العتبة الحسينيةمؤسسة وارث الأنبياء
مخطوطة العتبة الحسينيةمخطوطة وارث الأنبياء
عوامل تقويض الأنظمة الاستبداديّة دراسة في ضوء نصوص زيارات الإمام الحسين (عليه السلام) القسم الأوّل

عوامل تقويض الأنظمة الاستبداديّة دراسة في ضوء نصوص زيارات الإمام الحسين (عليه السلام) القسم الأوّل

د. الشيخ أسعد علي السلمان -باحث إسلامي، مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية، العراق

خلاصة المقال

المقدّمة

امتازت الحضارات البشريّة منذ بدايتها بوجود حاكم ومحكوم، وظالم ومظلوم، وسارق ومسروق... وفي مقابل ذلك كان الشغل الشاغل للأنبياء وأوصيائهم^، والمفكّرين والفلاسفة، ودعاة اللّاعنف أن يزيلوا عن أدمغة البشر مرض الأنانيّة وجنون التملّك، وأن يمنعوا استعباد القوي للضعيف، والغني للفقير، والرجل للمرأة، والكبير للصغير، ونحو ذلك، خصوصاً وأنّه يقف في مقابل هؤلاء الدعاة حفنة من أشطر الوُعّاظ الذين يوظّفهم أُولئك الطغاة في تجميل القبيح الذي يأتون به، وتحليل الحرام الذي يقترفونه، مع علمهم ودرايتهم الكاملة بخلاف ذلك[1].

إنّ ممارسة الظلم وتجاوز المألوف في مقام الإدارة قد يكون في مقام إدارة الدولة أو العشيرة أو العائلة، أو مجال العمل أو المدرسة... إلى غير ذلك، فيعبَّر عمّن يقوم بهذه الممارسة بالمستبدّ، فيُقال: حاكم مستبدّ، أو شيخ عشيرة مستبدّ، أو أب مستبدّ، أو مدير مستبدّ، أو معلّم مستبدّ، ونحو ذلك، بل قد تسري هذه الممارسة حتّى في مجال المؤسّسة الدينيّة، فيكون هناك رجل دين مستبدّ.

ونحن إذ نبحث عن الاستبداد ـ في هذا المقال ـ لا نروم الخوض في كلّ مصاديقه، فالعنوان يُحدّد لنا دائرة البحث ويجعلها في خصوص الممارسات الظالمة في المجال السياسي؛ فإنّ هذا النوع من الاستبداد هو بمثابة الداء الاجتماعي الذي ينخر في فعالية الحياة والمجتمع، فيجعل من الشعوب المستبَدّة عظاماً نخرةً مطحونةً وكيانات هشةً هزيلةً لا تقوى على مواجهة مسؤوليّة التقدّم والتطوّر والانطلاق، تذوب إرادتها في إرادة المستبدّ، وتخضع إلى مشيئته، وترتهن بنزواته ومصالحه[2].

ومن هنا؛ كان سعينا في المقام ـ بعد بيان الجانب التصوّري لمفردات البحث ـ منصبّاً على استقصاء مضامين زيارات المولى أبي عبد الله الحسين×، لنرى ما تحمله من دلالات تمدّ الشعوب المقهورة تحت سياط الأنظمة المستبدّة والظالمة بالعوامل والآليّات التي تمكّنها من تقويض سلطة هذه الأنظمة، وعدم الخنوع والخضوع أمام سلطانها وجبروتها، مهما كان الرداء الذي ترتديه والجهة التي تقف خلفها.

مفهوم الاستبداد

أمّا لغةً: فقد ورد في كتب اللغة: «واستبدّ فلان [برأيه] أي انفرد بالأمر»[3]. وكذا ورد: «استبدّ بالأمر يستبدّ به استبداداً إذا تفرّد به دون غيره»[4].

وفي (لسان العرب) استشهد ابن منظور لتدعيم هذا المعنى بحديث لأمير المؤمنين×، حيث قال: «واسْتَبَدَّ فلان بكذا، أَي انفرد به. وفي حديث عليّ رضوان الله عليه: كنّا نُرَى أَنّ لنا في هذا الأَمر حقّاً فاسْتَبْدَدتم علينا. يقال: استبَدَّ بالأَمر يستبدُّ به استبداداً إذا انفرد به دون غيره. واستبدَّ برأيه: انفرد به»[5].

هذا؛ ونجد أنّ في القواميس الفرنسيّة (Larousse et Robert) توافقاً على معنى مصطلح (Despote) بالفرنسيّة المكافئ لمصطلح (المستبدّ) بالعربيّة. أصل الكلمة من اليونانيّة، وتعني السيّد أو الحاكم الذي يحكم بسلطة اعتباطيّة، مطلقة وقمعية، أو هو حاكم يُعطي نفسه سلطةً مفرطةً واعتباطيّةً، أمّا على المستوى الشخصي اليومي، فالمستبدّ هو مَن يمارس على محيطه تسلّطاً مفرطاً[6].

وأمّا اصطلاحاً: فهو عبارة عن: «تصرّف فرد أو جماعة في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة»[7].

وورد في تعريف الاستبداد أيضاً بأنّه: «يُعدّ من الناحية النظريّة نموذجاً للعلاقة بين الحكومة والشعب، وأحد أنواع الحكومات في عصر ما قبل الحداثة، تتمركز فيه السلطة عند فرد أو فئة قليلة من الأفراد، والشاخصة الأساسيّة لهذا النموذج هو فقدان النظام»[8].

وكذا عُرّف بأنّه: الانفراد بإدارة شؤون المجتمع من قبل فرد أو مجموعة عن طريق الاستحواذ والاستيلاء والسيطرة من دون وجه حقّ[9].

إذاً؛ فالشاخصة المشتركة التي يمكن أن نخرج بها من التعاريف أعلاه للاستبداد، هي التفرّد بالرأي وعدم الاعتناء بإرادة الآخرين. نعم، هذا التفرّد في مقام إدارة شؤون الحكم والتسلّط على الآخرين لا يكون استبداداً إلّا إذا كان بالقهر والغلبة، وعدم حقّانيّته، وفقدان النظام والقانون؛ ومن هنا قال البعض: «فإذا كان الحاكم لا يلتزم بقانون، وإنّما قوله وفعله هما بمثابة القانون، فهو نظام حكم استبدادي»[10].

هذا؛ ولم يرتضِ البعض الربط بين الاستبداد كضرب من الحكم، وبين عدم الخضوع للقانون، مبرّراً هذا التصوّر بأنّ أغلب المستبدّين اليوم يقهرون الناس ويستعبدونهم استعباداً قانونيّاً؛ تنفيذاً لحكم أصدره الجهاز القضائي في الدولة، وتطبيقاً لقانون وضعه مشرّعون في نطاق العمل بالدستور؛ وعليه فصرف الاعتماد على قانون وتشريعات في إدارة الدولة لا يكفي في  نفي صفة الاستبداد عن النظام، بل لا بدّ من التفحّص بصورة أعمق في القانون ذاته، فالنظام القانوني الذي يسمح لفرد، أو مجموعة من الأفراد أن ينفردوا بإدارة شؤون المجتمع ـ بأيّة وسيلة ـ من دون بقية المواطنين، هو حكم استبدادي[11].

هذا؛ وإنّ الناظر للكلام المتقدّم، وخصوصاً ممّن ذاق وبال وشراسة الأنظمة الاستبداديّة، يرى منطقيّة الإيراد المذكور، فليس صرف الاعتماد على قانون يكون مُخرجاً لنظام الحكم عن دائرة الاستبداد، فكثيراً ما رأينا ونرى متسلّطين يعتمدون في حكمهم على قوانين وأنظمة تسيّر لهم إدارة شؤون الرعيّة، يُصنَفون بحسب العرف العقلائي وعالم السياسة بأنّهم مستبدّون؛ والسبب يعود إلى أنّ قوانينهم لم تنشأ على وفق إرادة جماهيريّة روعيت فيها المصلحة العامّة، بل وضعها أصحاب السلطة أنفسهم، أو مَن يدور في فلكهم، ولا يوجد فيها ما يتعارض مع مصلحة السلطة بشكل خاصّ، وعلى فرض الوجود والتعارض فإنّ هذه القوانين يُضرب بها عرض الجدار، ويرى المستبدّ لنفسه مطلق الحقّ بأن يكون فوق القانون.

نعم، قد يُقال: إنّ القانون والنظام الذي أُشير إليه في التعاريف ـ والذي ذهب البعض إلى أنّ من صفات المستبدّ عدم الالتزام به ـ هو القانون الذي لم يُعدّ لمصلحة شخص معيّن أو جماعة خاصّة، وإنّما كانت فيه المصلحة النوعيّة هي الملحوظة، القانون الذي ارتضاه غالبيّة الرعيّة. وفيما عدا ذلك فمن الواضح أنّه ليس هو القانون المأخوذ عدم مراعاته قيداً في التعاريف المتقدّمة، فالقانون الذي وضعه المستبدّون لأنفسهم هو قانون استبدادي، ولا تخلو أيّة حكومة أو سلطة مستبدّة من السير على وفقه.

وعلى أيّة حال؛ ليس غرضنا من الحديث في هذه الفقرة هو الغوص في مفهوم الاستبداد، وبيان الآراء والنظريّات التي ذُكرت في تطوّر هذا المفهوم قديماً وحديثاً[12]؛ لأنّه سوف يؤدّي بنا إلى الخروج الكبير عن صلب البحث.

إنّ مقصودنا من الاستبداد في المقام هو ذات الحيثيّة المأخوذة في مفردة الطغيان[13]، وليس شيئاً آخر منفصلاً عنه[14]؛ فما هو جوهري في فعل الاستبداد (أي الانفراد)، يتضمّن ـ  من دون أدنى شكّ ـ معنى نفي الآخر، وعدم الاعتراف به مشاركاً في الحقّ العامّ، وحينها يحصل الاعتداد والاغتصاب والطغيان من قبل المستبِدّ للآخرين[15].

