العتبة الحسينيةمؤسسة وارث الأنبياء
مخطوطة العتبة الحسينيةمخطوطة وارث الأنبياء
الدوافع الشخصية لدى زائر الإمام الحسين(عليه السلام) الأنماط والآثار

الدوافع الشخصية لدى زائر الإمام الحسين(عليه السلام) الأنماط والآثار

الشيخ صباح عبّاس الساعدي -باحث إسلامي، مدير مؤسّسة الخلق العظيم/العتبة الحسينية المقدّسة

خلاصة المقال

مقدِّمة

حينما نقرأ الروايات التي خُصِّصت لبيان الآثار المترتِّبة على زيارة الإمام الحسين× ـ بداية من الآثار الدنيويّة والمادّية الكثيرة التي يحصل عليها زائر الإمام×، ومروراً بالآثار المعنويّة التي يلمسها في هذا العالم لمس اليد، ونهاية بالأجر والثواب الذي وعد الله زائر الإمام الحسين× ـ فإنّنا نلاحظ تفاوتاً كبيراً في مضامينها نوعاً وكماً؛ إذ يثبت بعضها مقداراً من الآثار الدنيوية والمعنوية فقط، فيما يثبت بعض آخر منها مقداراً أكثر بكثير من هذه الآثار، بالإضافة إلى الأجر والثواب والمقامات الأُخرويّة التي يحصل عليها الزائر، كما في الروايات القائلة: «... إنّ أدنى ما يكون له أنّ الله يحفظه في نفسه وأهله حتّى يردّه إلى أهله، فإذا كان يوم القيامة كان الله الحافظ له»[1]، ونظائرها من الروايات الكثيرة جدّاً[2]؛ والتي تثبت هذا الأجر لزوّار الإمام الحسين×، فإنّ هذا النمط من الآثار وإن كان كثيراً في حدّ ذاته إلّا أنّه يعدّ قليلاً بالقياس إلى ما في الروايات الأُخرى التي تثبت ما لا يحصى عدداً من الأجر والثواب ـ فضلاً عن الآثار التكوينية المادّية منها والمعنوية ـ للزائر الذي قصد الإمام الحسين× في المناسبة ذاتها وأتى بالأعمال نفسها، كما في قول الإمام الصادق×: «... ومَن زاره كان الله له من وراء حوائجه، وكُفي ما أهمّه من أمر دنياه، وإنّه ليجلب الرزق على العبد، ويخلف عليه ما أنفق، ويغفر له ذنوب خمسين سنة، ويرجع إلى أهله وما عليه وزر ولا خطيئة إلّا وقد مُحيت من صحيفته»[3]. أو قوله×: «... إنّ لزوّار الحسين بن علي÷ يوم القيامة فضلاً على الناس. قلت: وما فضلهم؟ قال: يدخلون الجنّة قبل الناس بأربعين عاماً وسائر الناس في الحساب والموقف»[4].

وغيرهما من النصوص الوافرة التي نُقلت في المصادر المهمّة لدى أئمّة الحديث، وبطرق وأسانيد متعدّدة ومعتبرة؛ حتّى يخيّل للقارئ أنّ هناك تضارباً واضحاً بين مداليل تلك الروايات؛ ما يعني أنّنا بحاجة إلى معرفة السرِّ في هذا الاختلاف، وما هي الأسباب التي دعت الأئمّة^ لذكر آثار مختلفة من شخص لآخر، وما هي الأُمور المؤثِّرة في ترتّب جميع الآثار أو بعضها على زيارة الإمام الحسين×.

وعليه؛ فلا بدّ لنا من القراءة المتأنية والتأمّل في المفردات التي تضمّنتها النصوص الروائية ومتون الزيارات المختصّة بالإمام الحسين×؛ لعلّنا نصل إلى معرفة سبب التفاوت في حصول الآثار الوافرة والمتعدّدة نتيجة زيارة الإمام الحسين× من قبل بعض، في مقابل حصول بعضٍ آخر على مقدار محدود منها لا يصل إلى مستوى الشخص الذي تحدّثنا عنه آنفاً، وبعد تتبّع النصوص الروائية وما يرتبط بالزيارات استطعنا أن نستخرج قائمة من المفردات التي يمكن أن تكون لها مدخلية في ترتّب الآثار على الأفعال المتشابهة في صورتها وهيئتها، كما وجدنا أنّ هذه المفردات يمكن أن يكون لها ارتباط وثيق بـ(النيّة)، أو ما يعبّر عنه بالقصد الذي يدفع بالإنسان إلى القيام بفعل ما.

ففي ضوء نصوص الروايات والزيارات الواردة عن الأئمّة^ في حقّ الإمام الحسين×، نجد بعض الكلمات والعبائر التي ترشدنا إلى دور النيّة والقصد في اختلاف الأجر بين مكلّف وآخر، مضافاً إلى وجود بعض الأنماط من الأفعال والشرائط والآداب التي لا شكّ في أنّها تلعب دوراً في زيادة الأجر والثواب لـمَن يأتي بها وفق التوصيات التي صدرت عن الأئمّة^.

وبما أنّ بحثنا سوف يقتصر في تسليط الضوء على المفردات التي لها ارتباط بنيّة الزائر للإمام الحسين× وأثرها في ترتّب الآثار المختلفة قلّةً وكثرةً؛ فقد اخترنا عنوان (الدوافع الشخصية لدى زائر الإمام الحسين×) لكي نعرف المراتب التي ذُكرت لهذه الدوافع والآثار المترتّبة عليها؛ وعلى ذلك فإنّ البحث سيوزّع ضمن النقاط التالية:

النقطة الأُولى: التحديد المفهومي لمفردة النيّة ـ أو الدافع ـ في ضوء اللغة والمصطلح الفقهي.

النقطة الثانية: محورية النيّة في العبادات.

 النقطة الثالثة: أنماط الدوافع الشخصية لزائر الإمام الحسين×.

النقطة الرابعة: الآثار المترتّبة على زيارات الإمام الحسين× في ضوء اختلاف الدوافع. الموضوع

من الملفت لأنظار الباحثين والمحقّقين أنّ الروايات المختصّة بزيارات الإمام الحسين× شغلت مساحة واسعة في بيانات المعصومين^؛ إذ يجد القارئ الكريم أنّ هناك كمّاً هائلاً من النصوص المحشِّدة والحاثّة للمؤمنين على التوافد المستمرّ لزيارة الإمام الحسين×، ونتيجة لوفرتها عدداً وأهمّيتها نوعاً فقد خصّصت لها مؤلفات مستقلّة عُنيت بتبويب رواياتها وتصنيف متون الزيارات العامّة والخاصّة منها، ومن خلال مراجعة تلك الروايات فقد وجدنا أنّها ـ في الوقت الذي توزّع بعضها لبيان الزيارات العامّة في مقابل الزيارات المختصّة بالمناسبات التي يُزار فيها الإمام الحسين× في أوقات معيّنة ـ خصّصت مقداراً كبيراً منها لبيان بعض السمات المهمّة في شخص الزائر، ودورها في ترتّب الآثار التي يمكن له أن يحصل عليها نتيجة توافره على تلك الخصائص الشخصية، وعلى العكس تماماً فيما لو فُقدت تلك الخصائص؛ فإنّه سوف يفتقد جملة من الآثار المهمّة. وقد كان في طليعة تلك الخصائص الواردة في الروايات هو ما يرتبط بالدوافع التي دعته إلى القيام بهذا العمل، أو ما يُعبّر عنه في المصطلح الديني بـ:(النيّة)؛ ولذا فإنّنا نعتقد ضرورة البحث في هذه المفردة وفق النقاط التالية:

النقطة الأُولى: التحديد المفهومي لمفردة النيّة في ضوء اللغة والمصطلح الفقهي

من خلال القراءة المتواصلة حول مفردة النيّة وجدنا أنّ هناك علاقة وثيقة بينها وبين القوى الأربع[5] التي توجد في كلّ إنسان، والمقصود من هذه القوى هي: القوّة العقلية، والقوّة الشهوية، والقوّة الغضبية، والقوّة الوهمية، كما ذُكر في كتب الأخلاق[6]؛ وتبعاً لتغلب إحدى القوى على نظيراتها تتولّد لدى الإنسان نية تجاه الأشياء التي يواجهها في حياته.

