِرِها، قَدْ رَشَحَ لِلمَوْتِ جَبِيْنُكَ، واخْتَلَفَتَ بالاِنْقِبَاضِ والاِنْبِسَاطِ شِمَالُكَ وَيَمِينُكَ، تُدِيرُ طَرَفاً خَفِيّاً إلى رَحْلِكَ وَبَيْتِكَ، وَقَدْ شُغِلْتَ بِنَفسِكَ عَنْ وُلْدِكَ وَأهَالِيكَ»[68].

وورد فيها أيضاً: «السَّلامُ عَلى مَن هُتِكَتْ حُرْمَتُهُ»[69].

4ـ سبي المسلمات

لا شكّ في أنّ هذا العمل ـ سبي المسلمات ـ هو نقض صريح لأحكام الإسلام وتشريعاته التي لا تُجيز سبي المسلم وبخاصّة النساء، ولم يفعل ذلك غير بني أُميّة؛ وذلك حينما هجم بسر بن أرطأة على اليمن بأمر من معاوية وأسر النساء المسلمات[70]، فكانت هذه المرّة الأُولى التي تُسبى بها النساء المسلمات من قِبل بني أُميّة. والثانية بعد ظهيرة عاشوراء عندما قُتل الإمام الحسين×، فقد قام الجيش الأُموي بسبي ذراريه ونسائه إلى الشام، وهناك طلب أحد أهل الشام من يزيد أن يهبه فاطمة بنت الحسين× ليتّخذها جاريةً له[71]!

وعمق المأساة يوم عاشوراء يصوّرها لنا الإمام المهدي# في مشهد واحد من المشاهد المرعبة في ذلك اليوم حينما يُخاطب جدّه الإمام الحسين× قائلاً: «فلأندبنَّك صباحاً ومساءً، ولأبكينَّ عليك بدل الدموع دماً»[72].

وحينما تشرّف الملا سلطان علي التبريزي في عالم الرؤيا بمشاهدته# وسأله عن المصيبة التي جعلته يبكي بدل الدموع دماً، أهي مصيبة علي الأكبر؟ فأجابه الإمام#: «لا، لو كان علي الأكبر حيّاً لبكى هو أيضاً على هذه المصيبة دماً». ثم قال له: أهي مصيبة العبّاس×؟ فقال#: «لا، لو كان العبّاس حيّاً لبكى دماً عليها أيضاً». ثمّ قال له: هي مصيبة سيّد الشهداء× إذاً؟ قال#:«لو كان سيّد الشهداء حيّاً لبكى دماً عليها أيضاً»! فقال له أخيراً: إذاً أيّ مصيبةٍ هذه؟ فأجابه صاحب العصر والزمان#:«إنّ هذه المصيبة هي سبي عمّتي زينب’ بعد مقتل الحسين والعبّاس»[73].

وورد في زيارة الناحية المقدّسة أيضاً: «وَسُبِيَ أهْلُكَ كَالعَبِيدِ، وَصُفِّدُوا فِي الحَدِيْدِ، فَوقَ أقْتَابِ المطِيَّاتِ، تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ حَرُّ الهَاجِرَات، يُسَاقُونَ فِي البَرَارِي وَالفَلَوَاتِ، أيْدِيهُمُ مَغْلُولَةٌ إِلَى الأعْنَاقِ، يُطَافُ بِهِم فِي الأسْوَاقِ، فالوَيْلُ للعُصَاةِ الفُسَّاقِ»[74].

5ـ قتل الأسرى وإيذاؤهم

أُسر في يوم عاشوراء بعض أصحاب الإمام الحسين× بعد أن أضعفتهم الجراح، وكانت معاملة جيش عمر بن سعد معهم بعيدةً كلّ البعد عن مبادئ وتعاليم وأحكام الإسلام، التي من بينها الرفق بالأُسارى، فحينما أُخذ وهب[75] أسيراً وأُتي به عمر بن سعد، فقال له: ما أشدّ صولتك. ثمّ أمر به فضُربت عنقه، ورمي برأسه نحو عسكر الحسين×[76].