وهذه الحيثية المشتركة بين المفهومين هي ما نريد الانطلاق منه لبيان العوامل الكفيلة في تقويض الأنظمة الاستبداديّة التي تتسلّط على رقاب الشعوب، استناداً إلى ما نطقت به النصوص التي تكفّلت بربط الزائر للحضرة الحسينيّة المباركة في كربلاء بسيّده ومولاه الإمام أبي عبد الله×، الإمام الذي قاد نهضة الإصلاح والثورة على الطغاة والمستبدّين في عصره.

عوامل نشوء الأنظمة الاستبداديّة

عند حديثنا عن عوامل تقويض الأنظمة الاستبداديّة، نرى من الضروري أن نتحدّث ـ ولو على عجالة ـ عن عوامل نشوئها؛ فإنّ معرفتنا بهذا الأمر تُعينينا بشكل كبير في معرفة الجذور التي تأسّست عليها هذه الأنظمة، وبالتالي سوف نكون على دراية تامّة بكيفيّة مواجهتها من خلال ما سنحصل عليه من مضامين جاءت بها زيارات المولى أبي عبد الله الحسين×. ومن هذه العوامل التي وقفنا عليها بحسب الاستقراء:

1ـ القابليّة على الاستيلاء وإقامة السلطة على رقاب الناس بالقوّة والجبروت[16]، فالطاغية المستبدّ هو مَن له القابليّة على ظلم الآخرين من دون أيّ عذاب وجدان أو ضمير، وقد يصل به الحال إلى قتل آلاف الأبرياء العزّل إذا أحسّ بأنّهم يهدّدون سلطانه. ومن هذه المشاهد ما يحكيه لنا التاريخ من موقف لأحد المستبدّين العرب في صحراء نجد، وهو حجر بن الحارث والد الشاعر المعروف أمرئ القيس، هذا المستبدّ الظالم الذي ورث الحكم عن أبيه الحارث على قبائل تلك المنطقة، وعندما تمرّد عليه بنو أسد حاربهم وهزمهم، وأنِف أن يقتل أسراهم بالسيف،  وإنّما انهال عليهم ضرباً بالعصا حتّى ماتوا، وقيل فيهم: عبيد العصا[17].

كما يُنقل في هذا الصدد أيضاً بأنّ جوزيف ستالين القائد الثاني للاتّحاد السوفيتي الذي حكم من عشرينيّات القرن العشرين وحتّى وفاته عام 1953م «كان يرسل إلى معسكرات الاعتقال سبعة ملايين إنسان، ويقتل ما لا يقلّ عن نصف مليون، وفي عام 1983م كان يعدم من نخبة المجتمع السوفياتي (الأدمغة) في وجبة واحدة كلّ يوم ألف إنسان من موسكو»[18].

إذاً؛ فهذه القسوة والبطش من قبل الحاكم المستبدّ هي مَن تجعل الجماهير تنقاد إليه فاقدةً لأيّة إرادة، بل حتّى الدعوات التي تحاول إخراجهم من هذا المستنقع الضحل نجدهم يرفضونها،  قال تعالى: (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)[19]. وقال تعالى أيضاً حكاية عن ملأ فرعون: (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)[20].

2ـ الفقر والفاقة؛ فإنّ الشعوب التي تنشأ في مهاد الفاقة، وتتعرّض للجوع، فيتأخّر نموّها العقلي والبدني والنفسي جرّاء ذلك، نجدها تكون دوماً أرضيّةً خصبةً لظهور مستبدّين يُمسكون برقابها، ويسحقون كلّ مظاهر الحرّية لديها، من دون أن تكون لهذه الشعوب أيّة مقاومة تُذكر، بل نراها تجد أنّ الحلّ الوحيد هي الاستخذاء للحاكم والتملّق له والتفاني في طاعته[21].

وفي هذا الصدد يحكي لنا القرآن الكريم على لسان الطاغية فرعون، كيف أنّه كان يُهدّد قومه بسبب كونه هو مَن يمتلك القدرة الماليّة دونهم، وذلك في قوله تعالى: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[22].

3ـ المقدّرات الماليّة التي يتميّز بها المستبدّ عن غيره، وهذا العامل يعتبر الوجهة المقابلة للعامل السابق؛ وذلك لأنّه ينظر إلى خصوص القلّة التي تُسيطر على رقاب الناس وتستعبدهم، والتي تكون ثريّةً من البداية، أو أنّ الثراء يحصل لها بعد استحواذها السلطة، فتُصيّر ما وصلت إليه من نفوذ ملكاً عضوضاً يختصّ بها لوحدها. وفي كلا الحالين تصطنع هذه الفئة فريقاً كبيراً من الشعب، تمنحه القليل من   المال وتُبيحه جزءاً من السلطة، فيكون لها الخادم المطيع والحارس الأمين[23].

ولعلّ عامل المال هذا من أهمّ العوامل التي تولّد ظاهرة الاستبداد، فطالما كان الثراء هو أساس الفساد، فالمترفون والأثرياء هم مَن كانوا يقفون في أغلب الأحيان بوجه كلّ دعوات الإصلاح التي قادها أنبياء الله ورسله وأوصياؤه^، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)[24].

4ـ قدرة الطبيعة الإنسانيّة على الاستجابة لضروب الضغط والقسر ما دامت محتومةً عليها، فالإنسان ككائن حي يستطيع تكييف نفسه حسب البيئة الجديدة، حتّى لا يتعرّض للهلاك، وقد تزيد حالة التكيّف والاستجابة هذه لدى الناس فتوجد عندهم حالة الخضوع والاستخذاء[25]، بحيث يتلقّون ما يقوله المستبدّون وكأنّه الحقيقة، فينظّمون حياتهم وسلوكيّاتهم على أساس ما يفرضه الحكّام عليهم من معتقدات وقيم، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في قوله تعالى: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ٍ...)[26].

وقوله تعالى أيضاً: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ)[27].

ومن لطائف الأشعار التي يمكن استشعار هذه الحالة منها، ما أنشده أحمد شوقي في إحدى قصائده: [28]

قد تعيش النفوس في الضيم حتّى

ترى الضيم أنّها لا تُضام(5)

 

5ـ الجهل وغياب الوعي؛ فإنّه توجد علاقة واضحة بين هذه الحالة التي يُصاب بها بعض الشعوب ونشأة الأنظمة الاستبداديّة فيها، وهذه العلاقة هي علاقة سبب ونتيجة متبادلة؛ فإنّ ظاهرة التخلّف العلمي نجدها سبباً مباشراً لوجود هذه الأنظمة، وفي الوقت نفسه نرى المستبدّين يسعون دائماً إلى تجهيل الشعوب، وسلبها حالة الوعي؛ لأنّ امتلاك الشعوب لحرّية التفكير وتكوين العقل النقدي معناه تعرّض تلك الأنظمة للمساءلة، وبالتالي الثورة والتحرّك لإنهائها والتخلّص منها، وهذا ما تخشاه وتسعى إلى إذابته في المجتمع[29].

وهذه الظاهرة التي يعيش عليها الطغاة والمستبدّون قد أشار إليها القرآن في قوله تعالى: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)[30]، «أي استخفّ عقول قومه وأحلامهم»[31].

كما ورد في القرآن الكريم أنّ من صفات النبي الخاتم‘ رفعه لأغلال الجهل والعبوديّة للمتكبّرين والمتجبّرين عن أعناق الناس، حيث يقول تعالى: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)[32]. فهو‘ «ليس كأدعياء النبوّة والرسالة الذين يهدفون إلى توثيق الناس بأغلال الاستعمار والاستثمار والاستغلال، بل هو على العكس من ذلك، إنّه يرفع عنهم إصرهم والأغلال التي تُكبّل عقولهم وأفكارهم وتُثقل كاهلهم‏»[33].

آثار الاستبداد

ونحن إذ نتحدّث عن مفهوم الاستبداد وعوامل نشوئه؛ بغية معرفة عوامل تقويضه من منظار زيارات المولى أبي عبد الله الحسين×، نرى من المناسب أن نذكر للقارئ العزيز عرضاً موجزاً لأهمّ آثار الاستبداد؛ لنقف على الدور المهمّ الذي تلعبه الزيارات المشار إليها في تخليص المجتمع الإنساني من هذه الآثار بعد قلع جذور الاستبداد وتقويض أركانه، ويمكننا عرض هذه الآثار بالشكل التالي:

1ـ انحراف الغرائز الإنسانيّة عن طبيعتها بفعل القمع الذي يُمارسه المستبدّون، ومن أبرز ذلك ما يُمارس في المقام من قمع وترهيب يؤدّي إلى تغييب غريزة الفكر التي يتمتّع بها الإنسان دون غيره، فيعيش حينها خاملاً ضائع القصد لا يدري ما يفعل، ولا يهتمّ بشيء سوى المأكل والمشرب، بعيداً كلّ البعد عن أيّ إبداع فردي أو مجتمعي.

2ـ إنّ الوصاية التي يُمارسها المستبدّ هي وصاية مخلوق على مخلوق آخر، وعلوّ بشري على البشر، وهذا التصرّف يُضادّ كمال عقيدة التوحيد، ويشوّه دين المساواة والعدل، فطبيعة الاستبداد هي منازعة لله تعالى في كبره وعلوّه، وهاتان الصفتان هما من مختصّاته عز ّوجلّ، فقد ورد في الحديث الشريف عنه‘: «الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالعَظَمَةُ إِزَارِي،‏ فَمَنْ نَازَعَنِي فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْقَيْتُهُ فِي النَّار»[34].

إنّ هذه المنازعة نجدها قد تجلّت بشكل واضح وجلي لدى الكثير من المستبدّين، أبرزهم الفراعنة الذين وصل بهم الطغيان إلى أمر الناس بعبادتهم دون سواهم؛ حيث نجد في هذا الصدد ما حكاه القرآن عن لسان فرعون في قوله تعالى: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)[35]. وقال أيضاً: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)[36].

وقد تكون هذه المنازعة بشكل أخفّ، فيؤسّس المستبدّ طقوساً وحقوقاً خاصّةً تتجلّى فيها حالة العظمة والكبرياء، يمنحها له ولعائلته باسم الله أو باسم رسوله.

