العتبة الحسينيةمؤسسة وارث الأنبياء
مخطوطة العتبة الحسينيةمخطوطة وارث الأنبياء
نقد القراءة الميثولوجية للشعائر الحسينية  شعيرة الزيارة نموذجاً

نقد القراءة الميثولوجية للشعائر الحسينية شعيرة الزيارة نموذجاً

الشيخ ثناء الدين الدهلكي - باحث إسلامي، من العراق

خلاصة المقال

مقدّمة

من المعلوم أنّ الحديث عن عاشوراء وتمظهراتها المتعدّدة ما زال جارياً في أعماق الدراسات الإنسانية وفي حقول معرفية متنوّعة، فعلاوة على كون عاشوراء الحسين قيمةً إنسانيةً ومعياراً شاخصاً، فإنّها قد دخلت في صميم القضايا الدينية؛ حيث برزت تمظهراتها في المقولات الشرعية، فانبرت لنا إثر ذلك ما يُعرف في الكتب الفقهية (بالشعائر الحسينية)، وقد تجلّى ذلك أكثر ما تجلّى في فضاء الفقه الإمامي الاثني عشري.

هذا؛ وقد اختلفت مقاربات الباحثين وقراءتهم للنهضة الحسينية وشعائرها باختلاف طبقات التفكير التي تتبلور ضمن عناصر منهجية متعدّدة؛ فإنّ الانتماءات الدينية، والقناعات الفكرية، وآلية استنطاق النصوص الدينية... كلّها تدخل في رسم خارطة التفكير ومنهجية البحث، وما يترتّب عليهما من نتائج ومعطيات معرفية.

ومن هنا؛ فإنّ القراءة أو المقاربة الموضوعية تحكِّم على الباحث أن يسلك طريق التجريد عن جميع العناصر الغريبة التي تلوّث فضاء البحث العلمي، وأن يستوعب جميع مقوّمات البحث التاريخي ـ وكذلك الروائي ـ ليتسنّى له استنطاق النصّ الحسيني بشكل منهجي خالٍ من الانعكاس الذاتي والتطرّف المعرفي، فقد تخضع المقاربة لمؤامرة التأويل المحدّد مسبقاً، والخاضع للهوية الإيديولوجية التي يتمتّع بها فاعل المقاربة، أو تكون أسيرة عدم القدرة الكافية لفاعلها على استنطاق نصوص النهضة؛ بسبب غياب ـ أو فقدان ـ بعض قواعد التفسير اللازم تحقّقها لديه للكشف عن الظاهرة الحسينية وما يلحق بها من مظاهر معرفية ودينية واجتماعية.

وعلى أيّة حال؛ فقد نشأت في خضم (اختلاف طبقات التفكير) قراءاتٌ متعدّدة لعاشوراء، يحمل بعضها طابعاً ميثولوجياً لا ينسجم تماماً مع التصوير الذي يرسمه الفكر المدرسي الشيعي عن الإمام الحسين× ونهضته المباركة، وإذا ما وجد خلافُ ذلك فإنّ هذا لا يعدو كونه رأياً نادراً لا يُنتج ـ بحدّ ذاته ـ صورةً منقسمةً أو خلافاً واضحاً بين علماء الإمامية.

وبشكل عامّ؛ يمكننا القول بأنّ القراءة الميثولوجية للشعائر الحسينية يمكن أن نلمس لها حضوراً بشكل كبير في رؤية استشراقية[1]، تلك الرؤية التي انبثقت من خارج الفضاء الإسلامي، والتي تسعى إلى تفسير الشعائر الحسينية على أنّها صور رمزية تحاكي التقاليد الأُسطورية التي تكوّنت في ضوئها المعالم الثقافية والاجتماعية لدى الحضارات الإنسانية القديمة.

ولعلّ الفهم الحاصل لدى بعض الدارسين المسلمين فيما يتّصل بالنهضة الحسينية وشعائرها، يمكن أن يمثّل مظهراً من مظاهر التأثّر المعرفي بالعقل الاستشراقي أيضاً.

ولا يخفى أنّ المقاربة الفدائية للنهضة الحسينية كان لها الأثر الفاعل أيضاً في بروز التصوير الميثولوجي للشعائر الحسينية، حيث تمّ تصوير الشعائر الحسينية على أنّها طقوسٌ للألم من أجل الخلاص، فهناك ارتباط وثيق بين الفداء والألم، فالمذنبون لا يتأتّى لهم أن يكونوا جزءاً من معادلة الفداء ما لم يتألمّوا على الفادي المخلِّص، فإذا ما تحقّق ذلك الألم؛ يتحقّق بموجبه الاتّحاد بينهم وبين الفادي، الأمر الذي يمكن من خلاله استخلاص جميع هذه النفوس والأخذ بها إلى الخلاص الأبدي.

ومن خلال هذا التصوير يظهر وجه الترابط بين نظرية الفداء وإقامة الشعائر الحسينية التي أُخذت على نحو الشرط في تحقّق الخلاص. وعليه؛ يمكن القول بأنّ المقاربة الميثولوجية تستبطن مسألتين أساسيتين:

الأُولى: تتّصل بحقيقة النهضة الحسينية وفلسفتها؛ إذ إنّ فلسفتها تكمن في تحقيق مسألة الفداء بمفهومها المسيحي[2].

الثانية: تتّصل بحقيقة الشعائر الحسينية وفلسفتها؛ إذ إنّ فلسفتها تكمن في تحقيق الألم الخلاصي، أو ما يسمّى لديهم بطقوس (جلد الذات) أو (التعذيب الاختياري)!

وعليه؛ فإنّ هذا البحث يقوم على إجراء تقويم للمقاربة الميثولوجية ونقدها؛ للكشف عن الدلالة العامّة التي تنضوي تحتها جميع الشعائر الحسينية، وما ترمز له من معانٍ وتجلّيات؛ فإنّ كلّ شعيرة في هذه المراسم بإمكانها أن تشكّل عنصراً من عناصر خلق الدلالة التي تتحدّث عنها النصوص الدينية المعتبرة، وفي مقدّمتها (شعيرة الزيارة).

ومن هنا تظهر أهمّية البحث في هذا الموضوع في بُعده المعرفي؛ حيث يمكن من خلاله رسم معالم التفكير الشيعي تجاه عاشوراء ومراسمها الاجتماعية والدينية.

أوّلاً: ماذا تعني (القراءة الميثولوجية)؟

الميثولوجيا (mythologie) مصطلح يوناني يتشكّل من مقطعين: (ميتوس) ويعني ما يتنافى والعقل، و(لوغوس) ويعني العقل؛ لينتج بذلك مصطلح مركّب يحمل مزيجاً من المتناقضات العقلية واللاعقلية، وقد نُقل هذا المصطلح إلى اللغة العربية من خلال ترجمته تحت لفظ (علم الأساطير)؛ فالميثولوجيا ـ بشكل عام ـ تُعنى بدارسة الأساطير وتفسيرها، وفي كلّ ميثولوجيا توجد قصّة حول خلق الكون، وخلق الإنسان، وولادة الآلهة وأدوارهم.

هذا؛ وقد اهتمّت الميثولوجيا الحديثة بتعريف الأُسطورة، ودراسة بواعث نشوئها، وتفسيرها، ودراسة وظائفها النفسية والفكرية والاجتماعية[3].

وقد ارتبطت الميثولوجيا ارتباطاً وثيقاً بالدين؛ بمعنى أنّ الميثولوجيا كثيراً ما تحكي عن أُصول تناولتها التعاليم الدينية، من قبيل: نشأة الكون، والغيب، والإله. والاختلاف بين الدين والميثولوجيا يكمن في أنّ الدين (السماوي) عالج هذه الأُصول برؤية وحيانيّة، بينما نظرت الميثولوجيا إلى هذه الأُصول من منطلق بشري وخيالي محض، فعلى سبيل المثال: يعتقد (ديتيان) أنّ الأديان هي موئل التطلّعات الأسمى، بينما الميثولوجيا هي صدام مع العقل، وإثارة لاستهجان البُعد الأخلاقي، فهناك مجابهة طويلة الأمد في بلاد الإغريق ما بين المثولوجيا والفكر العقلاني[4].

وعلى هذا الأساس؛ فإنّ القراءة الميثولوجية ـ في هذه الدراسة ـ تعني تفسير النهضة الحسينية، وما أعقبها من شعائر وطقوس، على أساس أُسطوري بعيداً عن العقلانية وما رسمته التعاليم الدينية السماوية.

فالقراءة الميثولوجية لعاشوراء مقاربة أُريد منها استنساخ التجربة المسيحية ـ مع
فارق يسير ـ ولصقها بالفكر الشيعي بصورة وأُخرى؛ ليتحصّل من ذلك قراءة تشبه إلى حدٍّ كبير ما نظّر له بولس الطرسوسي في القرن الأوّل الميلادي، من أنّ خلاص الإنسان لا يتمّ إلّا بعمل الله الخلاصي المتمثّل بكفّارة المسيح
(Atonement فهي عملية مصالحة وتقارب حدثت بين الله والبشر، منها استعاد الإنسان علاقته مع الله بعد أن سقط ـ هذا الإنسان ـ في وحل الخطيئة التي قطعت علاقته قديماً مع الله[5].

وعليه؛ فإنّ ذهاب الحسين× نحو الشهادة بكامل اختياره ما هو إلّا عملية فداء قام بها من أجل التكفير عن ذنوب شيعته وخلاصهم من العذاب الأُخروي، شريطة أن يعيش ذلك الإنسان ألماً يتمثّل بإقامة مظاهر الحزن والأسى التي تعبّر عن مدى تأثّر ذلك الإنسان وارتباطه واتّحاده مع الإمام الفادي، «فتكون الوظيفة الأُسطورية للعزاء الحسيني هي استدعاء المعتقد القديم واستخدامه للخروج بنفس النتيجة، والتعامل مع قضية الإله الشهيد الذي يعود كلّ عام ثمّ يزول ثانية»[6].