وأُسر كذلك سوّار بن منعم، وورد  ذُكره في الزيارة بعنوان: سوّار بن أبي حمير الفهمي الهمداني بما نصّه: «السلام علی الجريح المأسُور سَوّارِ بْنِ أبي حِمْيَرِ الفَهْمي الهَمْداني»[77].

وأُسر موقّع بن ثمامة الصيداوي، وقال الشيخ السماوي في كتاب (إبصار العين) نقلاً عن أبي مخنف: «إنّ الموقّع صُرع، فاستنقذوه قومه وأتوا به إلى الكوفة فأخفوه، وبلغ ابن زياد خبره، فأرسل عليه ليقتله، فشفع فيه جماعة من بني أسد فلم يقتله، ولكن كبّله بالحديد ونفاه إلى الزارة[78]، وكان مريضاً من الجراحات التي به، فبقي في الزارة مريضاً مكبّلاً حتى مات بعد سنة»[79].

الخاتمة

الملحمة الحسينيّة مدرسة متكاملة، تُشكّل مفرداتها منظومةً متكاملةً من الأحكام والقواعد، التي تترتّب من خلالها جوانب تلك المدرسة المختلفة على الصعيد الديني والعقدي والأخلاقي والثقافي، فضلاً عن الجهادي.

ولا شكّ في أنّ جوانب كثيرةً من تلك الملحمة النابضة بالحياة لم يُسلّط عليها الضوء، ولم تأخذ ما تستحقّ من البحث والتحقيق، وواحد منها ما يتعلّق بالقيم الإنسانيّة للقتال في نصوص زيارات الإمام الحسين× والخطب والأدعية.

وفي بحثنا هذا تمّ تسليط الضوء ـ وباختصار ـ على جانب من تلك القيم الإنسانيّة للقتال التي تجلّت يوم عاشوراء في نصوص زيارات الإمام الحسين× فقط، ومن بينها: إسداء النصح وإقامة الحجّة قبل القتال، عدم البدء بالقتال، قبول توبة العدو، الغيرة والحميّة، الإخوّة والإيثار.

كما تمّ تسليط الضوء على ما انتُهك من قيم في يوم عاشوراء من قبيل: التمثيل بجثث القتلى، عدم الاستحواذ على الماء وحرمان المقاتلين وغيرهم منه في المواجهة، وترويع النساء والأطفال، وسبي المسلمات، وقتل الأسرى وإيذاؤهم.

ولا شكّ أنّ هناك الكثير من تلك القيم الإنسانيّة ـ بقسميها ـ غير ما ذكرنا، ونأمل من الإخوة الباحثين والمحقّقين أن يتطرّقوا لذكرها في تأليف أوسع بحثاً وأعمق تحليلاً؛ لتظهر ثماره التي من أهمّها تعميق الارتباط بالنهج الحسيني، والتمعّن والتدبّر فيما يُقرأ من نصوص الزيارات الواردة في حقّ سيّد الشهداء×؛ ليتجلّى من ذلك جانب مهمّ آخر من تلك النهضة المباركة التي ستلتقي أهدافها ـ بإذن الله تعالى ـ مع الهدف الأسمى للظهور المقدّس الذي سيطالب بثارات جدّه الحسين× من الظالمين، والذي: «يَمْلَأُ اللهُ به الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلًا کَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً»[80]. وهو الذي وعدنا الله سبحانه
وتعالى  به[81]، فقال:
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[82].

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

          إبصار العين في أنصار الحسين×، الشيخ محمّد السماوي، المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف ـ العراق، 1341هـ.

          الاحتجاج، أحمد بن علي الطبرسي، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف، 1386هـ ـ 1966م.

          الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي العكبري المعروف بالشيخ المفيد، مؤسّسة آل البيت^، بيروت ـ لبنان، 1414هـ ـ 1993م.

          الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يُعمل مرّةً في السنة، السيّد على بن موسى المعروف بابن طاووس، مكتب الإعلام الإسلامي، قم المقدّسة ـ إيران، 1418هـ.

          أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى البلاذري، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، 1394هـ.

          بحار الأنوار، العلّامة محمّد باقر المجلسي، مؤسّسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان، 2008م.

          البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، 1988م.

          البلد الأمين، الشيخ إبرهيم الكفعمي، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، 1418هـ.

          بنور فاطمة اهتديت، حسن عبد المنعم، دار المعروف للطباعة والنشر، قم المقدّسة ـ إيران، 1419ه ـ 1998م.

10ـ    تاريخ الطبري، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، مؤسّسة الأعلمي، بيروت.

11ـ    تسلية الـمُجالس وزينة الـمَجالس، محمّد الكركي، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم المقدّسة ـ إيران، 1418هـ.

12ـ    تهذيب الأحكام، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة الرابعة، 1407هـ.

13ـ    جامع أحاديث الشيعة، السيّد حسين البروجردي، المطبعة العلميّة، قم المقدّسة ـ إيران، 1399هـ.

14ـ    حياة الإمام الحسين بن علي÷، الشيخ باقر شريف القرشي، مطبعة الآداب، النجف الأشرف ـ العراق، ١٣٩٥هـ ـ ١٩٧٥م.

15ـ    حياة الإمام المهدي#، الشيخ باقر شريف القرشي، دار جواد الأئمّة^، بيروت ـ لبنان، 2008م.

16ـ    دلائل الإمامة، محمّد بن جرير الطبري، مؤسّسة البعثة، قم المقدّسة ـ إيران، 1413هـ.

17ـ    الدمعة الساكبة في أحوال النبي‘ والعترة الطاهرة، محمّد باقر البهبهاني، مکتبة العلوم العامّة، بيروت ـ لبنان، 1408هـ.

18ـ    رجال الطوسي، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة، قم المقدّسة ـ إيران، 1373هـ.ش.

19ـ    الصحيفة المهديّة، إبراهيم الكاشاني، مدرسة الإمام المهدی#، قم المقدّسة ـ إيران، 1405هـ ـ 1984م.

20ـ    العبقري الحسان، علي أکبر النهاوندي، كتاب جمكران، قم المقدّسة ـ إيران، 1395هـ.ش.

21ـ    عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال، الشيخ عبد الله البحراني، مدرسة الإمام المهدي#، قم المقدّسة ـ إيران، 1407هـ.

22ـ    الكافي في الأُصول والفروع، أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني، دار الحديث للطباعة والنشر، قم المقدّسة ـ إيران،1430هـ ـ 2009م.

23ـ    كامل الزيارات، جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي، مؤسّسة نشر الفقاهة، قم المقدّسة ـ إيران، 1417هـ.

24ـ    الكامل في التاريخ، عز الدِّين علي بن أبي الكرم محمّد بن محمّد الشيباني المعروف بابن الأثير، دار صادر، بيروت ـ لبنان، 1966م.

25ـ    كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر^، علي بن محمّد الخزّاز القمّي‏، مطبعة الخيام، قم المقدّسة ـ إيران، 1401ه.

26ـ    كمال الدين وتمام النعمة، محمّد بن علي بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم المقدّسة ـ إيران، 1405هـ.

27ـ    اللهوف في قتلى الطفوف، علي بن موسى بن جعفر المعروف بالسيّد ابن طاووس، أنوار الهدى، قم المقدّسة ـ إيران.

28ـ    مثير الأحزان، الشيخ نجم الدين جعفر بن محمّد بن نما الحلّي، مدرسة الإمام المهدى#، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الثالثة، 1406هـ.

29ـ    المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة، السيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم المقدّسة ـ إيران، 1421هـ.

30ـ    المزار الكبير، أبو عبد الله محمّد بن جعفر الحائري المعروف بابن المشهدي، مؤسّسة الآفاق، طهران ـ إيران، 1419هـ.

31ـ    المزار، أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي العكبري المعروف بالشيخ المفيد، المؤتمر العالمي لألفيّة الشيخ المفيد، قم المقدّسة ـ إيران، 1413هـ.

32ـ    المزار، محمّد بن مكّي العاملي (الشهيد الأوّل)، مدرسة الإمام المهدى#، قم المقدّسة ـ إيران، 1410هـ.

33ـ    مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، الميزرا حسين النوري الطبرسي، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم المقدّسة ـ إيران، 1408هـ.