3ـ انتشار الأمراض الاجتماعيّة، من قبيل صيرورة الإنسان شريراً لا يهمّه سوى النهب والسلب استعمال كلّ الوسائل الممكنة لإشباع رغباته العضويّة، وكذا تصير العلاقات الاجتماعيّة بين الناس قائمةً على القهر وتسلّط بعضهم على البعض الآخر، وتكون مبنيةً على القوّة والقدرة.

4ـ من الأمراض التي يُعاني الإنسان منها في ظلّ الحكومة الاستبداديّة هي حالة القلق المستمرّة جرّاء خوفه من التهديد المتواصل الذي يحتمله من قِبل السلطة؛ بسبب صدور كلمة أو موقف قد يكون غير مقصود في أحيان كثيرة، تؤوّل بطريقة تجعله يقف في مقابل السلطة وأجهزتها القمعيّة، وهذا القلق سوف يؤثّر على علاقة الفرد مع الآخرين، سواء في دائرة أُسرته أم مدرسته أم مجتمعه بشكل عامّ.

5ـ من المساعي الحثيثة التي يلهث خلفها المستبدّون هو إضعاف المجتمع من خلال خلق ظاهرة التباين الطبقي بين أفراده وأُسره وقبائله، أي إيجاد طبقات متحاربة ومتناقضة في مصالحها، طبقة تُعاني من الويلات والفقر والحرمان، في مقابل طبقة المستكبرين والمستثمرين في دماء الطبقة الأُولى وكدّها وتعبها، مضافاً إلى وجود طبقة متملّقة منافقة تسعى إلى كسب الفتات من موائد المستكبرين، وإيجاد الوقيعة بكلّ مَن يفكر بالتغيير والإصلاح.

6ـ شيوع الرذائل الأخلاقيّة بين أفراد المجتمع، ومن أبرزها قتل العزّة والشموخ في النفس البشريّة، بحيث يتحوّل غالبيّة الشعب إلى تبعيّة للنظام الحاكم، يصفقّون له باستمرار ويهتفون باسمه، ويصير همّهم الوحيد هو العمل من أجل التقرّب من جهاز السلطة، والتباهي والتفاخر بمحبّته، فينتشر حينها الحقد والكره بين أفراد المجتمع، بل بين أفراد الأُسرة الواحدة أحياناً.

7ـ إفقار الشعب من خلال توظيف جزء هائل من ميزانية الدولة لصرفها على القوّات الأمنيّة الداعمة للسلطة على حساب القطاعات التنمويّة الأُخرى في المجتمع؛ من أجل تعزيز وتقوية وجودها واستدامته.

8ـ إنّ غياب الحرّيات السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة في بلد ما ـ نتيجة القمع الممارس به ـ يؤدّي إلى حصول حالة الاغتراب السياسي والاجتماعي لدى الأفراد داخل الدولة، فيدفعهم إلى اللجوء للبحث عن أماكن أُخرى تُقدّر ملكاتهم العقليّة والفكريّة، وبالتالي تحصل ظاهرة الهجرة واللجوء بشتّى أنواعه السياسي، والإنساني، و... إلى غير ذلك من الآثار الكثيرة[37].

ظروف الحكم التي نشأت فيها النهضة الحسينيّة

إنّ مسألة كون الإسلام عند بزوغه في الجزيرة العربيّة هل كان يحمل مشروعاً سياسيّاً، ودولةً تضاهي دولة الفرس والروم، بل تغزوها في عقر دارها؟ قد تكون من المسائل التي تحتاج إلى بسط بحث، وفيها نظر كما يدّعي البعض[38]. لكن بغض النظر عن البحث النظري في المقام، فإنّ الوقائع تشهد بأنّ الإسلام كان بصدد تأسيس نظام حكم، فالرسول في أوّل لحظة وصوله إلى المدينة تسلّم زمام الأُمور، وأخذ على عاتقه إصدار القرارات، من قبيل المؤاخاة، والأوامر بالتحرّك نحو الجهاد وما أشبه، على وفق الدستور الذي كان عبارةً عن الآيات القرآنيّة التي كانت تتزامن مع الأحداث التي كان يمرّ بها المسلمون.

كما أنّ الصحابة ـ وبغض النظر عن الاختلاف بينهم في شخصيّة خليفة رسول الله‘ ـ يرون ضرورة استدامة المشروع السياسي الذي بدأه‘.

وبناءً على هذه الثنائيّة في عالم السياسة (الحاكم/ المحكوم) نرى ضرورة التعرّف على طبيعة الحكم الذي نشأت فيه النهضة الحسينيّة؛ لنقف على الأرضيّة التي من خلالها نستطيع تشخيص ما قدّمته هذه النهضة من معطيات في مجال مقاومة الاستبداد السياسي والثورة ضدّه.

إنّ الحسين× عاصر أحداثاً سياسيّةً كثيرةً، كان من أبرزها ما شهده بعد وفاة جدّه المصطفى‘ من مجريات تنحية والده الإمام علي بن أبي طالب× عن منصب الخلافة والإمامة، الذي كان قد عهد له به رسول الله‘ في بيعة الغدير كما في عقيدة أهل البيت^، واستئثار القوم بالسلطة.

وبعد أن توالت الأحداث وصولاً إلى تسنّم الخليفة الثالث ـ وهو عثمان بن عفّان أحد رجالات البيت الأُموي ـ للسلطة هنا بدأت بشكلها الواضح معالم الاستبداد بالسلطة وترك مشورة الناصحين، ووضع غالبيّة مناصب الدولة ومقدّراتها في يد القلّة القليلة من المسلمين، وفي هذا الصدد قال ابن قتيبة: «ذكروا أنّه اجتمع ناس من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فكتبوا كتاباً ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنّة رسول الله وسنّة صاحبيه، وما كان من هبته خمُس إفريقية لمروان، وفيه حقّ الله ورسوله، ومنهم ذوو القربى واليتامى والمساكين، وما كان من تطاوله في البنيان، حتّى عدّوا سبع دور بناها بالمدينة... وما كان من إفشائه العمل والولايات في أهله وبني عمّه من بني أُميّة، أحداث وغلمة لا صحبة لهم من الرسول، ولا تجربة لهم بالأُمور... وتركه المهاجرين والأنصار لا يستعملهم على شيء ولا يستشيرهم ، واستغنى برأيه عن رأيهم»[39].

ومن سياسات عثمان الأُخرى أنّه «أقطع من السواد لبعض الصحابة»[40]، على الرغم من إقراره بكون الأرض المفتوحة عنوةً تكون فيئاً للمسلمين ولا تُقسّم بين الغانمين[41]. وفي المقابل نجده قد منع بعض كبار الصحابة من أُعطياتهم كما فعل ذلك مع عبد الله بن مسعود[42].

ونتيجة هذه الإجراءات الظالمة نجد أنّ الثروة تكدّست في أيدي فئة قليلة العدد[43]، فالزبير بن العوّام قُدّرت تركته بعد موته بـ 59 مليون و800 ألف درهم، وكان له ألف مملوك يؤدّون له الخراج، وكان له في المدينة أحد عشر داراً، وله دور وجنان في البصرة والكوفة والفسطاط والإسكندريّة، وممّا تركه أيضاً ألف فرس، ونحو ذلك.

أمّا طلحة بن عبيد الله فقد كان يملك ما قيمته 30 مليون درهم، وكان عند خازنه يوم موته مبلغ قدره مليونان ومئتا ألف درهم، وكان له دار مشهورة في الكوفة، وكانت غلّته من العراق ألف دينار كلّ يوم، إلى غير ذلك من الأموال.

أمّا سعد بن أبي وقاص فقد بنى داراً بالعقيق، فرفع سمكها ووسّع فضاءها وجعل أعلاها شرفات، وكان ميراثه 250 ألف دينار.

أمّا زيد بن ثابت فقد خلّف حين مات من الذهب والفضة ما كان يُكسّر بالفؤوس، غير ما خلّف من الضياع بقيمة مئة ألف دينار.

أمّا عثمان نفسه فقد وجد عند خازنه يوم مقتله 30 مليون و500 ألف درهم، و150 ألف دينار، وترك ألف بعير في الربذة، وصدقات بقيمة 100 ألف دينار، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما 100 ألف دينار، وغير ذلك من الإبل والخيول الكثيرة التي خلّفها.

إلى غير ذلك من الإحصائيّات التي تطرّقت إلى ما في أيدي المقرّبين من السلطة الحاكمة من أموال[44].

 كلّ هذا التبذير والإسراف، ووضع الأموال في أيدي القلّة القليلة من الأُمّة، لا يكون إلّا على أيدي حكومة استبداديّة ترى لها الملكيّة الخاصّة لكلّ مقدّرات الأُمّة تفعل بها ما يحلو لها.

وفي مقابل هذا البذخ والسرف نجد أنّ الإمام علي بن أبي طالب× ـ وهو من كبار الصحابة ـ لم يكن من أصحاب المال، وأنّه يذهب في سياسته إلى ضرورة توزيع الثروة بشكل عادل بين المسلمين، فهو× القائل عندما عوتب على التسوية في العطاء: «أَتأمرونِّي أَن أَطلبَ النصرَ بالجورِ فِيمَن وُلِّيتُ عليه؟! والله، لا أَطُورُ[45] به ما سَمَرَ سَمِيرٌ[46]، وما أَمَّ نَجمٌ في السماء نجماً، لو كان المال لي لسوَّيتُ بينهم، فكيف وإنّما المال مال الله، أَلَا وإنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذيرٌ وإسرافٌ، وهو يرفع صاحبه في الدنيا، ويضعه في الآخرة، ويكرمه في الناس ويهينه عند الله، ولم يضع امرؤٌ ماله في غير حقّه ولا عند غير أهله، إلّا حرمه الله شكرهم، وكان لغيره ودّهم، فإن زلّت به النعل يوماً فاحتاج إلى معونتهم فَشَرُّ خليلٍ، وأَلأَمُ خَدينٍ[47]»[48].

إنّ هذه الأخلاقيّات في سياسة إدارة الدولة التي سار عليها أمير المؤمنين× هي التي ألّبت عليه أصحاب النفوذ والسلطة والثروة، وممّن سار في ركبهم من الجهلة والهمج الرعاء الذين ينعقون خلف كلّ ناعق، فهو× ـ بحقّ ـ كما وصفه ضرار بن عمرو لعدوّه اللدود معاوية بأنّه: «كان بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلاً ويحكم عدلاً... يعظّم أهل الدين ويُحبّ المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله»[49].