وحقيقة الأمر أنّ عقيدة الفداء ـ قبل أن تأخذ طريقها إلى التعاليم المسيحية ـ كانت
حكاية ميثولوجية وثنية قديمة
[7]، والتصوّر القائم عن عقيدة الفداء ـ أو الكفّارة ـ من أنّها عقيدة منبعثة من رحم النصوص الدينية المسيحية، ما هو إلّا تصور خاطئ؛ فإنّ متابعة النصوص المعنية بتاريخ الأديان يرشدنا إلى أنّ الفداء كانت له جذور تمتدّ في أعماق الوثنية[8]، والعادات اليونانية والإغريقية والفارسية[9]، وغيرها من الأقوام السابقة.

ثانياً: حيّز القراءة الميثولوجية في الدراسات الاستشراقية

اهتمّ المستشرقون ـ من خلال دراساتهم عن التشيّع ـ بترجمة وتحقيق بعض المصادر المرتبطة بعاشوراء، وقد برز هذا الاهتمام في نهاية القرن التاسع الميلادي وبداية القرن العشرين، حيث تشكّلت الدراسات الغربية عن عاشوراء في قالب كتابات كلاسيكية وعلمية وتحليلية، ففي النصف الثاني من القرن التاسع عشر كان لهذه الأبحاث خصيصتان: الأُولى أنّها كانت بين مطاوي الكتب ولم تكن على شكل مؤلّفات مستقلّة، والأُخرى أنّها كانت مستندة على المصادر التاريخية المدوّنة من خلال الاستعانة بالمنهج التاريخي.

ثمّ حدث تدريجياً ـ من النصف الثاني من القرن العشرين ـ تحولٌ في الدراسات الغربية عن عاشوراء، فقد تمّ عرض كتب ومقالات مستقلّة في هذا المجال، وكذلك كان هناك تنوّع موضوعي ومنهجي، ولم يكتفِ الباحثون بالمنهج التاريخي والتوصيفي فحسب، وإنّما تطرّقوا إلى الحوادث التاريخية مع شيء من التعليل من منظور علم الاجتماع وعلوم السياسة، وكذلك في مجال الآداب والتقاليد الاجتماعية كالتعزية؛ حيث خاضوا بتحليل هذه الآداب والتقاليد من الناحية النفسية والاجتماعية، حتّى أنّهم تطرّقوا إلى التعارض بين المذاهب الإسلامية في هذا المجال[10].

وفيما يتّصل بالشعائر الحسينية نرى أنّ هناك تصوّرات متعدّدة سيقت لبيان فلسفة إحياء ذكرى عاشوراء؛ ممّا يُنبئ بأنّ القراءة الميثولوجية لعاشوراء عند المستشرقين لا تعكس الفكر الاستشراقي على نحو الإطلاق، الأمر الذي يُساعدنا في عملية النقد والتحليل، ويمكن إجمال هذه التصوّرات ـ بشكل عام ـ فيما يلي:

1ـ التصوير الثوري ـ السياسي

هناك من المستشرقين مَن أعطى صورةً تبتعد نوعاً ما عمّا رسمته القراءة الميثولوجية عن عاشوراء، فقد برّزت بعض القراءات مفاهيم إيجابية متعددة يمكن من خلالها تحديد فلسفة إقامة الشعائر الحسينية في ضوء هذه المقاربة، ومن جملتها (مفهوم التضحية)، حيث يُعدّ هذا المفهوم بحدّ ذاته دافعاً نحو إقامة الشعائر الحسينية، بمعنى أنّ التضحية في سبيل المبادئ صورةٌ نُقشت معالمها في ذاكرة الفرد الشيعي لتُمسي دافعاً نحو إقامة الشعائر الحسينية بنكهة سياسية ثورية كامنة.

فعلى سبيل المثال: تستنتج المستشرقة (لورا فاشيا فاغليري) (1893ـ 1989م) أبعاداً سياسية إصلاحية قد انضوت عليها تلك النهضة، مؤكّدةً أنّ الحسين رجل قادته عقيدته ـ بتأسيس نظام حكم يلبّي متطلّبات الإسلام الحقيقي ـ إلى اتّخاذ هذا الموقف بالرغم من أنّه قرّر بصلابة لا تلين أن يصنع نهايته بيده (البطل المضحّي)، كما هو الحال مع كلّ نهايات الأبطال الدينيين الملتزمين[11]، فإنّ الشيعة تجلّ الحسين؛ لتضحيته في سبيل المبادئ، وتعتبره ملهم الأحرار ومَعلماً للبطولة والفداء؛ ولذا كانت له هذه المنزلة الشامخة في نفوس الناس، وأنّ أحاديث الشيعة في هذا المجال واضحة وشفافة حينما يقولون: إنّ الحسين قد ضحّى بنفسه وماله لإحياء دين جدّه[12].

وقد بيّن المستشرق (تورستن هايلين) الوجهة السياسية لإحياء المراسم، مركّزاً على عيّنة من المجتمع الباكستاني، حيث يؤكّد أنّ من أظهر علامات الحضور الشيعي ـ علاوة على الممارسات الشعائرية التي لاحظها بنفسه ـ هو الوجه السياسي للقيم المستوحاة من هذه المأساة التي لا يخفيها هؤلاء الشيعة. ويؤكّد أنّ مُثُل الشيعة تبدو أكثر وضوحاً في تفاصيل أُخرى صغيرة، حيث ينقل مشاهدته ـ أكثر من مرّة ـ لافتات صغيرة معلّقة في المحالّ والعيادات الطبّية مكتوباً عليها باللغة الإنجليزية: (عش حياتك كعليّ، ومُت كالحسين). وغيرها من العلامات الدالّة على الأبعاد الثورية والسياسية والتربوية في إحياء ذكرى عاشوراء[13].

2ـ التصوير التراجيدي ـ التفاعلي

يبيّن هذا التصوير أنّ الأحداث التي وقعت في كربلاء يمكن تشبيهها على أنّها تراجيديا  (Tragedy) أو مأساة، تنطوي على شخص عظيم قد مرّ بظروف صعبة، تتكوّن في سياقها مظاهر حزينة ومؤلمة ونهاية مؤسفة، كلّ ذلك ضمن عملية معقّدة تُـثير التفاعل العاطفي والوجداني مع تلك الشخصية العظيمة، ذلك التفاعل الذي تتجلّى مظاهره في مراسم إحياء هذه الأحداث المؤلمة من قبل الشيعة والموالين، كلّ ذلك محاكاةً لما تحمّلته الأُسرة المقدّسة من مشاقّ وآلام قلّ نظيرها على مسرح الأحداث التي عصفت بالبشرية على مرّ العصور.

ومن هذا المنطلق نقرأ ما ذكره المستشرق (تورستن هايلين) عن فلسفة إحياء مراسم عاشوراء بقوله: «ففي الأيّام الأُولى لشهر محرّم من كلّ عام تُحيا ذكرى هذه المأساة من خلال طقوس وشعائر تغصّ بها المدن والقرى... وكلّ هذه الطقوس هي محاولة للتعبير عن أسفهم على مقتل الحسين وولائهم لآل بيت النبيّ»[14].

وقد أبان المستشرق (سيتون لويد‏) (1902ـ 1996م) دوافع إقامة مراسم الحزن على الحسين× بمقاربة مفادها: إنّ الفضاعة التي اقتُرفت في معركة كربلاء، والفزع الذي أصاب المسلمين بقتله، يكوّنان أُسس (المسرحية الأليمة) التي تُثير الطوائف الشيعية في العالم الإسلامي كلّه إلى حدّ الحنق الديني في عشرة عاشوراء من كلّ سنة[15].

ومنه يظهر أنّ التفسير التراجيدي للشعائر الحسينية يمكن أن يُنتج قراءة أُخرى، يبرز فيها جانب من التفاعل العاطفي والأخلاقي تجاه شخصية دينية واجتماعية عظيمة مورس بحقّها الظلم والعدوان.

3ـ التصوير الميلودرامي ـ الانفعالي

هناك قراءة غريبة ابتدعها بعض المسشرقين عند تفسيرهم لحركة الإمام الحسين×، لا تقلّ خطورة عن المقاربة الميثولوجية لعاشوراء، فقد عرض المستشرق الألماني (يوليوس ولهوزن) (1844ـ 1918م) مقاربة في سياق حديثه عن مفهوم الولاء عند الشيعة عند إرادة تحليل روايته لمقتل الإمام الحسين×، مركِّزاً في كلامه على صفة الانفعال من لدن فاعل الثورة عند مواجهته لعبيد الله بن زياد، تلك الثورة التي لم تُحقّق مآربها ـ على حدّ زعمه ـ لأنّها اصطدمت بجدار من حديد، فلم تكن إلّا «قطعة مسرحية انفعالية (ميلودراما)»[16]!

لقد مال (ولهوزن) في قراءته للنهضة إلى السلطة كثيراً، وخصوصاً والي الكوفة عبيد الله بن زياد[17]، فقد حدّد موقفه في دراسته التاريخية من منطلق القوّة والغلبة المادّية، مع تجريد فاعل النهضة× عن الرؤية الواقعية للقيادة، مدّعياً أنّه كان مسيَّراً بقوّة الخيال التي كان يحملها عند مواجهته السلطة، والتي لم يستطع بواسطتها أن يحقّق شيئاً من أحلامه، تاركاً للآخرين أن يعملوا من أجله كلّ شيء[18].

وقد ذكر في سياق حديثه عن هذه المقاربة أنّ الذي يهوِّن الخطب ويسدل الستار على نهضته أنّه كان من عائلة النبي، وأنّ دم النبي يجري في عروقه، كلّ ذلك يعوّض عن الحدث ويزيد في قداسته، «وهذا ما أعطى لشخصه أهمّيّته، ولتاريخه طابع التاريخ الإسلامي الانفعالي. فلقد افتتح استشهاده عصراً جديداً لدى الشيعة، بل نُظر إلى هذا الاستشهاد على أنّه أهمّ من استشهاد أبيه؛ لأنّ أباه لم يكن ابن بنت النبي. وأنّ ثمّة من الأحداث ما يسبّب آثاراً هائلة، لا بذاته وبنتائجه الضرورية، بل بذكراه في قلوب الناس»[19].