وحينما نرجع إلى المعاجم اللغوية نرى أنّها تُعرِّف النيّة بالعزم أو العزيمة[7]، والذي يعني بدوره: إرادة الفعل وعقد القلب عليه[8]، أي: إنّ الإنسان إذا التفت إلى شيء ما وقام بعملية مقارنة بين فعله وتركه، وبعد الموازنة والكسر والانكسار فإنّه لا بدّ أن يصل إلى إحدى النتائج التالية: إمّا أن يكون فعله بصالحه، أو بضرره، أو متساوي الطرفين. وفي ضوء ذلك تنعقد لديه الإرادة والقصد للفعل أو الترك، وقد سُمّيت هذه الحالة التي تتكوّن لدى الإنسان بـ: (النيّة). وهذا هو المعنى الذي حصلنا عليه في معاجم اللغة.

وقريب من هذا المعنى ما ذكره الفقهاء في التعريف الاصطلاحي للنية، إذ ذكر الشيخ الطوسي& أنّ: «النيّة: هي الإرادة التي تؤثِّر في وقوع الفعل على وجه دون وجه»[9]. كما ذكر بعض العلماء أنّ سبب التسمية هو مقارنتها للفعل وحلولها في القلب[10].

النقطة الثانية: محورية النيّة في العبادات

صنّفت بعض الآيات القرآنية الحالة التي تعتري قلب الإنسان ـ عند قيامه بفعل ما ـ في مصافِّ الأُمور المؤثِّرة في تحقّق الآثار والنتائج المترتّبة على أفعاله، ففي قوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ...)[11]، أو الآية الأُخرى في سورة المائدة المتّحدة في تمام مفرداتها مع الآية آنفة الذكر سوى ما تضمّنته في قول تعالى: (...وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ...)[12]، فقد ذكر علماؤنا أنّ المعنى المراد من هاتين الآيتين هو أنّ الله يحاسب الإنسان على أيمانه التي تصدر منه عن قصد وإرادة، في مقابل اللغو في الأيمان التي لا تكون مقصودة أو من دون نيّة حقيقية[13]، وكذا في قوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ...)[14]. وقد استفاد علماؤنا من قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[15] ـ وغيرها من الآيات التي جاءت في صدد الحديث عن عبادة الله ـ أنّ النيّة واجبة على كلّ مكلّف؛ لأنّ الإخلاص لا يحصل إلّا بالنيّة[16]. ومن مجموع هذه الآيات المباركة يلحظ القارئ أنّ الآثار التي ذكرت فيها مختلفة باختلاف النوايا والدوافع التي يحملها قلب الإنسان.

كما أنّ النصوص الروائية التي تحدّثت حول هذه المفردة أكّدت تأكيداً بالغاً على محوريّتها في الحكم على تصرّفات الإنسان وأفعاله، وأهمّيّتها في ترتّب الآثار التكوينية والغيبية التي تُكتب للإنسان، وخصوصاً إذا نظرنا إليها في الأفعال العبادية؛ حتّى اشتُهر بين المسلمين كافّة قول النبي الأكرم‘: «إنّما الأعمال بالنيّات، ولكلّ امرئ ما نوى»[17]، أو قوله‘: «نيّة المؤمن خير من عمله، ونيّة الفاجر شرّ من عمله، وكلُّ عامل يعمل بنيّته»[18]. وكذلك ما ورد عن علي بن الحسين÷: «لا عمل إلّا بنيّة»[19]. وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تحدّثت عن أهمّية النيّة ودورها في قبول العمل العبادي وعدمه، مضافاً إلى بعض الأفعال التوصّلية أيضاً، كالوضوء، والغسل، والتيمّم مثلاً، والتي يُعبِّر عنها الفقهاء بالطهارات الثلاث[20]. يتلخّص في ضوء ما تقدّم ـ في هذه النقطة وسابقتها ـ أنّ المعنى اللغوي والاصطلاحي متّحدان أوّلاً، وأنّ المحلّ الذي تستقرّ فيه النيّة هو القلب فقط من دون حاجة إلى التلفّظ بها أو الإفصاح عنها، وأنّ النصوص والروايات الواردة عن النبي‘ وأهل بيته^ أكّدت على مكانة النيّة في الأفعال العبادية، وأنّها تتصدّر كلّ شيء سواها، فلا يصحّ عمل عبادي من دونها.

 النقطة الثالثة: أنماط النوايا والدوافع لدى زائر الإمام الحسين×

في ضوء ما تقدّم آنفاً فقد عرفنا أهمّية النيّة ودورها في الأفعال التي تصنّف في جدول العبادات الدينية، مضافاً إلى بعض الأفعال غير العبادية أيضاً، وفيما لو أردنا البحث عن هذه المفردة وأهمّيّتها في روايات زيارات الإمام الحسين× بما يشمل النصوص الحاثّة على زيارة الإمام×، فلا بدّ من إحصاء النصوص المتضمّنة للمفردات التي تصلح أن تكون مندرجة تحت هذا العنوان أوّلاً، ومن ثمّ نبيِّن الآثار المترتّبة على كلّ مفردة؛ لنرى وجه الاختلاف الذي تحدّثنا عنه في مقدّمة بحثنا، وهل أنّ هذا الاختلاف متأثّر بهذا الجانب، أم أنّ هناك أسباباً أُخرى مؤثِّرة في تحقّق بعض الآثار دون بعض؟

ولكن قبل ذلك كلّه علينا أن نتناول مفردة من المفردات المهمّة والمؤثِّرة في تحقّق النيّة وتغيّرها من شخص لآخر، ألا وهي مفردة معرفة حقّ الإمام×؛ ولهذا السبب فإنّنا نعدّها من الحالات التي لها علاقة وثيقة ببحثنا، بل إنّها من الحالات الملازمة لتحقّق النيّة في الأعمّ الأغلب كما مرَّ ذكر كيفيّة ذلك في النقطة الأُولى؛ وعليه فإنّها تتصدّر الحالات التي نعرف في ضوئها سرَّ الاختلاف في الآثار المترتّبة على زيارة الإمام الحسين×؛ ولذا أُدرجت في رأس قائمة الحالات التي يكون عليها الزائر:

الحالة الأُولى: الزيارة عن معرفة

إنّ معظم النصوص الواردة في زيارة الإمام الحسين× تؤكّد على ضرورة توافر معرفة الزائر بحقّ الإمام×، فقلّما نقرأ رواية من الروايات الحاثّة على زيارة الإمام الحسين× ولا نجد فيها هذا القيد أو الشرط: (عارفاً بحقّه)، فقد روى الكليني بإسناده إلى أبي عبد الله الصادق× أنّه قال: «... أيّما مؤمن أتى قبر الحسين× عارفاً بحقّه ـ في غير يوم عيد ـ كتب الله له عشرين حجّة وعشرين عمرة مبرورات مقبولات، وعشرين حجّة وعمرة مع نبي مرسل أو إمام عدل...»[21]. حتّى إنّهم^ أمروا الزائر أن يقرأ هذه الكلمات ويخاطب الإمام الحسين× بها، فقد جاء في الزيارة التي خُصِّصت لزيارته× في كلّ يوم: «... أتيتك يا مولاي يابن رسول الله، زائراً عارفاً بحقكّ...»[22].

كما وردت زيارات أُخرى في حقّ أمير المؤمنين×[23]، والإمامين الكاظم والجواد÷ تتضمّن هذه الكلمات أيضاً[24]، فضلاً عن ورودها في بعض الزيارات العامّة التي يُزار بها جميع الأئمّة^[25].

وبكلّ تأكيد؛ فإنّ الباحث إذا تتبّع هذه المفردة في الروايات ونصوص الزيارات فسوف لا يشكّ في وفرتها، وأنّها شرط من الشروط المهمّة في ترتّب الآثار المهمّة على الزيارة؛ للسبب الذي ذكرناه آنفاً، ولأجل ذلك فإنّ من الضروري جدّاً تحديد المعنى المراد من معرفة حقّ الإمام×، وهل لها حدود عُليا أو دنيا، أم أنّها بمستوى واحد فقط؟ هذا ما سوف نتناوله في الأسطر التالية:

معنى معرفة حقّ الإمام×

إنّ البحث والسؤال عن معنى (معرفة حقّ الإمام×) التي وردت في روايات أهل البيت^ لم تكن وليدة الأمس، وإنّما هي متجذّرة ومتقادمة بقدم ورود المفردة في الروايات، ففي الوقت الذي سمعها أصحاب الأئمّة^ بادروا إلى الاستفسار عن معناها والمقصود منها، والذي يتّضح لنا من خلال النصوص المفسّرة لهذه العبائر أنّ هناك مستويين من المعرفة:

المستوى الأوّل: ما ورد عن الإمام الصادق× في جواب السائل حول معنى معرفة حقّ الإمام× بعد أن حدّثه الإمام الصادق× بقوله: «يُقتل حَفَدَتي بأرض خراسان في مدينة يُقال لها: طوس. مَن زاره إليها عارفاً بحقّه أخذته بيدي يوم القيامة فأدخلته الجنّة وإن كان من أهل الكبائر. قال: قلت: جُعلت فداك، ما عرفان حقّه؟ قال: يعلم أنّه إمام مفترض الطاعة شهيد، مَن زاره عارفاً بحقّه أعطاه الله تعالى أجر سبعين ألف شهيد ممّن استُشهد بين يدي رسول الله على حقيقة»[26].