كلّ هذا والإمام الحسين× يعيش هذه المفارقة في الحكم بين فترة الاستبداد والاستئثار بالأموال، وفترة العدالة والتسوية بين المسلمين، هذه العدالة كانت هي السبب وراء الأحداث المريرة والحروب الشرسة التي عانها أمير المؤمنين×، حتى اختتمها بنيله وسام الشهادة في محراب الصلاة. فعلى الرغم من كون الحكومة عادلةً في تلك الفترة، لكنّ غالبيّة الناس لم يصلوا إلى تلك الدرجة العالية من الوعي لكي يحموا هذه الحكومة ويقفوا إلى جانبها، فكان الطغاة بواسطة الترهيب والترغيب والتصفيات الجسديّة، يسعون دوماً إلى فكّ الارتباط بينها وبين قاعدتها الشعبيّة.

وقد تجلّى هذا الأمر بشكل أكبر في خلافة الإمام الحسن بعد أبيه أمير المؤمنين×، فكانت مواجهة الاستبداد والظلم والطغيان في أشرس صورة، كيف لا؟ ونجد أنّ معاوية الذي أخذ السلطة ظلماً من أصحابها الحقيقيّين يقول ما نصّه: «إنّي لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا»[50]. بل الأكثر من ذلك
فإنّه يوجد حديث نبوي مشهور ترويه المصادر السنّية يصف فيه‘ خلافة معاوية ومَن جاء بعده بالملك، حيث رُوي عنه‘ في هذا الصدد: «الخلافة بعدي ثلاثون
سنةً، ثم تكون ملكاً»
[51].

وهو حديث نقله أصحاب السنن، وصحّحه ابن حبّان وغيره[52]، بل وصفت بالملك العضوض في رواية أُخرى عنه‘ يقول فيها: «إنّ هذا الأمر بدأ رحمةً ونبوّةً، ثم يكون رحمةً وخلافةً، ثم كائن ملكاً عضوضاً»[53]. والعضوض هو أن يُصاب الرعيّة في هذا الملك بالعسف والظلم[54].

إذاً؛ فبداية الحكم الملكي الاستبدادي نشأ بشكل رسمي على يد معاوية بن أبي سفيان، ومن هنا ذهب البعض إلى عدم صحّة تسمية معاوية خليفةً وإنّما ملكاً[55].

إذاً؛ هذه هي البيئة التي بدأت فيها معالم النهضة الحسينيّة، فإنّ أُسسها الشرعيّة قد تحدّدت بشروط الصلح بين الإمام الحسن× ومعاوية، وأنّ الإمام× تنازل لمعاوية فقط دون أيّ أحد من عائلته أو أقربائه، والأمر في حال موت كلا المتصالحين يكون لشورى المسلمين[56]، أو يكون الأمر للإمام الحسين×[57]، لكنّه وبموت معاوية وتولّي ولده يزيد شؤون الحكم من بعده تنفيذاً لولاية العهد التي منحها إيّاه أبوه، جاعلاً بنود وثيقة الصلح خلف ظهره، بدت الظاهرة الاستبداديّة والتفرّد في أشدّ صورها.

يُضاف إلى ذلك شخصيّة يزيد الفاقدة لكلّ معايير العقيدة السليمة والأخلاق الحسنة، فمن الكلمة التي قالها الإمام الحسين× لمروان عندما طلب منه الأخير البيعة ليزيد، نعرف المصير الذي تنتظره الأُمّة الإسلاميّة بعد فرض يزيد حاكماً عليها، حيث قال×: «إنّا لله وإنا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام، إذ قد بُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد»[58].

عوامل تقويض الأنظمة الاستبداديّة في نصوص زيارات الإمام الحسين×

بناءً على النتائج المتقدّمة، فإنّ اشتعال ثورة الرفض لتولّي الطاغية يزيد زمام الأُمور، كان من الأُمور الضروريّة لتقويم المسار السياسي والديني والأخلاقي لرأس الهرم في الدولة الإسلاميّة، هذه النهضة المعطاء التي قادها أبو عبد الله الحسين× مع ثلّة من أهل بيته وصحبه البررة، والتي انتهت في يوم العاشر من المحرّم بانتصار الدم على السيف، والهزيمة المعنويّة للمعسكر اليزيدي؛ فإنّ أحد أهمّ المخرجات التي انبثقت من هذه النهضة المباركة هو ظاهرة الزيارة لقبر المولى أبي عبد الله×، سواء في أوقات مخصوصة، أم أنّها غير مقيّدة بزمان معيّن.

إنّ زيارة مراقد الأولياء والصلحاء تُعدّ من الظواهر التي تُساهم في إيجاد حالة من التلاقي بين نشأتين متغايرتين، هما نشأة الدنيا ونشأة الآخرة، وذلك من خلال ربط المسلم بمَن سبقه من الذين حملوا همّ نشر تعاليم هذا الدين الحنيف والمحافظة عليه، وبالتالي يبقى متمسّكاً بعُرى هذا الدين ومطبّقاً لتعاليمه، وهذا ما تسعى إليه المنظومات الدينيّة الإلهيّة جميعاً.

وقد برزت هذه الحالة بشكل جلي في الفكر الشيعي الذي سعى ـ من خلال الاعتماد على النصوص الشرعيّة ـ إلى ربط أتباعه بالنبي‘ وآل بيته البررة^؛ بغية تأمين الضمانات التي تمنع من وقوع الانحراف الذي تُمنى به ـ في الأعمّ الأغلب ـ سائر الدعوات الأُخرى، وضعيّةً كانت أو دينيّةً.

وعليه؛ فجعل هذا الفكر أتباعه يعيشون حالة الامتداد الروحي من زمن حياة أئمّتهم^ إلى ما يليه، من خلال مَعلَم ديني هو تعاهد قبورهم وزيارتها باستمرار، كان من أبرز النجاحات التي حقّقها المذهب الشيعي على مرّ التاريخ، والتي ضمنت له نصرة أتباعه في أحلك الظروف وأشدّها.

ومن أبرز هذه المعطيات الدور الذي لعبته نصوص الزيارات في مجال ربط الزائر بالهدف الأساس للنهضة المباركة، وهو مواجهة الظلم والاستبداد وتقويض أركانه.

ومن هنا؛ سوف نسعى في العرض التالي إلى استعراض المضامين الواردة في الزيارات، التي لها دور في تقويض هذه الغدّة السرطانيّة المتمثّلة بالاستبداد، الجاثمة على صدور الناس والناهبة لثرواتهم والمؤدّية إلى ضياعهم. وبعد مطالعتنا لمجموع نصوص الزيارات، نصنّف هذه العوامل إلى صنفين رئيسين، صنف يتّخذ أُسلوب المواجهة المباشرة مع المستبدّ الظالم، ويكون لوحده كفيلاً في تحريك الأُمّة باتّجاه تقويض سلطانه وكسر شوكته. وصنف آخر غير مباشر، يكمن دوره في تهيئة الأرضيّة المناسبة لإضعاف هذا المستبدّ وإزالته في نهاية المطاف، بضميمة وسائط أُخرى.

هذا؛ وسنذكر لكلّ عامل ما يتيسّر لنا من المضامين الموجودة في نصوص الزيارات، مراعين في ذلك جانب الاختصار. كما إنّنا سنقتصر في هذا القسم من المقال على ذكر العوامل المباشرة فقط، تاركين الحديث عن العوامل من الصنف الآخر إلى القسم الثاني إن شاء الله تعالى.

العوامل المباشرة

العامل الأوّل: إيقاظ حالة الرفض المستمرّة للأنظمة الاستبداديّة والاستعداد للثورة ضدّها

أسلفنا فيما تقدّم عند حديثنا عن عوامل نشوء الأنظمة الاستبداديّة بأنّ الطبيعة البشريّة لها القدرة والقابليّة على الاستجابة لضروب الضغط والقسر، فالإنسان قادر على تكييف نفسه حسب البيئة الجديدة، حتّى لا يتعرّض للهلاك؛ ومن هنا فلو لم يكن هناك منبّه وموقظ له فسوف يكون طبيعةً خانعةً منكسرةً أمام الظالم، يفعل به كلّ صنوف القهر من دون أن يحرّك أيّ ساكن؛ ومن هنا وصف القرآن التابعين للمستكبرين بالضعف، ملوّحاً إلى أنّ منشأ استعبادهم في الدنيا كان عبارةً عن عجزهم وعدم قدرتهم، فقد قال تعالى: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍﭻ)[59]. وقال أيضاً: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ)[60].

وهنا يأتي دور الإشارة إلى حيثيّة الظلم والجور الذي وقع على أهل البيت^ وأشياعهم، الوارد في زيارات المولى أبي عبد الله× في إيقاظ الأُمّة من سباتها وخضوعها التامّ للحكومات المستبدّة، فهناك ظلم وجور وقع على الإمام الحسين× من قبل طاغوت عصره المستبدّ يزيد، ووقع على عموم أهل البيت^ جرّاء الممارسات الجائرة لحكّام زمانهم، وعلى الشيعة بشكل أعمّ في كلّ عصر وزمان. وهذا الظلم ينبغي أن يواجهه كلّ فرد من أفراد الأُمّة بالرفض؛ حتّى لا يُصيبهم العذاب في الآخرة علاوةً على سياط المستبدّين في الدنيا، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[61].

 وعليه؛ فإنّ الأُمّة حتى تكون متهيّئةً للتغيير وإقامة الحكومة العادلة، ينبغي أن تمتلك الأرضيّة الكافية لذلك، ومن المعبّدات لهذه الأرضيّة حالة الرفض المستمرّ للاستبداد والظلم، فجاءت نصوص الزيارة لكي تصبّ في تحقيق هذا الغرض بشكل واضح، ومن هذه النصوص على سبيل المثال:

«... فَلَعَنَ الله مَنْ قَتَلَكَ، وَلَعَنَ الله مَنْ ظَلَمَكَ»[62].