34ـ    مصباح الزائر، السيّد علي بن موسى المعروف بابن طاووس، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم المقدّسة ـ إيران، 1416هـ.

35ـ    مصباح المتهجّد، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، مؤسّسة فقه الشيعة، بيروت ـ لبنان، 1411هـ ـ 1991م.

36ـ    معالي السبطين في أحوال الحسن والحسين÷، محمّد مهدي الحائري المازندراني، الشريف الرضي، قم المقدّسة ـ إيران، 1419هـ.

37ـ    المعجم الوسيط، مجموعة من المؤلّفين، مكتبة الشروق الدوليّة، القاهرة ـ مصر، الطبعة الرابعة، 1425هـ ـ 2004م.

38ـ    معجم أنصار الحسين×، محمّد صادق الكرباسي، المركز الحسيني للدراسات، لندن، 1429هـ ـ 2008م.

39ـ    مقتل الحسين×، أبو المُؤيَّد الموفّق محمّد بن أحمد المكّي الخوارزمي، مكتبة المفيد، قم المقدّسة ـ إيران، 1418هـ.

40ـ    مقتل الحسين×، السيّد عبد الرزّاق المقرّم، مؤسّسة البعثة، طهران ـ إيران، 1385هـ.ش.

41ـ    مقتل الحسين×، لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف الأزدي الغامدي، المطبعة العلميّة، قم المقّدسة ـ إيران، 1398هـ.

42ـ    مناقب آل أبي طالب^، محمّد بن علی بن شهر آشوب المازندراني، المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف ـ العراق، 1956م.

43ـ    المنتخب في جمع المراثي والخطب، فخر الدين الطريحي النجفي، مؤسّسة التاريخ العربي، بيروت ـ لبنان، 1428هـ ـ 2007م.

44ـ    موسوعة شهادة المعصومين^، لجنة الحديث في معهد باقر العلوم، نور السجّاد، قم المقدّسة ـ إيران.

45ـ    موسوعة كلمات الإمام الحسين×، لجنة الحديث في معهد باقر العلوم، دار المعروف للطباعة والنشر، قم، 1416هـ ـ 1995م.

46ـ    نَفَس المهموم في مصيبة سيّدنا الحسين× المظلوم، الشيخ عبّاس القمّي، المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف ـ العراق.

47ـ    نور العين في مشهد الحسين×، أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الإسفرايني، مطبعة ومكتبة المنار، تونس.

48ـ    الوافي بالوفيّات، صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، دار إحياء التراث، بيروت ـ لبنان، 1420هـ ـ 2000م.

49ـ    الوافي، محمّد محسن الفيض الكاشاني، مكتبة الإمام أمير المؤمنين×، أصفهان ـ إيران، 1406هـ.

50ـ    وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم المقدّسة ـ إيران.

51ـ     ينابيع المودّة لذوي القربى، سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، دار الأُسوة للطباعة والنشر، قم المقدّسة ـ إيران، 1416هـ.

 



[1] توزّعت الزيارات العامّة والمخصوصة للإمام الحسين× في كتب الأدعية والزيارات، من قبيل: كامل الزيارات، ومفاتيح الجنان. فقد ذكر فيهما أكثر من (17) زيارةً. وأقصر الزيارات ما في (الكافي) للكليني عن الإمام الباقر×: «تقول وتعيدُ ذلك ثلاثاً: صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ. فإنّ السّلام يصل إليه من قريب وبعيد» [الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص575]، وأطولها زيارة الناحية المنسوبة إلى صاحب العصر والزمان#.

 

[2] النوري الطبرسي، حسين، مستدرك الوسائل: ج10، ص318.

 

[3][3] المصدر السابق: ج1، ص286.

 

[4] الكليني، محمّد بن يعقوب، الکافي: ج4، ص577.

 

[5] آل عمران: الآية 144.

 

[6] آل عمران: الآية 19.

 

[7] آل عمران: الآية 85.

 

[8] المائدة: الآية 2.

 

[9] قال: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا». المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص2.

 

[10] النجم: الآيتان 3ـ4.