كما تضمّنت بعض الروايات تصدّي الإمام الصادق× لشرح معنى معرفة حقّ الإمام× من دون سؤال، كما في الرواية القائلة: «مَن زار الحسين× عارفاً بحقّه، يأتمّ به، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر»[27].

فممّا تقدّم نستنتج أنّ الحدّ الأدنى من المعرفة هو أن يعلم بأنّ الإمام الذي قصده بالزيارة مفترض الطاعة وواجب الاتّباع، كما في التعبير المتقدّم، وقد ورد في رواية أُخرى عنه× أنّه أجاب سائلاً عن ثواب مَن زار الإمام الحسين× بقوله: «... الجنّة إن كان يأتمّ به...»[28].

وبالأُسلوب نفسه ورد عنه× عبارة مفسّرة لمعرفة حقّ الإمام×؛ وذلك حينما سُئل أيضاً عن الثواب الذي يحصل عليه زائر الإمام الحسين×، فقال: «... مَن زار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي÷ وهو يعلم أنّه إمام مفترض الطاعة على العباد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر...»[29].

ولا شكّ في أنّ المسوّغ في تحديد مستوى المعرفة هنا والقول بأنّه الحدّ الأدنى؛ إنّما جاء استناداً إلى ما ورد عن أمير المؤمنين× بقوله: «... أدنى ما يكون به العبد مؤمناً أن يُعرِّفه الله تبارك وتعالى نفسه فيقرّ له بالطاعة، ويُعرِّفه نبيه فيقرّ له بالطاعة، ويُعرِّفه إمامه وحجّته في أرضه وشاهده على خلقه فيقرّ له بالطاعة...»[30]. ونظائره من النصوص الكثيرة التي تبيِّن الحدّ الأدنى من المعرفة.

المستوى الثاني: وهي المعرفة التي تتجاوز المعنى المتقدّم في المستوى الأوّل؛ وذلك ما يكون قريباً من المعرفة التفصيلية بحقِّ الإمام×، وذلك بواسطة التتبّع للأدلّة العقلية والنقلية التي تُثبت مقام الإمام الحسين× ومنزلته عند الله وحقّه على الناس؛ فإنّ كلّ مَن كان طالباً للحقيقة إذا وقف على تلك الأدلّة وقرأها بتمعّن وتأمّل فسوف تتولّد لديه معرفة بحقِّ الإمام×؛ فتكون هذه المعرفة هي المرغّب والدافع إلى زيارة الإمام×، ومخاطبته× ـ عن معرفة وعقيدة راسخة، حينما يقف عند القبر الشريف ـ بتلك العبارات التي يقرأها في نصوص الزيارات، والتي من أهمّها:

1ـ وراثة الأنبياء والأئمّة والأولياء^، كما في قولنا: «السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله...»[31]، إلى آخر النصّ الوارد في الزيارة المسمّاة بزيارة وارث.

2ـ الشهادة للإمام الحسين× بتطبيق أحكام الله والالتزام بتعاليمه وأحكامه؛ إذ نقرأ في أغلب نصوص الزيارات الواردة في حقِّ الإمام× ـ بل النبي‘ وبقية الأئمّة^ كذلك[32] ـ العبارة التالية وما هو قريب منها، فنقول: «... أشهد أنّك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرتَ بالمعروف، ونهيتَ عن المنكر، وعبدتَ الله مخلصاً حتّى أتاك اليقين...»[33].

3ـ الإقرار بمقام الإمام الحسين× ومنزلته في العوالم الأُخرى السابقة على عالم الدنيا أيضاً، كما في النصّ التالي: «... أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة، لم تنجّسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك المدلهمّات من ثيابها...»[34].

4ـ الإقرار بأنّ الإمام× وسائر الأئمّة من وُلده قد نصّبهم الله وجعلهم حججاً على خلقه في الدنيا، كما في قولنا: «... وأشهد أنّ الأئمّة من ولدك كلمة التقوى، وأعلام الهدى، والعروة الوثقى، والحجّة على أهل الدنيا...»[35].

وغير ذلك من الصفات المتوفّرة في الإمام الحسين×، والتي تولّد اليقين في نفس الزائر وتدفع به إلى طيِّ المسافات الطويلة؛ قاصداً قبر أبي عبد الله الحسين×، وهذا المعنى هو الذي قصدناه من التلازم بين معرفة حقّ الإمام وبين انعقاد العزم والإرادة إلى زيارته.

الحالة الثانية: الزيارة عن حبّ

إنّ صفتَي الحبّ والبغض من الصفات القهرية التي تحصل لدى الإنسان، فليس من الممكن أن يتخلّى عن حبّه لشيء ما، ليضع مكانه بغضاً له من دون سبب، كما أنّ العكس كذلك، فمَن يبغض شيئاً ما، لا يتمكّن من التحوّل إلى حبّه والتعلّق به ما لم يتغيّر في نفسه بعض الأشياء التي سبّبت ذلك، وهذا هو الحال فيما يرتبط بموضوع بحثنا، وهو حبّ زيارة الإمام الحسين× ـ أو بغضها لا سمح الله ـ فلا بدّ أن يكون مَن أحبّ زيارته× قد تولّدت لديه أسباب جعلت منه محبّاً لها، ولا يمكن أن تزول تلك المحبّة إلّا مع زوال أسبابها، وقد ورد عن الإمام أبي جعفر الباقر× أنّه قال: «مَن أراد أن يعلم أنّه من أهل الجنّة فليعرض حبّنا على قلبه، فإن قبله فهو مؤمن، ومَن كان لنا محبّاً فليرغب في زيارة قبر الحسين×، فمَن كان للحسين× زَوّاراً عرفناه بالحبّ لنا أهل البيت، وكان من أهل الجنّة...»[36].

ومن تعبير الإمام× واستعماله لصيغة المبالغة: (زَوّاراً) نستفيد أنّ التعبير عن حبّ الزيارة إنّما يُترجم بكثرة الزيارة والتردّد على قبر الإمام الحسين×، فيتجلّى من خلالها حبّ أهل البيت^ في نفس الزائر، فكثرة التردّد على قبر أبي عبد الله الحسين× تكون علامة فارقة لمعرفة محبّ أهل البيت^ عن غيره.

كما أنّ بعض الروايات الأُخرى ونصوص الزيارات تفيد أنّ حبّ الإمام الحسين× وحبّ زيارته هو رزق من الله، إذ ورد عن الإمام الصادق× أنّه قال: «مَن أراد الله به الخير قذف في قلبه حبّ الحسين× وحبّ زيارته...»[37].

وفي سياق الحديث عن توفّر هذا الحبّ في قلب الإنسان؛ فإنّ هناك طرقاً وأسباباً يحصل بواسطتها هذا الحبّ، ومن أهمّها أن ندعو الله تعالى أن يرزقنا حبّ الحسين×، بل حبّ أهل البيت^ عامّة، كما يخاطب الزائر ربّه في الفقرة التالية من زيارة أمير المؤمنين× بقوله: «... وتُحبِّب إليّ مشاهدهم حتّى تلحقني بهم...»[38]. وكذلك في زيارة الإمام الحسين×: «... اللّهمّ حبِّب إليّ مشاهدهم وشهادتهم...»[39]. ما يعني أنّ حبّ زيارتهم وزيارة مشاهدهم من الدرجات الرفيعة التي تأخذ بيد الزائر إلى مقامات عالية، بحيث يُعرف من خلالها بحبِّه لهم× وتعلّقه بهم، وتجعله وجيهاً بهم في الدنيا والآخرة.