ومن هنا يتجلّى لنا موقف (ولهوزن) من الولاء الشيعي بأنّه قائم على القداسة التي يتحلّى بها الحسين×؛ باعتباره ابن بنت النبي| فحسب!

والحقّ، إنّ افتقار هذا التصوير إلى المطالعة التاريخية الدقيقة، ودراسة الظروف الاجتماعية المحيطة بالحدث في زمن النهضة، وتحليل شخصية فاعل النهضة×... أدّى ببعض المستشرقين أن يقف بالضدّ من هذه المقاربة الغريبة[20].

فالنهضة الحسينية لا بدّ أن تُـفسَّر ضمن سياقها التاريخي، والظروف الثقافية والسياسية والدينية التي سبقت النهضة ورافقتها حتّى شهادة الحسين× معيّنة؛ فلكي نقف بدراية على عوامل نشوء النهضة وفلسفتها؛ لا تصحّ قراءة النهضة بمعزل عن تلك الأحداث التاريخية والتفاعلات الاجتماعية والتحوّلات الدينية. وبهذه نطالع ما كتبه الباحث في الأديان محمود أيّوب (1935ـ2021م): «إنّ أيّ قراءة دقيقة لأيّ مصدر شيعي أو سنّي قادر على أن يقنع الجميع في أنّ الدافع الرئيس للحسين لم يكن حبّ السلطة، الثروة، أو أيّ مادّة، أو أيّ طموح سياسي، إلّا أنّه كان يدعم ـ وبشكل لا يقبل الشكّ ـ وجود مجتمع إسلامي نموذجي مثالي، وحياة سياسية انتهكها معاوية، والأكثر من هذا الاستيلاءُ عليها بطريقة غير شرعية على يد يزيد بن معاوية»[21].

4 ـ التصوير الفدائي ـ الخلاصي

كما ذُكر سابقاً أنّ التصوير الفدائي ـ بمفهومه اللاهوتي ـ مقاربة اعتاد عليها بعض المستشرقين في تبرير النهضة الحسينية وما أعقبها من تمظهرات إحيائية، وقد ذكرنا أنّ هذه المقاربة تشبه إلى حدّ كبير ما تمّ تنظيره في علم اللاهوت المسيحي من كون دم المسيح وآلامه يعدّ كفّارة لذنوب البشر.

وممّا يدلل على انعكاس نظرية الفداء على دراسات بعض المستشرقين عن عاشوراء ومراسم إحيائها، هو بروز جملة من المفاهيم المتّصلة بهذه النظرية في سياق حديث المستشرقين ـ ومَن حذا حذوهم ـ عن النهضة الحسينية وشعائرها، فعلى سبيل المثال: كتب المستشرق (ستانلي لين بول) (1854ـ 1931م) في كتابه (دراسات في مسجد) ما ترجمته: «وقصّة شهادة الحسين مليئة بما يدلّ على اختيار الحسين التضحية بجسده في سبيل ذنوب المسلمين، والحسين نفسه يعلم منذ طفولته ما قُدّر له، فهو يقول: (إنّ كلّ المخلوقات العاقلة من الإنس والجنّ في العالم الحاضر والمستقبل غارقون في الذنوب، وليس لهم إلّا الحسين ليخلّصهم)... وهكذا كان هو ومَن معه يذكرون طيلة سفرهم وفي ساحة المعركة هذه التضحية المكفّرة عن ذنوب قومه، ويموت في سبيل هذه الفكرة امتثالاً لإرادة الله، وسيقوم يوم الحشر مستعدّاً للشفاعة التي اشتراها بدمه.

فقصّة شهادة الحسين المجرّدة من التزويق والتنميق، بدون إدخال هذا العنصر المهمّ من التضحية التي تُبرز شخصية الحسين بهيئة كمالية، قد لا تجد لها هذا العطف الشديد من الشيعة. فإذا مُثّل الحسين برجل ضحّى بنفسه لخلاص النّاس وتحمّل العذاب والمصائب حبّاً في الجنس البشري؛ فإنّ المأساة تستدعي اهتماماً جديداً وتكتسب نفوذاً أوسع... فترى فيها [قصّة الفداء] وجهة مسيحية للإسلام»[22].

وتعليقاً على ذلك؛ فإنّه قد برز أمامنا معنيان لمصطلح (التضحية)، معنى تمّ تداوله في التصوير الثوري لعاشوراء، حيث تعدّ التضحية من أجل القيم والمبادئ العليا من المفاهيم السامية التي نظّر لها الإسلام، وارتسمت معالمها التشريعية في الفقه الإسلامي في حقل سمِّي بحقل الجهاد، وهذا المعنى يختلف تمام الاختلاف عن التضحية بمعنى الفداء المزعوم الذي يُعدّ أصلاً من أُصول العقيدة المسيحية، وشتّان بين هذين المعنيين.

ثالثاً: مستندات القراءة الميثولوجية (عرض ونقد)

من أجل أن نعطي للبحث حقّه من التحليل والمناقشة نعرض فيما يلي مستندات القراءة الميثولوجية ونقدها:

المستند الأوّل: النصوص الروائية

استندت المقاربة الميثولوجية إلى بعض النصوص الروائية التي نُقلت في المصادر الحديثية عند الشيعة الإمامية، والتي سيقت لبيان منزلة أئمّة أهل البيت^ وبأنّ الهداية لا تكون إلّا بهم[23]، وكذلك في بيان فضل إحياء ذكرى سيّد الشهداء×، وما ورد أيضاً في أدعية الزيارات التي يقرأها الشيعة عند مشهد كلّ إمام، وطلب الشفاعة منه، يقول (دوايت م. دونلدسن): «ويمكن تصوير هذا الاعتقاد الأساسي عند الشيعة في شفاعة الأئمّة بسهولة من أدعية الزيارة التي يقرؤونها عند مشهد كلِّ إمام من الأئمّة. ومن هذه الأدعية الزيارة الجامعة»[24].

وتعميقاً لهذا التصوير يكتب بعض الدارسين: «فنلاحظ من تلك الأسانيد التشريعية، أنّها تحتوي في مضمونها تحقيقاً للفكرة الجدلية الخاصّة بتحمّل الذنب المتبادل... وكذلك الإلحاح على فكرة الشفاعة، وهي النتاج الطبيعي لتطبيق تلك الطقوس، فالشفاعة هي النتاج المستقبلي لتحمّل الذنب... فالشفاعة هي الهدف الأُخروي لممارسة الطقس (طقس العزاء)، وتحمّل الألم والحزن، كما فعل الحسين له من تحمّله ذنوبه، واعتباره كبش فداء لذنوب البشرية»[25].

أحاديث الزيارة ونصوصها

تأخذ شعيرة الزيارة ـ في الفكر الشيعي ـ مكاناً مرموقاً بين مجموعة عناصر الشعائر الحسينية، وقد نُظّر لها في الحقل الديني ـ بما لا يقبل معه الشكّ والترديد ـ بأنّ الزيارة تُعدّ مظهراً من مظاهر التواصل والارتباط، وتؤمّن ـ عند توفّر شروطها ـ
جانباً من جوانب الاتّحاد النفسي والمعنوي بين الزائر والمزور. وهذا الارتباط ـ الذي تمثّله الزيارة بشكل عام ـ ليس بدعاً على الحقل الديني، بل هو ظاهرة إنسانية تنبثق من الوجدان والفطرة، يتعامل معها العقلاء طبقاً لميولاتهم النفسانية وآرائهم المحمودة.

ومع ذلك كلّه؛ فإنّ التصوير الميثولوجي للشعائر الحسينية قد طال هذه الظاهرة الإنسانية أيضاً، وألبسها ثوباً أُسطورياً بداعي أنّ الشيعة تؤمن بها لكونها تمظهراً من تمظهرات الفداء، وذلك بتقريب مفاده: إنّ الزيارة هي طلب الغفران[26] والتكفير عن الذنب. واستدلّوا على ذلك بنصوص الزيارة وبعض المرويّات الحديثية التي سيقت لبيان فضل زيارة الإمام الحسين×، وكلّ ذلك يعود ـ حسب هذه المقاربة ـ إلى فكرة الشفاعة؛ «لأنّها النتيجة الطبيعية والمنتظرة في الفكر الديني الشيعي، وبالتالي يكون تأديتها [الزيارة] فريضةً جماعيةً، تُحقّق للمسلم الشيعي ضمان النّجاة من النّار وغفران الذنب»[27].

ولعلّنا نرى أنّ القراءة الميثولوجية للزيارة تكمن في محاولةٍ لتصوير أنّ هدف الزائر من زيارته هو استجلاب رضا المزور لكي ينال شفاعته يوم القيامة. وعليه؛ فقد اختزل هذا التصوير فلسفة الزيارة في استرضاء المزور ليتحقّق بذلك نجاته وخلاصه الأبدي.

نقد وتحليل

1ـ علوم الحديث وآلية صناعة المفاهيم الدينية

من الطبيعي أنّ استكشاف النظرية الشيعية في عاشوراء، وصناعة المفاهيم الدينية المتّصلة بها، يتطلّب مراحل بحثية متعدّدة، من جملتها السير في أُمّهات المصادر الروائية، ولملمة جميع النصوص المتعلّقة بالموضوع محلّ البحث، وهذا ما لم نشاهده على نحو الإطلاق في القراءة الميثولوجية.

ثمّ إنّ الاستناد إلى الأُصول الروائية عند الشيعة الإمامية يُدخلنا في حلقتين أساسيتين، وهي حلقة إثبات صدور النصوص الواردة في هذه الأُصول، وكذلك حلقة الفهم والتفسير وصناعة المفاهيم.