«... فَلَعَنَ الله اُمَّةً أَسَّستْ أَساسَ الظُّلْمِ وَالجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ، وَلَعَنَ الله اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ، وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمْ الله فِيها»[63].

«وَأَبْرَأُ إِلى الله وَإِلى رَسُولِهِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ ذلِكَ وَبَنى عَلَيهِ بُنْيانَهُ، وَجَرى فِي ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلى أَشْياعِكُمْ»[64].

إنّ ظاهرة اللعن هذه قد تكرّرت بشكل بارز في نصوص زيارات المولى أبي عبد الله×، وما ذلك إلّا لزرع الحالة التي ذكرناها في نفوس المسلمين عموماً والشيعة على وجه الخصوص؛ والسبب في هذا التكرار هو حالة الأُلفة لدى عامّة الناس بما عليه أُمراؤهم المستبدّون من الظلم والغشّ والخداع، هذه الحالة التي لا يمكن إزالتها إلّا بعد زمن طويل[65].

ومن طريف القول: إنّ الشيعة الإماميّة ـ وعلى مرّ التاريخ ـ لُقّبوا بـ(الرافضة)؛ للانتقاص منهم والتقليل من شأنهم، في حين أنّ هذا اللقب وسام شرف لهم، وهذا ما بيّنته المحاورة التي جرت بين الإمام الصادق× وأبي بصير، التي ورد فيها: «قال [أبو بصير]: قلت: جُعلت فداك، فإنّا قد نُبزنا نبزاً انكسرت له ظهورنا، وماتت له أفئدتنا، واستحلّت له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم. قال: فقال أبو عبد الله×: الرافضة؟ قال: قلت: نعم . قال : لا والله، ما هم سمّوكم، ولكنّ الله سمّاكم به، أما علمت يا أبا محمّد أنّ سبعين رجلاً من بني إسرائيل رفضوا فرعون وقومه لمّا استبان لهم ضلالهم، فلحقوا بموسى× لمّا استبان لهم هداه، فسُمّوا في عسكر موسى الرافضة؛ لأنّهم رفضوا فرعون، وكانوا أشدّ أهل ذلك العسكر عبادةً، وأشدّهم حبّاً لموسى وهارون وذرّيّتهما÷»[66].

ولكي يعرف القارئ العزيز أنّ اللعن الوارد أعلاه هو في مجال الجور الناشئ من حالة الاستبداد والتفرّد بالرأي وإقصاء الآخرين، فإنّنا نلفت نظره إلى النصّ الثاني من النصوص الثلاثة المتقدّمة، فقد ورد فيه أنّ اللعن منصبّ على الأُمّة التي دفعت أهل البيت^ عن مقامهم الذي هو خلافة رسول الله‘، هذه المرتبة التي خصّهم الله بها بحسب ما جاء من نصوص على لسان النبي الأكرم‘، فكلّ حكومة لا تسير على خطّ أهل البيت^ وتظلم الناس وتقتل النخبة منهم، سوف تكون مشمولةً بهذا اللعن، مهدّدةً باشتعال الثورة ضدّها في كلّ وقت.

وهذه الحالة من الرفض الجماهيري مع تناميها بين الناس، سوف تجعلهم على أُهبة الاستعداد للتضحية والثورة ضدّ الظلم والاستبداد، وعلاوة على ذلك؛ فإنّ هذا الأمر يستلهمه الزائر أيضاً من النصوص المباركة للزيارات عندما يترنّم بها وهو واقف في حضرة المولى أبي عبد الله×، فقد ورد في الزيارة: «أَدِينُ الله بِالبَرائةِ مِمَّنْ قَتَلَكَ، وَمِمَّنْ قاتَلَكَ وَشايَعَ عَلَيْكَ، وَمِمَّنْ جَمَعَ عَلَيْكَ، وَمِمَّنْ سَمِعَ صَوْتَكَ وَلَمْ يُعِنْكَ، يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَكُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً»[67].

إنّ الغرض من طلب الكون معهم هو من أجل الاستجابة لصوتهم وإعانتهم كما هو واضح؛ وبالتالي فإنّ تكرار هذه النصوص في مناسبات متعدّدة يجعل الزائر في حالة استعداد وتأهّب مستمرّين للتضحية والثورة ضدّ الظلم والجور الذي واجهه أهل البيت^، وما يقع على شاكلته على مرّ التاريخ.

ومن النصوص الأُخرى التي تُعطي الزائر هذه القوّة والبسالة، اقتران حالة الاستعداد التي أشرنا إليها بقضية اتّباع أمر أهل البيت^ والسير على نهجهم، فقد ورد في زيارته× يوم الأربعين: «وَأَمْرِي لاَمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ، وَنُصْرَتِي لَكُمْ مُعَدَّةٌ، حَتّى يَأْذَنَ الله لَكُمْ»[68].

ومن التعابير الأُخرى التي تُلهم الزائر هذا المعنى كذلك ترديده للنصّ التالي: «إِنْ كانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي عِنْدَ اسْتِغاثَتِكَ، وَلِسانِي عِنْدَ اسْتِنْصارِكَ، فَقَدْ أَجابَكَ قَلْبِي وَسَمْعِي وَبَصَرِي، سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً»[69].

العامل الثاني: إحياء ثقافة طلب الثأر لدماء الشهداء

إنّ مقاومة المستبدّين دائماً ما تؤدّي إلى حصول تضحيات في صفوف الجماهير المنتفضة، فصفة التفرّد بالرأي ترفض أيّة حالة تدَخُلٍ من قِبل الآخرين ونقْدٍ لسياساتهم في إدارة شؤون الرعيّة، ممّا يجعل هذه الإدارة غالباً ما تسير على وفق الهوى المفضي إلى وقوع العسف والجور في المجتمع. وإذا قُدّر وحدثت حالات نقد لهم فإنّهم يواجهونها بترهيب عامّة الناس، أو التصفيات الجسديّة للنخب، أو كليهما إن استدعى الأمر ذلك.

ونحن في مسيرة التاريخ نجد هذه الممارسات هي السمة البارزة في مثل هكذا مواقف، خذ مثلاً قصّة إبراهيم مع الكفرة والمستبدّين في زمان دعوته التوحيديّة، بحيث آل الأمر إلى إصدار الأوامر بحرقه× في النار، ولولا المعجزة الإلهيّة لكانت تصفيته قد تمّت في تلك الفترة. قال تعالى: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[70].

وأمّا فيما يخصّ ترهيب عامّة الناس والتنكيل بهم، فنطالع في القرآن قصّة بني إسرائيل مع طاغية عصرهم فرعون؛ حيث قال تعالى: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)[71].

ومن هنا؛ ومن أجل استدامة الثورات والحركات التحرّريّة ينبغي ألّا تذهب الدماء التي أُريقت سدىً، فتكون المطالبة بأخذ الثأر لها حاضرةً دوماً، وهذا ما يوقظ مضاجع المستبدّين والطغاة ويسلب راحتهم ولذة الحكم لديهم، بل ويشكّل عامل مواجهةٍ مباشرة من خلال القصاص منهم، ومن أعوانهم المشاركين في إهدار تلك الدماء الطاهرة.

ومن هذا المنطلق؛ نجد أنّ النهضة المهدويّة المباركة التي هي أبرز حركة تحرّريّة سوف تحصل في ربوع المعمورة، تشتمل على ثقافة الأخذ بالثأر لدماء الشهداء؛ وذلك لكونها ثقافة المستقبل الذي يُشكّل الانتظار أهمّ حلقاته، فهذا المستقبل لا يتمّ إلّا بالرجوع إلى الوراء، أي لا بدّية أن يكون الماضي حاضراً دائماً في ذهنيّة أيّ فرد يُريد أن يكون مهدوياً، بمعنى أن يكون من أتباع الإمام× ويفهم حركته.

وبطبيعة الحال؛ إنّ الحديث عن هذه المفردة (الأخذ بالثأر) ليس من ناحية مدلولها السلبي (الانتقام)؛ وذلك لأنّ الأخذ بزمام العدل وإزاحة بؤر الظلم المتراكم على طول خطّ مسيرة التاريخ، هو ليس ثأراً انتقاميّاً، ولن يكون كذلك بأيّة حال من الأحوال. هذا؛ وقد سلّطت الروايات الضوء على لون هذا الثأر وخصوصيّاته، وبيّنت كيف يكون ثأراً بعيداً عن النوازع الشخصيّة، وغير منحصر بجهة بعينها، أو جماعة محدّدة من الناس، وإنّما يكون هذا الثأر موجّهاً إلى كلّ مَن يحمل فكر العدوان من أيّ لون كان، ويحمل فكر إقصاء الآخر، وموجّهاً إلى مَن يجعل الجور وسحق الحقوق ميزاناً له في التفكير والممارسة[72].

إنّ الكثير من نصوص زيارات المولى أبي عبد الله× لا يخلو من زرع هذه الثقافة في نفوس الأحرار، ومنها:

ما ورد في قول الزائر: «السَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ الله وَابْنَ ثارِهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وِتْرَ الله المَوْتُورِ فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ، أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الخُلْدِ وَاقْشَعَرَّتْ لَهُ أَظِلَّةُ العَرْشِ...»[73].

وكذلك قوله: «وَأَشْهَدُ أَنَّ الَّذِينَ سَفَكُوا دَمَكَ، وَاسْتَحَلُّوا حُرْمَتَكَ مَلْعُونُونَ مَعَذَّبُونَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسى بْنِ مَرْيَمَ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ»[74].

وقد تكرّر النصّ التالي، فأصبح شعاراً يتلوه الزائر في الكثير من الزيارات، وهو: «السَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ الله وَابْنَ ثارِهِ وَالوِتْرَ المَوْتُورَ»[75].

وجاء في زيارة عرفة ـ علاوةً على المقطع أعلاه ـ ما نصّه: «لَعَنَ الله اُمَّةَ اسْتَحَلَّتْ مِنْكَ المَحارِمَ، فَقُتِلْتَ صَلّى الله عَلَيْكَ مَقْهُوراً، وَأَصْبَحَ رَسُولُ الله‘ بِكَ مَوْتُوراً»[76].