والروايات التي تحدّثت عن هذه الحالة وإن لم تشر إلى المراتب المختلفة شدّةً وضعفاً، إلّا أنّ هذا التفاوت ممّا لا نشكّ في وجوده؛ لأنّ الحبّ لدى الزائرين يختلف من شخص لآخر؛ تبعاً لمعرفته بحقِّ الإمام× والتي تقدّم أنّها على مراتب، وبطبيعة الحال فإنّ مَن يحصل لديه المستوى الأعلى من معرفة حقّ الإمام× ـ وتوفّرت لديه أسباب طلب الحقّ وأهله ـ فإنّ تعلّقه وحبّه له سوف يكون أشدّ ممّن لديه المستوى الأدنى منها، وهذا ما يبدو واضحاً من خلال السلوكيّات التي تترجم هذه المحبّة والتي لا حاجة إلى البرهنة عليها.

الحالة الثالثة: الزيارة عن شوق

 ترشدنا النصوص الدينية ـ الواردة في صدد الحثّ على زيارة الإمام الحسين× ـ
أنّ هناك حالة تحصل لدى الزائر تحرّكه تجاه قبر الإمام الحسين×، وهي ما يعبّر عنه في الروايات بـ(الشوق)، تلك الحالة التي يعجز الإنسان عن تفسيرها وشرحها للآخرين، فيقف مخاطباً الإمام× بقوله: «... أنا يا مولاي عبد الله وزائرك؛ جئتك مشتاقاً»
[40]، أي: إنّ الذي دعاني إلى زيارتك والوقوف عند قبرك هو الشوق الذي تملَّك وجودي، فما كان منِّي إلّا الوقوف في حضرتك والمثول بين يديك... بل يخاطب الشهداء من أهل بيت الحسين× وأصحابه بقوله: «... أتيتكم مشتاقاً...»[41].

فحالة الشوق التي تحمل الإنسان إلى القيام بسلوك معيّن إنّما تحصل نتيجة أسباب تولِّد لديه حبّاً مؤكّداً فيتبعه شوق لا يدركه الوصف، وليس لكلِّ أحد من الناس أن يدّعي توافره على هذه الحالة ما لم يترجمها في الخارج بفعل يدلّ عليها؛ ولهذا جعلت الروايات الواردة عن المعصومين^ منزلة خاصّة لـمَن يأتي إلى زيارة الإمام الحسين× شوقاً، كما في الرواية الواردة عن أبي عبد الله الصادق× ـ والتي تبيّن فضل الزيارة عن شوق ـ إذ قال: «مَن أتى قبر الحسين× تشوّقاً إليه كتبه الله من الآمنين يوم القيامة، وأُعطي كتابه بيمينه، وكان تحت لواء الحسين× حتّى يدخل الجنّة، فيسكنه في درجته، إنّ الله عزيز حكيم»[42]. إلى غير ذلك من النصوص التي خُصِّصت للتحدّث عن الزيارة عن شوق، والتي تعبِّر عن العلاقة الوثيقة بين الزائر وبين إمامه الحسين×.

كما يمكننا إدراج الرواية التالية ضمن هذه المجموعة من الروايات، فقد روي أنّ بعضهم سأل أبا عبد الله× بقوله: «إنّي أنزل الأرجان وقلبي ينازعني إلى قبر أبيك، فإذا خرجت فقلبي وجلٌ مشفق حتّى أرجع خوفاً من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح. فقال: يابن بكير، أما تحبّ أن يراك الله فينا خائف[43]؟ أما تعلم أنّه مَن خاف لخوفنا أظلّه الله في ظلّ عرشه، وكان محدّثه الحسين× تحت العرش، وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزع، فإن فزع وقّرته الملائكة وسكّنت قلبه بالبشارة؟»[44].

وما تقدّم في اختلاف المراتب في الحالة السابقة يأتي بعينه في هذه الحالة؛ لأنّ من الزائرين مَن تتوق نفسه وتتشوّق إلى زيارة الإمام الحسين× وإن كان رجع من زيارته× للتوِّ، ومنهم مَن لا يشتاق إلى زيارته× إلّا بعد وقت من الزمن على زيارته السابقة.

كما يبدو أنّ هناك ارتباطاً وثيقاً وتراتباً لزومياً بين معرفة حقِّ الإمام× وبين تولّد المحبّة، وكذلك حصول الشوق إلى زيارته، فحينما تكون هناك معرفة بحقيقة شخصٍ ما، ومعرفة بحقِّه ومقامه؛ فلا شكّ في أنّ هذا الشيء سوف يحبّبه إلى قلبه، وقلب المحبّ لا يتحمّل الابتعاد عن محبوبه، بل دائماً ما يتمنّى القرب منه واللقاء به، فيحصل الشوق المؤكّد الذي يدفع بالمحبّ إلى اللقاء بمحبوبه مهما كلّف الأمر، وهذا ما يستفاد من الرواية الواردة عن الإمام أبي جعفر الباقر×؛ حيث قال: «لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين× من الفضل لماتوا شوقاً وتقطّعت أنفسهم عليه حسرات...»[45]. فإنّ الفضل الذي يتحدّث عنه الإمام الباقر× إنّما يترشّح عن معرفة فضل الإمام المزور ومقامه السامي، ثمّ إنّ الإمام× ذكر في نهاية هذه الرواية ما للشخص ـ الذي يزور الإمام الحسين× شوقاً ـ من الآثار التي تدلّ على عظمة هذه الحال التي يكون عليها الإنسان، وسوف يأتي الحديث عنها في النقطة الرابعة من هذا البحث إن شاء الله تعالى.

الحالة الرابعة: زيارة المحتسب

تطلق مفردة الاحتساب في اللغة ويُراد منها الطلب، وهي تعني طلب الأجر، فيُقال: «... احتسبت بكذا أجراً عند الله. والاسم الحِسبة بالكسر، وهي الأجر، والجمع الحسب...»[46].

وفي المعنى ذاته استعملت هذه المفردة أيضاً في المجاميع الفقهية والروائية؛ فيُقال: «... احتساباً للأجر»[47]، أو طلباً لمرضاة الله، كما ذكر المجلسي& في شرح الحديث الوارد في فضل التلبية والأجر المترتب عليها، فقال: «... احتساباً. أي: طلباً لمرضاته تعالى»[48].

وقد استُعملت هذه المفردة واشتقاقاتها بشكل لافت في النصوص الدينية، انطلاقاً من الروايات، ونهاية بفتاوى العلماء، وفي شتّى الأبواب الفقهية، ومن بين الأبواب التي تضمّنت هذه المفردة هي زيارات الإمام الحسين×؛ إذ وظّفها الأئمّة^ في الروايات الحاثّة على زيارة الإمام×، مؤكِّدين على ضرورة أخذها بعين الاعتبار من قبل الزائر؛ فقد روي عن الإمام أبي عبد الله الصادق× أنّه قال: «مَن زار الحسين محتسباً، لا أشراً ولا بطراً، ولا سمعة، مُحِّصت عنه ذنوبه كما يُمضض الثوب في الماء، فلا يبقى عليه دنس، ويُكتب له بكلِّ خطوة حجّة...»[49].

وقد فهم بعض أئمّة الحديث أنّ معنى المحتسب الوارد في روايات الزيارة هو أن يكون قاصداً بزيارته وجه الله والقرب منه؛ فأدرجوا في باب (مَن زاره محتسباً) الرواية الواردة عن أبي عبد الله× في جوابه لأهل خراسان: «... مَن زاره يريد به وجه الله أخرجه الله من ذنوبه كمولود ولدته أُمّه...»[50]. وهذا المعنى يكون من صميم البحث والحديث عن النيّة، إلّا أنّها النيّة الخالصة لله، والتي لم يخالطها أي قصد أو دافع آخر من الدوافع الدنيوية.

ومن الواضح جدّاً أنّ هذه الحالة متفرّعة على معرفة حقِّ الإمام الحسين×؛ فإنّ الزائر إذا عرف حقّ الإمام× ومقامه السامي، وقربه إلى الله، فلا شكّ في أنّه يقصد وجه الله والقرب إليه في زيارة الإمام×. كما أنّه من الواضح أيضاً عدم اختلاف الأمر في هذه الحالة عن سابقاتها في وجود درجات ومراتب أدنى وأعلى؛ لأنّ المعاني التي ذُكرت للاحتساب لها درجات متفاوتة، فمن الزائرين مَن يطلب أجراً معيّناً وفقاً لما يحمله من فكر وعقيدة، وأنّ طلب مرضاة الله مختلف من شخص لآخر، كما أنّ درجات الإخلاص متفاوتة أيضاً.