وبشكل عام؛ فإنّ الأحاديث المنقولة عن النبي| وأهل بيته^ ما هي إلّا کلام يحکي قول المعصوم أو فعله أو تقريره، أي: هي كلام يحكي السنّة، ومنه صحّ اتّصافه بالصحيح وغيره بحكم كونه خبراً. والمخبِر إمّا أن يكون صادقاً في خبره، وإمّا ألّا يكون كذلك؛ وعلى هذا الأساس، ليس كلّ حديث يصحّ جعله طريقاً للوصول إلى السنّة الشريفة، إلّا ما تمّ الوثوق به، إمّا من جهة تواتره، أو اشتماله على شرائط القبول بالنسبة إلى خبر الواحد الذي يشكّل ـ في الواقع ـ معدن التراث الحديثي عند المسلمين. وعليه؛ يُمسي البحث عن رواة الحديث من حيث الاعتبار والصدق وتشخيص ذواتهم وتبيين أوصافهم، أمراً في غاية الأهمّية، وهو ما يتكفّل به (علم رجال الحديث).

وإذا كان علم الرجال يُثبت لنا صدور الحديث عن المعصوم× ـ وذلك بعد البحث والتحقيق في سند الحديث ـ تصل النوبة إلى إثبات دلالة هذا الحديث، تلك الدلالة التي تتعلّق بنصّ الحديث وألفاظه على مستوى الإفراد والتركيب؛ إذ إنّ الهدف النهائي للباحث في الحديث هو الوصول إلى المدلول الحقيقي للنّص، ومن هذا المنطلق ـ وبحكم ابتعادنا عن عصر النصّ ـ لا بدّ لنا من علوم تبيّن الأُسس الصحيحة لفهم الحديث، والمراحل التي ينبغي طيّها لمعرفة المقصود الأصلي منه، حتّى انبرت لنا علوم تهتمّ بهذا السياق، وعلى رأسها: علم أُصول الفقه، وعلم فقه الحديث.

وممّا لا يخفى؛ فإنّ هناك عوامل وأسباباً متعدّدة قد عصفت بالأحاديث الشريفة، منها ما يتعلّق بسند الحديث، ومنها ما يتعلّق بمتنه؛ حيث أدّت هذه الأسباب إلى نشوء علوم متعدّدة تُعنى بدراسة الحديث كلّ حسب موضوعه.

ثمّ إنّ هذا الاهتمام من قِبل علماء الدين بالحديث ناشئ من وصايا النبيّ| والأئمّة^، تلك الوصايا الداعية إلى إعمال الفكر والتعمّق في فهم الحديث ودرايته. فقد روى الصدوق بسنده عن الإمام الصادق× قوله: «حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه، ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتّى يعرف معاريض كلامنا...»[28].

وعنه، عن أبيه÷: «... المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان...»[29].

ومن جملة الموارد المهمّة في عملية الفهم هي معالجة الاختلاف الحاصل بين الأحاديث؛ فإنّ تعارض الأخبار يعدّ من الأُمور الجدلية بين الباحثين؛ وذلك لعوامل متعدّدة ولّدت هذا التعارض بين النصوص، منها: ورود الحديث، تفاوت المخاطبين، التقية، نَسْخ الحكم الأوّل بواسطة حكم ثانٍ، بيان مصاديق متفاوتة، الوضع، التحريف، التصحيف، التقطيع المخلّ بالمعنى، الخلط بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي، وغيرها من العوامل الأُخرى.

ومن خلال ذلك دعت الحاجة إلى الاهتمام بدراسة الحديث وما يتعلّق به من علوم؛ حتّى يتمكّن الباحث من خلالها تشخيص الأحاديث المعتبرة عن غيرها. وعلى هذا الأساس؛ يمكن اعتبار العلوم التي تدخل في عملية فهم النصوص الدينية من أهمّ العلوم وأخطرها في حقول المعرفة الدينية.

ومن هذا المنطلق؛ يتحتّم على الباحثين في قضايا مرتبطة بالبحث الروائي أن يُدركوا جيّداً أهمّيّة هذه العلوم وأثرها في فهم النصوص الدينية، مع الالتفات إلى أنّ التجرّد العلمي عن هذه الحقول في حال إرادة استنطاق النصّ الديني، سيوقع الباحث في مأزق معرفي تستتبعه نتائج خطيرة لا تنعكس في ظلّها الرؤية الواقعية للنصوص الدينية.

2ـ لغة النصّ الديني

لا يخفى أنّ بعض التعاليم التي حُكيت في سياق تأكيد ثواب زيارة الإمام الحسين× وفضلها قد برزت فيها مسألة الغفران بشكل واضح، ويمكن القارئ أن يطالع ذلك في مصادر حديثية متعدّدة، فعلى سبيل المثال: روي عن الإمام الصادق× قوله: «مَن زار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي×، وهو يعلم أنّه إمام من الله مفترض الطاعة على العباد، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وقَبِل شفاعته في سبعين مذنباً، ولم يسأل الله عند قبره حاجة إلّا قضاها له»[30].

كما برزت كذلك مسألة الشفاعة في العديد من الزيارات، منها: «السلام عليك يابن رسول الله، أتيتك بأبي وأُمّي، زائراً وافداً إليك، متوجّهاً بك إلى ربّك وربّي؛ لتنجح بك حوائجي، ويعطيني بك سؤلي، فاشفع لي عنده، وكن لي شفيعاً، فقد جئتك هارباً من ذنوبي، متنصّلاً إلى ربّي من سيّئ عملي، راجياً في موقفي هذا الخلاص من عقوبة ربّي»[31]. 

ومن هنا؛ كان من اللازم تسليط الضوء على مجموعة من المسائل المتّصلة بهذا البحث؛ لتتجلى الإجابة عن أسئلة عدّة، منها: هل اللغة التي تتحدّث بها هذه النصوص الروائية لغة واقعية أم أُسطورية؟ وعلى فرض كونها لغة واقعية، فماذا تعني حقيقة الغفران في النصوص الحديثية التي وردت في سياق الحديث عن زيارة الإمام الحسين× بشكل خاصّ، أو المعصوم بشكل عامّ؟ وماذا تعني أيضاً حقيقة الشفاعة؟ وكيف يمكن الفصل بين هاتين الحقيقتين وبين مفهوم الفداء بمعناه المسيحي؟

واقعية الخطابات الدينية

هناك مسألة بُحثت في فلسفة الدين تحت عنوان (لغة الدين)، وهي مسألة ترتبط ارتباطاً وثيقاً ببنية الدين اللغوية، وقد طُرحت في خصوص الحديث عن ظاهرة الوحي الإلهي، والسؤال الأصلي المطروح فيها: هل القضايا الدينية تحكي عن الواقع ولها معنىً ومضمون معرفي، أو أنّها لغة أُسطورية أو رمزية تحكي عن أُمور لا تمتّ إلى الواقع بصلة، فهي لغة خالية من المضامين المعرفية؛ وذلك بلحاظ أنّ القضايا الماورائية ـ حسب ما ترتئيه المدرسة الوضعية المنطقية ـ فاقدة للمعنى والدلالات المعرفية؛ لأنّها لا تخضع للتجربة الحسّية، وأقصى ما تدلّ عليه هو حثّ الآخرين على ممارسة فعل ما (أخلاقي أو عبادي)، أو إظهار المشاعر والأحاسيس وغيرها؟

وخلاصة ما يمكن بيانه هنا: أنّ اللغة في القضايا الدينية ـ بشكل عامّ ـ لم تبتعد كثيراً عن المحاورات العرفية والعقلائية، فالمستوى العامّ للخطابات والإرشادات الدينية من ناحية البنية اللغوية هو سياق لغة المحاورة العرفية والتفاهم العقلائي، ولم يرد من المشرِّع ما هو خلاف هذا الفرض، فلم يجعل لنفسه لغةً خاصّةً للتفهيم خارجةً عن نطاق لغة العرف ومحاوراتهم، ولو كان الأمر غير ذلك لانتفى الغرض الذي من أجله شُرّعت الأحكام الدينية، وهو هداية الناس وتنظيم حياتهم على مستوى الاعتقاد والعمل. وإذا كانت تلك النصوص غير كاشفة عمّا يفهمه العقلاء، يلزم منه نفي الاقتران بين اللفظ والمعنى وإثبات اللَّغوية في هذه الخطابات، وهو قبيح، والقبيح لا يصدر من المشرِّع الحكيم.

وعليه؛ إذا كانت الحكمة تقتضي أن يسير المشرِّع في خطاباته في ضوء ما يفهمه العرف والعقلاء، فلا مجال للّغة الأُسطورية في خطاباته وأدبياته.

علاوة على ذلك؛ فإنّ النصوص والوقائع التاريخية ترشد إلى أنّ الحياة الدينية التي كان يمارسها المتديّنون في عصر النصّ ما هي إلّا تماشياً مع تعاليم الدين الذي أخبر عن حقائق عينية، ولو كان الأمر خلاف ذلك ـ بأن تكون لغة الدين رمزية أو أُسطورية ـ لبانت حقيقته بين عامّة الناس وظهرت للعيان، وهم يعيشون في عصر النصّ، والمشرِّع حاضر بينهم يسمعون كلامه ويشاهدون أفعاله وتقريراته، فكان من الأجدر أن يبيّن أحكام تلك اللغة الدينية الخاصّة التي تتعدّى حدود الفهم العرفي واللّغوي، كي يتمكّن من خلالها إيصال مراده الواقعي، ومن دون ذلك التبيين تبقى المعرفة الدينية معرفة نسبية لا يتحقّق في ضوئها فهمٌ مشترك بين المكلّفين، ولا يمكن وصفها حينئذٍ بالصدق أو الكذب.

حقيقة (الغفران) في النصوص الروائية

قد مرّ أنّ القراءة الميثولوجية قد استندت إلى بعض النصوص الروائية لإثبات التفسير الخلاصي للمراسم الحسينية، وقد تمّ ـ على سبيل المثال ـ التركيز على ظاهرة المبالغة في الثواب والجزاء لمن زار الإمام الحسين×، حيث برز مفهوم (الغفران) كنتيجة إيجابية تنتظر فاعل الزيارة، وكلّ ذلك قد خُطّ في سياق الميثاق الإلهي الذي أُخذ من الحسين×.

وبعد أن تبيّن أنّ التعاليم الدينية تحتوي على ملاكات واقعية؛ فإنّ الإخبار عن كون فعل الزيارة يترتّب عليه الغفران، ما هو إلّا إخبار حقيقي عن نتيجة تنتظر فاعل الزيارة إذا ما تحقّقت الشروط الموجبة لذلك، وهذا ما نستفيده من خلال مطالعة عموم النصوص الدينية التي سيقت في بيان هذه المسألة.