 

[11] يقول تعالى: (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ). آل عمران: الآية 125.

 

[12] وكيف لا يكون كذلك وهو القائل:

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

 

      الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج٢، ص٣٤.

[13] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص10.

 

[14] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص329.

 

[15] المصدر السابق: ج45، ص218.

 

[16] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص36.

 

[17] وهي زيارة خاصّة بالإمام الحسين×، ذكرها الشيخ الطوسي في التهذيب: ج6، ص52، ومصباح المتهجّد: ج2، ص788. ويُنظر أيضاً: الكفعمي، إبراهيم، البلد الأمين: ج1، ص274. الفيض الكاشاني، محمّد محسن، كتاب الوافي: ج14، ص1581. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج98، ص331.

 

[18] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص401. الطوسي، محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام: ج6، ص59. المفيد، محمّد بن محمّد، المزار: ص108.

 

[19] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص575.

 

[20] عبد المنعم، حسن، بنور فاطمة اهتديت: ص٢٠١.

 

[21] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص8.

 

[22] الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص322. المفيد، محمّد بن محمّد، الإرشاد: ج2، ص96.

 

[23] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص٤٣. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج٤٥، ص١٢. ابن نما الحلّي، محمّد بن جعفر، مثير الأحزان: ص٥٨. البحراني، عبد الله، عوالم العلوم: ج17، ص255.

 

[24] ذُكرت هذه الزيارة في مصادر عديدة، فذكرها من المتقدّمين الشيخ المفيد (ت 413 هـ ) في (كتاب المزار)، وابن المشهدي (ت 610 هـ) في (المزار الكبير)، والسيّد ابن طاووس (ت 664 هـ) في (مصباح الزائر). ومن المتأخّرين: العلّامة المجلسي في (بحار الأنوار)، والمحدّث النوري في (مستدرك الوسائل)، والشيخ إبراهيم بن محسن الكاشاني في (الصحيفة المهديّة)، والشيخ عبّاس القمّي في (نَفَس المهموم).

 

[25] ابن المشهدي، محمّد بن جعفر، المزار الكبير: ج1، ص503.

 

[26] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ج1، ص61. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص46، الخوارزمي، محمّد بن أحمد، مقتل الخوارزمي: ج2، ص32.

 

[27] المفيد، محمّد بن محمّد، الإرشاد: ج2، ص99.

 

[28] «لما قُتل جميع أصحاب الإمام الحسين× ورجال أهل بيته، ولم يبقَ منهم أحد، عزم الإمام× على لقاء القوم بنفسه، فدعا ببردة رسول الله‘ فالتحف بها، وأفرغ عليها درعه، وتقلّد سيفه، واستوى على متن جواده، ثم توجّه نحو ميدان الحرب والقتال، فوقف أمام القوم وجعل يُخاطب أهل الكوفة بقوله: «ويلكم، علامَ تقاتلونني؟! على حقّ تركته؟! أم على شريعة بدلّتها؟! أم على سُنّة غيّرتها؟!». فقالوا: بل نقاتلك بغضاً منّا لأبيك، وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين!». الحائري، محمد مهدي، معالي السبطين: ج2، ص5، الفصل العاشر، المجلس الثاني. «فصاح عمر بن سعد: الويل لكم! أتدرون لـمَن تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب، احملوا عليه من كلّ جانب». المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص50.

 

[29] البحراني، عبدالله، عوالم العلوم: ج17، ص٢٥٤.

 

[30] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص62.

 

[31] المصدر السابق. اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج2، ص475ـ 476، 479. الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الطبري: ج5، ص392، 422، 427 ــ 428. المفيد، محمّد بن محمّد، الإرشاد: ج2، ص100 ــ 101. الخوارزمي، محمّد بن أحمد، مقتل الإمام الحسين×: ج2، ص12ـ 13.

 

[32] المفيد، محمّد بن محمّد، المزار: ج1، ص120.

 

[33] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج101، ص336.

 

[34] المصدر السابق.

 

[35] المفيد، محمّد بن محمّد، الإرشاد: ج2، ص91.