هذه بعض الدوافع الشخصية لزائر الإمام الحسين× التي لها دور كبير في ترتّب الآثار المهمّة والكثيرة، والتي يمكن من خلالها معالجة التنافي المتصوّر بين النصوص الحاثّة على زيارة الإمام×، وقد تركنا بعض المفردات الأُخرى التي تصلح أن تكون ضمن الدوافع الشخصية، كالزيارة عن الخوف التي لا تصدر من الشخص إلّا عن حبٍّ وشوق لزيارة الإمام الحسين×؛ وفقاً لبعض النصوص الواردة في هذا المجال، والتي تقول: إنّ ابن بكير سأل الإمام الصادق×، قائلاً: «إنّي أنزل الأرجان وقلبي ينازعني إلى قبر أبيك، فإذا خرجت فقلبي وجلٌ مشفق حتّى أرجع خوفاً من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح. فقال: يابن بكير، أما تحبّ أن يراك الله فينا خائف[51]؟ أما تعلم أنّه مَن خاف لخوفنا أظلّه الله في ظلّ عرشه، وكان محدِّثه الحسين× تحت العرش، وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزع، فإن فزع وقّرته الملائكة وسكّنت قلبه بالبشارة»[52].

والسبب في عدم ذكر هذه الحالة هو إيماننا بأنّ هذه الحالة لا بدّ وأن يُفرد لها بحث خاصّ عن جوانبها المتشعّبة والكثيرة، مضافاً إلى أنّها من الحالات التي تعدّ مثاراً للشبهة والجدل من قِبل المغرضين؛ لمعارضتها لنصوص التقية التي أسقطت بعض التكاليف الواجبة فيما لو حُفّت بالمخاطر، فضلاً عن حاكميّتها على المستحبّات منها؛ ولهذه الأسباب فإنّنا نوكل الحديث عنها إلى بحث مستقلّ يلبّي متطلّبات الموضوع ويبرزه بصورة أوضح للقارئ الكريم.

النقطة الرابعة: الآثار المترتّبة على زيارات الإمام الحسين×في ضوء اختلاف الدوافع

في ضوء ما تقدّم من الاختلاف في الحالات التي تعتري الزائر والمراتب المتفاوتة بين الحالة الواحدة من الحالات التي يكون عليها الإنسان، فمن الطبيعي جدّاً أن نجد اختلافاً وتفاوتاً في الآثار المترتّبة على زيارة الإمام الحسين×، كما في معرفة حقِّ الإمام×، والحبّ الذي يحمله الزائر تجاه إمامه، والشوق الذي يتفرّع عليهما كذلك؛ ولذا يمكننا تقسيم آثار الزيارة إلى حدّ أدنى وأعلى أيضاً ـ ويكون بين الحدّين مراتب متعدّدة ـ ونحن في هذه النقطة من البحث سوف نذكر عيِّنة من تلك المراتب لكلِّ حالة من الحالات المتقدّمة:

أوّلاً: الآثار المترتّبة على زيارة الإمام الحسين×عن معرفة

من أوضح الموارد المتضمّنة لدرجات مختلفة بين أفرادها هي الحالة الأُولى التي تضمّنت قول الأئمّة×: «عارفاً بحقِّه»؛ إذ وردت مجموعة من الأسئلة الاستفهامية حولها، وقد أجاب الأئمّة^ بدورهم عن المعنى والمراتب التي تحقّق هذه المعرفة، وفي الوقت ذاته أشارت تلك الروايات إلى الآثار المختلفة والمراتب المتعدّدة لها في ضوء اختلاف المعرفة، وبما أنّنا أسلفنا في النقاط السابقة أنّ المعرفة بحقِّ الإمام× تولّد لدى الإنسان دوافع متعدّدة لزيارة الإمام الحسين× كالحبّ والشوق أو إرادة وجه الله؛ فإنّ بالإمكان أن نعدّ الآثار المختلفة والمتفاوتة لزيارة الإمام الحسين× عن معرفة آثاراً لجميع الحالات التي ذكرت في النقطة السابقة، وإليك عزيزي القارئ ما ذكرته الروايات في هذا الشأن:

الحدّ الأدنى

وردت نصوص كثيرة عن الأئمّة^ تبشّر زائر الإمام الحسين× بأنّ الله يغفر له ما تقدّم من ذنوبه وما تأخّر، فقد روي عن الإمام الصادق× أنّه قال: «يا هارون، مَن أتى قبر الحسين× زائراً له، عارفاً بحقِّه، يريد به وجه الله والدار الآخرة، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر»[53]. ومع أنّنا عبّرنا عن هذا الأثر المترتّب على زيارة الإمام الحسين× بالحدّ الأدنى من الآثار، إلّا أنّه في الحقيقة من أسمى الأهداف التي يطمح لها كلّ مَن لديه اعتقاد بالله، ويتمنّى أن يحصل عليها؛ لأنّ فيها ينجو من العقاب الإلهي، ولكنّ تعبيرنا هذا إنّما جاء استناداً إلى النصوص التي بيّنت أنّ هذه المرتبة من الثواب هي أدنى المراتب والدرجات التي يحصل عليها الزائر، كما في قول الإمام موسى بن جعفر÷: «أدنى ما يُثاب به زائر الحسين× بشطّ الفرات إذا عرف حقّه وحرمته وولايته أن يُغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر»[54].

الحدّ الأعلى

 هناك آثار متعدّدة ذُكرت بشكل مجموعي لزائر الإمام× عن معرفة بحقِّه، وهذه الآثار هي:

1ـ يُكتب من حجّاج بيت الله، وفي بعض النصوص أنّه يُكتب له حاجّاً مع رسول الله‘؛ فإنّ هناك مجموعة من الروايات التي ذكرت هذا الأثر لزيارة الإمام الحسين× إذا كان الزائر عارفاً بحقِّه× وإن تفاوتت في مقدارها تبعاً لتفاوت المعرفة التفصيليّة بحقِّه×، فقد روي عن أبي عبد الله الصادق× أنّه قال: «مَن أتى قبر الحسين× عارفاً بحقِّه كان كمَن حجّ ثلاث حجج مع رسول الله»[55].

وعن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله×، قال: «قلت له: ما لـمَن أتى قبر الحسين× زائراً عارفاً بحقِّه غير مستكبرٍ ولا مستنكف؟ قال: يُكتب له ألف حجّة وألف عمرة مبرورة، وإن كان شقيّاً كُتب سعيداً، ولم يزل يخوض في رحمة الله»[56].

وعن أبي عبد الله× أنّه قال: «... يا بشير، إنّ الرجل منكم ليغتسل على شاطئ الفرات، ثمّ يأتي قبر الحسين× عارفاً بحقِّه، فيعطيه الله بكلِّ قدم يرفعها أو يضعها مائة حجّة مقبولة، ومعها مائة عمرة مبرورة، ومائة غزوة مع نبي مرسل إلى أعداء الله وأعداء الرسول...»[57].

2ـ يكون من محدِّثي الله، فعن محمّد بن أبي جرير القمّي قال: سمعت أبا الحسن الرضا× يقول لأبي: «مَن زار الحسين بن علي÷ عارفاً بحقّه كان من محدِّثي الله فوق عرشه، ثمّ قرأ: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)[58]»[59].

ويمكن أن يُستدلّ على تحقّق هذا الأثر بالرواية الواردة عن أبي عبد الله×: «... مَن زار قبر الحسين× عارفاً بحقّه كان كمَن زار الله في عرشه»[60]. فإنّ زيارة الله في عرشه ـ التي جاءت في تشبيه الإمام الصادق× في الأعمّ الأغلب ـ تستتبع الحديث والكلام من قبل الزائر والمزور، بل إنّ هذا الأثر يمكن أن يكون من النتائج الواضحة والمتحصّلة من زيارة الإمام الحسين× نفسها ومن دون تشبيه؛ إذ إنّ الزائر حينما يقصد الإمام الحسين× ويزوره ـ سواء بواسطة النصوص المخصّصة لزيارته×، أو بالكلام الذي اعتاده المؤمنون في المراقد الطاهرة ـ يبدأ بمخاطبة الله بالثناء والحمد والتبجيل والتجليل، ويستمرّ هكذا إلى أن ينهي أعماله العبادية المخصوصة للزيارة، ومن المؤكّد والواضح جدّاً أنّ الله تعالى إذا علم من عبده صدق النيّة وخلوصها فسوف يقرِّبه إليه ويحدِّثه.