ومن المؤكّد أنّ طلب الثأر في الدنيا والقصاص لا يقتصر على القتلة المباشرين وحسب، بل يشمل كلّ السائرين على نهجهم؛ ومن هنا نرى أنّ أحد الشعارات المدوّية لدولة الحقّ بقيادة الإمام صاحب العصر والزمان#، هو: «أَيْنَ الطّالِبُ بِذُحُولِ[77] الأَنْبِياءِ وَأَبْناءِ الأَنْبِياءِ؟ أَيْنَ الطَّالِبُ بِدَمِ المَقْتُولِ بِكَرْبَلاَء؟»[78]. فهذا الشعار يهزّ عروش جميع الظلمة والمستبدّين، مكمّمي الأفواه وقتلة الناطقين بكلمة الحقّ أمام سلطانهم الجائر.

العامل الثالث: إحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

عندما يطرح علماء الاجتماع ظاهرة (الضبط الاجتماعي)، فإنّهم يقصدون به: «مجموعة من العمليّات المتداخلة لكلّ من الفرد (الضبط الداخلي) والمجتمع، تمارسها أجهزة عديدة، يستطيع بها المجتمع فرض السيطرة والرقابة على أفراده وتنظيم سلوكهم بالامتثال والتقليد قولاً أو فعلاً، من خلال مجموعة من الوسائل المادّية والرمزيّة أو كليهما معاً، بطريقة تقضي اتّساق وتوافق علاقات وسلوكيّات أفراده وجماعاته مع توقّعات ومثاليّات المجتمع التي يتبنّاها؛ بغية المحافظة على استمراريّة النسق الاجتماعي وتطوير أدائه...»[79].

ومن بين الوسائل المتنوّعة التي يرونها من أجل تحقيق عمليّة الضبط المشار إليها، الوسيلةُ المباشرة المتمثّلة في صعيد الجماعات الأوّليّة بـ(الأُسرة، المدرسة... إلخ)، حيث تكون العلاقات بين هذه الجماعات بنحو مباشر، فيُمارس الآباء وأولياء الأُمور والمعلّمون ونحوهم مهمّة (الضبط الاجتماعي) لسلوك الأطفال والتلاميذ من خلال الأوامر والنواهي المختلفة.

بيد أنّ هذه الوسيلة من (الضبط الاجتماعي) تبقى ذات فاعليّة محدّدة حينما ينحصر الضبط داخل (الجماعات الأوّليّة)؛ ولذلك فإنّ فاعليّة الضبط بالنسبة إلى مطلق الجماعات أو الأفراد، سوف تتّسع لتشمل كلّ (مواجهة) تتمّ بين الأشخاص والجماعات التي لا ترتبط بعلاقات الأُسرة أو الجوار أو المدرسة أو الصداقة، وهذا ما يلعب فيه (الاجتماع الإسلامي) دوراً مهمّاً؛ وذلك من خلال إقراره مبدأً عامّاً ينبثق من مفهوم (المسؤوليّة الاجتماعيّة)، التي تُعدّ وظيفةً إلزاميّةً لكلّ الأفراد والجماعات كما أوضحنا.

وهذا المبدأ هو (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) والذي يفرض مسؤوليّة  (دينيّة/اجتماعيّة) على جميع الأفراد أو الجماعات الإسلاميّة، حتّى أنّ الآية القرآنيّة الكريمة: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[80]، وكذلك الآية: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[81]، قد قرنتا الدعوة إلى الخير بمبدأ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ممّا يُفصح عن أنّ أحدهما لا يكاد يفترق عن الآخر.

هذا؛ وأنّ الفقهاء جعلوا تأدية هذه الشعيرة في شروط معيّنة[82] من الفروض التي لا يُعذر تاركها؛ ممّا يكشف عن مدى حرص المشرّع الإسلامي على تعميم مبدأ (المسؤوليّة الاجتماعيّة)، وتحقيق الضبط الاجتماعي الذي يؤدّي إلى تماسك المجتمع الإسلامي، ومنع أفراده من التلوّث بمختلف الانحرافات.

ومن أبرز الانحرافات التي تُصيب المجتمع هو الانحراف الحاصل لدى رأس الهرم، فأيّ انحراف أخفّ وطأةً من تسلّط حاكم مستبدٍّ طاغٍ على رقاب الرعيّة يسومهم سوء العذاب؟! ومن هنا؛ فإنّ من الضرورات الملحّة للثورة ضدّ الاستبداد والظلم تفعيل دور هذه الشعيرة في المجتمع، فقد رُوي عن الرسول الأكرم‘ أنّه قال: «أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر»[83].

وكذا رُوي عن الإمام الحسين×، عن أمير المؤمنين× أنّه قال: «... وقال: المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر[84]، فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةً منه؛ لعلمه بأنّها إذا أُدّيت وأُقيمت استقامت الفرائض كلّها، هيّنها وصعبها؛ وذلك أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع ردّ المظالم ومخالفة الظالم»[85].

وبخلاف ذلك نجد أنّ المشرّع الإسلامي يرتّب على عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ علاوة على العقاب الأُخروي ـ قانوناً اجتماعيّاً جزائيّاً، هو تسليط الأشرار على المجتمع الإسلامي، ممّا يُفصح ذلك عن مدى أهمّية هذا المبدأ في التصوّر الإسلامي، فقد رُوي عن الإمام الرضا× أنّه قال: «لتأمرُنّ بالمعروف ولتنهُنّ عن المنكر أو ليستعملنّ عليكم شراركم، فيدعو خياركم، فلا يستجاب لهم»[86].

وعلى الرغم من أنّ هذه الفريضة لها مجموعة ضوابط وشرائط قد لا تتوفّر لدى الكثير من الأفراد، فإنّ جعلها دستور حياة يعيشه الإنسان في كيانه ووجوده ولو على مستوى الأمر بالمعروف والنهي المنكر القلبيّين[87]، هو من العوامل الرئيسة لإرعاب الطغاة والمستبدّين.

ومن هذا المنطلق؛ نجد أنّ الإمام الحسين× جعل أحد أهداف نهضته المباركة تطبيق هذه الفريضة، حيث جاء في رسالته إلى أخيه محمّد بن الحنفية عند خروجه من مكّة، ما نصّه: «وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»[88].

ونظراً لاستمرار الآثار والبركات التي حملتها النهضة الحسينيّة جيلاً بعد جيل، والتي كان أحد تجلّياتها البارزة مراسم الزيارات التي يقوم بها المؤمنون لمرقد المولى أبي عبد الله×، فإنّنا نجد أنّ النصوص المعهودة التي يقرأها المؤمنون في هذه المراسم تُلقّن القارئ ـ من خلال ما يقدّمه من شهادات تنصّ على عمل قائد هذه النهضة المباركة بهذه الفريضة المهمّة ـ بضرورة إحياء هذه الشعيرة؛ وذلك لأنّ المبدأ الذي يستشهد عليه رمز الثورة وقائدها من المفترض أن يكون حاضراً في حياة أتباعه والسائرين على نهجه.

ومن هذه الشهادات المقطع التالي الذي ورد في زيارات عديدة، وهو: «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلاةَ وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَأَمَرْتَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنِ المُنْكَرِ»[89].

وكذا ورد في الصدد نفسه: «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بالَغْتَ فِي النَّصِيحَةِ وَأَعْطَيْتَ غايَةَ المَجْهُودِ»[90].

وورد أيضاً: «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَمَرْتَ بِالقِسْطِ وَالعَدْلِ، وَدَعَوْتَ إِلَيْهِما، وَأَنَّكَ صادِقٌ صِدِّيقٌ صَدَقْتَ فِيما دَعَوْتَ إِلَيْهِ، وَأَنَّكَ ثارُ الله فِي الأَرضِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ عَنِ الله، وَعَنْ جَدِّكَ رَسُولِ الله، وَعَنْ أَبِيكَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ أَخِيكَ الحَسَنِ، وَنَصَحْتَ»[91].

تعكس هذه التعابير مدى عمق هذه الفريضة الدينيّة التي تبرز حتى في وسط هذا الجهاد الدامي، فتمنحه بُعداً يجعله يتعدّى حدود الواجبات والمحرّمات الجزئيّة والفرعيّة والفرديّة، ليشمل القيام من أجل إقامة القسط وإسقاط حكومة الجور وتغيير النظام الاجتماعي الفاسد؛ فإنّ التالي لهذه النصوص يعيش جوّاً ثقافيّاً يرى فيه تسلّط يزيد وأمثاله من المستبدّين والطغاة من أكبر المنكرات الاجتماعيّة، وأنّ محاربته من أجل إحقاق الحقّ وإنهاء هذا التسلّط الغاشم يُعتبر معروفاً عظيماً، يكون لله ولرسوله فيه رضاً، فقد ورد في مناجاته× عند قبر جدّه المصطفى‘ ليلة خروجه من مكّة: «اللّهمّ إنّي أُحبّ المعروف وأُنكر المنكر، وإنّي أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحقّ هذا القبر ومَن فيه، إلاّ اخترت لي من أمري ما هو لك رضاً، ولرسولك رضاً، وللمؤمنين رضاً»[92].

الخاتمة

من خلال هذه الجولة السريعة في مضامين زيارات المولى أبي عبد الله×، وقفنا على الدور الذي تلعبه هذه النصوص في مقام إحياء ثقافة الثورة على الظلم والاستبداد في الوجدان الشعبي، فنهضته× المباركة لم تكن مجرّد حادثة تاريخيّة أنتجت آثاراً محدودةً، قد غاب رسمها بمضي الأيّام والليالي، بل على العكس من ذلك، فما قام به الإمام× من إصلاح قد شمل جميع المجالات الدينيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة.

ومن جملة ذلك ما رأيناه من دور قامت به إحدى ثمرات هذه النهضة المعطاء، وهي نصوص الزيارات من رفد الأُمم ـ الواقعة تحت أنظمة استبداديّة تُمارس بحقّهم أبشع صنوف الظلم والجور ـ بعوامل تتكفّل تحريكها نحو الثورة ضدّ هذه الأنظمة، وتسعى إلى رسم خارطة حكم عادل، تُحفظ فيه حقوق الرعيّة وتُصان كرامتها.