 

[36] شرف الدين الموسوي، عبد الحسين، المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة: ص231.

 

[37] اُنظر: المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين×: ص219.

 

[38] لجنة الحديث في معهد باقر العلوم×، موسوعة شهادة المعصومين^: ج٢، ص١٩٢.

 

[39] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص51.

 

[40] في نسخة البحار: (الجهني).

 

[41] ابن طاووس، على بن موسى، إقبال الأعمال: ج3، ص74.

 

[42] العاملي (الشهيد الأوّل)، محمد بن مكّي، كتاب المزار: ص177.

 

[43] البروجردي، حسين، جامع أحاديث الشيعة: ج٢٦، ص٢٣٠.

 

[44] من بينها اتّفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م؛ حيث نصّت في المادّة الرابعة على احترام آدميّة الإنسان، وعدم الاعتداء على الحياة والسلامة البدنيّة، وبخاصّة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب. اُنظر: شريف عتلم، ومحمّد ماهر عبد الواحد، موسوعة اتّفاقيّات القانون الدولي الإنساني: ص118.

 

[45] الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص314.

 

[46] الطريحي، فخر الدين، المنتخب في جمع المراثي والخطب: ص451. القندوزي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودّة: ص419. البهبهاني، محمّد عبد الباقر، الدمعة الساكبة: ج4، ص358.

 

[47] الحائري، محمّد مهدي، معالي السبطين:ج2، ص43. أبو مخنف الأزدي، لوط بن يحيى، مقتل الحسين×: ص147. أبو إسحاق الإسفراييني، إبراهيم بن محمّد، نور العين في مشهد الحسين×: ص60. البهبهاني، محمّد باقر، الدمعة الساكبة: ج4، ص359. بتفاوت.

 

[48] ابن شهر آشوب المازندراني، محمّد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص305.

 

[49] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص413.

 

[50] ابن المشهدي، أبو عبد الله محمّد، المزار الكبير: ج1، ص505. ابن طاووس، علي بن موسى، كتاب (اللهوف): ص54.

 

[51] ابن المشهدي، أبو عبد الله محمّد، المزار الكبير: ج1، ص505.

 

[52] قال الإمام الباقر×: «أُصيب الحسين بن علي× ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنةً برمح، أو ضربةً بسيف، أو رميةً بسهم». فروي أنّها كانت كلّها في مقدّمه؛ لأنّه× كان لا يولّي». المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص82.

 

[53] كان السيّد حيدر الحلّي في كلّ سنة يكتب قصيدةً ويقرؤها أمام قبر سيّد الشهداء يوم عاشوراء.

 

[54] سُمّيت بالعينيّة؛ لأنّ القصيدة مقفّاة بحرف العين.

 

[55] القرشي، باقر، حياة الإمام المهدي#: ص٢٣٤.

 

[56] لا يختلف القانون الدولي الإنساني مع أحكام الشريعة الإسلاميّة فيما يخصّ احترام جسد الإنسان بعد موته، وقد تضمّنت اتّفاقيّات جنيف الأربع عام 1949م وبروتوكولاتها الإضافية المتعلّقة بحقوق القتلى منع العبث بها أو بأشلائها، فالمادّة (17) من الاتّفاقيّة الأُولى، والمادّة (120) من الاتّفاقيّة الثالثة، والمادّة (130) من الاتّفاقيّة الرابعة نصّت على: إنّ على أطراف النزاع التحقّق من أنّ الموتى دفنوا باحترام وطبقاً لشعائر دينهم إن أمكن، وتُصان بشكل ملائم، وتميّز بكيفيّة التمكّن من الاستدلال عليها دائماً. اُنظر: د. جعفر عبد السلام وآخرون: القانون الدولي الإنساني ـ
دراسات مقارنة بين الشريعة الإسلاميّة والقانون الدولي: ص261ـ262.

 

[57] الجَعْجاع: المكان الضيّق الخشن الغليظ، والمحبس والمناخ السيّئ لا يقر فيه صاحبه. ومن الأرض: معركة الحرب. مجموعة من المؤلّفين، المعجم الوسيط: ج1، ص125.