3ـ يعطيه الله ثواب عتق ألف رقبة، كما عن الإمام الصادق× أنّه قال: «مَن أتى قبر الحسين× عارفاً بحقِّه كتب الله له أجر مَن أعتق ألف نسمة...»[61].

4ـ من الآثار المهمّة التي يحصل عليها الزائر عن معرفة بحقِّ الإمام× أنّه يكون مجاهداً في سبيل الله، كما ذكر في عدّة نصوص تقدّم ذكرها: «... كمَن حمل على ألف فرس في سبيل الله مسرجة ملجمة»[62]، بل إنّ بعض الروايات قد جعلت هذا الجهاد مع رسل الله وأنبيائه، كما في الرواية التي نقلناها في الأثر الأوّل.

ومن مجموع ما تقدّم نتوصّل إلى أنّ الآثار المترتّبة على زيارة الإمام الحسين× عن معرفة بحقِّ الإمام×، مختلفة باختلاف المعرفة ودرجاتها؛ فإنّ من العارفين بحقِّه× مَن تقتصر معرفته على أنّه مفترض الطاعة فيحصل على مقدار معيّن من الآثار، ومنهم مَن يكون على درجة عالية من المعرفة بحقِّه× فيحصل على آثار كثيرة تفوق تصوّر البشر.

ثانياً: الآثار المترتّبة على زيارة الإمام الحسين× عن حبّ

من الأُمور التي تساعدنا على فهم سبب التفاوت في الآثار المترتّبة على زيارة الإمام الحسين× هو ما ورد في صدد الحديث عن زيارته حبّاً له× وحبّاً لزيارته؛ فإنّ النصوص التي تضمّنت مفردة الحبّ بيّنت أنّ مَن يزور الإمام الحسين× حبّاً له ولمشهده فإنّه يكون من أهل الجنّة ويُلحق بالأئمّة^، كما في قوله×: «... ومَن كان لنا محبّاً فليرغب في زيارة قبر الحسين×، فمَن كان للحسين× زَوّاراً عرفناه بالحبّ لنا أهل البيت، وكان من أهل الجنّة...»[63].

وكذلك حينما يخاطب ربّه قائلاً: «... وتُحبِّب إليّ مشاهدهم حتّى تلحقني بهم...»[64]، فإنّه يطلب منه أن يلحقه بالأئمّة الطاهرين، وهذه الدرجة الرفيعة تفوق كلّ الدرجات الأُخرى التي يحصل عليها الإنسان.

ويستفاد من الرواية الواردة عن الإمام الصادق× والقائلة: «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين زوّار الحسين؟ فيقوم عنق من الناس، فيُقال لهم: ما أردتم في زيارة الحسين×؟ فيقولون: أتيناه حبّاً لرسول الله، وحبّاً لعليّ وفاطمة، ورحمةً له ممّا ارتُكب منه. فيُقال لهم: هذا محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، فالحقوا بهم، فأنتم معهم في درجتهم»[65]، أنّ الزائر الذي قصد الإمام الحسين× حبّاً لرسول الله‘ وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء÷ إنّما يكون الحبّ مترشّحاً للإمام نفسه، أو أنّ الزيارة عن حبٍّ تارة تكون حبّاً لرسول الله‘ وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء÷، وأُخرى تكون حبّاً للإمام نفسه، وعلى كلِّ تقدير فإنّ من ثمار الزيارة عن حبٍّ أن يكون الزائر مع المعصومين^ وفي درجتهم يوم القيامة.

والآثار المترتّبة على الزيارة عن حبٍّ هي:

1ـ يعرفه المعصومون^ بحبّه يوم القيامة.

2ـ يكون من أهل الجنّة.

3ـ يُلحقه الله بالنبي‘ وأهل بيته^ ويكون معهم وفي درجتهم.

كما يمكننا القول: إنّ الآثار المترتّبة على الزيارة عن شوق مترتّبة كذلك على الزيارة عن حبٍّ؛ لأنّ الحبّ يولِّد الشوق في نفس الإنسان لزيارة الإمام الحسين×، كما سيتّضح ذلك في الرواية الواردة في الزيارة عن شوق؛ إذ إنّ الإمام الصادق× قرن بين الزيارة شوقاً وبين حبِّ الزائر لرسول الله‘ وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء÷.

ثالثاً: الآثار المترتّبة على زيارة الإمام الحسين×عن شوق

من الآثار المهمّة المترتّبة على زيارة الإمام الحسين× ـ التي ذكرتها النصوص الدينية ـ هو ما ورد فيمَن زار الإمام× شوقاً، فقد روى أبو بصير قال: سمعت أبا عبد الله× أو أبا جعفر× يقول: «مَن أحبّ أن يكون مسكنه الجنّة ومأواه الجنّة فلا يدع زيارة المظلوم. قلت: مَن هو؟ قال: الحسين بن عليٍّ صاحب كربلا، مَن أتاه شوقاً إليه وحبّاً لرسول الله وحبّاً لفاطمة وحبّاً لأمير المؤمنين×، أقعده الله على موائد الجنّة يأكل معهم والناس في الحساب»[66].

وفي رواية أُخرى ـ بعد أن حثّ الإمام الصادق× أصحابه على زيارة الإمام الحسين× ـ سأله أحدهم قائلاً: «... وما فيه؟ قال: مَن أتاه تشوّقاً كتب الله له ألف حجّة متقبّلة، وألف عمرة مبرورة، وأجر ألف شهيد من شهداء بدر، وأجر ألف صائم، وثواب ألف صدقة مقبولة، وثواب ألف نسمة أُريد بها وجه الله، ولم يزل محفوظاً سنته من كلّ آفة أهونها الشيطان، ووكُّل به ملك كريم يحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوق رأسه ومن تحت قدمه. فإن مات سنته حضرته ملائكة الرحمة، يحضرون غسله وأكفانه والاستغفار له، ويشيِّعونه إلى قبره بالاستغفار له، ويُفسح له في قبره مدّ بصره، ويؤمنه الله من ضغطة القبر ومن منكر ونكير أن يروّعانه، ويُفتح له باب إلى الجنّة، ويُعطى كتابه بيمينه، ويُعطى له يوم القيامة نوراً يضيء لنوره ما بين المشرق والمغرب، وينادي منادٍ: هذا من زوّار الحسين شوقاً إليه. فلا يبقى أحد يوم القيامة إلّا تمنّى يومئذٍ أنّه كان من زوّار الحسين×»[67].

وفي رواية ثالثة عن الإمام الصادق× أنّه قال: «مَن أتى قبر الحسين× تشوّقاً إليه كتبه الله من الآمنين يوم القيامة، وأُعطي كتابه بيمينه، وكان تحت لواء الحسين× حتّى يدخل الجنّة، فيسكنه في درجته، إنّ الله عزيز حكيم»[68]. فإنّ هذا النصّ ونظائره يفيد أنّ الآثار المترتّبة على زيارة الإمام الحسين× شوقاً هي:

1ـ يحفظه الله في سنته التي زار فيها من كلِّ آفة، أهونها الشيطان.

2ـ يوكِّل الله به ملكاً كريماً يحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوق رأسه ومن تحت قدمه.

3ـ إذا مات في سنته التي زار فيها، حضرته ملائكة الرحمة، يحضرون غسله وأكفانه والاستغفار له، ويشيّعونه إلى قبره بالاستغفار له.

4ـ إذا مات في سنته التي زار فيها، يُفسح له في قبره مدّ بصره.

5ـ إذا مات في سنته التي زار فيها، يؤمنه الله من ضغطة القبر ومن منكر ونكير أن يروّعانه.

6ـ إذا مات في سنته التي زار فيها، يُفتح له باب إلى الجنّة.

7ـ إذا مات في سنته التي زار فيها، يُعطى كتابه بيمينه.

8ـ إذا مات في سنته التي زار فيها، يُعطى له يوم القيامة نوراً يضيء لنوره ما بين المشرق والمغرب.

9ـ إذا مات في سنته التي زار فيها، ينادي منادٍ ليعرّف به بين الناس: هذا من زوّار الحسين شوقاً إليه.

10ـ يأكل مع النبي‘ وأهل بيته^ على موائد الجنّة.

11ـ يقعده الله مع النبي| وأهل بيته^ والناس في الحساب.

12ـ يكتب الله له ألف حجّة متقبّلة، وألف عمرة مبرورة.

13ـ يعطيه الله أجر ألف شهيد من شهداء بدر.