وقد رأينا أنّ العوامل قد تكون مباشرةً، وهي وحدها كفيلة في تحريك الأُمّة باتّجاه تقويض سلطان المستبدّ وكسر شوكته، وقد تكون غير مباشرة يكمن دورها في إعداد الأرضيّة المناسبة لإضعاف هذا المستبدّ، وبضميمة وسائط أُخرى ستكون مؤدّيةً إلى الثورة ضدّه، وإزالته في نهاية المطاف.

وقد استعرضنا في هذا القسم من المقال العوامل المباشرة، وهي ثلاثة عوامل:

إيقاظ حالة الرفض المستمرّة للأنظمة الاستبداديّة والاستعداد للثورة ضدّها.

إحياء ثقافة طلب الثأر لدماء الشهداء.

إحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأرجأنا الحديث عن العوامل غير المباشرة إلى قسم ثانٍ إن شاء الله تعالى.

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

الكتب

1.-         إرشاد القلوب إلى الصواب، حسن بن محمّد الديلمي (ت841هـ)، انتشارات الشريف الرضي، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1412هـ.

2.-         الاستبداد السياسي، برهان زريق، وزارة الإعلام السوريّة، دمشق ـ سورية، الطبعة الأُولى، 2016م.

3.-         الاستبداد قراءة نفسيّة، الدكتورة فاتن عبد الجبار ناجي الخزرجي.

4.-         الاستخراج لأحكام الخراج، عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (ت795هـ)، دار الكتب العلميّة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1405هـ.

5.-         الاستيعاب في معرفة الأصحاب، يوسف بن عبد الله بن عبد البر (ت 463هـ)، تحقيق: علي محمّد البجاوي، دار الجيل، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1412هـ ـ
1992
م.

6.-         الإمامة والسياسة، أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت276هـ)، تحقيق: الدكتور طه محمّد الزيني، مؤسّسة الحلبي وشركاؤه للنشر والتوزيع.

7.-         الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي (وآخرون)، ترجمة: محمّد علي آذرشب، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب×، الطبعة الأُولى، 1421هـ.  

8.-         أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى البلاذري (ت 279هـ)، حقّقه وعلّق عليه: الشيخ محمّد باقر المحمودي، دار التعارف للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1397هـ ـ 1977م.

9.-         الإنسان المهدور، د. مصطفى حجازي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ـ المغرب، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 2005م. 

10.-   البداية والنهاية، إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت774هـ)، تحقيق وتدقيق وتعليق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1408هـ ـ 1988م.

11.-   تاريخ اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر المعروف باليعقوبي (ت284هـ)، مؤسّسة نشر فرهنك أهل بيت، قم ـ إيران، دار صادر، بيروت ـ
لبنان.

12.-   تاريخ مدينة دمشق، علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي المعروف بابن عساكر (ت 571هـ)، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ
لبنان، 1415هـ
ـ 1995م.

13.-   تحف العقول عن آل الرسول‘ (ت القرن الرابع)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، قم ـ إيران، الطبعة الثانية، 1404هـ ـ 1363ش.

14.-   تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، محمّد بن عبد الرحمن المباركفوري (ت1282هـ)، دار الكتب العلميّة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1400هـ ـ
1990
م. 

15.-   تفكيك الاستبداد، د. محمّد العبد الكريم، الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 2014م.

16.-   قراءة تاريخيّة في مفهوم الاستبداد وتفسيره وآليّات تكريسه، محمّد هلال الخليفي، من كتاب الاستبداد في نظم الحكم العربيّة المعاصرة ـ الفصل السابع، تحرير: علي خليفة الكواري، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 2005م.

17.-   الدولة التسلّطيّة في المشرق العربي المعاصر، الدكتور خلدون حسن النقيب، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1996م.

18.-   ديوان شوقي، أحمد شوقي، دار صادر، بيروت ـ لبنان.  

19.-   السياسات، أرسطوطاليس، ترجمة وتعليق: الأب أوغسطينس بربارة البولسي، اللجنة الدولية لترجمة الروائع الإنسانيّة، بيروت ـ لبنان، 1957م. 

20.-   الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربيّة)، إسماعيل بن حمّاد الجوهري (ت393هـ)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايّين، بيروت ـ لبنان، الطبعة الرابعة، 1407هـ ـ 1987م.

21.-   الضبط الاجتماعي... دراسة سوسيولوجيّة تحليليّة، الدكتور حسام الدين محمود فيّاض، الناشر: مكتبة نحو علم اجتماع تنويري، الطبعة الأُولى، 2018م. 

22.-   طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، عبد الرحمن الكواكبي (ت1902م)، تقديم: مجدي سعيد، دار الكتاب المصري، القاهرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت ـ لبنان، 2011م.

23.-   العقل السياسي العربي... محدّداته وتجلّياته، الدكتور محمّد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الرابعة، 2000م.

24.-   عمدة القاري، محمود بن أحمد بن موسى العيني الحنفي (ت855هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان.

25.-   عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال (الإمام الحسين×)، عبد الله البحراني (ت 1130هـ)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي#، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1407هـ ـ 1365ش.

26.-   فتح الباري (شرح صحيح البخاري)، الإمام الحافظ شهاب الدين أحمد بن محمّد ابن حجر العسقلاني (ت852هـ)، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت ـ
لبنان، الطبعة الثانية.

27.-   الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي (ت 926هـ)، تحقيق: علي شيري، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1411هـ ـ 1991م.

28.-   الكافي، محمّد بن يعقوب الكليني (ت 328هـ أو 329هـ)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفّاري، دار الكتب الإسلاميّة، طهران ـ إيران، الطبعة الثالثة، 1367ش.

29.-   كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175هـ)، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي، الدكتور إبراهيم السامرائي، مؤسّسة دار الهجرة، الطبعة الثانية، 1410هـ.

30.-   كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، العلّامة علي المتّقي بن حسام الدين الهندي (ت975هـ)، ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني، تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، مؤسّسة الرسالة، بيروت ـ لبنان، 1409هـ ـ 1989م.

31.-   كيف تفقد الشعوب المناعة ضدّ الاستبداد، مجموعة باحثين، رياض الريّس للكتب والنشر، الطبعة الثانية، 2002م.

32.-   لسان العرب، محمّد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري (ت711هـ)، نشر أدب الحوزة، قم ـ إيران، 1405هـ.

33.-   مفاتيح الجنان، عبّاس القمّي (ت 1359هـ)، تعريب: محمّد رضا النوري النجفي، منشورات العزيزي، الطبعة الثالثة، 1385ش ـ 2006م.

34.-   مقتل الحسين، الموفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي (ت 568هـ)، تحقيق: محمّد السماوي، تصحيح ونشر: أنوار الهدى، الطبعة الأُولى، 1418هـ.

35.-   من الفساد إلى الاستبداد (من وحي سورة الشعراء)، د. إبراهيم صقر الزعيم، مؤسّسة يسطرون للطباعة والنشر والتوزيع، الجيزة، الطبعة الأُولى.

36.-   مناقب آل أبي طالب، محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (ت 588هـ)، تحقيق: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، مطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف ـ العراق، 1376هـ ـ 1956م.

37.-   مناقب الإمام أمير المؤمنين×، محمّد بن سليمان الكوفي (ت حوالي 300هـ)، تحقيق: الشيخ محمّد باقر المحمودي، مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة، قم المقدّسة ـ
إيران، الطبعة الأُولى، 1412هـ.

38.-   منهاج الصالحين، السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت1413هـ)، نشر: مدينة العلم لآية الله العظمى السيّد الخوئي، الطبعة الثامنة والعشرون، 1410هـ.

39.-   منهاج الصالحين، السيّد علي السيستاني، مكتب آية الله العظمى السيّد السيستاني، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1414هـ.

40.-   منهاج الصالحين، السيّد محمّد الروحاني (ت1418هـ)، مكتبة الألفين، الكويت، الطبعة الثانية، 1414هـ ـ 1994م.

41.-   الميزان في تفسير القرآن، محمّد حسين الطباطبائي (ت1402هـ)، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1390هـ.

42.-   النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين المبارك بن محمّد الشيباني الجزري ابن الأثير (ت606هـ)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمّد الطناحي، مؤسّسة إسماعيليّان للطباعة والنشر والتوزيع، قم ـ إيران، الطبعة الرابعة، 1364ش.

43.-   نهج البلاغة، (كلام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×)، تحقيق: صبحي صالح، الطبعة الأُولى، 1387هـ ـ 1967م.

44.-   نهج البلاغة، (كلام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×)، شرح: محمّد عبده، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، دار الذخائر، قم ـ إيران، 1412هـ ـ 1370ش.

المجلّات

1.-    دگرديسى معناى دال استبداد وبر آمدن گفتمانِ (استبداد إيرانى) (تحوّل مفهوم الاستبداد في سياق خطاب الاستبداد الإيراني)، محمّد حسين پناهى، آرش حيدرى، فصلنامه أنجمن إيرانى مطالعات فرهنگرى وارتباطات، السنة12، العدد44، خريف 1395ش.

2.-    طلب الثأر... ثقافة الانتظار، الشيخ حميد الوائلي، صحيفة الإمام المهدي×، مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي×، النجف ـ العراق، العدد44، محرّم الحرام 1434هـ.

3.-    نحن نكتب وهم لا يقرأون، إبراهيم الزبيدي، صحيفة العرب، لندن، السنة 44، العدد 12254، 2021م.

 



[1] اُنظر: الزبيدي، إبراهيم، نحن نكتب وهم لا يقرأون (مقال)، صحيفة العرب، العدد 12254: ص8.

 

[2][2] اُنظر: برهان زريق، الاستبداد السياسي: ص5.

 

[3] الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين: ج8، ص14.

 

[4] ابن الأثير، مجد الدين، النهاية في غريب الحديث: ج1، ص105.

 

[5] ابن منظور، محمّد بن مكرم، لسان العرب: ج3، ص81.

 

[6] اُنظر: مصطفى حجازي، الإنسان المهدور: ص76.

 

[7] الكواكبي، عبد الرحمن، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد: ص11.