وبعبارة أُخرى: إنّ النتيجة المستحصلة من فعل الزيارة هي تحقّق المقتضي وارتفاع المانع من حصول الغفران، ومن هذا المنطلق قيّدت بعض النصوص الروائية تحقّق الغفران بقيود أُخذت على نحو الشرط، من قبيل قوله×: «مَن زار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي×، وهو يعلم أنّه إمام من الله مفترض الطاعة على العباد، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر...»[32]. أو «فمَن زاره عارفاً بحقّه غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر»[33]. أو «أدنى ما يُثاب به زائر الحسين× بشطّ الفرات إذا عرف حقّه وحرمته وولايته، أن يغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر»[34].

وإذا خرجنا عن نطاق أحاديث الزيارة ودقّقنا في أحاديث أُخرى نشاهد تفسيراً لهذه القيود بشكل أجلى، فمن خلال مطالعة النصوص التي وردت عن أئمّة أهل البيت^، فإنّ حقيقة التولّي يتجلّى فيها عنصران: عنصر التصديق بإمامة أئمّة أهل البيت^، وعنصر المتابعة فيما ورد من قولهم وفعلهم^. وقد ركّز أهل البيت^ في بيان حقيقة التشيّع على جانب المتابعة والاستجابة، وعدم الوقوف على مرحلة التصديق والإيمان بولايتهم، بعيداً عن العنصر العملي الذي يمثّل أثر ذلك التصديق وحقيقته وعلامةً شاخصةً في التدليل عليه، ومن جملة ما جاء في بيان هذا المعنى ما روي عن الإمام الصادق× قوله: «ليس من شيعتنا مَن وافقنا بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا، ولكن شيعتنا مَن وافقنا بلسانه وقلبه، واتّبع آثارنا وعمل بأعمالنا، أولئك شيعتنا»[35]. وغيره من الأحاديث.

وعند متابعتنا لسيرة أهل البيت^ نقف أمام مجموعة من الالتزامات الشرعية والمعايير القيمية التي سعى أهل البيت^ إلى ترسيخها في المجتمع الإسلامي، والحثّ على مزاولتها، وذلك في سياق بناء مجتمع فاضل ومتماسك؛ تماشياً مع القاعدة القرآنية الأساسية بأنّ النفس الإنسانية هي رهينة الكسب والفعل، وما نهضة سيّد الشهداء× إلّا مظهر من مظاهر ذلك المشروع المتسامي.

والذي ينبغي التنبيه عليه هو أنّ ثواب زيارة مرقد سيّد الشهداء× وغيرها من الشعائر، ممّا لا شكّ في ثبوته على لسان النصوص الروائية، فإنّ إقامة الشعائر الحسينية الثابتة شرعاً ـ ومن جملتها الزيارة ـ هي جزء من منظومة القضايا الدينية، ولا يمكن أن تنفكّ عنها في فضاء الفكر المدرسي الشيعي، إلّا أنّ ذلك لا يبرّر القول بنظرية الفداء؛ وذلك بلحاظ كون هذه الشعائر لا تقتصر حقيقتها والحكمة من تشريعها على مجرّد الألم من أجل الغفران، وإنمّا تتعدّى حدود ذلك لتعبّر عن حركة مستمرّة ونهضة دائمة يقودها مجتمع الحسين× للتعبير عن تمسّكه بأدبيات النهضة الرافضة لكلّ مظاهر الظلم والفساد والانحراف.

وعليه؛ فإنّ ما ذُكر من أحاديث عن أهل البيت^ تؤكّد غفران الذنب لفاعل الزيارة لا ينسف ما جاءنا عنهم من الأحكام الشرعية والمعايير الأخلاقية والأُسس العقدية، التي لا بدّ أن يلتزم بها المكلّف لينال بذلك سعادة الدنيا والآخرة، فالبكاء والحزن والزيارة وإقامة الشعائر كلّها داخلة ضمن منظومة دينية متماسكة، لا ينفي بعضها البعض الآخر في طريق تكامل الإنسان وسموّه وخلاصه الأبدي.

وبعبارة أُخرى: من المؤكّد أنّ هناك مراسم حسينية قد نشأت في حاضنة النصوص الدينية، إلّا أنّ تفسيرها وبيان فلسفتها قد اعتمد ـ أحياناً ـ على أساس أُسطوري ميثيولوجي أبعدها عن حقيقتها الدينية؛ حيث يختلف ذلك التفسير ـ تمام الاختلاف ـ عن الصورة التي رسمت معالمها النصوص الدينية والتاريخية.

التصوير الميثولوجي ومسألة الشفاعة

ممّا ينبغي تأكيده أنّ الشفاعة تُعدّ مفهوماً قرآنياً بامتياز قبل أن تكون مفهوماً روائياً، فمجيء هذا المصطلح في نصوص الزيارات لا يعكس رؤية جديدة عمّا طرحه القرآن الكريم عن هذا المفهوم، ولو كانت هناك حقيقة روائية لهذا المفهوم لبانت واتّضحت معالمها، وما جاء في الروايات ونصوص الزيارات لا يعدو كونه انعكاساً لذلك المفهوم القرآني من خلال بيان بعض حدوده وشروطه ومصاديقه. فقد عرض القرآن الكريم هذا المفهوم بشكل لا يستلزم معه الشكّ والترديد بأنّ الشفاعة عامل من عوامل النجاة، وقد تمّ تقرير هذا الموضوع في دراسة سابقة استُنتج منها أنّ الشفاعة لا تشاكل الفداء المزعوم[36]. وتعميقاً لهذا البحث ـ بشكل أوسع ـ سوف يتمّ عرض مسألة الشفاعة في مقال مستقلّ إن شاء الله تعالى.

المستند الثاني: المراسم الإحيائية

إنّ القراءة الميثولوجية لعاشوراء قد انطوت على تصوّرات متعدّدة أسهمت في رسم لوحة منقوصة أو مشوّهة عن الشعائر الحسينية، وكلّ ذلك كان نتاج الفهم الخاطئ الذي أسقط بعض الممارسات الشعبية على الفكر الشيعي بوصفها ممارسات اجتماعية تعكس الوجهة الحقيقية لعقيدة الألم الخلاصي عند الشيعة، وتأكيداً على ذلك فقد بُحثت ظاهرة إقامة المراسم الحسينية في البلدان الإسلامية، وخصوصاً تلك المراسم الصاخبة التي أطلق عليها المستشرقون مصطلح جلد الذات[37]،
أو التعذيب الاختياري وما شابه ذلك، حيث أورد المستشرق (دوايت م. دونلدسن) في كتابه (الشيعة) تقريراً جاء فيه: «وأمّا عند الشيعة فتتجاوز الوساطة أو الشفاعة حدودها، وعلى الأخصّ بالنسبة إلى الحسين، ففي عاشوراء يُحيي الناس ذكرى شهادته في كربلا بالتعذيب الاختياري، ويقوم الرجال والصبيان بتلطيخ ثيابهم الناصعة البياض بالدماء السائلة من الجروح التي أوقعوها بأنفسهم»
[38].

وصحيح القول: إنّ المراسم الدينية تُعدّ الوجهة الثقافية والاجتماعية للدين، فإذا أردنا أن نؤسّس مفهوماً للحضارة الإسلامية على نحو الخصوص، فلا يمكن التغاضي عن هذه المراسم على نحو الإطلاق، فهي تعطي حضوراً خارجياً للتعاليم الدينية، بمعنى أنّها تُخرج تلك التعاليم من قالب الجعل إلى قالب الفعلية والامتثال لتتشكّل منها مظاهر عينية متنوّعة، سواء على مستوى العبادات أم على مستوى المعاملات، وكلٌّ من المكان والزمان والمكلّف وبعض الأعيان الخارجية تؤدّي دوراً بارزاً في بلورتها ونقلها من عالم التشريع إلى عالم الفعل والممارسة[39].

ومن ذلك يظهر مدى تأثير التعاليم الدينية في بناء التواصل الجمعي والفردي بين الأشخاص في المجتمع الديني، وتقليل الفواصل بين المجتمعات والأفراد، وتعزيز الارتباط بينها وبين الحقائق الغيبية والماورائية.

ومن هنا؛ تبرز هذه الشبهة وهي: إذا كانت المراسم الإحيائية لواقعة كربلاء ـ في نظرهم ـ تمثّل فعلاً اجتماعياً جماهيرياً يفسّر النصوص الدينية ذات العلاقة بالشأن الحسيني ويجسّدها في قالب الفعل والممارسة... فإنّ ذلك يعدّ دليلاً على إثبات البعد الميثولوجي لتلك المراسم، خصوصاً مع بروز مراسم صاخبة أخذت حيّزاً معتدّاً به في فضاء المراسم الحسينية، وعدم وجود الرادع الحقيقي من قِبل المؤسّسة الدينية الرسمية لتلك المراسم، ولعلّ ذلك يعدّ إمضاءً من قِبل المؤسّسة الدينية الرسمية بكلّ ما يُنشئه العقل الشعبي من ممارسات وطقوس تتّصل بظاهرة إحياء عاشوراء، معتقدين أنّ تلك الطقوس ممّا يمارسها الشيعة تكفيراً عن ذنوبهم الفردية، وعن الذنب التاريخي الجماعي الذي ارتكبوه بتخاذلهم عن نجدة الحسين على حدّ فهمهم[40]!

ومن هذا المنطلق؛ نقرأ لدى بعض الباحثين محاولة تطبيق فكرة الوظائف الأُسطورية لدراسة العلاقة القائمة ما بين الأُسطورة والشعائر في ذهنية الممارس أو المتلقّي للشعيرة[41].

ولعلّ منشأ ذلك التصوّر يعود أيضاً إلى بعض الخطابات التي تصدر من جهات مؤثّرة بحكم ما تمتلكه من تمظهر علمي، والتي أسهمت أيضاً في تكوين مخيال ميثولوجي عن عاشوراء نُقشت عليه صورة الألم الخلاصي بمفهومه المسيحي.