14ـ يعطيه الله أجر ألف صائم.

15ـ يعطيه الله ثواب ألف صدقة مقبولة.

16ـ يعطيه الله ثواب ألف نسمة أُريد بها وجه الله.

17ـ يكتبه الله من الآمنين يوم القيامة.

18ـ يكون تحت لواء الحسين× حتّى يدخل الجنّة.

هذه مجموعة من الآثار المترتّبة على زيارة الإمام الحسين× عن شوق، ولعلّها تتّحد مع بعض الآثار التي ذُكرت للزيارة عن معرفة بحقِّ الإمام وعن حبٍّ له؛ لما ذكرنا من اتّحاد هذه الحالات فيما بينها أو ترتّب بعضها على بعض.

رابعاً: الآثار المترتّبة على زيارة الإمام الحسين× احتساباً

بناءً على ما تقدّم في الحالة الرابعة التي تحدّثت عن الدافع الشخصي لزائر الإمام الحسين× ـ وهو الاحتساب ـ فقد اتّضح أنّ الله يحبّ أن يقصد الزائر طلب الأجر أو طلب القرب إليه؛ ولذلك رتَّب على ذلك بعض الآثار المهمّة وإن كان بعضٌ منها قد تقدّم في الحالات السابقة أيضاً، فقد ورد عن أبي عبد الله الصادق× أنّه قال: «مَن زار الحسين محتسباً، لا أشراً ولا بطراً ولا سمعة، مُحِّصت عنه ذنوبه كما يُمضض الثوب في الماء، فلا يبقى عليه دنس، ويُكتب له بكلِّ خطوة حجّة...»[69].

وروي عن الإمام زين العابدين× أنّه قال: «مَن زاره يريد به وجه الله أخرجه الله من ذنوبه كمولود ولدته أُمّه، وشيّعته الملائكة في مسيره، فرفرفت على رأسه قد صفّوا بأجنحتهم عليه حتّى يرجع إلى أهله، وسألت الملائكة المغفرة له من ربِّه، وغشيته الرحمة من أعنان السماء، ونادته الملائكة: طبت وطاب مَن زرت، وحُفظ في أهله»[70].

وفي رواية عن الإمام الصادق× أنّه قال: «مَن زار قبر الحسين× لله وفي الله، أعتقه الله من النار، وآمنه يوم الفزع الأكبر»[71].

وحينما بقي الإمام الصادق× ساعات طويلة ينتظر وافداً لزيارة الإمام الحسين× ـ وقد كان من أهل اليمن ـ كما في الحادثة المفصّلة، وبعد أن نزل في ضيافة الإمام× سأله الإمام قائلاً: «... فيم جئت هاهنا؟ قال: جئت زائراً للحسين×. فقال أبو عبد الله×: فجئت من غير حاجة ليس إلّا للزيارة؟ قال: جئت من غير حاجة إلّا أن أُصلّي عنده وأزوره، فأُسلِّم عليه، وأرجع إلى أهلي. فقال أبو عبد الله×: وما ترون في زيارته؟ قال: نرى في زيارته البركة في أنفسنا وأهالينا وأولادنا وأموالنا ومعايشنا وقضاء حوائجنا. قال: فقال أبو عبد الله×: أفلا أزيدك من فضله فضلاً يا أخا اليمن؟ قال: زدني يابن رسول الله. قال: إنّ زيارة الحسين× تعدل حجّة مقبولة زاكية مع رسول الله. فتعجّب من ذلك! فقال: إي والله، وحجّتين مبرورتين متقبّلتين زاكيتين مع رسول الله. فتعجّب! فلم يزل أبو عبد الله× يزيد حتّى قال: ثلاثين حجّة مبرورة متقبّلة زاكية مع رسول الله»[72].

وفي ضوء هذه الروايات المتحدِّثة عن زيارة الإمام الحسين× احتساباً، نخرج بالآثار التالية:

1ـ إنّ الزائر المحتسب تُمحّص عنه ذنوبه كما يُمضض الثوب في الماء، فلا يبقى عليه دنس.

2ـ يُكتب له بكلِّ خطوة حجّة.

3ـ إنّ زيارته تعدل ثلاثين حجّة مبرورة متقبّلة زاكية مع رسول الله‘.

4ـ تشيّعه الملائكة في مسيره، وترفرف على رأسه، وتصفّ أجنحتها عليه حتّى يرجع إلى أهله.

5ـ تستغفر له الملائكة.

6ـ تغشيه الرحمة من أعنان السماء.

7ـ تناديه الملائكة: طبتَ وطاب مَن زرت.

8ـ يُحفظ في أهله.

نتائج البحث

ومن خلال ما تقدّم في النقاط آنفة الذكر تتّضح لنا الأُمور التالية:

أوّلاً: إنّ للدوافع الشخصية لدى زائر الإمام الحسين× دوراً كبيراً في ترتّب الآثار الدنيوية والأُخروية؛ فتبعاً للنيّة التي يحملها زائر الإمام الحسين× يهبه الله آثاراً مهمّة، وفقاً للنصوص التي رتّبت الأثر الكبير على نيّة المؤمن.

ثانياً: إنّ الاختلاف الذي يلحظه القارئ في نوع الآثار أو مقدارها إنّما جاء تبعاً لاختلاف الدوافع والبواعث التي دعت الزائر إلى أن يتوجّه إلى سيِّد شباب أهل الجنّة×، فلا يوجد تنافٍ بين مضامين النصوص الدينية كما يصورها بعضٌ.

ثالثاً: إنّ بين كلّ دافع من الدوافع التي يحملها زائر الإمام الحسين× مراتب مختلفة، ففي معرفة حقِّ الإمام× هناك حدٌّ أدنى وحدٌّ أعلى، كما أنّ الحبّ الذي يتفرّع على المعرفة كذلك، وهكذا في بقية البواعث والدوافع الأُخرى، وبين الحدّين مراتب ودرجات مختلفة.

رابعاً: يلحظ القارئ الكريم أنّ الآثار التي ذكرت في النصوص تختلف أيضاً باختلاف المراتب في كلِّ دافع من الدوافع المتقدِّمة، فالآثار المترتّبة على الحدّ الأدنى أقلّ منها في آثار الحدّ الأعلى، وكذلك يقع التفاوت في المراتب بين الحدّين.

خامساً: إنّ أقلّ مرتبة من المراتب التي تضمّنتها النصوص التي ذكرت الآثار المترتّبة على زيارة الإمام الحسين×، والتي عبّرت عنها في الروايات بـ(أدنى ما يُثاب به)، يعدّ في حدِّ ذاته من الآثار الكبيرة والمهمّة التي يطمح الإنسان إلى تحصيلها.

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

         إقبال الأعمال، علي بن موسى ابن طاووس، منشورات: مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1414هـ.

         الأمالي، محمّد بن علي الصدوق، منشورات: مؤسّسة البعثة، طهران ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

         البيان، محمّد بن مكّي العاملي (الشهيد الأوّل)، منشورات: محقّق، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1412هـ.

         تذكرة الفقهاء، الحسن بن يوسف (العلّامة الحلّي)،  منشورات: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.

         تهذيب الأحكام، محمّد بن الحسن الطوسي، منشورات: دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1364 ش.

         جامع السعادات، محمّد مهدي النراقي، منشورات: دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف ـ العراق.

         الخلاف، محمّد بن الحسن الطوسي، منشورات: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدّسة، 1407هـ.

         دعائم الإسلام، النعمان بن محمّد (القاضي المغربي)، منشورات: دار المعارف، القاهرة ـ مصر، 1963م.

         الرسائل التسع، جعفر بن الحسن (المحقّق الحلّي)، منشورات: مكتبة آية الله العظمى المرعشي بقم المقدّسة، الطبعة الأُولى، 1413هـ.

10ـ   روضة المتّقين في شرح مَن لا يحضره الفقيه، محمّد تقي المجلسي، منشورات: بنياد فرهنك إسلامي حاج محمّد حسين كوشانپور.

11ـ   الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية)، إسماعيل بن حمّاد الجوهري، منشورات: دار العِلْم للملايين، بيروت ـ لبنان، الطبعة الرابعة، 1407ه.

12ـ   عيون أخبار الرضا×، محمّد بن علي الصدوق،، منشورات: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، 1404هـ.

13ـ   غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي، منشورات: مؤسّسة الإمام الصادق×، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

14ـ   تفسير القرآن المجيد، محمّد بن محمّد المفيد، منشورات: مؤسّسة بوستان كتاب قم (مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي)، الطبعة الأُولى، 1424هـ.