 

[8] اُنظر: پناهى، محمّد حسين، حيدرى، آرش، دگرديسى معناى دال استبداد وبرآمدن گفتمان (استبداد إيرانى) (مقال): ص76.

 

[9] اُنظر: الخليفي، محمّد هلال، قراءة تاريخيّة في مفهوم الاستبداد وتفسيره وآليّات تكريسه: ص284.

 

[10] النقيب، خلدون حسن، الدولة التسلطيّة في المشرق العربي المعاصر: ص21.

 

[11] اُنظر: الخليفي، محمّد هلال، قراءة تاريخيّة في مفهوم الاستبداد وتفسيره وآليّات تكريسه: ص284ـ 285.

 

[12] اُنظر: پناهى، محمّد حسين، حيدرى، آرش،  دگرديسى معناى دال استبداد وبرآمدن گفتمان (استبداد إيرانى) (مقال)، فهو تكفّل الحديث عن تطوّر مفهوم الاستبداد قديماً وحديثاً.

 

[13] إنّ أوّل مَن ميّز بين الطغيان وبين النوع الآخر من الحكم الفردي وإن لم يُطلق عليه لفظة استبداد،  هو أرسطو طاليس؛ حيث جعل الطغيان حالةً مرضيّةً تمتاز بها الحكومات التي تسلّطت على رقاب الشعب اليوناني، بينما الاستبداد الذي ينقاد فيه الرعيّة بلا استياء إلى حكّامهم، فهو يرى بأنّه حالة طبيعيّة تمتاز بها شعوب أُوروبا. اُنظر: أرسطوطاليس، السياسيات: ص160.

 

[14] اُنظر: الخليفي، محمّد هلال، قراءة تاريخيّة في مفهوم الاستبداد وتفسيره وآليّات تكريسه: ص285.

 

[15] اُنظر: المصدر السابق.

 

[16] اُنظر: المصدر السابق: ص286.

 

[17] اُنظر: مجموعة باحثين، كيف تفقد الشعوب المناعة ضدّ الاستبداد: ص16. 

 

[18] المصدر السابق: ص169ـ 170.

 

[19] هود: الآية 59.

 

[20] الأعراف: الآية 127.

 

[21] مجموعة باحثين، كيف تفقد الشعوب المناعة ضدّ الاستبداد: ص18.  

 

[22] الزخرف: الآية 51.

 

[23] اُنظر: مجموعة باحثين، كيف تفقد الشعوب المناعة ضدّ الاستبداد: ص23. بتصرّف 

 

[24] سبأ: الآيتان 34ـ 35.

 

[25] اُنظر: مجموعة باحثين، كيف تفقد الشعوب المناعة ضدّ الاستبداد: ص25. بتصرّف 

 

[26] إبراهيم: الآية 21.

 

[27] غافر: الآية 47.

 

[28] شوقي، أحمد، ديوان شوقي: ج1، ص240. 

 

[29] اُنظر: مجموعة باحثين، كيف تفقد الشعوب المناعة ضدّ الاستبداد: ص181. الزعيم، إبراهيم، من الفساد إلى الاستبداد (من وحي سورة الشعراء): ص111. الخزرجي، فاتن عبد الجبار ناجي، الاستبداد قراءة نفسيّة: ص21ـ 22.   

 

[30] الزخرف: الآية 54.

 

[31] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج18، ص111. 

 

[32] الأعراف: الآية 157.

 

[33] مكارم الشيرازي، ناصر (وآخرون)، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج5، ص245. 

 

[34] الديلمي، حسن بن محمّد، إرشاد القلوب إلى الصواب: ج1، ص189.

 

[35] النازعات: الآية 24.

 

[36] غافر: الآية 29.

 

[37] اُنظر: الخزرجي، د. فاتن عبد الجبّار، الاستبداد قراءة نفسيّة: ص32 ـ 33. د. محمّد العبد الكريم، تفكيك الاستبداد: ص58 ـ 73. 

 

[38] اُنظر: الجابري، الدكتور محمّد عابد، العقل السياسي العربي: ص57 وما بعدها.

 

[39] الدينوري، ابن قتيبة، الإمامة والسياسة: ج1، ص35.

 

[40] الحنبلي، ابن رجب، الاستخراج لأحكام الخراج: ص39.

 

[41] اُنظر: المصدر السابق.

 

[42] اُنظر: اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي: ج2، ص170.

 

[43] اُنظر: الجابري، الدكتور محمّد عابد، العقل السياسي العربي: ص183. 

 

[44] استفدنا هذه الإحصائيّات من كتاب: الجابري، الدكتور محمّد عابد، العقل السياسي العربي: ص184ـ 186. 

 

[45] أي: ما آمر به ولا أُقاربه، مبالغة في الابتعاد عن العمل بما يقولون. محمّد عبده، شرح نهج البلاغة: ج2، ص7.

 

[46] أي: مدى الدهر.  المصدر السابق.

 

[47] أي: صديق. المصدر السابق.

 

[48] نهج البلاغة، تحقيق صبحي صالح: ص183.

 

[49] الكوفي، محمّد بن سليمان، مناقب الإمام أمير المؤمنين×: ج2، ص51.

 

[50] الدينوري، ابن قتيبة، عيون الأخبار: ج1، ص63.

 

[51] العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري: ج13، ص182.

 

[52] اُنظر: المصدر السابق. العيني، محمود بن أحمد بن موسى، عمدة القاري: ج24، ص281. المباركفوري، محمّد بن عبد الرحمن، تحفة الأحوذي: ج6، ص391. 

 

[53] الهندي، علي المتّقي بن حسام الدين، كنز العمّال: ج6، ص120.

 

[54] اُنظر: النهاية ج3، ص253. نقلا عن: الهندي، علي المتّقي بن حسام الدين، كنز العمّال: ج3، ص120.

 

[55] اُنظر: الدمشقي، إسماعيل بن كثير، البداية والنهاية: ج6، ص28.

 

[56] اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: 3، ص42. ابن شهر آشوب المازندراني، محمّد بن
علي، مناقب آل أبي طالب^: ج3، ص195. الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح: ج4، ص291.

 

[57] اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج3، ص42. ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ج1، ص385. ابن عساكر، علي بن حسن، تاريخ مدينة دمشق: ج13، ص261. الدينوري، ابن قتيبة، الإمامة والسياسة: ج1، ص140.

 

[58] البحراني، عبد الله، العوالم (الإمام الحسين×): ص175.

 

[59] إبراهيم: الآية 21.

 

[60] غافر: الآية 47.

 

[61] النساء: الآية 97.

 

[62] القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان: ص682.

 

[63] المصدر السابق: ص644.

 

[64] المصدر السابق: ص666ـ 667.

 

[65] اُنظر: الكواكبي، عبد الرحمن، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد: ص184.

 

[66] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج8، ص34.

 

[67] القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان: ص628. كما أنّ هذا المقطع: «يالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَكُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً»، ورد ـ مع اختلاف يسير ـ في زيارات متعدّدة واردة في المصدر السابق، منها: زيارة وارث: ص633، وزيارة الأوّل من رجب: ص647، وزيارة عرفة: ص663.

 

[68] المصدر السابق: ص683. وقد ورد ما يقرب كثيراً من هذا النصّ في زيارة أبي الفضل× بعد زيارة وارث، المصدر السابق: ص639.

 

[69] المصدر السابق: ص645.

 

[70] الأنبياء: الآيتان 68ـ 69.

 

[71] البقرة: الآية 49.

 

[72] اُنظر: الوائلي، الشيخ حميد، طلب الثأر.. ثقافة الانتظار، صحيفة الإمام المهدي×: العدد44.

 

[73] القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان: ص623.

 

[74] المصدر السابق: ص627.

 

[75] ففي كتاب (مفاتيح الجنان) ورد هذا المقطع في زيارة وارث: ص630. وفي زيارة الأوّل من رجب: ص644. وكذا في زيارته× في عيدي الفطر والأضحى: ص652. وفي زيارته× يوم عرفة: ص660. وفي زيارته× يوم عاشوراء: ص664.

 

[76] المصدر السابق: ص660.

 

[77] الذحل: هو الثأر. اُنظر: الجوهري، إسماعيل بن حمّاد، الصحاح: ج4، ص1701، (ذحل).

 

[78] المقطع من دعاء الندبة.القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان: ص766.

 

[79] الدكتور حسام الدين محمود فياض، الضبط الاجتماعي.. دراسة سوسيولوجيّة تحليلية: ص4.

 

[80] آل عمران: الآية 104.

 

[81] آل عمران: الآية 110.

 

[82] اُنظر: السيّد الخوئي، أبو القاسم، منهاج الصالحين: ج1، ص351. السيّد الروحاني، محمّد، منهاج الصالحين: ج1، ص374. السيّد السيستاني، علي، منهاج الصالحين: ج1، ص416.

 

[83] الهندي، علي المتّقي بن حسام الدين، كنز العمّال: ج3، ص64.

 

[84] هذا المقطع هو جزء من قوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) التوبة: الآية 71.

 

[85] الحرّاني، ابن شعبة، تحف العقول: ص237.

 

[86] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص56.

 

[87] فقد ذُكرت لهذه الفريضة مراتب ثلاث: 1ـ مرتبة القلب. 2ـ مرتبة اللسان. 3ـ مرتبة اليد. اُنظر: السيّد الخوئي، أبو القاسم، منهاج الصالحين: ج1، ص351. السيّد الروحاني، محمّد، منهاج الصالحين: ج1، ص374. السيّد السيستاني، علي، منهاج الصالحين: ج1، ص416.

 

[88] البحراني، عبد الله، العوالم (الإمام الحسين×): ص179.

 

[89] القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان: ص625. في زيارة أبي عبد الله× الثانية وفي المصدر نفسه في الزيارة الثالثة: ص626. وفي الزيارة الخامسة: ص627. وفي الزيارة السادسة: ص628. وفي زيارة السابعة (زيارة وارث): ص630. وغيرها من الزيارات.

 

[90] المصدر السابق: ص640.

 

[91] المصدر السابق: ص645.

 

[92] الخوارزمي، الموفّق بن أحمد المكّي، مقتل الحسين×: ص270.