وعند مطالعتنا لكتابات المستشرقين ومَن حذا حذوهم من الكتّاب المسلمين ممّن كتب عن الشعائر الحسينية، نرى كيف أنّ العقل الميثولوجي قد أخذ طريقه في التفكير عند دراسة الظاهرة الاجتماعية للشعائر الحسينية، ومنها شعيرة الزيارة. ومن جملة ما ذُكر في هذا الإطار ما تطرّق إليه المستشرق الألماني المعاصر (هاينس هالم) (1942م) في كتابه (الشيعة)، فبعد أن عقد فصلاً من كتابه في المراثي والمآتم، ركّز بوضوح على مقولة التكفير عن الذنب، وختم حديثه في هذا الفصل قائلاً: «في شعائر جلد الذات يرتبط التكفير عن الذنب والاستعداد لتحمّل الألم ارتباطاً وثيقاً من بعضهما البعض، وهما يشكّلان النواة الحقيقية للتديّن الشيعي، فالشيعي الخاطئ يستحقّ الموت، والموت وحده قادر على تحريره من خطيئته»[42].

وهذا المستشرق الفرنسي (يان ريشار) (1948م) ـ من خلال قراءته لكتابات الشيخ نجف آبادي وعلي شريعتي ـ وتحت عنوان: (من المذبحة إلى الأُسطورة)، يجعل هناك صورتين للحسين× في المخيال الشعبي؛ حيث يكتب: «ولقد أوضح أحد علماء الأنتروبولوجيا (علم الإنسان) كيف أنّ صورتي الإمام الحسين تتزاحمان في ظرف ثوري معيق، ولا سيّما في الوقت الذي يُحتفل فيه بذكرى العاشوراء (العاشر من محرم)، التي يتمّ فيها أعنف التعبئة العاطفية وأحرّها»[43].

وخلاصة هاتين الصورتين: أنّ الأُولى تتمثّل في كون الحسين× وسيطاً أو شفيعاً تجب ترضيته لنلفت انتباهه إلينا؛ ذلك لأنّه يتمتّع عند الله بحظوة خاصّة على ما قدّمه من تضحيات، ولكي نرضيه نشارك في آلام استشهاده في ذكرى عاشوراء، فنحزن ونبكي، ونقدّم نذور الطعام والشراب؛ لأنّ في وسع الحسين أن يغفر الذنوب ويضمن الدخول إلى الجنّة. وأمّا الصورة الثانية فهي صورته كمناضل ضدّ الحكم الأُموي من أجل إقامة العدل[44].

وقد تبلورت الصورة الأُولى في أبحاث جملة من الكتّاب العرب والمسلمين المعاصرين، حتّى شكّلت بمجموعها رافداً معرفياً يغذّي الدراسات الحسينية بنكهة أُسطورية بعيدة عن الأُصول والاعتقادات الأساسية التي ابتنى عليها الفكر الشيعي الأصيل، إذ كتب بعضهم: «فالشيعة بالحسين تعتمد على كونه حامل ذنوب البشر، وبالتالي فإنّ كلّ فعل يتمّ في العزاء خاصّة من جلد وتعذيب للذات... يكون الهدف منه هو استكمال دور الحسين في تعذيب الذات وموافقته على قتله كما يؤكّد التاريخ والحكايات... فالحسين هو مَن قُتل فداءً للبشرية؛ تحمّلاً لذنوبها، وطقس العزاء هدفه الإقرار بتلك الحقيقة بالبكاء وجلد الذات، ليس فقط تكفيراً عن الذنب التاريخي الإنساني بترك الحسين يُقتل بلا معين، ولكن إضافة لذلك محاولة لاستعادة الحسين وعذابه في تعذيب كلّ جسد يمارس العزاء، فهي علاقة دائرية جدلية»[45].

والتدقيق في هذه العبارات يكشف لنا أنّ مقتل الحسين× وآلامه ليس كفّارة لذنوب الشيعة فحسب، وإنّما هو كفّارة لجميع البشر، ولعلّ هذا الاختلاف في التعبير في حدود الغفران تعود جذوره إلى الاختلاف الحاصل بين النصارى في حدود دائرة الخلاص، الأمر الذي يحكي بوضوح مدى تأثّر هؤلاء الباحثين المسلمين بنظرية الفداء المطروحة في علم اللاهوت المسيحي، حتّى انسحبت معالمها على دراسة النهضة الحسينية ومراسمها الإحيائية.

نقد وتحليل

1ـ سوسيولوجيا الشعائر الحسينية (الزيارة مثالاً)

من الواضح أنّ الشعائر الدينية بشكل عامّ والحسينية بشكل خاصّ يطغى عليها الجانب الاجتماعي؛ حيث إنّ العناصر التي تتشكّل منها هذه الشعائر تدخل في صميم العمل الاجتماعي التواصلي بين الأفراد، وهذا ما يمكن مشاهدته في مناسبات دينية متعدّدة، ولعلّ الحكمة الإلهية اقتضت أن تكون هذه الشعائر ذات مسحة اجتماعية؛ لما فيها من توطيد البُعد التواصلي بين المؤمنين، وتقوية الروح الجماعية، وتوسيع المساحات الدينية والعبادية، ونقل التعاليم الإلهية، وذلك كلّه بحكم كون الإنسان موجوداً اجتماعياً بالطبع.

فالدين يعمد ـ في كثير من تعاليمه ـ إلى تقديم رابط ما بين المجتمع والفرد، أي توحيد ماضي الجماعة والفرد ومستقبلهما[46]، فالفرد يغيب داخل المجتمع في ضوء هذه الممارسات الشعائرية، لينشأ من ذلك هدفاً مشتركاً ودلالة مركزية يتوجّه إليها المؤمنون بشتّى انتماءاتهم القومية والمناطقية.

وعليه؛ فإنّ ثقافة عاشوراء ـ وخاصّة الآداب والتقاليد والطقوس الاجتماعية ـ
يمكن تقييمها على أنّها مسألة اجتماعية. ولا يقتصر ذلك على المراسم الدينية في الشريعة الإسلامية؛، فإنّ باقي الجهات أيضاً تؤكّد مسألة المراسم العامّة لترسيخ تعاليمها على أساس العقل الجمعي.

إنّ من جملة العناصر والظواهر التواصلية التي لها أثر فاعل في خلق العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الديني، وجود مزارات الأنبياء والأولياء المعصومين^، الذين يمثّلون حلقة الوصل بين الوحي والإنسان؛ فزيادة على إقامة مراسم العبادة والاستزادة المعنوية، فهي تحقّق جانباً من الارتباط الداخلي بين الأفراد أو الجماعات الذين ينتمون إلى دين واحد أو طائفة واحدة.

فالزيارة فعل ذات طابع اجتماعي، تسترجع الجماعة الشيعية من خلاله واقعة الطف بكلّ تجلّياتها الجمالية والجلالية، من خلال الحضور عند ضريح المزور، وكذلك قراءة النصوص الخاصّة بزيارته، فهي تتضمّن استمرارية الماضي من أجل الحفاظ على مبادئ النهضة وقيمها الإنسانية والإلهية.

وعليه؛ يمكن القول: إنّ الدراسات الاجتماعية في موضوع المزارات والزيارات وقراءة الأدعية بألحان عذبة وغيرها من المراسم، يؤدّي إلى الحصول على نتائج ملفتة للانتباه[47].

وهنا تکمن دلالة الشعائر الحسينية ـ بشتّى أشكالها التعبيرية ـ في الفكر الديني الشيعي، بوصفها ظاهرة ثقافية رمزيّة تشير إلى الهوية الحقيقية للجماعة الشيعية.

فهذه الجماعة ـ من وجهة نظر أنثروبولوجية ـ تحمل على عاتقها مبادئ النهضة الحسينية وتطلّعاتها كموروث أساسي في تاريخ هذه الجماعة، ينعكس على نموذج حياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية وغيرها. ولا ننكر هناك مَن يخالف هذا النسق العامّ بأفعال خارجة عن المألوف، لكنّ هناك مَن حمل هذا الموروث بكلّ وجوده من العلماء والمثقّفين والمفكّرين، فكانوا هم المحرّك لتلك الجماهير الواسعة بأن يعوا حقيقة هذه النهضة وأهدافها المباركة، فمركز الطاقة هو عاشوارء «حيث أسهمت في حفظ الذاكرة الجمعية للجماعة الشيعية التي تتمنّى لو بإمكانها استعادة الزمن الأوّل لصحبة الحسين من أجل نصرته، حيث يحرص الشيعي على مبايعة الإمام الحسين× رمز تلك المرحلة، وموالاته، من خلال حضور النصّ التاريخي الشعائري الذي يعبّر عن الوعي الثقافي الذي تختزنه الذاكرة الجمعية، والتي تُعدّ الرأسمال الثقافي للطائفة الشيعية»[48]، هذا أوّلاً.

ثانياً: ممّا ينبغي تأكيده أنّ بعض الممارسات الشعبية لا تعكس بالضرورة مراد المتشرّع وإن تولّدت منها طقوس معيّنة أصبحت فيما بعد ظاهرة اجتماعية عند جماعة خاصّة؛ فإنّ لكلّ ظاهرة استثناء، ولا تخلو المراسم الحسينية من بعض الممارسات الاستثنائية، ومن غير المنطقي القول: إنّ هذا الاستثناء يمكن أن يعكس النظرية الإسلامية في موضوعة الشعائر الدينية.

لذلك؛ ما يهمّنا هو إبراز الشعائر الحسينية المنصوصة منها والمستنبطة استنباطاً مبنيّاً على أُسس علمية رصينة، بعيداً عن المؤثّرات الفكرية التي تتولّد خارج إطار الدين والمذهب، فالمراسم الناشئة من مقولات دينية هي مراسم لها ملاكاتها الخاصّة، ولا يصحّ إدراجها في مجموعة الممارسات النابعة من أعماق الميثولوجيات القديمة والأساطير التي اصطنعتها العقليات الوثنية وبقيت سارية إلى الأزمنة المتأخّرة، ولعلّها امتزجت مع المراسم الدينية، الأمر الذي ينبغي أن ينبّه عليه حملة الدين للفصل بين ما هو ديني وما هو أُسطوري ميثولوجي.