15ـ   قرب الإسناد، عبد الله بن جعفر الحميري، منشورات: مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث في قم المقدّسة، الطبعة الأُولى، 1413 هـ.

16ـ   الكافي، محمّد بن يعقوب الكليني، منشورات: دار الكتب الإسلامية، الطبعة الخامسة، طهران ـ إيران.

17ـ   كامل الزيارات، جعفر بن محمّد بن قولويه، منشورات: مؤسّسة نشر الفقاهة، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

18ـ   لسان العرب، محمّد بن مكرم (ابن منظور)، منشورات: أدب الحوزة، قم المقدّسة ـ إيران، 1405ه.

19ـ   المحاسن، أحمد بن محمّد البرقي، منشورات: دار الكتب الإسلامية، طهران ـ إيران، 1370هـ.

20ـ   المزار، محمّد بن جعفر المشهدي، منشورات: نشر القيّوم، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1419هـ.

21ـ   المزار، محمّد بن مكّي العاملي (الشهيد الأوّل)، منشورات: مؤسّسة الإمام المهدي×، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1410هـ.

22ـ   مسائل علي بن جعفر، علي بن جعفر، منشورات: المؤتمر العالمي للإمام الرضا×، مشهد المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1409هـ.

23ـ   مصباح المتهجّد، محمّد بن الحسن الطوسي، منشورات: مؤسّسة فقه الشيعة،
بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1411هـ.

24ـ   المقنعة، محمّد بن محمّد المفيد، منشورات: مؤسّسة النشـر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، الطبعة الثانية، 1410هـ.

25ـ   مَن لا يحضره الفقيه، محمّد بن علي الصدوق، منشورات: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، الطبعة الثانية، 1440هـ.

26ـ   المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف، الفضل بن الحسن الطبرسي، منشورات: مجمع البحوث الإسلامية، مشهد المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1410هـ.

27ـ   وسائل الشيعة، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، منشورات: مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الثانية، 1414هـ.



[1] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص255.      

 

[2] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام: ج6، ص42.

 

[3] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص554. الطوسي، محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام: ج6، ص45.

 

[4][4] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص262.

 

[5] يختصّ الإنسان من بين المخلوقات كافّة باحتوائه على القوى الأربع، ومن حيث انطلاق المسيرة الإنسانية لكلِّ فرد من أفراد البشر؛ فإنّه لا يختلف أحد منهم عن أبناء نوعه في شدّة إحدى القوى وضعف أُخرى، بل يُخلق مع الإنسان جميع القوى المتقدِّمة على حدّ سواء، غاية ما في الأمر يبدأ التفاوت بين القوى أثناء المسيرة التي يخوضها نتيجة ظروف وشرائط يكون ذكرها خارجاً عن مجال بحثنا. اُنظر: النراقي، محمّد مهدي، جامع السعادات: ج1، ص54.

 

[6] اُنظر: المصدر السابق: ص51.

 

[7] اُنظر: الجوهري، إسماعيل بن حمّاد، الصحاح: ج6، ص2149. وأيضاً: ابن منظور، محمّد بن مكرم، لسان العرب: ج15، ص348.

 

[8] اُنظر: ابن منظور، محمّد بن مكرم، لسان العرب: ج12، ص399.

 

[9] الطوسي، محمّد بن الحسن، الخلاف: ج1، ص308. واُنظر: الطبرسي، الفضل بن الحسن، المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف: ج1، ص101.

 

[10] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، الخلاف: ج1، ص308. وأيضاً: الطبرسي، الفضل بن الحسن، المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف: ج1، ص101.

 

[11] البقرة: آية225.

 

[12] المائدة: آية89.

 

[13] اُنظر: المفيد، محمّد بن محمّد، المقنعة: ص555. وأيضاً: المفيد، محمّد بن محمّد، تفسير القرآن المجيد: ص187. وأيضاً: الطوسي، محمّد بن الحسن، الخلاف: ج6، ص124. وأيضاً: الحلبي، ابن زهرة، غنية النزوع: ص391. وغيرها من المصادر الفقهية والتفسيرية.

 

[14] الأحزاب: آية5.

 

[15] البيّنة: آية5.

 

[16] اُنظر: ابن زهرة الحلبي، حمزة بن علي، غنية النزوع: ص52. وأيضاً: المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن، الرسائل التسع: ص71. وأيضاً: الحلّي، الحسن بن يوسف، تذكرة الفقهاء: ج1، ص141.

 

[17] علي بن جعفر، مسائل علي بن جعفر: ص346. واُنظر: القاضي المغربي، النعمان بن محمّد، دعائم الإسلام: ج1، ص4.

 

[18] البرقي، أحمد بن محمّد، المحاسن: ج1، ص260.

 

[19] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص84.

 

[20] اُنظر: ابن زهرة الحلبي، حمزة بن علي، غنية النزوع: ص52. وأيضاً: الحلّي، الحسن بن يوسف، تذكرة الفقهاء: ج1، ص141.

 

[21] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص580.           

 

[22] المشهدي، محمّد بن جعفر، المزار: ص517.

 

[23] اُنظر: الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص571.

 

[24] اُنظر: ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص502.

 

[25] اُنظر: المصدر السابق: ص527.

 

[26] الصدوق، محمّد بن علي، مَن لا يحضره الفقيه: ج2، ص584. الأمالي: ص180. عيون أخبار الرضا: ج2، ص290.

 

[27] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص175.

 

[28] المصدر السابق: ص239.

 

[29] الصدوق، محمّد بن علي، الأمالي: ص684.

 

[30] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص414.

 

[31] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص376.

 

[32] اُنظر: الحميري، عبد الله بن جعفر، قرب الإسناد: ص382. وأيضاً: الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص550، وص569، وص578. وأيضاً: ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص54. وأيضاً: الصدوق، محمّد بن علي، عيون أخبار الرضا×: ج2، ص302.

 

[33] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص376.

 

[34] الطوسي، محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام: ج6، ص114.

 

[35] المصدر السابق. العاملي (الشهيد الأوّل)، محمّد بن مكي، المزار: ص123.

 

[36] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص356.

 

[37] المصدر السابق: ص269.

 

[38] الطوسي، محمّد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص724.

 

[39] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص359.

 

[40] ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج3، ص102. واُنظر: العاملي (الشهيد الأوّل)، محمّد بن مكّي، المزار: ص163.

 

[41] الطوسي، محمّد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص724.

 

[42] المصدر السابق.

 

[43] كذا في المصدر المتوفّر لدى الباحث، وفي المصادر الأُخرى ـ كما في الوسائل ـ جاءت هكذا: (خائفاً) وهو الصحيح. اُنظر: الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج14، ص457.

 

[44] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص243.

 

[45] المصدر السابق: ص270.

 

[46] الجوهري، إسماعيل بن حمّاد، الصحاح: ج1، ص110.

 

[47] العاملي (الشهيد الأوّل)، محمّد بن مكّي، البيان: ص68.

 

[48] المجلسي، محمّد تقي، روضة المتّقين في شرح مَن لا يحضره الفقيه: ج4، ص46.

 

[49] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص273.

 

[50] المصدر السابق: ص275.

 

[51] كذا في المصدر المتوفّر لدى الباحث، وفي المصادر الأُخرى ـ كما في الوسائل ـ جاءت هكذا: (خائفاً) وهو الصحيح. اُنظر: الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج14، ص457.

 

[52] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص243.

 

[53] المصدر السابق: ص273.

 

[54] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص582.

 

[55] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص267.

 

[56] المصدر السابق: ص274.

 

[57] المصدر السابق: ص320.

 

[58] القمر: آية54ـ55.

 

[59] ابن قولويه، جفعر بن محمّد، كامل الزيارات: ص268.

 

[60] المصدر السابق: ص282.

 

[61] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص581.

 

[62] المصدر السابق.

 

[63] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص356.

 

[64] المصدر السابق: ص100، وص359. الطوسي، محمّد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص743.

 

[65] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص268.

 

[66] المصدر السابق: ص260.

 

[67] المصدر السابق: ص271.

 

[68] المصدر السابق: ص270.

 

[69] المصدر السابق: ص273.

 

[70] المصدر السابق: ص275.

 

[71] المصدر السابق: ص276.

 

[72] المصدر السابق: ص332.