 

[58] اُنظر: الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الطبري: ج3، ص305. الخوارزمي، محمّد بن أحمد، مقتل الحسين×: ج1، ص229. ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل، البداية والنهاية: ج8، ص186، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص375.

 

[59] المفيد، محمّد بن محمّد، الإرشاد: ج٢، ص٧٨.

 

[60] اُنظر: ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج3، ص166 ـ 167.

 

[61] ابن المشهدي، أبو عبد الله محمّد، المزار الكبير: ص498.

 

[62] المصدر السابق: ص503.

 

[63] الغلول: الخيانة، وأكثر ما يُستعمل في الخيانة في الغنيمة. والتمثيل: قطع الأُذن والأنف وما أشبه ذلك. والغدر: ضدّ الوفاء. الفيض الكاشاني، محمّد محسن، الوافي: ج15، ص92.

 

[64] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج١، ص٣٣٥.

 

[65] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص51.

 

[66] ورد السلام على ولديها محمّد وعون الشهيدين مع أخيها الحسين× في كربلاء في زيارة الناحية: «السَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، الشَّاهِدِ مَكانَ أَبِيهِ، وَالتَّالِي لِأَخِيهِ (عون) وَوَاقِيهِ بِبَدَنِهِ، لَعَنَ الله قَاتِلَهُ عَامِرَ بْنَ نَهْشَلٍ التَّمِيمِي». ابن المشهدي، أبو عبد الله محمّد، المزار الكبير: ج1، ص505.

 

[67] ورد اسمه في زيارة الشهداء، ووقع التسليم عليه ولعن قاتله بهذا القول: «السلام على محمّد بن أبي سعيد بن عقيل، ولعن الله قاتله لُقَيط بن ناشر الجهني». ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الإعمال: ص50.

 

[68] ابن المشهدي، أبو عبد الله محمّد، المزار الكبير: ج1، ص501. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج98، ص322.

 

[69] ابن المشهدي، أبو عبد الله، المزار الكبير: ج1، ص506.

 

[70] اُنظر: الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك، الوافي بالوفيّات: ج10، ص81.

 

[71] اُنظر: الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص353.

 

[72] ابن المشهدي، أبو عبد الله محمّد، المزار الكبير: ص501.

 

[73] اُنظر: النهاوندي، علی أکبر، العبقري الحسان: ج1، ص98.

 

[74] ابن المشهدي، أبو عبد الله محمّد، المزار الكبير: ص505.

 

[75] كان وهب نصرانيّاً وعمره خمساً وعشرين سنةً، وقد أسلم على يد الإمام الحسين× قبل شهادته بعشرة أيّام. اُنظر: المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص16 ـ 17.

 

[76] اُنظر: الكركي، محمّد، تسلية الـمُجالس وزينة الـمَجالس: ص450. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص17. البحراني، عبد الله، عوالم العلوم: ج17، ص261.

 

[77] ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ص52. واُنظر: شمس الدين، محمّد مهدي، أنصار الحسين: ص91.

 

[78] موضع بعُمان، كان زيادٌ وابنُه عبيد الله ينفيان إليه مَن شاءا مِن أهل البصرة والكوفة. اُنظر: السماوي، محمّد، إبصار العين في أنصار الحسين×: ص117.

 

[79] السماوي، محمّد، إبصار العين في أنصار الحسين×: ص117. واُنظر: الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص347. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص80.

 

[80] الصدوق، محمّد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة:ج2، ص377. الخزاز القمّي، علي بن محمّد، كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر: ص280. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج51، ص156.

 

[81] ورد في زيارة الإمام الحسين× يوم الأربعين: «وَاَشْهَدُ اَنَّ اللهَ مُنْجِزٌ ما وَعَدَكَ، وَمُهْلِكٌ مَنْ خَذَلَكَ، وَمُعَذِّبٌ مَنْ قَتَلَكَ». وكذلك: «وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتّى يَأذَنَ اللهُ لَكُمْ». الطوسي، محمّد ابن الحسن، تهذيب الأحكام: ج6، ص52.

 

[82] التوبة: الآية 33. الصفّ: الآية 9.