2ـ انعكاس نظريّات النهضة على الفعل الجماهيري

عند دراسة الممارسات الجماهيرية لإحياء عاشوراء، نشاهد أنّ المباني الفكرية في قراءة النهضة الحسينية قد دخلت في صميم الفعل الجماهيري، فهناك طائفة من الجماهير قد برزت لديهم النزعة السياسية والثورية في إحياء هذه المراسم، تماشياً مع النظرية القائلة بأنّ الإمام الحسين× قد نهض من أجل إقامة حكم إسلامي أصيل، بعد أن حُرّفت التعاليم الدينية والقيم الأخلاقية عن مسارها الصحيح؛ جرّاء تولّي بني أُمية الحكم لسنوات متعاقبة، حيث تسعى هذه الجماهير إلى تدعيم أدبياتها الثورية والسياسية بالاستعانة بالنهضة الحسينية، بل تسعى أحياناً إلى مقارنة أيّ تطوّر أو تغيير أو إصلاح اجتماعي مع القيم والمبادئ الحسينية، الأمر الذي يعكس بدقّة ـ بنظرة
اجتماعية وسياسية ـ تفسيراً أُصولياً محافظاً عن هذه الواقعة.

وهناك جماعات أُخرى تُحيي ذكرى عاشوراء بطريقة يطغى عليها الطابع الإشراقي والعرفاني، مجرّداً عن المفاهيم الثورية والسياسية، حيث تنعكس من خلالها مفاهيم لها نوع ارتباط بمقولات من قبيل: الفناء في الله، التضحية، الشهادة، وما شابه ذلك.

إنّ التنوّع في إقامة الشعائر الحسينية يلغي بدوره التفسير الميثولوجي عن عاشوراء، أو على أقلّ تقدير يحدّد إطلاق هذا التفسير ويجعله في زاوية القراءات الضيّقة ذات التوجّه المحدود. وعليه؛ يُمسي النظر إلى الممارسات الجماهيرية على أنّها مصدر للتدليل على القراءة الميثولوجية على نحو الإطلاق، أمراً يفتقر إلى الدقّة على مستوى الاستقراء والملاحظة.

نعم، قد ظهرت في السنوات الأخيرة تجمّعات شبابية تشبه الكرنفالات، تهدف إلى كسر قيود المراسم التقليدية والتقاليد العرفية السائدة منذ زمن بعيد، والوقوف أمامها، مستثمرين ذكرى عاشوراء لإبراز ما يميلون إليه، حيث يتمّ تسويق ذلك الميل عن طريق بعض المراسم الخاصّة التي تبتعد في كثير من الأحيان عن صميم النهضة الحسينية وتعاليها الدينية.

ومن هذا المنطلق؛ فإنّ نهضة عاشوراء تضع المجتمع الإسلامي أمام مسؤولية كبيرة لأداء تلك الأمانة التي ضحّى من أجلها سيّد الشهداء× بكلِّ ما يملك، مردّداً: «اللّهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك، ونُظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويُعمل بفرائضك وسننك وأحكامك، فإن لم تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيّكم»[49].

المستند الثالث: النصّ الشعري

استند البعض أحياناً على مجموعة من النصوص الشعرية لتمرير القراءة الميثولوجية، حيث ذكر كيفية توغّل فكرة الفداء في النصّ الشعري بمقاربة مفادها أنّ دور الإمام الحسين× في السياق الديني «هو تحمّل ذنوب البشرية لدى قبوله بموته هو وآله، ويكون فعل الفداء وتعذيب الذات دوراً في التأكيد على تلك الفكرة، وكذلك التكفير عن ذنب ترك الحسين، فهي علاقة جدلية... والسياق الشعري يحاول التأكيد على نفس الفكرة، فالفداء وتحمّل الذنب كلّها أفكار اعتمدها الشعر التعزوي للإقرار بالقيمة الدينية والفعلية لنفس الأفكار... ويكون طلب الشفاعة داخل السياق القصائدي ما هو إلّا طلب جماعي، لا يختلف في مضمونه وهدفه عن الدعاء، أو فعل الزيارة في حدّ ذاته»[50].

وقد نقل بعض الأشعار التي تدلّ بظاهرها على نظرية الفداء، وعلى سبيل المثال ما ورد من قول الشاعر مخاطباً الإمام الحسين×:[51]

«ارتكبتُ ذنوباً أعظم من الجبل ولكنّي أعلم

 


أنّ جبل الذنب لا يمثّل قشة في عفوك»(1)

نقد وتحليل

لا يُنكر ما للشعر من دور فاعل في رسم صور فنّية وأدبية لكثير من الوقائع والأحداث التاريخية، بل حتّى المسائل الفكرية والاعتقادية لم تغب عن القصائد الشعرية والروايات الأدبية. نعم، ربّما تأخذ المبالغة في الوصف وبيان الحقائق طريقها إلى الشعر ـ وهي كثيرة جداً ـ وهذا أمر مألوف في عالم الشعر والخيال، ومن هذا المنطلق يُمسي الشعر مقولة شخصية ذاتية أكثر من كونه مقولة معيارية نوعية قابلة أن يُستدلّ بها في إنتاج المعارف الدينية.

وعليه؛ يمكننا القول: إنّ المخيال الشعبي ـ بشكل عامّ ـ لدى الشيعة عن نهضة عاشوراء لا ينفكّ عمّا رسمه الفكر الشيعي من كون عاشوراء مشروعاً لأجل الإصلاح، وهو ما ينبغي أن يكون كذلك. نعم، ربّما نسمع بعض الخطابات التي تصدر من منابع مؤثّرة نوعاً ما ـ بحكم ما تملكه من تمظهرٍ علمي ـ
تُصوّر للمتلقّي أنّ عاشوراء هي مشروع من أجل الغفران؛ وجرّاء ذلك تأثّرت بعض الشرائح الاجتماعية بذلك تأثّراً بالغاً، ومن جملتهم بعض الشعراء، ممّا انعكس ذلك على نشاطهم الأدبي، حيث شاركوا في تسويق هذه الفكرة على نطاق المجتمع الحسيني، ممّا حدا ببعض المستشرقين ومَن تأثّر بهم من الكتّاب المسلمين إلى إسقاط هذه النظرية على الفكر الشيعي، وتمريرها على أنّها عقيدة أساسية عند الشيعة، تتجلّى معالمها بشكل أوضح من خلال طقوسهم الدينية وشعائرهم الحسينية.

وفی مقابل هذا نجد أدباً من نوع آخر شقّ طريقه نحو توظيف عاشوراء واستدعاء شخصية الإمام الحسين× في الشعر والرواية كشخصية دينية وتاريخية فذّة، حيث حاول الكثير من الأُدباء بكتاباتهم أن يستلهموا من الإمام الحسين× المعايير القيمية والدينية التي تحكم حلقة الصراع بين الحقّ والباطل، والتركيز على جانب التضحية من أجل إحياء الدين وتعاليمه الأصيلة. ويمكن أن نفسّر هذا الاهتمام بتوظيف عاشوراء بثوبها الإصلاحي في الشعر الشعبي والفصيح بأنّه استبعاد للشخصية الميثولوجية، واستدعاء الشخصية النهضوية والمضحّية من أجل مصالح أسمى. فلم تفارق عاشوراءُ الشعرَ أو الرواية إطلاقاً، لا لكونها أُسطورةً، بل لكونها قيميةً معياريةً مُثلى.

الخاتمة

إنّ استخلاص المفاهيم الدينية ـ ومن ضمنها الشعائر الحسينية ـ لا يصحّ ما لم تؤخذ جميع العناصر المتّحدة مع الموضوع محلّ البحث، تلك العناصر التي تدخل جميعها في عملية الفهم والتفسير؛ فإنّ الشعائر الحسينية داخلة تحت منظومة دينية متكاملة، لا ينفي بعضها البعض الآخر في طريق تكامل الإنسان وسموّه الأبدي. وعلى أساس ذلك يتوجّه النقد العلمي إلى بعض المستشرقين ـ ومن حذا حذوهم من الدارسين المسلمين ـ بأنّ التصوير الميثولوجي للشعائر الحسينية لا يعدو كونه إسقاطاً فكرياً لقراءات انتقائية، أُريد من خلالها صياغة عقيدة الفداء وبلورتها على أنّها عقيدة أساسية في الفكر الشيعي، تتجلّى معالمها في مراسم وطقوس إحياء ذكرى عاشوراء، فإنّ الإنصاف العلمي يقتضي عند دراسة أيّ عيّنة بحثية أن تؤخذ بنظر الاعتبار عيّنات دخلانية أُخرى، لها مساس مباشر أو غير مباشر بالظاهرة محلّ البحث.

وممّا تقدّم يمكننا الحكم بأنّ الشعائر الحسينية بشكل عامّ ـ وعلى رأسها الزيارة ـ
هي تشريع من أجل استدعاء القيم والمبادئ التي قامت عليها النهضة الحسينية، وذلك بنسخة إسلامية أصيلة، يحمل لواءها الإنسان بكامل إرادته، متسلحّاً بسلاح الإيمان والعمل الصالح، لا بنسخة أُسطورية رسمتها ميثولوجيات العقل الوثني القديم؛ فالإمام الحسين× سفينةُ نجاةٍ؛ وذلك بلحاظ كونه مصباح هدىً يشعّ نوره على المؤمنين ليهتدوا بسيرته ومبادئه؛ ليتحقّق بذلك نجاتهم ونعيمهم الأبدي، وأين هذا من المقاربة التي تحكم بأنّ عاشوراء هي مشروع من أجل الخلاص على شاكلة الفداء المسيحي (الميثولوجي)؟!

المصادر والمراجع

         أحزاب المعارضة السياسية الدينية في صدر الإسلام (الخوارج والشيعة)، يوليوس ولهوزن، ترجمه عن الألمانية: عبد الرحمن بدوي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1958م.

         اختلاق الميثولوجيا، مارسيل ديتيان، ترجمة: د. مصباح الصمد، المنظمة العربية للترجمة، مراجعة: د. بسّام بركة، بيروت، الطبعة الأُولى، 2008م.

         الإسلام الشيعي (عقائد وإيديولوجيات)، يان ريشار، ترجمة: حافظ الجمالي، دار عطية للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان ـ بيروت، الطبعة الأُولى، 1996م.

         الألم الخلاصي في الإسلام (دراسة في المظاهر الدينية لمراسيم عاشوراء عند الشيعة الإمامية)، محمود أيّوب، ترجمه عن الإنجليزية وقدّم له: الأب د. أمير ججي الدومنيكي، المركز الأكاديمي للأبحاث، بيروت، 2013م.

         الأمالي، محمّد بن علي الصدوق، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية ـ مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

         البلد الأمين والدرع الحصين، إبراهيم الكفعمي، مكتبة الصدوق، طهران، 1383هـ.ش.

         تحف العقول عن آل الرسول صلّى الله عليهم، الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني، عني بتصحيحه والتعليق عليه: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة ـ إيران، الطبعة الثانية، 1363ش/1404هـ.

         تصوير امامان شيعه در دائرة المعارف إسلام، تحت إشراف: محمود تقی زاده داوری، مؤسسه شیعه شناسی، قم، 1385هـ.ش.

         تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، محمّد رشيد بن علي رضا،  الهيئة المصرية العامّة للكتاب، 1990م.

10ـ   جامعة شناسى تحرفات عاشورا (نگرشى انتقادى به مقاتل، روضه ها وادبيات منظوم)، عبد الحميد ضيائي، انتشارات هزاره ققنوس، الطبعة الثالثة، 1387هـ.ش.

11ـ   الحسين الوسيط (دراسة تحليلية بنيوية لواقعة كربلاء)، تورستن هايلين، ترجمة: بدر الشاهين، عبد الله الشاهين، تحقيق: رائد علي، د. محمّد صالح، الإصدار والإشراف العلمي: مؤسّسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية، الطبعة الأُولى، 1440هـ/2018م.

12ـ            الشيعة، هاينس هالم، ترجمة: محمود كبيبو، شركة الوراق للنشر المحدودة، الطبعة الأُولى، 2011م.

13ـ   عاشوراء وحقيقة الخلاص (مقاربة قرآنية نقدية لنظرية الفداء)، ثناء الدين الدهلكي، مجلّة الإصلاح الحسيني، 1443هـ/2020م، العددان31و32.

14ـ   العقائد الوثنية في الديانة النصرانية، محمّد بن طاهر التنيّر البيروتي، تحقيق: د. محمّد عبد الله الشرقاوي، دار الصحوة للنشر، القاهرة.

15ـ   عقيدة الشيعة، دوايت م. دونلدسن، تعريب: ع.م،  مكتبة الخانجي ومطبعتها، مصر، 1946م.

16ـ   علم الاجتماع الديني (المجال، المكاسب، التساؤلات )، ندوة الدين في المجتمع، نشر: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية، 2000م.

17ـ   كامل الزيارات، جعفر بن محمّد بن قولويه، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، لجنة التحقيق، مؤسّسة النشر الإسلامي،  مؤسّسة نشر الفقاهة، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

18ـ   كربلاء بين الأُسطورة والتاريخ (دراسة في الوعي الشعبي الإيراني)، أحمد لاشين،  رؤية للنشر والتوزيع، 2009م.

19ـ   المزار، محمّد بن محمّد الشيخ المفيد، تحقيق: السيّد محمّد باقر الأبطحي،  دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1414هـ/1993م.

20ـ   مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، علي الطبرسي، تحقيق: مهدي هوشمند،  دار الحديث، الطبعة الأُولى، 1418هـ.

21ـ   معاني الأخبار، محمّد بن علي الصدوق، تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري،  مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1361هـ.ش.

22ـ   مقارنة الأديان (2) (المسيحية)، د. أحمد شلبي،  مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، الطبعة العاشرة، 1998م.

23ـ   موسوعة العتبات المقدّسة، ج8 (قسم كربلاء)، جعفر الخليلي، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان ـ بيروت، الطبعة الثانية، 1407هـ/1987م.

24ـ   ميثولوجيا وأساطير الشعوب القديمة ومعجم أهمّ المعبودات القديمة، حسن نعمة، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1994م.

25ـ    Studies in a Mosque, Cairo 1883.

26ـ    المواقع الإلكترونية

27ـ   معهد المعارف الحكمية، الشعائرية العاشورائية على ضوء منهج الدراسات الأنتروبولوجية، موقع إلكتروني:

28ـ    https://maarefhekmiya.org/10676/sha3aeria/

 

 

 



[1][1] ما تمّ تناوله في هذا المقال كرؤية استشراقية لا يعني بالضرورة شمولية هذه الرؤية لكلّ مَن انطبقت عليه صفة الاستشراق.

 

[2] قد بحثت المسألة الأُولى مفصّلاً في دراسة سابقة. اُنظر: الدهلكي، ثناء الدين، عاشوراء وحقيقة الخلاص، مجلّة الإصلاح الحسيني: العددان 31 و32.

 

[3] اُنظر: حسن نعمة، ميثولوجيا وأساطير الشعوب القديمة ومعجم أهمّ المعبودات القديمة: ص26.

 

[4] اُنظر: مارسيل ديتيان، اختلاق الميثولوجيا: ص7.

 

[5] اُنظر: كورنثوس2: 19/5.

 

[6] أحمد لاشين، كربلاء بين الأُسطورة والتاريخ: ص336ـ337.

 

[7] اُنظر: التنيّر البيروتي، محمّد بن طاهر، العقائد الوثنية في الديانة النصرانية: ص25 (مقدّمة المحقّق).

 

[8] محمّد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار): ج6، ص27ـ28.

 

[9] اُنظر: أحمد شلبي، المسيحية: ص181ـ182.

 

[10] اُنظر: ضيائي، عبد الحميد، جامعة شناسي تحريفات عاشورا (فارسي) (دراسة اجتماعية في تحريفات عاشوراء): ص61ـ64.

 

[11] اُنظر: تورستن هايلين، الحسين الوسيط: ص91.

 

[12] اُنظر: تقیزاده داوری، محمود، تصوير إمامان شيعه در دائرة المعارف إسلام (فارسي) (تصوير أئمّة الشيعة في دائرة المعارف الإسلامية): ص177ـ 178.

 

[13] اُنظر: تورستن هايلين، الحسين الوسيط: ص60.

 

[14] المصدر السابق: ص59.

 

[15] الخليلي، جعفر، موسوعة العتبات المقدّسة: ج8 (قسم كربلاء)، ص381. نقلاً عن:

 Lloyd، Seton-Twin، Oxford University Press 1943.

 

[16] يوليوس ولهوزن، أحزاب المعارضة السياسية الدينية في صدر الإسلام (الخوارج والشيعة): ص187.

 

[17] اُنظر: المصدر السابق: ص185.

 

[18] اُنظر: المصدر السابق: ص187.

 

[19] المصدر السابق: ص187ـ188.

 

[20] اُنظر: تورستن هايلين، الحسين الوسيط: ص91.

 

[21] محمود أيّوب، الألم الخلاصي في الإسلام: ص130ـ131.

 

[22] Studies in a Mosque, Cairo, 1883. واُنظر: دوايت م. دونلدسن، عقيدة الشيعة: ص335ـ336.

 

[23] اُنظر: دوايت م. دونلدسن، عقيدة الشيعة: ص337.

 

[24] المصدر السابق: ص339.

 

[25] أحمد لاشين، كربلاء بين الأُسطورة والتاريخ: ص317.

 

[26] وكمثال على ذلك ما روي في زيارة الإمام الحسين×: «جئتك مقرّاً بالذنوب لتشفع لي عند ربّك يابن رسول الله». الكفعمي، إبراهيم، البلد الأمين: ص287.

 

[27] أحمد لاشين، كربلاء بين الأُسطورة والتاريخ: ص358.

 

[28] الصدوق، محمّد بن علي، معاني الأخبار: ص2.

 

[29] المصدر السابق: ص1.

 

[30] الصدوق، محمّد بن علي، الأمالي: ص684.

 

[31] المفيد، محمّد بن محمّد، المزار: ص110.

 

[32] الصدوق، محمّد بن علي، الأمالي: ص684.

 

[33] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص354.

 

[34] المصدر السابق: ص263.

 

[35] الطبرسي، علي، مشكاة الأنوار: ص138.

 

[36] اُنظر: الدهلكي، ثناء الدين، عاشوراء وحقيقة الخلاص (القسم الثاني): مجلّة الإصلاح الحسيني، العدد32 : ص78ـ113.

 

[37] اُنظر: هاينس هالم، الشيعة: ص74.

 

[38] دوايت م. دونلدسن، عقيدة الشيعة: ص335.

 

[39] كما في الصلاة الجامعة، والحجّ، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والزيارة، والمعاملات وغيرها.

 

[40] اُنظر: هاينس هالم، الشيعة: ص59.

 

[41] اُنظر: أحمد لاشين، كربلاء بين الأُسطورة والتاريخ: ص350.

 

[42] اُنظر: هاينس هالم، الشيعة: ص79.

 

[43] اُنظر: يان ريشار، الإسلام الشيعي: ص56ـ57.

 

[44] اُنظر: المصدر السابق: 57.

 

[45] أحمد لاشين، كربلاء بين الأُسطورة والتاريخ: ص311.

 

[46] اُنظر: مركز دراسات الوحدة العربية، علم الاجتماع الديني: ص18.

 

[47] ضيائي، عبد الحميد، جامعة شناسى تحريفات عاشوراء: ص70.

 

[48] معهد المعارف الحكمية، الشعائرية العاشورائية على ضوء منهج الدراسات الأنتروبولوجية، موقع إلكتروني: /https://maarefhekmiya.org/10676/sha3aeria

 

[49] ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول: ص239.

 

[50] أحمد لاشين، كربلاء بين الأُسطورة والتاريخ: ص468ـ473.

 

[51] المصدر السابق: ص473.